علي الجنابي
كاتب
(Ali . El-ganabi)
الحوار المتمدن-العدد: 8190 - 2024 / 12 / 13 - 18:21
المحور:
كتابات ساخرة
أجل، نحنُ أهلُ العراقِ مَن جعلَ الشَّمسَ تهزُّ الوسطَ بتسهيد .
أوَلستَم بمصدقيَّ؟ إذاً فهاؤمُ إقرأوا الحكايةَ بتَنهيد...
في منتصف التسعينياتِ وحيث أسوارُ حصارٍ أميركيٍّ غاشمٍ، وأطوارُ العُمُرِ تُهدَرُ بتبديد، وإذ كنتٌ يومئذٍ أشغِلُ الفكرَ بمطالعاتٍ في الأوراق، وبتأملاتٍ بما في الآفاقِ من تلالٍ وأخاديد، وإذ كنتُ قد إثاقلتُ من حملِ كُتيبٍ لمواقيت الصلاةِ يُثقلُ الجيبَ بتنكيد. ذاك أنهُ كتيبٌ من إثنتي عشرة صفحةٍ، محشوٌّ بأرقامِ أوقاتِها بتحشيد. فقلتُ في سرّي : لأصَيّرنَّ ذا الكتيبَ ورقةً بحجمِ ورقةِ (دولارِ) بتحديد، ولأبَيننَّ في ذي الورقةِ ستةَ مواقيت؛ خمساً للصلاةِ وواحدةً لشروق الشمسِ بتجديد، وكلَّ وقتٍ من أربعةِ أرقامٍ مضروبةً بثلاثينَ يومٍ في إثني عشرَ شهرٍ فتكونُ (٨,٦٤٠ ) رقماً بتجريد. ثمَّ لأُضيفننَّ في الورقةِ تقويماً هجرياً وآخرَ (ميلادياً) يصلحُ لجيمغِ السنينَ بتأبيد. بل ولأزيننَّ الورقةَ بثلاثِ صورٍ: كعبةٍ وروضةٍ وأقصى تباركاً بتمجيد. ثمّ لأشرَحَنَّ لمُستَعمِلِمها سبلَ إستخدامِها في 4 جملٍ بتيسيرٍ رشيد.
وقد فعلتُ، فكان كل أولئكَ في ورقةٍ واحدةٍ بحجمِ ورقةِ (دولارِ) بتحديد، ولقد كانَ كلَّ رقمٍ في الورقةِ جميلاً ومستقلاً بتجسيد. إنَّما ومدعاة الورقةِ أنهُ ما كانَ يومَئذٍ لاموبايلَ ولا نتَّ يختزن العلوم بتنضيد. فكانتِ الورقةُ هديةً لكل مسلمٍ، خفيفٌ حملها، غزيرٌ علمها، وسيكونُ حاملها بها سعيداً بتغريد.
ثمَّ إني عرضتُها على أطيافٍ من بشرٍ شتى بلا تمهيد، وكانوا أصنافاً ما بينِ فتىً بسيطِ الفهمِ وعليمٍ بالعلمِ رشيد، ففرحوا بها وكلٌّ يعلنُ إعجاباً بدعمٍ وتأييد، فما كان إستعمالُها عسيرَ فهمٍ، ولا طلسماً بتعقيد. ثمَّ رآها شيخُ مسجدٍ وكانَ ذا علمٍ جليلٍ سديد، فقال: " إركب معيَ ياصاحُ الى حيث وزارةَ الأوقافِ لنسخِّرَ المطابعَ لها بتحشيد، فما أرى ورقتك إلا عابرةً لحدودنا، ومحلقةً في فضاءِ دمشقَ والقيروان ومغردةً في سماءِ إندنوسيا بترديد". فرددتُ عليهِ:
"مهلاً عليَّ ياشيخ! فقد مهّدتُ لك بحسناتِها تمهيداً بتوسيد، بيد أنّي كتمتُ سوآتٍ فيها سهّدتني بتنكيد. أمَا وإنّ فكرةَ التوقيتِ بُنيَت على متواليةٍ رياضيةٍ صارمةٍ بتشديد، ويَحكمُها شَكلٌ هندسيٌّ بحُكمٍ صارم بتقييد، ولقد أبى هذا الشَّكلُ المواقيتَ المُتغيِّرةَ لوزارتكم كلَّ حينٍ بتجديد، وبانت عوراتُ وزارتكم وكأن الوزارةَ قد ثردَت المواقيتَ في ماعون ثريد. لكنِ الشكلُ تهلّلَ وتذلّلَ لتقويمٍِ "الشيخ عبد الوهاب السامرائي: رئيس تحرير مجلة التربية الإسلامية الشهرية"، ونَهلَ من أرقامهِ بلا تعقيد، وإذ كان الشيخ يُطبعُ المواقيتَ على ظهر أعداد مجلته كلَّ شهرِ ، ثم تراهُ في كلِّ عامٍ لها يُعيد. فردَّنيَ الشيخُ مذهولاً بتكميد:
"قد جئتَ بالحقِّ، وحقيقٌ على ألّا أخفيَ عن امرئٍ مثلك سرّاً ليس عن البوح بعنيد: وإذ كنّتُ ذات صباحٍ عضواً في مؤتمر للوزارةِ ظننتُهُ أليفاً مؤتَلِفاً بتعميد، وإذ كانَ محضرُ المؤتمرِ هو ردمُ الخلافِ في ميقاتِ مدفع الأفطارِ بين السُّنَّةِ والشِّيعةِ إبتغاءَ توحيدِ الأخوة بتوطيد، وإذ كنّا صفينِ متقابلينِ من ثمانيةِ شيوخٍ من عمائم سنيةٍ وشيعيةٍ بحوارٍ فقهيٍّ عتيد،. كلا ، بل كانَ حواراً رعديداً وما كانَ بحوارٍ رشيد، وإذ كنّا فيهِ مأجورينَ مأمورين لأنَّا كنَّا للسلطانِ كالعبيد، وبينما كنَّا نتمارى في تأويلِ آيات المواقيت وكلُّ فريقٍ يُسَمِّدُ طاولةَ المؤتمرِ بما حملَ مِن تسميد، إذ برئيس المؤتمرِ، وكان نائب رئيس الجمهورية ؛"عزت الدوري" يقصمُ ظهرَ الشمسِ لحظةَ غروبِها لشطرينِ، ليَحسمَ جدالَنا فقالَ بتنديد:
على السنيّ أتأخيرَ إفطارِهِ دقائقَ وللخلافِ عليه أن يكيدَ، وعلى الشيعي أنتقديمَ إفطارهِ مثلَ ذلكَ وعنِ الجماعةِ عليه ألّا يَحيد، فتلتقيَ الطائفتان في منتصف الحبلِ بتجريد، ثمَّ إن شمسَ الله لن تكونَ يومَ الوعيد خصيماً وأنا لكم بذا قولٍ زعيمٌ وشهيد. ولمَّا ما أخافَنا تصريحُ "النائبُ" بحماقةِ معهودةٍ عنهُ وعُرِفَ بها بترديد، ضربَ الطاولة بقبضته يتأكيد، معلناً نهاية الحوار بجملة لا ثانيَ لها بتهديد: إنتهوا خيراً لكم، وذروا التفكُّهَ بالتفقهَ والتصعيد، وخذوها منّي واحدةً وعليها لن أزيد: "نحن نريد إسلام كما يريده صدامُ المجيد"، ولنِعمَ الزعيمُ زعيمنا، إنه كان صنديداً، وكانَ ذا فكرٍ حميد.
ثم مرَّتِ أيامُ الأعوام في ذلكَ الحصارِ كأنها من صديد ..
ثمّ أنّيَ إلتقيتُ بعد حولين بالشيخ المستنير بنور الله المرحوم "عبد الوهاب السامرائي" الفريد، وكلٌّ إمرؤٍ منّا يطمعُ في جليسِ نورٍ كي يستزيد. التقيتُ بهِ في مقر مجلّتهِ في حيِّ "المنصور"، وذاك حيٌّ ثريٌّ راقٍ، إتخذَتهُ عرائسُ "بغدادَ" قبلةَ طوافٍ لمواكبِ زفافهنَّ بالزغاريد!
ولكن، لمَ حيُّ "المنصور" حصراً تُهرَعُ اليه العرائسُ بالزغاريد!
لا أدري، ولن أبحثَ عن إجابةٍ لا ناقةَ لي فيهِا ولا رقصاً في الدروبِ وكأنَّ أحدَهمُ شيطانٌ مَريد. كلا، لن أبحثَ ولن أشاءَ عن إجابةٍ لن تُفيد.
ثم إني شَرَحتُ للشيخِ السامرائي حكايتي، وكم فرحتُ بونيسِ مواقيت جريدتهِ وما إنفكَّت صامدةً بتأبيد، وطَرحتُ بئيسَ ما أتت بعدهُ من مواقيتَ مابرحَت خاطئةً، ورقمُها عنِ الحقِّ بعيد، وسَرَحتُ معهُ في تلميحٍ عنِ المؤتمر وكيف تقيسُ العمائمَ الأهلةَ بقياسٍ بليد، بيدَ أني ما تخَلَّيتُ عن السرِّ، وما قلتُ له: "نحن نريد إسلام كما يريده صدام حسين المجيد"، فما كنتُ لأفشِيَ سرّاً إستؤمنتُ عليهِ بلا تحليفٍ أكيد. وإنَّما السرُّ عند حاملٍ أمينٍِ عصيٍّ للبوحِ وعنيد.
ردَّ عليّ الشيخُ بوقارٍ الثَّمانينَ وبهدوءٍ لكنهُ بغصةٍ وتنكيد:
"وماعسانا -ياولدي- فاعلين إلّا النظر بصمتٍ من بعيد ؟".
ومازال وجداني بعطرِ لحيةِ ذلك الشيخُ مستَلِذّاً بِنَفَسٍ عقيد. رحمهُ العزيزُ الرحمن ومَنَّ عليهِ بعفوهِ وأدخلهُ في عيشٍ رضيٍّ رغيد.
وختاماَ...
أفَرأيتُم كيفَ نحنُ أهلُ العراقِ جعلنا الشَّمسَ تتراقصُ بل تهزُّ الوسطَ بتنهيد. وأمَّا حالنا والقمر، فهو تنازعٌ مُغرضٌ مقيتُ مع كلِّ إهلالةٍ لشهرِ رمضانَ المبارك الحميد.
#علي_الجنابي (هاشتاغ)
Ali_._El-ganabi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟