أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - عالم سائل














المزيد.....

عالم سائل


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 5654 - 2017 / 9 / 29 - 01:27
المحور: الادب والفن
    


مليّاً، أمعن النظر في غشاء نهار سائل، غشاء يغلّف مدينة لندن بغيوم عابثة خصبة، غيوم تنيخ بثقلها على هموم وسموم تلوث بيئية، بيئة رمادية علّها ما زالت تحتضن بشراً يبحثون عن شيء صلد يستندون عليه، شيء يكون صلداً بسبب اننا ما عدنا نطيق كلما هو سائل في هذا الزمن.
لو تغدو متقاعداً كهلاً وحيداً، لسال زمنك وارتخى كما ذابت ساعات سلفادور دالي في لوحته.. ساعاتي مائعة في الغربة.. ترونني أتسكع في الشوارع، أتسوق بالنظر، أركب الباص، أتفحص الراكبين، علنّي أجد في شيء أو شخص ما، حكاية أرويها أو قصة أكتبها، إشغالاً لوقت رخو.
يتوقف الباص عند كل موقف، يترجل منه راكبون ويصعد آخرون، أضع الجميع في مختبري الذهني، أحلل شخصياتهم ونوازعهم في أوقاتهم السائلة، من حركات أجساد أو حديث أو تصرفاتن لكن غالباص ما يرافق ذلك تشويش سائل.. بسالة عقلية أن تفكر بدون اضطراب، وبدون تداخلات معقدة غير إرادية للعقل الباطن، في سير حياة تشبه هذه الحافلة الحديدية يصعد اليها ناس وينزل آخرون، وأحياناً تمرّ بمحاذاتهم دون ان يلحقوا بها فلا يدركوها .
كعادته، يسيل تفكيري في جداول وسواقي تجري في اتجاهات متشعّبة، تسبح فيها أفكار نافرة قافزة، يخطر في بالي بيت شعر: (أين الفؤاد أراحل في إثرهم، أم سائل ما بين دمع سائل)، للشاعر أأ.. هل تركتُ النار مشتعلة تحت القدر، لا، لا أظن ولكن ما نسيته هو هاتفي الجوال، عفته في البيت لانه غير موجود في حقيبتي اليدوية.. هاهو مطعم عربي جديد حلّ مكان حانوت كان يبيع الكتب، مطعم فلافل، نسيت آخر مرّة عملت فيها الفلافل، الزيت مضر للكولسترول، سأستغني عن الفلافل.. كنا نأكلها ايام الجامعة هناك، ما الذي يجري هناك؟ تأتي الأخبار متسارعة، التفكير في أمر سياسة راهنة سائلة لم نعد نستجلي حقائقها وخفاياها، أمر يحتاج الى حبة ثانية من حبوب الضغط ومعها حبة تحت اللسان للقلب.. لأرقب الصاعدين الى الباص ثانية.
تطلع فتاة الى الطابق الثاني بخفّة.. أمر جيد ان تذكرت تناول حبة تخفيف آلام الكبتين، لم أنسها مثل كل صباح.. تجلس أمرأة خلف مقعدي، تثّبت هاتفها على أذنها بمنديل تلفه حول رأسها وتتكلم بصوت عالٍ.. سأبدأ بتنفيد رغبتي في تعلم لغة أجنبية جديدة، طالما وعدت نفسي بذلك منذ زمن.. يصعد طلاب مدرسة فيعجّ الباص براحة وجبات سريعة يتناولونها، يتجشأ أحدهم بصوت عال، يضحك عليه زملائه.
- أنت تكذب، هذه ليست المرّة الأولى، انتهى كل شيء بيننا، فقدت الثقة بك، اغرب عن وجهي.
تخاطب فتاة شابة شاباً بجابنها، لم يرد عليها وسرعان ما نزل عند موقف الباص التالي دون ان يلتفت اليها.. نظرتْ اليه نظرة ربما الأخيرة وراحت تمسح بيدها دموعاً صامتة جعلت قلبي منقبضاً متعاطفاً معها.
(يا قلبي آه، الحب وراه، أشجان وألم و..).. ستبكي تلك الشابة طويلاً كأي عاشقة.. ما أصعب التخلي والفقد، الجروح ومعالجاتها، ما من شيء سينجيها من الحنين والانفلات من الأشواق.. هل ستعود ناحبة الى بيتها لتستمع الى أغاني مكسورة أم انها ستكتب كلمات قصائد عن لواعج الهوى والاشتياق؟ هل ستتمكن من تفادي ذكرياتهما؟ ربما ستنهي حياتها المسكينة.
لا أستطيع الجزم بانني أحمّل الفتى الذنب كاملاً، فتاته ساهمت في وصول العلاقة الى طريق مسدود، ومع ذلك فقد كان موقفه مائعاً، لو صدق عزمه وخلصت نيّته لما تركها باكية ولحاول شرح موقفه حتى لو تطلب الأمر اعتذاراً، كلنا نخطأ.. سيرجع إن كانت هناك مساحة لها في قلبه.
اذا كانت ثمة نصائح أقدّمها بعيداً عن لغة التصبر والمواساة فسأقول لها: هوّني عليك يا فتاة، لا تستخدمي حلول الأمس لحل أزمات اليوم، إسعي الى تقليل الخسائر وايجاد مخرج واقعي لأزمتك، بمبادرة ومناورة لا تفقدك احترامك لنفسك.. ابكي، ابكي، فذلك ليس دليلاً على ضعفك.. وإن لم ينصلح الحال، لا تحاولي العيش في ذكريات مؤلمة، ما من شيء يجعلك تهدرين سعادتك ووقتك كما الذكريات.. اتركي ما لا يفيدك الى ما يفيدك.. اقرئي كتاباً للمؤلف أأ.. نسيت اسمه.. على أي حال اقرئي اي كتاب، فلن تخسري شيئاً بالقراءة.. لو يقدّر لي أن أتبادل حديثاً معك، سأنتقي أكثر الكلمات أناقة، أنسّق فيها خبرات عمر من دهر مضى، ها أنت ما زلت شابة و...
- هاي.. انني بحاجة الى الاستمتاع بيومي، سأذهب للتسوق الآن، وأشعر برغبة في الخروج مساءً، هل ستأتين معي؟
كنت على وشك ان أسلّم الفتاة منديلاً ورقياً أخرجته من حقيبتي لتمسح دموعاً أخلت مكانها لابتسامة ثم لضحكة عالية.
- تخلّصت منه اليوم، (سون أوف ذه بـ .. )، ينبغي عليّ تجاوز الأمر سريعاً، انتظريني في دار السينما.
سحبتُ يدي الممتدة، أرجعتُ المنديل الى حقيبتي، والى حلقي، سحبتُ نصائح غبارية مواسية كانت على وشك الانطلاق.
يبدو ان الحياة ليست قائمة على معرفة ما حدث فيها سابقاً وعلى تجارب وتراكم عمر فقط، بل على تقبل أي تغيير حتى لو كان سائلاً.



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحصير والهجير
- هجير وهجران
- دومينو عراقية
- نار (هلي) ولا جنتك
- العراق عام بعد مئة عام من التغيير، قصص خيال علمي
- فصل فيسي
- (خبال) علمي 2
- أنا صنعتكِ من خيالي
- قمامة وعمامة
- يوم همست المدن بكامرة قاسم عبد
- البيئة المحلية في الرواية.. زخرفة أم وظيفة عضوية؟.. رواية - ...
- الخالقون
- مش عيب يا محمد !
- (عشاء مع صدام)........مزاوجة بين السياسة والاستخفاف
- تلويحة وفاء
- -غودو- الهزلي ، رؤية إخراجية جديدة
- الى من يهمه العمر
- على معبر بْزيبيز
- العراق الى أين؟ الحلقات الدراسية للجنة تنسيق التيار الديمقرا ...
- رواية -أنا ونامق سبنسر- أرشفة ذاكرة ومشتقات حياة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - عالم سائل