أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - دمعة لم تسقط بعد














المزيد.....

دمعة لم تسقط بعد


فراس الوائلي

الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


كان الأب واقفًا عند عتبة الزمن، يحدّق في الفراغ الممتدّ بينه وبين ابنه. لم يكن بينهما سوى صمتٍ كثيف، كأنه جدارٌ زجاجيّ يرى كلّ منهما الآخر من خلاله، لكنّه لا يستطيع لمسه. الابن يجلس على الجانب الآخر، عيناه مثقلتان بحكايات لم تُحكَ، وجراحٍ لم تلتئم. الأب، الذي ظنّ أنه كان يبني رجلاً صلبًا، لم يدرك أنه كان، دون أن يشعر، يحفر صدعًا بينهما.
“لقد كنتُ أحبّك…”
لم يقلها الأب بصوتٍ مسموع، لكنّها كانت تنزلق من عينيه المتعبتين، تتسرّب مع أنفاسه الثقيلة. لكنه لم يعرف كيف يُترجم الحبّ إلا قسوة، كيف يُعبّر عنه إلا صمتًا. نشأ على أن الرجولة تعني الصلابة، وأن العاطفة ضعفٌ لا يليق بمن أراد أن يكون سندًا.
لكن الابن لم يرَ في ذلك حبًا، بل قيدًا. كان يرى أباه سجّانًا للحرية التي لم يملكها، رمزًا لليالي التأديب الطويلة، وقراراتٍ لم يكن له فيها رأي. كبر وهو يحمل في صدره جمرة من الأسئلة المحترقة: “لماذا لم تحبّني كما أردتُ؟ لماذا لم ترَ أنني كنتُ أحتاجك أبًا، لا قاضيًا؟”
وعندما جلس أمام المعالج النفسي، لم يكن يتحدث فقط عن ماضيه، بل عن وجعه الممتدّ في حاضره، عن ظلال الأب التي ما زالت تلاحقه حتى بعد أن غادر بيته. كان الأب موجودًا، لكنّه لم يكن هناك. لم يكن يعرف أن كلمات ابنه ستجلده أكثر مما جلدت عقله، أن كل اتهام كان بمثابة مرآة تعكس وجهًا لم يره من قبل: وجه الأب الذي لم يكن أبًا كما ينبغي.
كان يريد أن يقول: “أنا آسف”، لكن الحروف ظلت محبوسة في حلقه، تتحوّل إلى دمعةٍ ثقيلة لم تجد طريقها إلى السقوط. كيف يعتذر؟ كيف يعيد الوقت؟ كيف يمحو آثار الجروح التي لم يكن يعلم أنه تركها؟
أما الابن، فقد ظن أنه انتصر. ظن أن كلماته كانت انتقامًا كافيًا، لكنه خرج وهو يحمل فراغًا أشدّ عمقًا من الكراهية، إحساسًا مبهماً بأن انتقامه لم يكن شفاءً، وأن والده لم يكن وحشًا كما تخيّل، بل رجلاً مكسورًا بطريقة أخرى، بطريقة لا يعرف كيف يشرحها.
وفي نهاية المسافة، جلسا كلٌّ منهما وحده، الأب ينظر إلى صورة ابنه الصغير التي لا تزال على رفٍّ قديم، والابن يتساءل في منتصف الليل: “هل كنتُ ظالمًا أيضًا؟”



#فراس_الوائلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوميديا الشيطانية: ملهاة الجحيم وسخرية الأبد
- الروضة العلوية
- المدينة المنورة
- نيرڤانا
- قال الجلال
- الهور… أنفاسُ الماءِ وذاكرةُ الطين
- دموع النخيل
- حوار بين جنتين
- حب في شتاء الأكوان
- قراءة نقدية لنص “تمرد راهب” للشاعرة ورود الدليمي / بقلم فراس ...
- العراقُ… سفرُ الخلودِ في صحائفِ الزمن
- نجمة قلبي
- قراءة نقدية لنص “أرجوحة الحلم” للشاعرة فاطمة عبدالله - السوي ...
- بغدادُ.. الحلمُ الذي لا يشيخ
- أفاتار
- قراءة نقدية/ بقلم الناقدة القديرة فاطمة عبدالله/ لنص - قصة ح ...
- حدائق الغيوب
- المدار المحرم
- إنكي
- احتراقٌ لا يُرى


المزيد.....




- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...
- تنسيق كلية الهندسة 2025 لخريجي الدبلومات الفنية “توقعات”
- المجتمع المدني بغزة يفنّد تصريح الممثل الأوروبي عن المعابر و ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - دمعة لم تسقط بعد