أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حين تُصبحُ النّكبةُ في غزّة خبراً بلا ذاكرة














المزيد.....

حين تُصبحُ النّكبةُ في غزّة خبراً بلا ذاكرة


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 16:16
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم يعُد اللاجئ الفلسطيني في الإعلام العربي سوى مشهدٍ مألوف: خيمة، وطفلٌ يبكي، وركام. غابت الحكاية، وتاهت الأسئلة الكبرى في زحمة الصور والعناوين المستهلكة. كيف تحوّلت نكبتنا إلى خبرٍ موسمي؟ وكيف أصبح اللاجئ غريباً حتى عن قضيته؟



في هذا النص، محاولة لفهم الخلل في التغطية، واستعادة المعنى من بين أنقاض اللغة.



كأنَّ اللاجئ الفلسطيني لم يكن يوماً إنساناً.

هكذا تُصوّره بعض الصحف، بعض الفضائيات، بعض المقالات التي تُكرِّر الخطاب ذاته: أرقام، موجات، معاناة موسمية تعود إلى الواجهة في ذكرى النكبة أو حين تنفجر أزمة هنا أو هناك. بينما هو، في الحقيقة، يسير بين الركام، يحمل الوطن في عينيه، ويبحث عن وطنٍ لا يستقبله.



في الصحافة الفلسطينية والعربية، لاجئ اليوم ليس هو ذاته الذي شُرِّد عام 1948. لقد تغيّرت الصورة، لا لأن الواقع تغيّر، بل لأن الكاميرا اختارت زاويةً أكثر بُروداً، وأكثر خضوعاً.



اللاجئ بات "قضيةً إنسانية" فقط، لا قضيةً وطنية. تسربت الحكاية من النصوص إلى التقارير، من الأغنية إلى الشريط الإخباري العابر، ثم إلى هامش الهامش في نشرات الأخبار.



وفي غزّة، حيث تَسكن المأساة وتفيض، يعيش اللاجئ الفلسطيني في سيناريو متكرّر: بيتٌ يُهدم، وخيمةٌ تُنصب، وطفلٌ يُدفن، وصورةٌ تُلتقط. ثم تُنشر تحت عنوانٍ جاهز: "غزّة تُعاني… مجدداً"، لكنّ أحداً لا يسأل: لماذا نُعاني؟ من الذي طردنا؟ ومن الذي ما زال يحاصرنا؟



الصورة الذهنية التي تُنقل للشباب العربي اليوم لا تحمل ذاكرة، بل شفقة عابرة، لا تُحرّك الغضب بل تُخدّره.



اللاجئ الفلسطيني اليوم، في خطاب الإعلام العربي، يبدو غريباً حتى عن قضيته. يُقدَّم أحياناً كرقمٍ في جدول إحصائي عن الفقر، أو كمشهدٍ مأساوي في حملة تبرعات. لم تعُد المخيمات تُذكّرهم بيوم النكبة، بل بيوم الفقر. لم تعُد مفاتيح البيوت رمزاً للعودة، بل دلالةً على الأبواب التي لن تُفتَح أبداً.



في غزّة، لا نُشاهد القضية، بل نعيشها. ننام معها في الخيمة، ونحملها في جنازاتنا. ومع ذلك، يمرّ الصحفي العربي في تغطيته كمن يمرّ أمام مرآةٍ مكسورة: لا يرى الحقيقة كاملة، بل يرى شظاياها، ثم يغادر دون أن ينزف ، لكن وسط هذا الركام الإعلامي، تبرز بعض الأصوات التي ما زالت تُقاوِم. وسائل الإعلام المقاومة – سواء كانت محليّة في غزّة أو منصّاتٍ حرّة عبر الفضاء الرقمي – تُحاول أن تُعيد تعريف اللاجئ، لا كضحيةٍ فقط، بل كصاحب حق، كإنسانٍ يرفض أن يُمحى من الخريطة ومن الذاكرة. هذه الوسائل لا تتحدث عنّا بلسان الغريب، بل تنقل نبضنا من قلب الألم، من المخيم، من الحارة التي احترقت، ومن المئذنة التي سقطت، وبقي صوت المؤذن يصدح في تسجيلٍ قديم.



ومن بين هذه الأصوات، تبرز وسائل كـ"قناة الأقصى" و"الميادين" و"فلسطين اليوم"، التي لا تكتفي بتغطية الحدث، بل تربطه بسياقه التاريخي والسياسي والوطني، فتُذكّر الشباب العربي أن ما يحدث في غزّة ليس مجرّد كارثةٍ إنسانية، بل امتدادٌ لنكبةٍ لم تنتهِ بعد.



هذه القنوات تُواجه الحصار بالصوت، وتُقاوم التعتيم بالبثّ، وتُعيد صياغة الخبر على هيئة مقاومةٍ لا تُهادن.



كما أن المنصات الرقمية، مثل

شبكة " العودة الإخبارية "، وصدى الشتات وصفحات المقاومة الشعبية على "تلغرام" و"إنستغرام"، بدأت تأخذ دوراً محورياً في إعادة سرد الحكاية، بلغةٍ شبابية، وبصورٍ من عمق المواجهة، تكسر الحصار الإعلامي المفروض على غزّة، وتنقل الواقع كما هو: دمٌ، وخبزٌ ناقص، وطفلٌ يُصرّ على رفع العلم تحت القصف.



الإعلام المقاوم لا يُجمّل الصورة، ولا يُتاجر بالبكاء، بل يُواجه بالوضوح. هو الذي يقف في مواجهة رواية الإحتلال، لا ليوازنها فقط، بل ليفضحها. هو من يُعيد ربط الشباب العربي بجذور القضية، ويُصرّ على أن يضع خارطة فلسطين كاملةً في الخلفية، لا نصفها الغربي فقط، ولا بقاياها السياسية.



وفي زمنٍ اختلطت فيه الأخبار بالبروباغندا، بات الإعلام المقاوم أشبه بصرخةٍ في صحراء، لكنها صرخة تعرف طريقها. تُصرّ على أن اللاجئ ليس مشهداً موسمياً، بل هو قلب المعركة، ومفتاح العودة، وخارطة الطريق إلى التحرير. تُصرّ على أن الطفل الذي استُشهد في غزّة، لم يمُت في حادثٍ غامض، بل قُتِل لأنّه فلسطيني، ولأنه ما زال يحلم بالعودة إلى بيتٍ في يافا.



قد لا تملك هذه الوسائل الكثير من الإمكانات، لكنها تملك ما هو أهم: الصدق، والانتماء، والقدرة على أن تُربك العدو وتُحيي فينا شيئاً من الكرامة.



وهي، في وجه هذه العتمة، تحاول أن تكون الضوء الذي لا يُشترى، ولا يُباع.



وهكذا، كما في غزّة، نغرق في الحزن مرتين: مرّة حين نفقد أبناءنا، ومرّة حين نقرأ أخبارنا بعيونٍ لا تُشبهنا.



[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزّة تنزفُ... واليمن آخرُ الأَوفياءِ
- هل يمُوتُ نوح في طُوفانه؟! فلسطين وثباتُ الأَنبياء
- غزّة… الشّجرةُ التي لا تنكسرُ
- من أَعماق القبر... الشهيد نزار بنات يُحاكمُ -رئيس الوزراء ال ...
- من تحت التراب... الشهيد نزار بنات يكتب لمحمد اشتية
- غزَّة... حين يُكتَبُ التَّاريخُ بدم الشُّهداءِ
- من تحت التراب... رسالة الشهيد نزار بنات إلى حسين الشيخ!
- غزَّة وحدها... والأُمَّةُ في صمتِ الغِيابِ
- رئيس -زعَلَطي-… في حضرةِ الدمِ والخذلانِ
- ياسر عرفات(أَبو عمَّار)… آخرُ الرِّجالِ في زمنِ الانكسارِ
- طارق الدوخي… الذي نجا من المجزرة ولم يَنجُ من الغيابِ
- معين عبدالغني الجشي… حين يُصابُ الأَرشيفُ بالصَّمتِ
- خليل الوزير (أبو جهاد)… رَجُلٌ مِن زمنٍ لم يَبلُغ رام الله.
- ياسر عرفات(أبو عمار): حين خانتهُ البنادقُ التي ربّاها
- عبد القادر الحسيني: بطلُ القسطل ورمزُ الفداءِ في تاريخِ فلسط ...
- الذين خذلونا… هُناك، حيث يُدفَنُ الوطنُ في حضرةِ الفسادِ
- خان يونس: زُهورُ الطفولةِ التي احترقت نائمةً
- ذاكرةُ الدم: حينَ يكونُ الصمتُ شريكاً في القتل
- الأَسدُ لا يُفاوِضُ على قُوتهِ
- لا تَنسَ يا أَحمد... فذاكرتُكَ تفضحُهُم


المزيد.....




- الجيش الباكستاني لـCNN: أسقطنا طائرتين تابعتين لسلاح الجو ال ...
- موسكو لكييف: سنرد على أي خرق لهدنة النصر
- -لا يمكن حظر 10 ملايين ناخب-.. ميرتس يعلق على إمكانية حظر حز ...
- مشاهد لانفجارات في إقليم البنجاب بعد إطلاق صواريخ هندية
- ترامب: سمعنا للتو عن ضربات هندية على باكستان وهو أمر مخزٍ
- الخارجية الأمريكية: لا يمكن انتظار تحقيق تقدم في تسوية الأزم ...
- نصائح مفيدة لإطالة العمر
- الصين.. روبوت يخرج عن السيطرة و-يهاجم- مبرمجيه! (فيديو)
- بعد 14 عاما من التوقف.. طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية ال ...
- رئيس الوزراء الباكستاني يدعو مجلس الأمن القومي الباكستاني لل ...


المزيد.....

- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حين تُصبحُ النّكبةُ في غزّة خبراً بلا ذاكرة