أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - الأسرة التي أصبحت الآلة لتفريخ المجرمين بتفوّق














المزيد.....

الأسرة التي أصبحت الآلة لتفريخ المجرمين بتفوّق


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8312 - 2025 / 4 / 14 - 09:08
المحور: كتابات ساخرة
    


في البدء كانت الأسرة، ثم جاء المجرم. وبين البداية والنهاية، فوضى تربوية مدهونة بزيت العادات، ومشوّاة على نار "الدلال الزائد" أو "العصا لمن عصى". الأسرة، تلك المؤسسة المقدّسة التي يُفترض أن تكون أول حضنٍ للطفل، تحوّلت في بعض الحالات إلى ورشة سرّية لتصنيع المجرمين… وبمعدلات نجاح تفوق المعدلات الوطنية للباكالوريا.

الأب، غالباً ما يكون ذلك الكائن الذي يشتغل ليلًا ونهارًا ليؤمّن لقبه الغالي: "راجل الدار". لا وقت لديه للكلام، ولا طاقة له للاستماع. إذا تحدث، نطق بالحكم الجاهزة: "أنا كنت كنقرا بالشمعة وانتوما عندكم كلشي"، وكأن الشمعة كانت تضيء له طرق الحكمة والحنان، لا مجرد مصباح تعيس فوق رأسه. أما إذا غضب – وهو غضبان على الدوام – فالصوت يرتفع، والحزام ينزل، والدرس التربوي يُلقَى مباشرة على الظهر.

الأم، من جهتها، تُمارس التربية كما ورثتها عن جدتها. تخلط بين الرعاية والتشهير، بين الحب والابتزاز العاطفي:
ـ "انا نقيل نطيب ونشقى، وأنت ما بغيتش تقرا؟"
ـ "كاع صحابتك تزوجو، وانت مازالة بايرة "
ثم تتلو عليك قائمة الأخطاء منذ لحظة ولادتك إلى اليوم، وتحملك مسؤولية كل ما هو خاطئ في الدولة، من ضعف التعليم إلى أزمة السكن.

أما الطفل، ذلك المشروع الصغير الذي نُفترض أن نراعي نموه، فيكبر وسط هذا السيرك العائلي وهو يحاول أن يوازن بين رضا الأب وصراخ الأم وجنون الجدة. يُمنع من الكلام لأنه "ولد صغير"، ويُمنع من السؤال لأنه "كثرت الهضرة"، ويُمنع من اللعب لأنه "قرايتك أولى"، ثم يُمنع من التنفس لأنه ببساطة "مزعج".

وإذا كبر الطفل واكتشف أن الحائط يُنصت له أكثر من أسرته، وأن الشارع أرحم من البيت، خرج باحثًا عن بدائل: أصدقاء يفهمون صمته، أو سكاكين تترجم غضبه. يدخل عالم الإجرام كما يدخل أي مواطن إلى وظيفة عمومية: برغبة في الاستقرار، وضمان تقاعد عاطفي لا يطلب فيه الحب ولا الاعتراف… فقط قليلًا من الاحترام على طريقة العصابات.

ثم، حين يُلقى القبض عليه، تتفاجأ الأسرة.
ـ "ابني؟ مستحيل، كان طيبًا ويصلي معايا الجمعة"
طبعًا، كان طيبًا في صغره… لأنه لم يكن يملك خيارًا. كان يصلي معك لأنه لا يريد مزيدًا من اللوم. وكان يبتسم للضيوف لأنه يعلم أن خلف الابتسامة هناك "نقاش عائلي" ينتظره بعد خروجهم.

الأسرة التي كان يُفترض أن تزرع الوعي، صارت تزرع الكبت. التي كان يُفترض أن تغرس القيم، غرست الخوف. التي كانت تُغني بـ"ولدنا مهندس" انتهت بـ"ولدنا فالحبس".
والنتيجة؟ جيل يتقن كل شيء… إلا الحب.

والأدهى من ذلك، أن هذه الأسرة، وهي تُخرّج المجرمين، ما زالت تصر على أنها "قامت بالواجب". وأن اللوم يقع على المدرسة، والشارع، و"صحاب السوء".
أما هي؟ فضميرها مرتاح… وتنتظر نتائج الدورة المقبلة من الإصلاح، ربما تنجح في تخريج قاتل متفوق مع مرتبة الشرف.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطماطم تحكم… والمواطن ينتخب الصبر
- الكرة في ملعبهم… ونحن في قاعة الانتظار
- الإيمان تحت رحمة الجغرافيا
- كاتب رأي... لا صحافي ولا هم يحزنون
- أعيدوها إلى السجن... حمايةً لما تبقّى من ملامح العدالة
- تازة... حين تتحول الصحافة إلى ميكروفون بلا شهادة
- جيل التسعينات: من الحلم إلى الاختناق؟
- المعلم ... من مربٍ إلى هدف
- الجزائر بين وهم الماضي وواقع المغرب المتقدم: الحقيقة التي لا ...
- طفولة المغرب بين مؤثرات الإعلام وتآكل القيم
- المغاربة… يكذبون الكذبة على الفايسبوك ويؤمنون بها
- الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش
- المغربي: بطل الأساطير في مسرح الحياة اليومية.
- صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قا ...
- شوبنهاور والعيد: سعي بلا نهاية نحو السعادة الزائفة
- التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير
- عندما تصبح الصحافة صراعاً شخصياً: هل نعيش عصر -الفرجة الإعلا ...
- صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...


المزيد.....




- الأسد يطلب من فنانة تقليل التطبيل منعا للمشاكل الزوجية
- -نوفوكايين-.. سطو بنكهة الكوميديا يعيد أمجاد أفلام الأكشن ال ...
- لقاء مع الشاعرة والملحنة اليمنية جمانة جمال
- فضل شاكر .. نقابة الفنانين السوريين تمنح -عضوية الشرف- للفنا ...
- رغم ظروف مالية صعبة - SVT مستعد لإستضافة مسابقة الاغنية الاو ...
- -عباس 36- في عرضين بالأردن.. قصة بيت فلسطيني تروي النكبة وال ...
- معرض مسقط الدولي للكتاب يسلط الضوء على -التنوع الثقافي-
- مصريون يحصدون جوائز محمود كحيل وغزة محور لأعمال فائزة
- أخرجته حفيدته.. -الحاكم العسكري- فيلم عن واقع فلسطين منذ الن ...
- الممثل السوري جمال سليمان يحرج معجبة مصرية: -أبوس أيديك سيبي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - الأسرة التي أصبحت الآلة لتفريخ المجرمين بتفوّق