أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الشهبي أحمد - الخوف.. البضاعة التي لا تبور














المزيد.....

الخوف.. البضاعة التي لا تبور


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 01:01
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تخيل أنك تصحو صباحًا على خبر جريمة مروعة، تتبعه صور كاميرا مراقبة، ثم تصريح أمني "يطمئنك" بأن الجاني اعتُقل... قبل أن تفاجأ في المساء بجريمة جديدة، أكثر بشاعة، في حيّ أقرب إلى بيتك هذه المرة. ترفع صوت التلفاز، تغيّر القناة، فتجد نفس الخبر، بلغة أخرى، ونفس الخوف، بلهجة أفصح. تتنهّد وتقول: "الحمد لله على الأمن"، وتنسى أنك قبل أسبوع كنت تطالب بمستشفى، أو طريق لا تبتلع السيارات. دعني اؤكد لك أن هذه ليست مصادفة، بل هي خطة عمل مدروسة .

في أسواق السياسة، هناك بضاعة لا تنتهي صلاحيتها، ولا تحتاج إلى تخزين، ولا تتأثر بارتفاع الأسعار أو تقلبات السوق. إنها الخوف. سلعةٌ رائجة تُعرض على مدار الساعة، ويُروَّج لها في النشرات، وتُوزَّع بالمجّان على المواطنين، مع ضمان فوري بعدم المطالبة بأي حقوق لاحقًا.

فالخائف لا يحتج، لا يرفع صوته، لا يتذمر من الفساد، ولا يتساءل لماذا لا تزال حفرة في الطريق منذ تسع سنوات تحتفل بعيد ميلادها كل شتاء. هو فقط يريد أن ينام ليلته دون أن يسمع صراخاً في الزقاق، أو يرى ظل سكين في مقطع فيديو غامض المصدر.

ولهذا، تتفنن الأنظمة – في مختلف أنحاء العالم، وبدرجات متفاوتة من المهارة – في "صناعة الخوف". المصطلح ليس وليد اللحظة، بل هو عنوان لكتاب مهم للباحث فرانك فرويدي، الذي فصّل كيف أصبحت المجتمعات تُروَّض بواسطة القلق المستمر من "شيء ما". لا يهم ما هو ذلك الشيء: فيروس، لاجئ، إرهابي، شاب عاطل يتجول في الشارع... كلّها مرشّحة للعب دور "العدو" بحسب الحاجة السياسية.

ثم تأتي نعومي كلاين وتسكب المزيد من البنزين على النار في كتابها "عقيدة الصدمة"، حيث تشرح كيف تستغل بعض الأنظمة الكوارث – أو تصنعها – لتفرض إجراءات لم يكن الشعب ليقبل بها في الأحوال العادية. الشعب في حالة صدمة، مرتبك، يبحث عن الأمان بأي ثمن. وهنا بالضبط، يدخل المنقذ (الذي غالبًا ما يكون سبب المشكلة) ليقدم "الحل"، مرفقًا بسلسلة من الإجراءات التي تقضم ما تبقى من الحرية والكرامة.

والأدهى من ذلك، أن الإعلام – أو ما يُفترض أنه إعلام – يتحول إلى شريك في الجريمة. لا حديث إلا عن الجريمة، لا صوت يعلو فوق صوت "الضرب والجرح"، وكأن البلاد تحولت إلى غابة، لا قانون فيها إلا ما يقرره الرعب. والمشاهد، بدوره، يجلس أمام التلفاز ممسكًا بكأس شاي، يقول في سره: "الحمد لله على نعمة الأمن"، ثم يطفئ التلفاز، ويقفل باب منزله بالمفتاح وسلسلة حديدية، ويضع كرسيًا خلف الباب، لأن الخوف لا يكفي أحيانًا.

وهكذا يُنتج الخوف دائرة مغلقة: النظام يترك الفوضى تتنفس قليلاً، الإعلام يضخمها، المواطن يجزع، الدولة تتدخل بقوة، المواطن يشكرها، ثم تعود الأمور إلى بدايتها. وكلما نسي الناس قليلًا، أُطلقت فزاعة جديدة: مجرم، هارب، مجهول الهوية، "عنصر خطير"... المهم أن يبقى المواطن في وضعية "احذر واصمت".

في النهاية، يصبح الخوف هو العقد الاجتماعي الحقيقي. لا دستور، لا قانون، لا مؤسسات. فقط اتفاق ضمني بين الحاكم والمحكوم: دعني أخيفك، ودعك من الأسئلة.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين المساواة والنفقة… تضيع العدالة
- رحلة في الطوبيس: من الكرامة إلى الزحام
- المغرب يقود طريق السلام في الصحراء: رؤية تنموية تكشف زيف شعا ...
- خاتم من ورق وقفطان للذِّكرى… العُرس تأجيلٌ جماعي
- المجتمع الذي يربّي بسكين
- أرض النخبة وقوة القاع: رحلة في تفاوتات المغرب الاجتماعية
- صرخة أرفود: دم الأستاذة على جبين الدولة
- الأسرة التي أصبحت الآلة لتفريخ المجرمين بتفوّق
- الطماطم تحكم… والمواطن ينتخب الصبر
- الكرة في ملعبهم… ونحن في قاعة الانتظار
- الإيمان تحت رحمة الجغرافيا
- كاتب رأي... لا صحافي ولا هم يحزنون
- أعيدوها إلى السجن... حمايةً لما تبقّى من ملامح العدالة
- تازة... حين تتحول الصحافة إلى ميكروفون بلا شهادة
- جيل التسعينات: من الحلم إلى الاختناق؟
- المعلم ... من مربٍ إلى هدف
- الجزائر بين وهم الماضي وواقع المغرب المتقدم: الحقيقة التي لا ...
- طفولة المغرب بين مؤثرات الإعلام وتآكل القيم
- المغاربة… يكذبون الكذبة على الفايسبوك ويؤمنون بها
- الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش


المزيد.....




- إضراب عمال “الشوربجي” لليوم الثاني.. للمطالبة بحقوقهم المالي ...
- فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب بشراكة مع جمعية النخبة ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 602
- كفاح الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد، وملتقاها ال ...
- جريدة النهج الديمقراطي العدد 603
- نجل نتنياهو: إسرائيليون من اليسار ربما يقفون وراء حرائق القد ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو
- تيار البديل الجذري المغربي// اليوم الاممي للعمال 2025، فاتح ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدين بقوة قمع ال ...
- فاتح ماي 2025: لا لإبادة الشعوب، لا للتطبيع، نعم للحياة والك ...


المزيد.....

- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - الشهبي أحمد - الخوف.. البضاعة التي لا تبور