أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش














المزيد.....

الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8300 - 2025 / 4 / 2 - 08:12
المحور: كتابات ساخرة
    


إذا كنت تعتقد أن الفلسفة محصورة في الكتب العتيقة أو قاعات الجامعات، فأنت مخطئ تمامًا في المغرب، لا تحتاج إلى قراءة نيتشه أو سارتر لتعيش تجربة وجودية خالصة، يكفي أن تستقل سيارة أجرة صغيرة، حيث السائق هو فيلسوف العصر الحديث، يعيد تعريف الحياة والموت بينما يتجاوز إشارة المرور الحمراء وكأنها مجرد اقتراح فني لا أكثر.

من اللحظة التي تضع فيها قدمك داخل الطاكسي، تبدأ رحلة استكشافية في ماهية الوجود. أول اختبار لك سيكون محاولة تفسير تلك النظرة التي يلقيها عليك السائق عبر المرآة، نظرة تجمع بين الحياد والشك العميق في قدرتك على دفع التعريفة المناسبة. بعدها، يأتي السؤال الفلسفي الأول: "فين غادي؟"، والذي، رغم بساطته، يحمل دلالات أعمق حول مصيرك وقدرتك على مواجهة المجهول. هنا، تدرك أن اختيارك للكلمات قد يحدد مصيرك، فكلما بدوت واثقًا، كلما قلّت احتمالية أن يجرك السائق في جولة سياحية غير مخطط لها عبر المدينة.

ما إن ينطلق الطاكسي حتى يتحول السائق إلى سقراط جديد، يلقي عليك دروسًا في السياسة والاقتصاد، محاولًا إقناعك بأن كل شيء مدبر من قوى غامضة، تبدأ من الحكومة ولا تنتهي عند الجار الذي ترك كيس القمامة أمام منزله. وبينما هو غارق في تحليل الأزمة الاقتصادية، يفاجئك بمناورة متهورة تتحدى قوانين الفيزياء والمنطق البشري، لكنه يطمئنك بجملة خالدة: "متخافش، متخافش، عندي 30 عام ديال السياقة" – وكأن عدد السنوات على الطريق يمنحه حصانة ضد قوانين المرور والموت المفاجئ.

في عالم سيارات الأجرة المغربية، الإشارة الحمراء ليست أمرًا مُلزِمًا بقدر ما هي تحدٍّ صامت بين السائق والقدر. عندما يتجاوزها بثقة، فهو لا يخالف القانون، بل يختبر مدى قوة إيمانه بمبدأ "المكتوب". وإذا اعترض أحد السائقين الآخرين، تبدأ معركة فلسفية تنتهي عادة بجملة مثل: "سير تقرا القانون عاد هضر" – في إشارة ساخرة إلى أن قوانين المرور هنا تخضع لقواعد الفهم الشخصي والتأويل.

ركوب سيارة أجرة ليس مجرد وسيلة انتقال، بل هو اختبار لتحمل العشوائية والفوضى الجميلة. ستجد نفسك وسط نقاشات حول كل شيء: من أسعار الطماطم إلى نظريات المؤامرة حول اختفاء القطط في بعض الأحياء. وفي بعض الحالات، قد تتحول إلى متهم إذا حاولت التعبير عن رأي مخالف. ستسمع حينها جملًا مثل: "آ سيدي راك باقي صغير وما عارف والو"، وهي طريقة لبقة لإسكات أي محاولة للنقاش المنطقي. ستدرك أن دورك في هذه الرحلة ليس أكثر من مستمع متواضع في محاضرة إجبارية، حيث السائق هو الخطيب الوحيد، والجمهور، إن وُجد، مجرد كائنات صامتة تحاول النجاة بأقل الأضرار النفسية.

مع اقترابك من وجهتك، ستشعر بإحساس غريب، مزيج من الارتياح لأنك نجوت من التجربة، والحزن لأنك ستغادر هذه الحلبة الفلسفية المتنقلة. وعندما تدفع الأجرة وتحاول النزول، قد تسمع تعليقًا أخيرًا من السائق، كخاتمة لمسرحية عبثية: "متنساوش الصرف، راه الزمان صعيب". قد تنجو من الطريق، لكنك لن تنجو من فلسفة الطاكسي، التي ستظل عالقة في ذهنك حتى رحلتك القادمة، حيث ستتكرر نفس الأسئلة، نفس الجدالات، ونفس الإشارات الحمراء التي لا تعني شيئًا على الإطلاق. في النهاية، سيارات الأجرة المغربية ليست مجرد وسيلة نقل، بل تجربة وجودية، مغامرة في فلسفة الشارع، حيث كل رحلة هي درس جديد في الحياة... وربما في البقاء على قيدها.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغربي: بطل الأساطير في مسرح الحياة اليومية.
- صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قا ...
- شوبنهاور والعيد: سعي بلا نهاية نحو السعادة الزائفة
- التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير
- عندما تصبح الصحافة صراعاً شخصياً: هل نعيش عصر -الفرجة الإعلا ...
- صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...
- أصداف الدهور: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة في ...
- الليل لنا: تأملات في الغياب والحضور في رواية محمد مباركي
- السياسي والمؤرخ: صراع الزمن والقلم
- مزهوون بمتلاشيات الآخرين
- أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية ل ...
- التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع
- عبارات ملهمة: قراءة نقدية وتحليلية في أعماق الكلمة والوجود ل ...
- -ياسمين الخريف- لأحمد الشهبي: قراءة نقدية وتحليلية في المتاه ...
- -عبارات ملهمة-: سلطة الكلمة في مجموعة جواد العوالي القصصية
- عبارات ملهمة: تأثير الكلمة على أعماق الوجود الإنساني - قراءة ...
- كيكو: اغتصاب الطفولة في ظلّ ثقافة الإفلات من العقاب – مأساة ...
- تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوب ...


المزيد.....




- الرئيس والفيلسوف.. سياسات ماكرون و-دموع- بول ريكور؟
- نخبة من المخرجين وجزء ثانٍ من فيلم توم كروز.. كل ما تود معرف ...
- الروائي أحمد رفيق عوض يشارك في ندوة حول الرواية الفلسطينية ب ...
- كل الأولاد مستنيين يظبطوه”.. تردد قناة ماجد كيدز للأطفال وأح ...
- بعد عرض أفلام الشهر”.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على الن ...
- سوريا تحضر بثقلها الثقافي في معرض الدوحة للكتاب من خلال -سوق ...
- رحيل مغني -الراب- كافون.. أبرز الوجوه الفنية التونسية بجيل م ...
- السيرة الذاتية مفتاحٌ لا بدّ منه لولوج عالم المبدع
- من قبوه يكتب إليكم رجل الخيال.. المعتقل السياسي لطفي المرايح ...
- شاهد.. أنثى أسد بحر شهيرة تواكب الإيقاع الموسيقي أفضل من الإ ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش