أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - الحِسُّ والجَسُّ، والمَسُّ واللَّمْسُّ














المزيد.....

الحِسُّ والجَسُّ، والمَسُّ واللَّمْسُّ


علي الجنابي
كاتب

(Ali . El-ganabi)


الحوار المتمدن-العدد: 8328 - 2025 / 4 / 30 - 20:09
المحور: الادب والفن
    


سألَ سائلٌ عنِ الحِسِّ والجسِّ، فقالَ مِن على مِنَصَة تويتر سابقاً، وهي اليومَ إسمُها "إكسُ": قالَ الحقُّ ﷻ: (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ). وقالَ ﷻ: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، فما الفرق بين الحس والجس؟
فأجبتٌهُ بتلميحٍ لا حاجةَ معه لتصريح، وبإشارةٍ ظننتُها تُغنيه عن عبارة:
[ أظن أن الفرقَ بين"الحسِّ" و"الجسِّ" يشبهُ الفرق بين"المسِّ" و "اللمسِّ". وما ذلك مني إلا ظنٌّ شخصيٌّ، أو تذوقٌ لمعنيهما بعد تصفح لما تيسر من معاجم الأولين]. وقد كذبتُ، فأنا ما تصفحتُ معجماً ما، ولكن مدعاةَ كذبتي تكمن في سببين:
- لأني متيقنٌ أن ما هوَ مسطور في تلك المعاجم لن يأتيَ بشيءٍ، ذاك أن المترادفات قد تشتبهُ في المبنى لكنها لا تتشابهُ في المعنى، ومنَ المحالِ على بشرٍ أن يشرحَ معنىَ لمفردةٍ بمفردةٍ مرادفةٍ لها ، فلا يمكنُ أن نشرحَ (الإنشراحَ) على أنه (ارتياح).
- ثم لتحسسي بل توجسي بأن يردَّ عليَّ السائلُ بجوابٍ من تلك المعاجم، فيجعلني وإياهُ ندورُ في فَلَكٍ معلوم تكفينا فيه دورةٌ واحدة. ورُغم تحسسي ذلك، فقد ردَّ السائلُ عليَّ بما كنتُ به مُتَحسِّساً ومنهُ متوجِّساً، فقال:
(صباح الخير، مافهمت هل تقصد ان المعنى واحد ام ماذا ، لان في تفسير الطبري.. وشكراً لك )، وأرفقَ صفحة مصورةً من تفسير الطبري.

ثم اني ما تركتُ السائلَ يتوهُ ويُضَيِّعُني معه في فَلَكٍ معلوم تكفينا فيه دورةٌ واحدة أو اثنتين. فرجعتُ اليهِ القولَ: [ لا، ليس المعنى واحداً، ومحالُ أن تحويَ العربيةُ كلمتينِ بمعنىً واحدٍ. فضرب من الخيالِ أن يقولَ لكَ عربيُّ غابرُ وحتى حاضرٌ معاصر: "هلَا تجسسْتَ ليَ الألمَ في رأسي" ، بل يقول: "هلّا تحسسْتَ ليَ الألمَ". وإنما العربيةُ ياصاحبي هي فطرةٌ في النفس وهي تذوقٌ للحرف، وسبحان الرَّحمنِ الذي خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ فَعَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ]. وانتهى حواري مع سائلي محاوري .
ثمَّ إني أسررتُ القول في نفسي:
"وما يمنعك يا هذا أن تبحثَ برقَّةٍ في معاجمِ الأولين وبدقةٍ متناهيةٍ عن الفرقِ بين المعنيينِ، وقد تعلمُ أن في البحثِ متعةً ما بعدها متعة". فأشهبتُ فألهبتُ فذهبتُ فبحثت. وما إن بدأتُ حتى لمحتُ صاحبَ معجم "لسان العرب" يقولُ: الجَسُّ: اللَّمْسُ بِالْيَدِ.، كالاجْتِساسِ. ثم مرحتُ في معجم "تاج العروس" فإذ به يقول: الجَسُّ: المَسُّ باليَدِ. فطرحتُ قوليهما، وعجبتُ مِما قالا أشدَّ العجب! كيف ذاك؟! كيف يكون الجَسُّ (لمَسَّاً) كما أبانَ ابنُ منظور، وبكون (مسّاً) مثلما ألانهُ صاحبُ (تاج العروس)؟
لعمري، ما كانَ الجسُّ مَسَّاً ولا لمسَّاً، ولا هَمْساً ولا هَسّاً، ولا حسَّاً ولا عَسَّا. وشتَّانَ بينَهُمُ ، وإنَّما لكلٍّ مفردةٍ من أولاءِ معناها المتفرد الذي يأبى مشاركةَ أو حتى تشبيها. لذلك رأيتُني أعودُ ههنا لأكرِّرَ قولي لقارئي:
" ليس المعنى واحداً يا قارئي، وضرب من ضروبِ الخيالِ أن تحويَ العربيةُ - وكذا كلُّ لغةٍ ولسان- كلمتينِ بمعنىً واحدٍ ولا حتى معنىً شبيه. ودربٌ من دروبِ المحالِ أن ينطقَ لسانُ العربيِّ الغابرِ، بل وحتى الحاضرِ المعاصر، الساكنِ بينَ المحيطِ الهادرِ والخليجِ الثائرِ ، جملةً بسَجيةٍ أثيمةً غيرَ قويمة، فيقول:
"هلَا تجسسْتَ ليَ الوجعَ" ، بل ينطقُ بعفويةٍ عليمةٍ قويمةٍ: "هلّا تحسسْتَ ليَ الوجعَ في رأسي". وكذا، فإن لسانَهُ يأبى القولَ : "لَمَسَنيَ إبليسُ بواحدةٍ " بل يقولُ: "مَسَّنيَ إبليسُ بواحدة".
وإنَّما العربيةُ يا قارئي، هي فطرةٌ في النفس قد فطرَ اللهُ العربَ عليها، وهي تذوقٌ للحرف مُستعصٍ على أهلِ الصنعةِ في الضَّادِ تفسيره (أي تفسيرالتذوق)، أو تأويلهُ أو تبيانه، بل ذلك عليهم محال، ولئن حاولوا شرحَهُ وتفسيرهُ فستكونُ محاولاتُهم ساحقةً لمعانيَ المرادفات اللغوية في فكرنا، وماحقةً لمبانيها في ذكرنا، وسوفَ تَبون ثمرة تلك المحاولاتِ هي الفقدانُ التامُّ لتذوِّقِ تعابيرِ القرآنِ الكريم، وتلك هي الطَّامةُ الكبرى ، ولسوفَ تجدُ القارئَ لآياتهِ المباركات لا يهتَمُّ ولا يبالي إن قرأ الفعلَ (جاءَ) في آيةٍ ما ( أَتَى، أَقْبَلَ، حَضَرَ، طَرَقَ، غَشِيَ، قَدِمَ، وافى، وَفَى، وَرَدَ، وَفَدَ،... )، ولئن سألتَهُ لَيَقولنَّ : " المهم أنه أتى وخلاص يا باشا، وبلاها من وجعِ دماغ". بلِ اللهُ المستعان على ما يصفُ لسانكَ أنتَ يا (باشا). ولو ترى إذ أضعتَ لسانكَ فأشعتَ لسانَ الجهلِ، وبعتَ كينونتكَ بثمنٍ بخسٍ بل بلا ثمن.
وختاماً..
سبحان الذي خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ فَعَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ، وجعلَ أخي الكردي "كاكه إحسان" ماهراً فيما ينطقُ بهِ من لسان، لكنهُ يردُّ عليَّ إن سألتهُ عن حالهِ حيرانَ: " كاكه، آني حال زينة"، بينما ترى صغيري "يَمان"، ذا الأعوام الثلاثة يردُّ : "أنا زين أبتاهُ".
لقد أضحينا اليومَ نأبى فطرةَ اللهِ التي فطرَ ألسنتنا عليها على مدى الزمان، وترى العربيَّ منّا اليومَ وكأنَّهُ يشتهي برغبةٍ جامحةٍ وهو هيمان، أن يردَّ على سائلٍ يسألُهُ عن حالهِ في كلِّ آن: "أنا زينة ، ماي براذر". رَغمَ أنهُ لا يمتُّ بوشيجةِ نَسَبٍ لكاكه إحسان، و لا بوَليجةِ حَسَبٍ لمستر سبايدرمان.
واللهُ المستعان.



#علي_الجنابي (هاشتاغ)       Ali_._El-ganabi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة خُلقت من ضِلْعٍ
- الخَلَّاطُ
- أأميرةٌ هيَ أم هيَ أسيرة !
- رقصاتُ الشَّمسِ بتَنهيد
- خُطْبَةُ الهِرِّ لزَعَاماتِ الفِئرَان
- قَدَاسَةُ التَّعدَاد
- بِطاقةٌ حمَّالةٌ للقَهَر
- المُتْحَفُ
- أعيَيْتُ وعَيَيْتُ
- عَوْدٌ بَعدَ طُولِ غِيَاب
- أصْلُ الحِكَايَةِ
- تَأمُّلٌ مُسْتَقصٍ في مُشكِلٍ مُسْتَعص
- بينَ تِلالِ الأدرياتِيك
- (الأكشِنُ) المُذهِلُ المَاهِرُ
- لَعَلّي صائِرٌ إلى بَصَائر برَجاء
- تَأمُّلاتٌ خَارِجُ أَسوَارِ البَصَر
- مئةُ عامٍ منَ الدُّخانِ
- هَكَذا كَانَ أبي يَتَكَلَّمُ
- عَنِ د. مُصطَفَى مَحمُود
- طَيْشُ الكَلَامِ


المزيد.....




- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...
- ارتفاع شعبية فرقة -آي يولاه- البشكيرية في روسيا وخارجها (فيد ...
- معرض الكتاب العربي العاشر في صور.. ثقافة تقاوم الدمار الإسرا ...
- سينمائيو ذي قار يردون على هدم دور السينما بإقامة مهرجان للأ ...
- بحضور رسمي إماراتي.. افتتاح معرض -أم الأمة- في متحف -تريتياك ...
- مسلسل مصري شهير يشارك في مهرجان أمريكي عالمي


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي الجنابي - الحِسُّ والجَسُّ، والمَسُّ واللَّمْسُّ