محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8336 - 2025 / 5 / 8 - 02:51
المحور:
القضية الفلسطينية
في مخيم شاتيلا، حيث لا تزال الذاكرة تنزف من جراح النكبات والنكسة، يتذكّر الناس كل صباح أن الألم الفلسطيني لا يعترف بالحدود، وأن الوجع واحد... من شاتيلا إلى رفح، من صبرا إلى خان يونس. هناك، في الزوايا الضيّقة للمخيم، تتنفس القلوب على إيقاع الحصار، لكن الروح تبقى قوية، وفية، وممتدة نحو الأحبة في غزة.
ليست المياه مجرد حاجة بيولوجية... بل في غزّة اليوم، أصبحت الحياة نفسها.
ومن غير أبناء الشتات يعرف معنى العطش؟ ومن غير أهل مخيم شاتيلا يدرك معنى أن يُولد الإنسان محروماً من أبسط الحقوق، ثم يهبّ ما عنده لأجل غيره؟
حملة "سقيا الماء" لم تكن مجرد مساعدة، بل كانت نداء وفاء. من مخيم شاتيلا، الذي اعتاد أن يعيش على الكفاف، خرجت القلوب قبل الأيادي، لتصل إلى أطفالنا في رفح، أولئك الذين يلهثون خلف جرعة ماء نظيفة وسط ركام المنازل وصمت العالم.
بفضل الله وكرمه، ومن خلال دعمٍ من أكاديمية بيليه في مخيم شاتيلا، وعملٍ صادق من "نادي الترابين" في رفح، وحملة "آل جرار الكريمة"، تمكّنا من إيصال الماء.
نعم، الماء فقط... لكن كم من الحياة تحمله قطرة؟ وكم من الكرامة يرويها كوب صغير في خيمة مهدّمة؟
أكاديمية بيليه، التي قد يظنها البعض مجرد مساحة لتدريب الصغار على كرة القدم، أبت إلّا أن تكون جزءاً من هذا النبض الفلسطيني المشترك، حيث لا ينفصل الرياضي عن المناضل، ولا ينعزل الطفل عن قضيته.
فكان للكابتن طارق معروف، والكابتن مجدي مجذوب، ولكل من تبرّع من قلبه قبل جيبه، دورٌ في هذه القصة التي كُتبت بالدمع والدعاء.
نعم، نحن لا نملك الكثير... لكننا نملك الوفاء.
ونسأل الله العلي القدير أن يتقبل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله صدقةً عن أرواح موتانا، وبلسماً لجراح أحيائنا، ورسالة أملٍ من مخيم شاتيلا الصامد إلى غزة الجريحة:
أنتم لستم وحدكم... نحن معكم، وإن شحّ الماء وضاق الزمان.
وفي مخيم شاتيلا، حيث تعبث الرياح بجدران متآكلة، وحيث ما زال اللاجئ ينام على حلم العودة، لم ينسَ الناس أن لهم أهلاً في غزة... يشبهونهم في الوجع، ويشاطرونهم في الصبر.
من بين الأزقة الضيقة والمنازل المتعبة، خرجت تبرّعات خجولة، لكنها دافئة، كأنها قُطعت من قلوبهم، لا من أموالهم.
لأن الوفاء في مخيم شاتيلا ليس شعاراً... بل إرثٌ يُورَّث من جيل إلى جيل.
لأهلنا في غزة نقول:
إن لم نستطع أن نرفع عنكم الحصار، نخفف عنكم جزءاً من العطش.
وإن لم نستطع أن نُطفئ نيران الحرب، نسكب عليكم دعاءً صادقاً مع كل قطرة ماء.
من الكابتن مجدي مجذوب في مخيم شاتيلا، نهدي إليكم ما تبقّى من نبضنا... لا نملك سوى الوفاء، فنقدّمه خالصاً، كما لو كان آخر ما نملك.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟