أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - الهور… أنفاسُ الماءِ وذاكرةُ الطين














المزيد.....

الهور… أنفاسُ الماءِ وذاكرةُ الطين


فراس الوائلي

الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


ليسَ بركةً، ليسَ نهرًا، ليسَ أرضًا مبتلّةً بانتظارِ الجفافِ. الهورُ… جسدٌ مائيٌّ يتنفّسُ بالبخارِ العالقِ فوقَهُ، بالشمسِ التي تضيءُ نصفَ الأشياءِ وتتركُ نصفَها غارقًا في الظلِّ، بالطيورِ التي لا تعرفُ من السماءِ غيرَ انعكاسِها، بالمشاحيفِ التي لا تصلُ لأنّها أصلاً لم تغادرْ.
الماءُ هنا ليسَ صامتًا، بل ذاكرةٌ سائلة، وجهٌ لا يستقرُّ، نايٌ يعبرُ القصبَ كأنّهُ شهقةٌ متأخرةٌ في صدرِ الأرضِ. هناكَ، في البرگهِ، يرقدُ البرهانُ، يُقلّبُ ذيلَهُ في الماءِ، يُراقبُ العمقَ ولا يغرقُ. فوقَ القصبِ المتناثرِ، يقفُ الرُخيويُّ كعلامةِ استفهامٍ لا تنتظرُ إجابةً، في انتظارِ لا شيء، سوى أنْ يمرَّ المشحوفُ تاركًا أثرًا يمحوهُ الموجُ بعدَ لحظةٍ.
المشحوفُ… ظلٌّ يطفو، ذاكرةُ يدٍ تفتحُ مسارًا سرّيًا بينَ القصبِ، يراقبُهُ المرديُّ وهو يشقُّ الماءَ كما يشقُّ الحُلمُ الغفوةَ الأخيرةَ، كما ينحتُ الضوءُ مسارهُ فوقَ السطحِ دونَ أنْ يتركَ خدشًا واحدًا. في العمقِ، حيثُ الأشياءُ لا تظهرُ لكنَّها موجودةٌ، يرسو الشُّمْبِلانُ، يتشبّثُ بالأرضِ فلا تراهُ إلّا حينَ تعلقُهُ الشباكُ، حينَ يسحبُ الصيّادُ الحبالَ، فيأتي الماءُ بما لا يُرى، بما كانَ ينتظرُ أنْ يُكتشفَ.
هناكَ، بينَ الطينِ والريحِ، بينَ البرديِّ الذي يميلُ ولا ينكسرُ، بينَ رائحةِ الماءِ الممزوجِ بالحياةِ التي لا تُفسَّرُ، تقفُ السدانةُ الطينيةُ، ليستْ مجردَ مخزنٍ، بل قلبٌ يحفظُ أسرارَ الطحينِ، الحنطةِ، الشعيرِ، كما يحفظُ الهورُ أسرارَ الذينَ مرّوا من هنا، ولم يعودوا. بجانبِها، تتدلّى الشربةُ الفخاريةُ، ليستْ إناءً، بل صدى العطشِ حينَ يهدأُ في راحةِ اليدِ، حينَ يُلامسُ الطينُ شفاهَ العابرِ، حينَ يصيرُ الماءُ أكثرَ من مجرّدِ ماءٍ.
وعندَ أطرافِ المساءِ، حينَ يتكئُ الضوءُ على الماءِ قبلَ أنْ ينسحبَ تمامًا، تجتمعُ الأصواتُ عندَ التسيورةِ، لا أحدَ يروي القصصَ، بل القصصُ هي التي تروي نفسَها، لا أحدَ يذكرُ المصموطةَ، المهروثةَ، گبةَ المطالِ، لكنَّ رائحتَها تطفو فوقَ النارِ، فوقَ الدخانِ المتراكمِ على الحكاياتِ التي لا تنطفئُ، فوقَ الوقودِ الذي لم يكنْ شجرًا ولا نارًا، بل بقايا الزمنِ تُجفَّفُ، تُكدَّسُ، تُبنى فوقَها سقوفٌ تحميها من المطرِ، تحفظُها كما تحفظُ الأرضُ أسماءَ الذينَ عاشوا هنا، ثم صاروا جزءًا من الهورِ، من طينِه، من مائِه، من طيورهِ التي لا تغادرُ، بل تعودُ كلَّ مساءٍ.
الهورُ لا يكتبُ وداعًا، لأنَّ الماءَ لا يعرفُ الفقدَ، لا يسجّلُ الغيابَ، بل يعيدُ تدويرَ الأشياءِ، يعيدُ تشكيلَ القصبِ، يعيدُ ترتيبَ المشحوفِ في الموجِ، كما يعيدُ كلَّ شيءٍ بطريقةٍ ما.
الهورُ… ليسَ مجرّدَ مكانٍ، بل لغةٌ تُحكى بالماءِ، بالقصبِ، بالطيرِ الذي يحطُّ فوقَ البرگهِ، ثم يرحلُ، ثم يعودُ.



#فراس_الوائلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دموع النخيل
- حوار بين جنتين
- حب في شتاء الأكوان
- قراءة نقدية لنص “تمرد راهب” للشاعرة ورود الدليمي / بقلم فراس ...
- العراقُ… سفرُ الخلودِ في صحائفِ الزمن
- نجمة قلبي
- قراءة نقدية لنص “أرجوحة الحلم” للشاعرة فاطمة عبدالله - السوي ...
- بغدادُ.. الحلمُ الذي لا يشيخ
- أفاتار
- قراءة نقدية/ بقلم الناقدة القديرة فاطمة عبدالله/ لنص - قصة ح ...
- حدائق الغيوب
- المدار المحرم
- إنكي
- احتراقٌ لا يُرى
- الغراب
- قصة حب في جزر البهاما
- تصوف
- صفراء هي الشمس، خضراء عند المغيب تكون
- المطر
- دراسة نقدية لنص: “أنا لست شاعراً” / بقلم فراس الوائلي


المزيد.....




- العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد ا ...
- -رواية الإمام- بين المرجعي والتخييلي وأنسنة الفلسطيني
- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...
- محمد إقبال: الشاعر والمفكر الهندي الذي غنت له أم كلثوم
- مصر: رصد حالات مصابة بالحمى القلاعية بين الماشية.. و-الزراعة ...
- موسم الدرعية يطلق برنامج -هَل القصور- في حيّ الطريف
- المدينة والضوء الداخلي: تأملات في شعر مروان ياسين الدليمي


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - الهور… أنفاسُ الماءِ وذاكرةُ الطين