أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - طفولة المغرب بين مؤثرات الإعلام وتآكل القيم














المزيد.....

طفولة المغرب بين مؤثرات الإعلام وتآكل القيم


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8302 - 2025 / 4 / 4 - 06:29
المحور: قضايا ثقافية
    


في وقت تتخذ فيه الدول الأوروبية خطوات حاسمة لحماية أطفالها من التأثيرات الضارة للعالم الرقمي، عبر قوانين لحماية القاصرين من محتوى الإنترنت المسمم، نجد أنفسنا في المغرب، وبالخصوص في طنجة، نعيش مشهدًا يصدم المنطق. بينما يسعى العالم إلى تشديد الرقابة على ما يتعرض له الأطفال من محتوى إلكتروني، يخرج بيننا من يروج لأغاني تروج للكلمات الخادشة والمشاهد المنحرفة، في قلب الشارع وعلى مرأى من الجميع. ماذا نقول حين يصبح الشارع المغربي بيئة خصبة لزرع أفكار تلوث فطرة الطفل وتغرس فيه مفاهيم بعيدة عن قيمنا وثقافتنا؟ وما فائدة الرقابة التي لم تتسع لتشمل الحياة اليومية، إذا كانت السلطات تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الانحراف؟

ففي خضم التحولات الاجتماعية السريعة التي يشهدها المغرب في السنوات الأخيرة، تظهر ظاهرة مقلقة تهدد نسيج القيم التقليدية وتثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الأجيال القادمة. في الآونة الأخيرة، تفاجأنا جميعًا بمشاهد صادمة لأطفال في بعض أحياء طنجة وهم يرددون أغانٍ تحتوي على كلمات خادشة للحياء. وما يثير القلق ليس فقط أن هذه الكلمات لا تحمل أي قيمة تربوية، بل أن الأطفال الذين يرددونها يجهلون تمامًا مغزاها وآثارها على سلوكهم ونموهم النفسي. هذه الظاهرة، التي يمكن أن يبدو للبعض أنها مجرد لحظات عابرة أو سلوكيات فردية، هي في الواقع تعبير عن أزمة تربوية وثقافية عميقة تؤشر إلى خلل في عملية التنشئة الاجتماعية في المغرب، بل وتهدد بخلق فجوة واسعة بين الجيل الحالي والمجتمع الذي من المفترض أن يكونوا جزءًا منه.

الأطفال، بحكم طبيعتهم، ليسوا من اختاروا محتوى هذا العالم، بل هم ببساطة مرآة تعكس البيئة التي يعيشون فيها. البيئة التي تتعرض فيها الأسرة المغربية لضغوط حياتية متزايدة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها. هذا الأمر يجعلها غير قادرة على متابعة ما يستهلكه أبناؤها من محتوى في الإعلام التقليدي أو على الإنترنت، حيث يشكل هذا المحتوى الذي يعج بالقيم الغربية والسطحية أكبر مصدر للتأثير على الطفل. وفي هذه البيئة المفرغة من الرقابة الأسرية، تصبح وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هي الموجه الأساسي للأطفال، حيث يتحول الأمر من مجرد وسائل ترفيهية إلى قوى مؤثرة تتلاعب بالعقول وتنمّي القيم التي تروجها.

لكن هذا الخلل في الرقابة لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد ليشمل المؤسسات التعليمية التي من المفترض أن تكون الحاضن الأول للقيم الإنسانية والاجتماعية. المدارس في المغرب، وفي العديد من الحالات، أصبحت مجرد مراكز لتلقين المعلومات الأكاديمية بعيدًا عن غرس القيم الأخلاقية والسلوكية. هذا التوجه دفع إلى حدوث انعزال بين الأجيال الجديدة والموروث الثقافي والاجتماعي العريق الذي طالما اعتز به المجتمع المغربي. الأطفال الذين تربوا في هذا الفراغ القيمي قد لا يعرفون الفرق بين مفهوم الاحترام والتقليد الأعمى لما يراه من قدوات إعلامية مشوهة، ما يعزز من اتساع الفجوة بين الأجيال.

ومن هنا تظهر الصورة المقلقة: غياب القدوة الحسنة. اليوم، الطفل عندما يبحث عن نموذج يحتذي به، لا يجد أمامه سوى مشاهير الفن والموسيقى الذين يعرضون حياة مليئة بالسطحية والفوضى الأخلاقية. هؤلاء النجوم، الذين أصبحوا رموزًا للنجاح والشهرة، لا يمثلون إلا جزءًا من مشهد مغلوط يعزز من أنماط سلوك لا تمت بصلة للقيم التي كان المجتمع المغربي يعتز بها، بل تُغذي هذه الظواهر قناعات جديدة لدى الأطفال عن النجاح والشهرة من خلال وسائل الإعلام التي تروج لهذه الصورة.

تبدو هذه الظاهرة وكأنها تجسيد للأزمة الاجتماعية الكبرى التي يعيشها المغرب اليوم، حيث أن المؤسسات التي من المفترض أن تسهم في بناء وتوجيه الأجيال نحو القيم الإنسانية والاجتماعية تجد نفسها غارقة في مشكلات البيروقراطية وتجاهل واقع العصر الرقمي، الذي يحكمه الإنترنت ووسائل الإعلام الحديثة. ونتيجة لذلك، تتزايد ظواهر مثل هذه، حيث لا يتمكن الجيل الجديد من تكوين تصور واضح حول هويته الثقافية ولا عن المعايير الأخلاقية التي من المفترض أن تحكم سلوكه.

لكن المسؤولية لا تقع على عاتق الأطفال وحدهم. هم ضحايا، في النهاية، للبيئة التي نشؤوا فيها. بيئة تفتقر إلى الرقابة، حيث أن وسائل الإعلام و"الترندات" هي التي تحدد ما يستهلكه الأطفال، وتحولهم إلى مجرد مقلدين لصور غير حقيقية عن النجاح والشهرة. في هذا السياق، تظهر أهمية العودة إلى القيم الأسرية والاجتماعية التي كانت تشكل حجر الزاوية في بناء شخصية الطفل المغربي. قد يعتقد البعض أن الأمور بسيطة أو عابرة، لكن الحقيقة أن هذه الظواهر تشكل تهديدًا حقيقيًا للقيم الأساسية التي قامت عليها المجتمعات المغربية عبر التاريخ.

إذا أردنا أن نضمن مستقبلًا مشرقًا لأبنائنا، فإننا بحاجة إلى تغيير جذري في كيفية تعاملنا مع التربية. يجب أن تتحمل الأسر مسؤولياتها كاملة في مراقبة ما يستهلكه أبناؤها من محتوى إعلامي، وأن تعيد العناية بالقيم الأخلاقية والتربوية. في الوقت نفسه، يجب على المؤسسات التعليمية أن تتخلى عن الدور التقليدي في تلقين المعلومات فقط، وتعيد التركيز على تربية الأجيال القادمة على قيم الانضباط والاحترام والمواطنة. أما وسائل الإعلام، فعليها أن تتحمل مسؤوليتها في تقديم محتوى يثري ثقافة الطفل ولا يعزز من السطحية والتفاهة. إن إهمال هذه الجوانب يشكل خطرًا حقيقيًا على مستقبل الأجيال القادمة، لأن ذلك سيخلق مجتمعًا فاقدًا لهويته القيمية والثقافية.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغاربة… يكذبون الكذبة على الفايسبوك ويؤمنون بها
- الطاكسيات في المغرب: تقدر توصل وتقدر ما توصلش
- المغربي: بطل الأساطير في مسرح الحياة اليومية.
- صوتٌ يصدحُ من بين القيود: رؤيةٌ نقديةٌ ل-تحرير المرأة- مع قا ...
- شوبنهاور والعيد: سعي بلا نهاية نحو السعادة الزائفة
- التطرف السياسي والخيانة: عندما يصبح المبدأ عرضة للتغيير
- عندما تصبح الصحافة صراعاً شخصياً: هل نعيش عصر -الفرجة الإعلا ...
- صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...
- أصداف الدهور: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة في ...
- الليل لنا: تأملات في الغياب والحضور في رواية محمد مباركي
- السياسي والمؤرخ: صراع الزمن والقلم
- مزهوون بمتلاشيات الآخرين
- أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية ل ...
- التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع
- عبارات ملهمة: قراءة نقدية وتحليلية في أعماق الكلمة والوجود ل ...
- -ياسمين الخريف- لأحمد الشهبي: قراءة نقدية وتحليلية في المتاه ...
- -عبارات ملهمة-: سلطة الكلمة في مجموعة جواد العوالي القصصية
- عبارات ملهمة: تأثير الكلمة على أعماق الوجود الإنساني - قراءة ...


المزيد.....




- 9 دقائق حالت بينه وبين الترحيل.. شاهد أول ما قاله الناشط الف ...
- سوريا و-الفتنة- والأحداث في جرمانا وأشرفية صحنايا.. المفتي ا ...
- الخارجية الروسية تعلق على اعتماد أرمينيا لقانون حول بدء انضم ...
- إعادة حيوان برمائي نادر إلى موطنه الأصلي يعيد الأمل في إنقاذ ...
- حريق في فندق يودي بحياة 14 شخصًا شرق الهند
- القدس تشتعل: حرائق ضخمة تلتهم مساحات شاسعة وتدفع السلطات لإخ ...
- تعيين الشيخ نائبا لعباس.. إصلاح في السلطة الفلسطينية أم انحن ...
- داء فتاك تسببه الليجيونيلا.. فما هي هذه البكتيريا؟
- وزير خارجية الهند يؤكد ضرورة معاقبة مرتكبي هجوم باهالغام
- هاريس تدين سياسات ترامب -المتهورة-


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - الشهبي أحمد - طفولة المغرب بين مؤثرات الإعلام وتآكل القيم