نبيل السهلي
كاتب وباحث فلسطيني
(Nabeel Sahli)
الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 04:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نبيل محمود السهلي
الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية بهذه العبارة الشهيرة لبن غوريون اول رئيس وزراء اسرائيلي، اختزلت العصابة اسرائيل وأصحاب القرار فيها منذ عام 1948 وحتى اللحظة ، أي بعد مرور 77 عاماً على إنشائها من قبل الغرب الاستعماري،وقبل ذلك العصابات الصهيونية الهاغانا والارغون والايتسل، اختصرت أهم المنطلقات الاستراتيجية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية واسرائيل، وتنفيذ برامجها التوسعية في فلسطين والمنطقة العربية، فكانت المجازر المنظمة من قبل العصابات الصهيونية والجيش الاسرائيلي فيما بعد ضد أهل القرى والمدن الفلسطينية من أبرز العناوين للتوجهات الصهيونية والاسرائيلية، ولاسيما لجهة حمل اكبر عدد ممكن من الفلسطينيين للرحيل عن ارضهم واحلال اليهود مكانهم.
الارهاب المنظم
تثبت العصابة المنفلتة اسرائيل يوما بعد يوم انها قوة الارهاب المنظم في العالم دون منازع مدعومة مالياً وسياسياً وعسكرياً من نظم الغرب الاستعماري، وقد انكشفت صورتها الحقيقية أمام العالم من خلال عمليات الابادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني على مدار الساعة منذ تشرين اول / اوكتوبر 2023في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس العاصمة الابدية لفلسطينوكذلك الداخل المحتل والتي ذهب ضحيتها 60 الف شهيد و90 الف جريح والاف المغيبيين ، وصورة الشهداء والجرحى من الذاكرة الانسانية خلال الانتفاضة الاولى التي سقط خلالها اكثر من الفي شهيد نصفهم من قطاع غزة ولم تتوقف آلة الموت الاسرائيلية المصنعة امريكياً عند هذا الحد، فخلال انتفاضة الاقصى التي انطلقت من باحاته المشرفة في أيلول من عام 2000 قتل الجيش الاسرائيلي اكثر من خمسة آلاف فلسطيني؛ بينهم مئات من الاطفال، كما تم جرح أربعين الفاً من الفلسطينيين .
المجزرة في الفكر الصهيوني
ماهي حقيقة المجزرة في الفكر الصهيوني وماهي اهدافها، وماهي المجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين على مدار أكثر 77 سنة خلت؛ اسئلة سنحاول الاجابةعليها في سياق عرضنا المبسط.؟
فبينما كان عرب فلسطين غير مستعدين للحرب على الاطلاق وغير مسلحين في الغالب، وفي وضع دفاعي،شنت العصابات الصهيونية: الهاغانا والارغون وشتيرن، ضربات هجومية منسقة ضد المدنيين العرب في المدن الرئيسة الثلاث، حيفا ، والقدس، ويافا، وكذلك في الريف الفلسطيني ونفذت المجازر المنظمة وتدمير المنازل، لحمل العرب على الرحيل وفي ليلة (15) تموز 1947، دخلت قوة للهاغانا بستان الحمضيات الذي يملكه رشيد أبو لبن ـ وهو يقع بين يافا ومستوطنة بتاح تكفا الصهيونية ـ وكانت عائلة من سبعة أشخاص نائمة داخل منزلها وتسعة عمال آخرين نائمين خارجه:
ووضعت القوة المهاجمة عبوات ناسفة، وأطلقت النار، فقتلت احد عشر عربياً بينهم امرأة وبناتها اللواتي كانت إحداهن تبلغ من العمر سبع سنوات، والثانية ثماني سنوات، والابن ثلاثة أعوام وفي 29 أيلول 1947 هاجمت الهاغانا ايضاً، سوق حيفا فدمرت متجر أحمد دياب الجلني بعبوات ناسفة، وفي(12) كانون الاول 1947، دخلت قوة من الارغون ترتدي بزات عسكرية بريطانية الى قرية الطيرة من قضاء حيفا في الساحل الفلسطيني، وقتلت(12) عربياً وجرحت ستة آخرين وبعد يوم من هذه المجزرة ألقت عصابة الارغون قنابل على تجمعات عربية عند باب العمود في مدينة القدس، فقتلت اربعة من المدنيين العرب كما جرح خمسة عشر عربياً آخر، وفي اليوم نفسه هاجمت تلك العصابة الصهيونية مقهى عربياً في مدينة يافا، في شارع الملك جورج، واستشهد ابان ذلك ستة من العرب، وتبعاً لمعطيات احصائية ، استشهد في يوم 13 كانون الاول في كل المدن الفلسطينية من جراء المجازر الصهيونية المنظمة(21) مدنياً عربياً، وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى والمدن والخرب والمضارب الفلسطينية المختلفة لكن المجزرة الاكبر كانت في(30) من كانون الاول/ 1947، حين رمت جماعة من الارغون في الساعة العاشرة والدقيقة العشرين صباحاً، صفيحتي حليب تحويان قنابل على مجموعة من نحو(100) عامل فلسطيني، كانوا واقفين امام مصفاة النفط في حيفا لتسجيل اسمائهم للعمل، وقد قتل في الهجوم ستة من العرب وجرح(46) آخرون كان بينهم (25) في حالة الخطر، وفي الاشتباكات داخل المصفاة قتل العرب دفاعاً عن النفس(41) يهودياً، كما استشهد ستة من العرب وجرح (48) يهودياً، و(42) عربياً ويذكر أن العصابات الصهيونية ارتكبت اثناء فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين 12 مجزرة في حين ارتكبت 44 مجزرة بعدها ضد الفلسطينيين العزل من السلاح. وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها وتدمير المنازل، والضغط على الفلسطينيين في كل القرى والمدن الفلسطينية لاسيما خلال الفترة من كانون الثاني 1948 وحتى أيار من العام نفسه، وكان الهجوم والطوق يتم من ثلاث جهات، في حين تترك الجهة الرابعة كمنفذ وحيد لهروب الفلسطينيين الناجين من المجازر الصهيونية، والحديث عنها في القرى القريبة، حتى يدب الرعب في قلوب أهل القرى الفلسطينية الاخرى.
قتل الشاهد الدولي
توجت المجازر الصهيونية والاسرائيلية فيما بعد،بقتل الوسيط الدولي« الكونت برنادوت» في القدس في 18/9/ 1948، على يد العصابات الصهيونية ومن بينهم رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحاق شامير، وذلك لأن الوسيط الدولي حمل في تقريره الذي رفعه الى الجمعية العامة للامم المتحدة بتاريخ 16/9/1948 اسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين، وأكد أن أي تسوية لا يمكن ان تنجح دون عودتهم الى ديارهم وبناء على تقريره، صوتت الجمعية العامة على القرار (194) بتاريخ 11/12/1948.
وبشكل عام فإن المجازر الصهيونية والاسرائيلية فيما بعد أدت الى التهجير القسري لنحو (850) ألف عربي فلسطيني كانوا يشكلون 61 في المئة من مجموع سكان فلسطين العرب خلال الاعوام (1948 ـ 1949) فقد كان سبب تهجير 25% من سكان نحو (532) قرية وخربة عربية الطرد المباشر والمجازر بوساطة عمليات البطش والمجازر على يد العصابات الصهيونيةمثل: الهاغانا والشتيرن وغيرهما، في حين هُجر 55% من سكان تلك القرى، التي دمر منها (400) قرية، هُجر أمام هجوم عسكري على القرية، كما هُجر 10% من سكان القرى العرب تحت وطأة هجوم قادم متوجه الى القرية، أي ان الهجرة العربية تحت الضغط العسكري اليهودي شملت 90%، من المهجرين العرب، في حين هُجر تحت وطأة الحرب النفسية والايحاء للأهالي بهجوم قادم نحو 10%، ويتوضح من خلال ما تقدم ان الهجمات العسكرية والمجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين في العديد من القرى والخرب الفلسطينية (دير ياسين، قبية، أم الفحم، بلد الشيخ والقائمة تطول ؛ إنما هي عملية عسكرية منظمة استهدفت الطرد الجماعي للفلسطينيين، وليست المجازر عمليات فردية بل انها مقدمات تخدم التوجهات الصهيونية لافراغ الأرض من سكانها العرب وهو الهدف الاساسي، لكل المخططات الصهيونية في فلسطين. لكن رغم ذلك استطاع الشعب الفلسطيني واسقط فكرة التهجير فما يزا ل نحو 49 في المائة من اجمالي الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية من 15 مليون ونصف المليون فلسطيني هو تعداد الشعب الفلسطيني الان في اواسط ايار من عام 2025.
ادوات التقتيل الصهيوني
في سياق مجازرها المنظمة ايضا، ارتكبت السلطات الاسرائيلية مجزرة كبيرة في ساحة المسجد الأقصى في عام 1990، ذهب ضحيتها ثلاثة عشر فلسطينيا، كما ارتكب مستوطن صهيوني مدفوع من الاحزاب الاسرائيلية، مجزرة في الحرم الابراهيمي، ذهب ضحيتها في عام 1993 نحو 60 فلسطينيا من المدنيين العزل، ولم تكن المجازر الاسرائيلية محصورة في فلسطين، بل تعدت ذلك الى المناطق العربية الأخرى، وكان من أهم فصولها قصف الطيران الاسرائيلي لمنطقة قانا في لبنان التي استشهد ابانها نحو (100) من النساء والشيوخ والاطفال اللبنانيين، وذلك في مقر لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب اللبناني، وقد حصل ذلك على مسمع ومشاهدة من عيون العاملين في ا لقوات الدولية في صيف 1996، فضلا عن ذلك ارتكب الموساد الاسرائيلي مجارز عدة داخل فلسطين وخارجها، ناهيك عن الاغتيالات المنظمة للعديد من سفراء فلسطين ومثقفيها في الخارج، ولم تنته فصول الاغتيالات والمجازر الصهيونية الاسرائيلية، فخلال الفترة (1948 ـ 2025) استخدمت الدولة الصهيونية المجازر كأدوات اساسية للحفاظ على البقاء، خاصة ان مشكلة الامن الاسرائيلي كانت ولا تزال الشغل الشاغل لاصحاب القرار في اسرائيل، التي اقيمت قبل أكثر من ستة عقود خلت في ظروف دولية واقليمية استثنائية، ولن تكون المجازر الاسرائيلية التي ترتكب في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس وكئلك الداخل المحتل منذ بداية تشرين اول / اوكتوبر من العام 2023 نهاية خطة معينة بل هي حلقة في سلسلة سياسات ثابتة في العقيدة الصهوينية لدفع الفلسطينيين خارج ارضهم وتحقيق اهداف ديموغرافية، واستراتيجية في المقدمة منها فرض الاملاءات الاسرائيلية على الفلسطينيين للتخلي عن ثوابتهم الوطنية. لكن كل ذلك سيسقط بوعي وكفاح الشعب الفلسطيني رغم درب الالام الطويل الذي سار خلاله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
#نبيل_السهلي (هاشتاغ)
Nabeel_Sahli#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟