أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - ثقل الحنين والذاكرة في رواية لؤي عبد الإله(جاذبية الصفر)















المزيد.....

ثقل الحنين والذاكرة في رواية لؤي عبد الإله(جاذبية الصفر)


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8296 - 2025 / 3 / 29 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


يسلّط المؤلف ضوء كلماته على عراقيين أضحويين في لندن، ينحرون حيوات تضجّ بوجع الاغتراب في محراب وجودهم الوهمي، يدورون في دوامة ذاكرة متورمة، ما تلبث أن تتسارع حين يصيب بلدهم محنة ما، كالحرب، وكأنها متواطئة مع ما عاشوه من حياة في وطنهم، تسحبهم الى زمن ماضٍ، تعكّر صفو حاضرٍ مثخن بالمرارة والإحباط، حاضر باهت بارد، كطقس لندن وعلاقات ناسها الاجتماعية، تتشبث عواطفهم بما هو بعيد ولا يمكن الوصول اليه، كحيلة دفاعية يلجأ اليها العقل المحبط لتزويده بالسعادة والدفء والطمانينة، يغدو الاندماج المفروض مع أرض الإغتراب الهجينة أمراً مرفوضاً، ولسان حالهم يقول، من له القدرة على التجاوز والنسيان، فليدخل هذا البلد آمناً، ولعلّ ذلك هو حال الجيل الذي أتى الى لندن بعد أن تأسس في بلده وربما من جاوز العشرين من العمر؛ متمثلاً بيوسف وعقلانيته، بجليل وصمته وهدوئه، بماهر و"دون جوانيته"، بأسعد وعربدته ولا مبالاته الظاهرية.. هؤلاء الشخوص يظلون أسرى لاسترجاعات مضنية وانتقائية للذاكرة، حتى تحسب أن المواد العضوية من ماء وتربة، والتي تكّونت أجسادهم منها، تكاد تشدّهم الى أصولهم، الى تلك البقعة التي ولدوا فيها والتي تسمى الأم، على افتراض يسعفنا في تفسير ذلك الانشداد الى رحمها، أو لعلّ شمس "الهناك" تكثّف فيهم عصير الحنين، مما يجعل يوسف ينزوي في شقته وحيداً وبعيداً عن زوجته الإنجليزية، وجليل يهمل بيته غارقاً في ألوان لوحاته، ويسرف أسعد في سكره وتخليه عن عائلته، ويغطي ماهر حنينه وخيباته بافتعاله الاناقة والعلاقات الغرامية، ومع ذلك يميل الجميع الى هاجر القادمة من بلدهم، باعتبارها عامل جذب مختلف ومخالف لحياتهم، تذكّرهم أنوثتها بزمن شبابهم وحيويتهم في بلدهم، وتجسّد لهم رمزاً للوطن بكل صفاته المتناقصة مثلما وصفها جليل وأصاب؛ (عصابية، متهتكة، مزاجية، مستبدة، انفعالية، شبه أميّة، جاهلة)، وكما عقّب أسعد مكملّاً بأنها (آسرة) رغم كل شيء.

يبرع الكاتب في وصف أجواء لندن الخريفية والشتوية بالذات بمنتهى الدقّة والشاعرية، وذلك إبان فترة حرب الخليج في مطلع التسعينات، وربما يأتي البرد والثلج وغياب الشمس، كدلالة على الوحشة والافتقار الى الدفء في حياة المغترب القادم من أرض الشمس، في الوقت الذي يتجاهل فيه فصلي الربيع والصيف في نهاية أحداث الرواية، مما يدلل على أن أرض لندن تخلو من حرارة المشاعر الدافئة والجاذبية الإنسانية، يعيش فيها المغترب حياة عبث وهباء و"سبهللة"، بينما يكون الشد والجذب نحو المنبت، فلا تسحبه جاذبية أرض المهجر سوى حين يغدو ورقة شجر صفراء، تسقط وقت الخريف.. ولعّل سبب لقاء الأصدقاء، رغم اختلاف شخصياتهم وصفاتهم وتنافرهم، وهو شعورهم بالأمان حيث أن يجمعهم همّ متشابه واهتمام مشترك، آملين أن يتملصوا بذلك من قبضة الحنين وعدم الاطمئنان، وينسوا كوابيسهم ولو لساعات.
تزخر الرواية بتكوينات جمالية باهرة، واستخدام تعابير تصف لغة الجسم وتنفذ الى دواخل شخصياته، وذلك برصد حركاتهم وتعابير وجوههم وحتى صمتهم، كل ذلك بلغة شاعرية متينة وسلسة، تفيض بجمل متينة تخدم البناء الفني للسرد، وتتضمن أسئلة وجودية ورؤيوية، تثير تفكير القاريء: (ربما حياتنا رجعاً لحياة أصلية جرت في كون آخر)، (ما الذي ترمي اليه الذاكرة في التشبث بأحداث محددة من الماضي بينما ترمي آلافاً أخرى الى نهر النسيان)، (كم نحن مغفلون حينما نؤطّر الآخرين ضمن مواصفات عامة)، (بإمكاننا أن نتحرر من مشاعرنا السلبية اذا نجحنا في تغيير أفكارنا).. كما ويخلق المؤلف حواراً ذكياً ومكثفاً بين أفراد النخبة المثقفة، الانتليجنسيا، متنقلاً برشاقة من ضمير المخاطب الى صيغة الغائب الفاعلة، ومعتمداً بالدرجة الأساسية على تقنية الرسائل في عمله الإبداعي.. ومن الجدير بالملاحظة أن ذلك التكنيك ليس جديداً في الأدب لنسج حبكة السرد، مثله مثل النقل عن دفتر مذكرات أو عن شريط تسجيل، أو عن طريق العثور على أوراق رواية كاملة، كما حدث في فيلم (الكلمات)، حين وجد البطل حقيبة جلدية في مخزن للأنتيكات، محفوظ بداخلها بعض الأوراق.
تاريخياً وسياسياً، تزخر الرواية بتوثيق موضوعي ودقيق ومفصّل لأحداث جرت في العراق ما بين عامي 1990-1991، عن طريق عناوين صحف، نشرات أخبار، برامج تلفزيون، أسماء مسؤولين عرب وأجانب، وشخصيات مؤثرة في الحدث آنذاك، إضافة الى طرح أحداث أخرى مؤثرة في العالم كسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار فكرة بناء الشيوعية العتيدة. ونظراً لثراء أفكار مؤلفها وسعة معلوماته تكتنز الرواية أيضاً، بحقائق من العلوم المختلفة كالبايولوجيا وعلم الوراثة والفيزياء والميثولوجيا والأساطير، فتضفي تلك الموسوعة على النص لمسات اسطورية لغرض المقارنة، وبتقانة قادرة على التنقل داخل البنية السردية ومعمار الرواية، وباشتغال أدبي - فني يواشج الحدث العلمي والتاريخي والسياسي بالمخيال الأدبي، بيد أن ذلك التوليف قد يفتح شهية المؤلف نحو الاستفاضة والإطالة، والى تخليق بنية الاستطرادات السردية المترهلة، وفي الغالب نبرّر ذلك الفعل بعنصري الإثارة والتشويق، مما يجعل زمن السرد تتابعياً كرونولوجياً حيناً، وحيناً آخر، يتنوع ما بين الاسترجاعات والقطع التشويقي أو الإستباقي.

اذا سلّمنا بمقولة أن ليس ثمة نص متكامل، فأن تخصيص صاحب المظاريف صديقه جليل بالحديث في رسائل طويلة، يثير تساؤلأً، بسبب خلفية التنافر بينهما منذ عهد الطفولة، وعدم التواصل المتين في لندن بدليل قلة الزيارت الى بيته. وفي حدث آخر، ربما كان من الأفضل أن تشكّل قصة حياة صدام رواية منفصلة بحد ذاتها، لا أن تكون رواية داخل رواية، رغم أنه شخص جانبي مهم، مؤثر في الحدث ومسبباً لاغتراب الشخصيات، لذا توجّب زجّه في الحدث.
أما عن المظاريف ال 28، فجاءت أغلبها مؤرخة ماعدا المظروف (21)، والمظاريف من(23-28)، ليبتعد بذلك عن تكنيك كتابة المذكرات عن الرواية. وثمة أمور محيّرة أيضاً، وهو سبب إخفاء عالية أمومتها لهاجر بعد استقرارها، وكذلك طلب الأصدقاء ود هاجر بنت الثلاثينات وهم بعمر كبير، لكونهم ساهموا في مظاهرة ضد حرب فيتنام كما هو مذكور، ولعلّه جاء كدلالة على طلب ود بلدهم. ومن المحتمل أن ترمز شخصية سارة الى اندماج الجيل الثاني في المجتمع اللندي وابتعاده عن جذوره، غير أنه لا يمكن تبرير سبب رجوع أسعد وجليل الى العراق في زمن ما زال صدام يحكم فيه بسبب الأهل، ونعجب كذلك من خبر زواج ماهر من عالية، بعد أن كان قد طلب يد ابنتها، فهل يعبّر ذلك عن استقراره وهجوعه؟ وأخيراً يحتاج المؤلف الى الرجوع للسارد الأول، فاتح المظاريف وناقلها، كخاتمة للرواية لكي يعرف القراء رأيه بعد قراءتها، لا أن تنقطع صلة القاريء به.



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطوف من -خزامى- سنان أنطون
- الثيوديسيا الأرضية وإشكالية الشر في رواية حصى الشاطئ
- تلك هي الأيام
- تباريح مياه متيبسة
- تباريح مياه متيبسة
- رواية -رجال ما بعد منتصف الليل- وعالم المدينة الداخلي
- ألوان في سماء قاتمة.. قراءة في رواية - أجنحة في سماء بعيدة-
- زيارة الى أبي لهب
- فوق (العاقول) مشّاني زماني... (على ضوء حوار الاستاذ سعدون مح ...
- مسرّة صغيرة
- رواية -مولانا-.. بين عنصر التشويق وزحمة الأفكار
- رقصة الصيادين
- يا لون الرحيل !
- ثرثرة في ساونا
- من أدب الرحلات.. الصين
- ني هاو تشاينا
- عالم سائل
- الحصير والهجير
- هجير وهجران
- دومينو عراقية


المزيد.....




- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
- حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
- لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم ...
- أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
- بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو ...
- من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
- حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- مكتبة الإسكندرية تحتفي بمحمد بن عيسى بتنظيم ندوة شاركت فيها ...
- زائر متحف فرنسي يتناول -العمل الفني- المليوني موزة ماوريتسيو ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - ثقل الحنين والذاكرة في رواية لؤي عبد الإله(جاذبية الصفر)