وداد عبد الزهرة فاخر
الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 17:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اعداد هيئة تحرير جريدة السيمر الاخبارية
وداد عبد الزهرة فاخر*
رسل جمال*
الخروج من الشرنقة :
اشرنا سابقا الى البدايات الاولى لظهور الشخصية الارهابية الغامضة لليوم " ابو محمد الجولاني" . ففي العام 2016، وبعد سنوات من ارتباط جبهة النصرة بتنظيم القاعدة، أعلن أبو محمد الجولاني عن "فك الارتباط" مع التنظيم الأم وتأسيس كيان جديد يُدعى "جبهة فتح الشام" يبدو ان هذا القرار لم يكن وليد لحظة، بل جاء بعد سلسلة من الضغوط المحلية والإقليمية والدولية، التي رأت في العلاقة مع القاعدة عائقًا أمام دمج النصرة في المشهد السوري المعارض.
كذلك أن خطوة الجولاني لم تكن مجرد مناورات إعلامية، بل بداية لتحول استراتيجي كما يخطط له من يقف خلفه من قوى صهيونية وسعودية وتركية وخليجية ، وخاصة دويلة قطر .
وقاد الجولاني عملية اندماج واسعة لعدة فصائل إرهابية تحت مسمى "هيئة تحرير فتح الشام " والتي تحولت إلى الكيان المهيمن على محافظة إدلب وشمال غرب سورية ، ومارست فسادا وسرقات لخيرات سوريا لا مثيل له ، وجرت اعتقالات حتى داخل التنظيم الارهابي ، وتصفيات جسدية عديدة .
وأثار هذا التحول انقسامات داخلية، حيث رأى بعض قادة التنظيم الارهابي ومقاتلوه في هذا المسار خيانة للمبادئ" الجهادية "، بينما اعتبره الجولاني محاولة عقلانية للحفاظ على مكتسبات ما يسميه بـ " الثورة "وتجنب التصنيف كتنظيم إرهابي، وذلك بعدة عمليات تصفيات لمعارضية من قادة التنظيمات الارهابية ..ووفق ما توجهه جماعات اخذت على عاتقها تنظيم حملة علاقات عامة لتبييض صفحته امام مناوئيه .
كما شهدت الهيئة عمليات اعتقال واسعة لعناصر اتهمتهم بالخيانة أو التعاون مع دول أخرى ، اضافة لعمليات تصفيات لقادة ارهاب من التنظيمات الارهابية التي ارتفع صوتها ضد اجراءاته او وقفت علانية ضد توجهاته، اتخذت معظمها شكل حوادث "عابرة" .
واضافة للدور التركي ، كون تركيا كانت تلعب دورًا مهمًا في دفع هيئة تحرير الشام نحو تبني بعض السياسات المحلية والبراغماتية. بعد محادثات أستانا، كان هناك ضغط متزايد على الهيئة لقبول الواقع الإقليمي والسياسي واتباع نهج أكثر توافقًا مع مصالح تركيا، وهو ما يظهر في سعي الهيئة إلى تقديم نفسها كقوة محلية لا تسعى للتوسع الخارجي أو ارتكاب أعمال إرهابية ضد الغرب.
صورة منمقة لثوري مشوه :
وكان هذا التحول البراغماتي قد مكن الهيئة من التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية، وهو الذي اسهم في تطور الهيئة السياسي الشكلي الذي رسم لها من قبل مراكز القرار المحلي والدولي ..
ورغم أن الولايات المتحدة وروسيا واصلتا اعتبار "هيئة تحرير الشام" تنظيماً إرهابياً، إلا أن الجولاني مضى قدمًا في بناء مشروعه، ووجد الجولاني نفسه كرئيس سوري داخل الكعبة في صورة تعبر عن مباركة اللاعب الخليجي في المنطقة الداعم والمؤيد لهذا التحول في سوريا ، واللاعب التركي الذي قاد عملية التآمر على السلطة الشرعية السورية ، وبتوجيهات دولية معروفة مسبقا .
لذلك لم تكن الوفود التي حضرت لسوريا اي كانت مسمياتها غربية او " عربية" ، اتت جزافا بعد عملية اسقاط النظام المرتبة دوليا ، وانما وفق مخطط رسم للمرحلة ، ومن اجل ترسيخ بناء متهاوي لحكومة يجمع رجالها الارهاب ويشكل عمودها الفقري الفاعل ، وتعكس محاولة لإعادة تموضعه كـ " رجل دولة " كما خطط لذلك مشغلوه.
وهو الذي يرى انصاره أنه “واقعي”، ويقول خصومه إنه “انتهازي”. وقد صرّح في العام 2015 إنه لا ينوي شنّ هجمات ضد الغرب، كما يفعل "تنظيم الدولة الإسلامي" ، أو كما فعلت القاعدة. وأوضح عندما انفصل عن تنظيم القاعدة، إنه فعل ذلك “لإزالة ذرائع المجتمع الدولي” لمهاجمة تنظيمه..
لذلك قدم في الأعوام الأخيرة، نفسه كقائد يسعى إلى حكم محلي مستقر، بدلًا من " مشروع جهادي عالمي" اما ظهوره الإعلامي باللباس المدني، ولقاءاته مع الصحفيين الغربيين، وتصريحاته كلها فكانت تؤكد عدم استهداف الغرب، ويطمح إلى نيل شرعية دولية غير معلنة، ودعم خليجي لا مثيل له.
هل انتصر الجناح العربي الغارق بالرجعية والعمالة؟
لذلك لم يكتفِ بالتحول النظري، بل أجرى تغييرات في البنية التنظيمية، وقلّص من نفوذ المتشددين، وفتح قنوات تواصل مع القوى الإقليمية، وخاصة الدولة الراعية تركيا. كما سعى لتقديم نفسه كقائد قادر على إدارة مناطق مدنية، فأنشأ حكومة مدنية "حكومة الإنقاذ" لتدير الشؤون اليومية لسكان إدلب كتحضير للحكومة الحالية القائمة بسوريا الان والتي تتشكل من تنظيمه الخاص .
وعلى المستوى الأمني، أنشأت الهيئة جهاز "الأمن العام"، وهو بمثابة استخبارات داخلية فرضت قبضة قوية على إدلب. وبينما تنفي الهيئة أي صلات حالية بالإرهاب، توجه لها منظمات حقوقية اتهامات بالاعتقال التعسفي، والتصفية السياسية للخصوم، وقمع الحريات، كما ان الجولاني حاول تقديم نفسه كـ"حائط صد" أمام تمدد النظام السوري والمقاومة الاسلامية الشيعية ، التي يطلق هو وعملاء امريكا والصهاينة عليها اسم " ميليشيات ايرانية"، بل وحتى تنظيم داعش نفسه في محاولة منه للخروج من عباءة الإرهاب وكان الامر تهمة وليس واقع.
محليًا، تواجه "هيئة تحرير الشام" تذمرًا شعبيًا متزايدًا نتيجة الظروف الاقتصادية، وقمع الحريات، وانفراد الجولاني بالقرار، ما يثير تساؤلات حول مدى صلابة مشروعه السياسي على المدى الطويل بسوريا وما حدث بمناطق الاكثرية العلوية والدرزية من قمع ومذابح لهو شاهد على ان الفكر الارهابي المتأصل بشخصيته المبرمجه من مشغليه ، وغموض شخصيتة والشك باصله كسوري، وكونه وبكل المقاييس صنيعة صهيونية مبرمجه كسابقة كوهين ، يدفع الجميع لعملية الرفض له ولتنظيماته الارهابية ، وخاصة من الارهابيين الاجانب من العرب ومن غير العرب .
ويسعى الجولاني بكل ما اوتي من قوة لشرعنة حكمه الحالي، ربما على أمل القبول التدريجي به من القوى الإقليمية والدولية، خاصة تركيا التي تملك وجودًا عسكريًا مباشرًا في شمال سوريا، وتنسق مع الهيئة رغم تصنيفها رسميًا كـ"منظمة إرهابية"."
وتحول الجولاني من قائد ارهابي ميداني إلى " رئيس دولة " باختيار كافة التنظيمات الارهابية ، وليس بدعم او انتخاب ، او استفتاء شعبي سوري، في محاولة لممارسة الحكم يعكس واقعية سياسية فرضها الواقع السوري المركب، إنه نموذج نادر لشخصية خرجت من عباءة القاعدة، لكنها لم تدخل تمامًا في شرعية النظام الدولي. وبين الرغبة في البقاء ، ووفق رغبات اقليمية ومحلية ، وضمن الخط الرجعي العربي الغارق في دعم الارهاب والتبعية الصهيوامريكية.
ومهما فعل الجولاني ويفعل مع تزويق دائم من داعميه " العرب خاصة " سيبقى شخصية جدلية؛ فهو لا يزال يحمل إرثًا ارهابيا مسجل بالصوت والصورة لا يمكن محوه ابدا ، لكنه بات أقرب إلى زعيم شعبوي محلي يسعى إلى تثبيت سلطته بوسائل سياسية وتنظيمية خادعة، مبتعدًا تدريجًا عن لغة التنظيمات العابرة للحدود ، لخداع الاخرين بحسن نواياه وطويته.
قصة الجولاني تقدم نموذجًا نادرًا لتحول "جهادي عالمي" إلى "فاعل محلي"، يحاول لعب دور رجل الدولة وسط تعقيدات الصراع السوري. لكن هذا التحول يظل محفوفًا بالعقبات؛ فهو يتحرك في فضاء ضبابي بين الشرعية والرفض، وبين الحكم الفعلي والانفصال عن النظام الدولي لكن يبقى السؤال هل هو فعلاً تحول أيديولوجي أم مجرد براغماتية؟ ربما يكون الزمن كفيل بالإجابة؟.
هل العراق الوجهة الثانية بعد سوريا؟
وهو سؤال معقد ومخيف ، خاصة بظل وجود شخوص عراقية متماهية جدا مع المحتل ، وتمارس هواية السياسة ببلد تعرض ويتعرض لليوم لصدمات امنية واقتصادية ، ويحتاج لرجال دولة حقيقيين ، يركزون كل جهودهم حول عملية اعادة الاعمار ومحاسبة لصوص المال العام والغاء فترينات " الديمقراطية المزيفة " مثل موقع رئاسة الجمهورية ،الذي يستنزف مالية خزينة الدولة ، و" مجلس نواب" صوري مشلول ومعطل، وهو كذلك جانب من جوانب الاستنزاف المالي للخزينة ، وتعطيل للتحولات الديمقراطية الشعبية..
والغاء دستور امريكا ، وسن دستور عراقي جديد يرسخ وحدة التراب العراقي ، ويرفض تجزئته ، ويبني وطنا حقيقيا ، وتتم محاسبة كل متجاوز او لص او خائن كائن من يكون...
وللموضوع تتمة....
بغداد / فيينا 08 . 05 . 2025
*رئيس تحرير جريدة السيمر الاخبارية
*سكرتير التحرير
www.saymar.org
#وداد_عبد_الزهرة_فاخر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟