أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حماة الوطن














المزيد.....

حماة الوطن


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 02:22
المحور: الادب والفن
    


كان الليل قد أسدل ستاره على مدينة دمشق، المدينة التي تحمل في جدرانها حكايا آلاف السنين، لكنها في هذه اللحظة كانت تعيش أيامًا لم يكتب مثلها التاريخ. جلس العم أبو نادر في زاوية مقهاه الصغير في حيّ شعبي، يرتشف قهوته ويدخّن نرجيلته، بينما يجتمع حوله شباب الحيّ، يتحدثون عن حال البلد الذي صار لغزًا تعجز عن حله العقول.

قال بركات، وهو شاب أنهكته البطالة: "كيف وصلنا إلى هنا يا عمّ؟ كيف انحدرت سوريا إلى هذه الهوة العميقة؟".

أشعل أبو نادر سيجارته وقال بحكمة السنين: "القضية ليست بيت الوحش فقط، يا ولدي. الموضوع أكبر من أفراد أو عائلة واحدة. المشكلة أن الضابط، والقاضي، والأستاذ الجامعي، وكل من كان يُفترض به أن يكون مثالاً في الكرامة والأخلاق، خانوا مبدأهم. لو كان عندهم ذرة من الكرامة لما وصلنا إلى هنا".

نظر إليه الجميع باندهاش، فقال رامي، الذي يعمل في ورشة للحدادة: "كيف ذلك؟ وضّح لنا يا عمّ."

أخذ أبو نادر نفسًا عميقًا وقال: "خذوا الضابط مثلاً. الضابط في الجيش ليس مجرد شخص يرتدي البزة العسكرية ويأمر الجنود. هو رمز للوطن، يجب أن يكون شجاعًا في حماية بلده، لكن ماذا رأينا!؟ أصبح بعضهم يبيع ضميره من أجل المال أو السلطة، يفتح أبواب البلاد للخيانة، أو يطلق النار على أبناء شعبه بدلاً من أن يحميهم."

ثم تابع: "والقاضي، أين دوره؟ القاضي الذي يجب أن يكون ضمير الأمة، كان بإمكانه أن يقف في وجه الظلم ويقول كلمة الحق، لكنه اختار أن يصمت أو أن يبيع قراره لصالح الأقوى. أصبحت العدالة مجرد كلمة تُقال في الخطب، وليست واقعًا نعيشه".

قاطعته ليلى، وهي طالبة جامعية: "وماذا عن الأستاذ الجامعي؟ أليس هو من ينبغي أن يعلّمنا أن نكون أحرار الفكر؟"

ابتسم أبو نادر بحزن وقال: "بالضبط يا ابنتي. الأستاذ الجامعي كان من المفترض أن يكون مشعل نور، لكن حين يرضخ للفساد، ويبيع شهادته، ويتنازل عن دوره التنويري، يتحول إلى أداة أخرى في يد الظالم. التعليم هو الأساس، وإذا فسد الأستاذ، فسد جيل بأكمله".

ساد الصمت للحظات، وكأن كلام أبو نادر كان ثقيلاً على الجميع. ثم قال بركات: "لكن هل يمكن أن يتغير الحال؟ هل يمكن أن تعود الكرامة والأخلاق إلى مكانها؟"

ابتسم أبو نادر وقال: "التغيير يبدأ من كل واحد فينا. لا تنتظروا الضابط أو القاضي أو الأستاذ ليبدأ. إذا حافظ كل شخص على مبادئه وأخلاقه، إذا رفضنا الخضوع للظلم وقلنا كلمة الحق مهما كلفنا الأمر، حينها فقط يمكن أن نعيد بناء وطننا".

انتهت الليلة تلك بنقاش طويل، لكن كلمات أبو نادر ظلت عالقة في أذهان الجميع. لقد فهموا أن سوريا لم تصل إلى ما هي عليه بسبب عائلة واحدة فقط، بل بسبب انهيار أخلاقيات من كان يجب أن يكونوا حماة هذا الوطن. والآن، يبقى السؤال: هل سيكون الجيل القادم قادرًا على كسر هذه الدائرة المفرغة؟



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيفما تكونوا يولى عليكم
- أرض جديدة
- بردى
- ممزّق بين امرأتين
- ماركس وإليانور: بين التنصل والفخر
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 5 والأخيرة.
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ4ـ
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 3
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ2ـ
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ1ـ
- الطيور والنمل
- أطفال للبيع
- المبادرة التصويبية الثورية لمحاربة الجوع السوري
- حكاية الولد الذي بال على قبر العائلة
- الزمن العكسي
- المجداف والجولاني
- أعشاب جولانية لمعالجة البطالة المقنعة
- الرئيس الذي لم ير المسرح
- حكومة الذقون
- أدب بلا أسوار


المزيد.....




- شاهد فنانة إيرانية توظّف الفن لخدمة البيئة والتعايش
- إسرائيل تحتفي بـ-إنجازات- الدفاع الجوي في وجه إيران.. وتقاري ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- المقاطعة، من ردّة الفعل إلى ثقافة التعوّد، سلاحنا الشعبي في ...
- لوحة فنية قابلة للأكل...زائر يتناول -الموزة المليونية- للفنا ...
- إيشيتا تشاكرابورتي: من قيود الطفولة في الهند إلى الريادة الف ...
- فرقة موسيقية بريطانية تؤسس شبكة تضامن للفنانين الداعمين لغزة ...
- رحيل المفكر السوداني جعفر شيخ إدريس الذي بنى جسرًا بين الأصا ...
- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حماة الوطن