الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 06:44
المحور:
كتابات ساخرة
في المغرب، لم يعُد الزواج "نصف الدين"، بل صار نصف الجنون، وربما ثلاثة أرباعه، مشروعٌ كان يُفترض أن يُبنى على المحبة والمودة والرحمة، تحوَّل في زمن البطالة والغلا إلى كابوسٍ اقتصادي، ينتهي إما بالاكتئاب، أو بفاتورة لا تُسدَّد حتى بالميراث.
العريس اليوم ليس فارساً على حصان أبيض، بل عاطل على درّاجة نارية مستعارة، يحمل شهادة لا تُطعِم، وطموحات لا تُسكِن. يتقدَّم للخطبة حاملاً "نية حسنة"، فتُستقبله العائلة بنظرات تشبه لجنة مراقبة الميزانية، ويُسأل فوراً:
ـ "هل لديك شقة؟
ـ عقد عمل؟
ـ رصيد بنكي؟"
فيُجيب بصوتٍ خافت: "عندي الحُب"…
فيُرمى خارجاً كما يُرمى المتسللون من قطارات الدرجة الأولى.
الخاتم؟ لم يعُد ذهبًا، بل ورقًا مقوّى من محلّ الهدايا، يُوضَع فقط أثناء جلسة التصوير ثم يُعاد إلى البائع مع إيصال الشكوى. القفطان؟ قطعة فنية تُستأجر لثلاث ساعات، تُلبس للذِّكرى وتُعلّق بعد ذلك كحلمٍ مؤجّل. أما العُرس؟ فصار مناسبة افتراضية، يحضرها الأصدقاء عبر "الستوري"، وتُبارَك بصيغة: "اللهم اجعلها علاقة رسمية يوماً ما"
العائلات ما زالت تعيش في عصر "الزواج مشروع العمر"، لكنهم لا يدرون أن العُمر لا يشتري كراء شقة، ولا المودّة تُؤثِّث غرفة نوم. يطلبون من الشاب أن يكون كاملاً متكاملاً: سكن، عمل قار، سيارة - أو على الأقل دراجة لا تصدر صوتاً - وأن يُنفق كما لو كان يعمل في التجارة الدولية، وهو بالكاد يعمل على تقوية صبره.
والشابة؟ تنتظر. ترتدي قفطانها بين حين وآخر أمام المرآة، تبتسم ابتسامة "العروس المعلّقة"، وتتلقى التهاني كل عيدٍ جديد:
ـ "ما زال ما فرحناكِ؟"
فتردّ: "الفرحة جاية، كتب الله تأجيلها حتى إشعار آخر"
أما الدولة، فترى الأزمة كأنها عرض مسرحي تُتابعه من مقصورة خاصة. تُعلن عن برامج تشغيل، وعن قروض الزواج، وعن خطط "إدماجية"، لكنها تنسى أن العاطل لا يتزوّج بالبلاغات، ولا العروس تقبل بصور المسؤولين مكان صور الزفاف.
فصارت حفلات الزواج نادرة، والعرسان قِلّة، والموائد خاوية إلا من التمنيات. شبابٌ يُؤجل الزواج حتى يجد عملاً، أو حتى يُغيّر البلاد، أو حتى تتغيّر شروط الزواج ذاتها… أي حتى إشعارٍ غير معلوم.
هكذا تحوّل الزواج من مناسبة فرح، إلى معركة بقاء، ومن قرار شجاع، إلى مغامرة غير محسوبة، ومن حلم بسيط، إلى فصلٍ جديد من المأساة المغربية.
وفي النهاية، لا يبقى إلا هذا المشهد الرمزي:
شابٌ جالس في المقهى، يحتسي قهوته المُرّة، يُقلب خاتماً ورقياً بين أصابعه، وينظر إلى القفطان عبر واجهة المحل… ويُتمتم:
"لعل العُرس… يأتي في الموسم القادم"
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟