وداد عبد الزهرة فاخر
الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 16:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعداد هيئة تحرير جريدة السيمر الاخبارية
وداد عبد الزهرة فاخر*
رسل جمال*
من أمير "النصرة" إلى طامح للشرعية: الجولاني في دهاليز السياسة العربية :
في مشهد يختصر مفارقات الشرق الأوسط وتقلّباته الحادّة، ووفق معادلات دولية تتحكم بكل دول المنطقة الخاضعة للنفوذ الخارجي ، اعيدت برمجة ارهابي مطلوب دوليا ومحو كل تاريخه السابق ، هو " ابو محمد الجولاني " ، ورسم صورة اخرى بعيدة كل البعد عن صورتة الارهابية الحقيقية وفق إعادة تأهيل وبرمجه جديدة من أجل تسويقه على شعوب المنطقة العربية رغم غموض اصله واسمه الحقيقي مع ان كل الدلائل تشير الى حالة غموض مرتبطة بالوضع بالمنطقة ومحاولة تخريب دولها وتقسيمها وفق الخطة الصهيوامريكية من قبل اطراف عربية معينة كانت سببا بتدمير سوريا وتقسيمها، وبالاخير قامت نفس القوى التابعة للتحالف الصهيوامريكي بتزويق وتجميل صورة ارهابي غارق بدماء العراقيين والمنطقة وحشره كزعيم بحكم الأمر الواقع في شمال غرب سوريا اولا ، ومن ثم وبعد سقوط نظام الأسد جرى تنصيبه بموجب تلكم التوافقات وبانتخاب من المجاميع الارهابية ،تم تنصيبه " رئيسا " لسوريا ، وتلقفت جموع حكام العرب "الرئيس الارهابي" الجديد، بترحيب بالغ تحول الى توسلات من قبل من يدعون العروبة والاسلام إلى حضوره قمماً سياسية عربية، بل ومطالبته بضمانات أمنية لحضوره. هذا التحول ليس مجرّد حدث سياسي، بل ظاهرة مركّبة تكشف عن هشاشة الدول العربية وعدم تماسك تحالفاتها المبنية على مصالح آنيه ، وتشابك تلكم المصالح.
لذلك يجب إعادة تعريف الخصوم والحلفاء في زمن الواقعية السياسية ، والغش السياسي ، وتضخيم شخوص ودول لا قيمة جفرافية او سياسية لها بالمنطقة والعالم.
إعادة تصنيع ارهابي وفق المواصفات الصهيوامريكية لـ " رجل دولة ":
ما قام به الجولاني، الذي ارتبط اسمه طويلاً بتنظيم القاعدة، بوصفه قاد "جبهة النصرة" كذراع للتنظيم في سوريا، وقبل أن يُعلن في عام 2016 فك الارتباط ويغيّر اسم التنظيم إلى "جبهة فتح الشام"، ثم لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام"، ثم جرى تحويل "هيئة تحرير الشام" من فصيل مصنّف إرهابياً إلى سلطة أمر واقع تدير شؤون محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب واللاذقية، من خلال "حكومة الإنقاذ" التابعة لها. هذا الواقع، وإن لم يُعترف به دولياً، فرض كثير من الجهات الفاعلة في الملف السوري، لا سيما تركيا، التي نسجت علاقات مع الهيئة دون أن تعلنها صراحة في الاعلام ، لكنها كانت البداية للحدث الاخير اثر مسرحية سقوط الاسد ..
وهذه الخطوات لم تكن مجرد تغييرات شكلية، بل محاولات منهجية لإعادة التموضع في المشهد السوري، عبر تسويق صورة الاعتدال" و"البراغماتية" الكاذبة والتلاعب بالالفاظ ، كما اشرنا لها في المقال السابق ، وقبوله ضمن ما يسمى بـ المجتمع العربي" ، الذي يقاد غالبيتة من المشغل الحقيقي لـ " قادة " هذه الدول ، خاصة دول " الباربي " المصنعة بريطانيا على ساحل الخليج بعد الحرب العالمية الثانية ."
وما حدث من عملية ممسرحة جرى صياغتها بعواصم الغرب وواشنطن واسرائيل لهو دليل كاف على الشخصية الغامضة لمن تسمى بـ " أحمد الشرع " ، وتخفى خلف هذا الاسم ، حتى يتم يوما ما الكشف عن اصله ومنبته الحقيقي.
وحتى ذلك الوقت سيظل الممثل الذي يبدو انه لا يجيد التمثيل وفق المسرحية المعدة له سلفا ، يلعب بعقول المغفلين ، والعملاء والتافهين ممن لا يعرف معنى التآمر العالمي ، الذي يسوق للمنطقة ، " قادة" من منابت غربية متعددة ومن اجل الاستحواذ على خيراتها ، واموالها ، وغسل عقول شبابها من الجيل الصاعد ...
الواقعية السياسية: عندما يصبح "العدو السابق" شريكاً محتملاً :
بقدر ما كان من تنظيم خطة زج مثل شخصية مجهولة الاسم والنسب من قبل الاطراف المشغلة استجابة لضرورات سياسية كالجولاني فانهم لم يدركوا للآن ان التغييرات العلمية والسياسية والمجتمعية لمجتمعات المنطقة ما عادت تستوعب اليوم الاستمرار بزج هذه الشخصية الكاريكاتورية الوهمية التي كانت ولليوم من خلال تواجدها وسط ارهابيو الايغور والتركمان والافغان ، والاتراك والعرب المستنذلة ان تبقى مطلة على شعوب المنطقة في ظل عباءة القاعدة الإرهابية ، ولكن باسم " شرعي" جديد . لذلك واجهت هذه الشخصية الغريبة العزلة حتى بعد ابقاف الملاحقة القانونية ، من قبل اطراف متعددة تقف على راسها قائدة الامبريالية بالعالم امريكا ، ومصافحة رئيسها الارهابي الذي جرى تحسين صورته وتلميعها بدون اي جدوى في السعودية ، وخلق انفتاح على العمل السياسي عل ذلك يوفر له بقاء طويل الأمد، وربما شرعية مؤقتة بالسلطة وبالتالي في المنطقة الملتهبة الاجواء ..
والمفارقة هنا أن دولاً كانت تصنّف الجولاني إرهابياً باتت تتعامل معه كرقم صعب في المشهد والمعادلة السورية. بالخصوص بل إن تقارير غير مؤكدة تحدثت عن وساطات تركية وخليجية لبحث إمكان مشاركته – ولو بشكل غير مباشر – في لقاءات عربية تبحث مستقبل سوريا ، ومشاركتة بالقمة العربية المزمع انعقادها ببغداد ، لكنه وخوفا من الغضبة الشعبية العراقية ، وتصاعد وتيرتها والدرس البليغ الذي تلقاه من الحشد الشعبي ايام تحرير مدن عراقية محتلة من قبل داعش الارهابي ، قرر عدم المجيء لبغداد رغم الحاح من صفق وهلل للقمة الفاشلة اصلا حتى قبل انعقادها عليه بالمجيء والمشاركة بموجب الاوامر الصادرة من مشغليهم بواشنطن والعاصم الاخرى تل ابيب ..
حضور القمة العربية: رمزية تتجاوز السياسة :
وعندما يُطرح اسم قائد الارهاب بالعالم الجولاني كمشارك محتمل في قمة عربية – أو حتى كمراقب غير رسمي – فإن ذلك لا يمثل فقط انتصاراً شخصياً له، بل يعكس تغيّراً أعمق في بنية النظام العربي. إنها لحظة يعاد فيها تعريف مفاهيم "الشرعية"، و"السيادة"، و"الإرهاب"، وفق موازين جديدة تُهيمن عليها البراغماتية لا المبادئ ، لكن وفق مفهوم الغاية تبرر الوسيلة !
والأكثر مفارقة أن الرجل الذي كان في وقتٍ ما مطلوباً دولياً، اصبح اليوم يطلب "ضمانات أمنية" لحضوره للقمة ببغداد، في ما يشبه عملية "تبييض سياسي" مكتملة الأركان، تمهيداً لاعتراف إقليمي به كـ"رجل دولة"، لا كـقائد ميليشيا ارهابية عالمية .."
وان طرح اسم الجولاني – ولو من خلف الستار – في دوائر قريبة من صناع القرار العربي، كممثل لـ"سلطة أمر واقع"، يعكس تغيراً في أولويات المنطقة من مكافحة الإرهاب إلى تقليم النفوذ الإيراني، ومن ملاحقة المتطرفين إلى "إعادة تدويرهم"، والمفارقة أن الرجل الذي كان قبل أعوام هدفاً لضربات أميركية وروسية، طالب بـ"ضمانات أمنية" لحضوره قمة عربية، في اعلان أمام الملأ عن عملية إعادة تأهيل سياسي تدريجية لشخصية الارهابي القديم والجديد..
تساؤلات أخلاقية بعيدة عن السياسة:
وهذا التحوّل يطرح أسئلة صعبة على القوى الإقليمية والدولية: فهل يعني الانفتاح على الجولاني قبولاً بنموذج "الحكم الارهابي المخفف"؟ وهل يمكن فعلاً الوثوق بفصائل خرجت من عباءة القاعدة الارهابية؟ وهل الهدف من هذا الانحياز والتبييض هو من اجل تحجيم النفوذ الإيراني والروسي في الشمال السوري، ولو عبر تحالفات غير مريحة أخلاقياً؟
من " منظور القانون الدولي "، الجولاني لا يزال تحت العقوبات الأممية، وتصنيفه كـ"إرهابي" قائم. وأي اعتراف رسمي به – سواء عبر مشاركة مباشرة أو غير مباشرة – يتطلب خرقاً صريحاً لقواعد مجلس الأمن، أو على الأقل تأويلاً مرناً للغاية لهذه القواعد، كما أن التعامل معه، دون إزالة اسمه من لوائح العقوبات، يُعرّض الدول المشاركة لمخاطر قانونية، أقلّها سياسية وأخلاقيّة، وأكثرها خرقاً لإلتزاماتها الدولية.
لكن القانون الدولي – كما أظهرت تجارب عديدة – ليس دوماً صارماً. بل غالباً ما يُعلّق في حالات "المصلحة العليا" أو "الضرورات السياسية"، خاصة في مناطق الصراعات، حيث تُقدّم الواقعية على النص القانوني على شماعة اصلاح الآخر الذي هو الارهابي نفسه ، او التحجج بالوحدة " العربية " او " الاسلامية" بالنسبة لمنطقتنا .
لذا فالأكيد أن مسيرة الجولاني من جبل الزاوية إلى مشهد القمم العربية، مروراً بمقابلاته المتلفزة بلباس غربي وتصريحات "معتدلة" بموجب السيناريوهات التي تعد من اجل اعادة تأهيله ، تختصر مسيرة الشرق الأوسط المعاصر والتي تتلخص بانه لا يوجد أعداء دائمين، ولا مبادئ راسخة، بل مصالح متغيرة وقواعد لعبة يُعاد رسمها باستمرار ..
لابد لكل حدث من نهاية :
يقال في المثل " إنما العبرة بالنهاية" ، وكما اسدل الستار من قبل بالعام 1965 وعلقت جثة الجاسوس الاسرائيلي كوهين بساحة المرجة وسط دمشق الشام ، سيكون لكل حادث حديث مهما طال الزمن وتلون المشغلون والداعمون والمنحرفون ، والعملاء المعروفون ..وستعود دمشق الشام لاهلها وليس كما يفكر صناع الوهم السياسي " دمشق الاموية" فقد انتهى عصر الامويين بسقوط دولتهم باقل من قرن من الزمان ..
وقد خطب بسوق عكاظ قبل الاسلام خطيب العرب وشاعرها ، قس بن ساعدة الايادي، فقال :
«أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت.. مطر ونبات وأرزاق وأقوات وآباء وأمهات وأحياء وأموات جمع وأشتات، لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاْج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ومهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تَمور، وبحار لا تغور، وَنُجُومٌ تَزْهَر، وَبِحَارٌ تَزْخَر.. إِنَّ فِى السَّمَاءِ لَخَبَراً، وإِنَّ فِى الأرضِ لَعِبَراً، مَا بَاْلُ النَّاسِ يَذْهبُونَ وَلاَ يَرْجِعُون؟!، أرَضُوا فَأَقَامُوا، أمْ تُرِكُوا فَنَامُوا؟، تباً لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية. يا معشر إياد.. يا مَعْشَرَ إيَاد: أيْنَ الآبَاءُ والأجْدَادُ؟، وأيْنَ الفَرَاعِنَةُ الشِّدَادُ؟، أَلَمْ يَكُوْنُوا أكْثَرَ مِنْكُم مَالاً وأطولَ آجالاً؟، طَحَنَهُم الدهْرُ بِكَلْكَلِهِ، ومزَّقَهم بتطاوُلِه.. يقسم (قس) بالله قَسَماً لا إثم فيه إن لله ديناً هو أرضَى لكم وأفضل من دينكم الذى أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً»........
بغداد / فيينا 15 . 05 . 2025
*رئيس تحرير جريدة السيمر الاخبارية
*سكرتير التحرير
www.saymar.org
#وداد_عبد_الزهرة_فاخر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟