أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - الكوميديا الشيطانية: ملهاة الجحيم وسخرية الأبد














المزيد.....

الكوميديا الشيطانية: ملهاة الجحيم وسخرية الأبد


فراس الوائلي

الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 21:24
المحور: الادب والفن
    


في قلب العدم الفسيح، حيث تلتهم النيرانُ ذاتها ولا تنطفئ، وحيثُ الجحيمُ ليس عقوبةً بل ملهى، يتراقص الشياطينُ على إيقاعِ الفناء، يشربونَ من كؤوسِ الغوايةِ المترعةِ بالشعرِ والفكرِ المسفوكِ من ألسنةِ الفلاسفةِ والأنبياءِ المعزولين في دوائرِ الشكّ الأبدي. هنا، لا سقفٌ للمعنى، لا حدٌّ للجنون، فقط حفلةٌ كونيةٌ تمتدُّ بين المجرّات، حيثُ الضحكُ مقدّس، والسخريةُ هي لغةُ النجاة الوحيدة.
(1) الضحكة الأولى: حين ينكسر الضوءُ في مرآة الظلام
تتدلّى الشموسُ كقناديلَ مذبوحةٍ فوق أفقِ النار، تتعرّقُ الكواكبُ وهي تتلوى تحت وطأةِ الانهيار، تتفتّتُ المذنّباتُ إلى شظايا أحرفٍ لم تُكتب بعد. وفي زاويةٍ بعيدةٍ من سديمِ الفوضى، يُقامُ مجلسُ الخاسرين العظماء، أولئك الذين أحرقتهم النبوءات، ونفاهم الإلهُ إلى حضيضِ فكرهم.

هناك، عند الطاولةِ المصنوعةِ من رمادِ الأزمنة، يجلسُ “أريستوفان” ينفثُ ضحكاتِه الساخرة فوقَ رأسِ “دانتي”، فيما يمسح “نيتشه” غبارَ الأبديةِ عن شاربِه المتهدّل، ويهمسُ لجوقةِ الضائعين:
“لقد قتلنا الإله… ولكن من يقتل الجحيم؟”

يقهقه “ماركيز دي ساد” وهو يرفعُ كأسهُ مترعًا بخطيئةٍ مخمّرة، ثم يتمايلُ فوق الطاولةِ كراقصٍ مخمورٍ بسحرِ اللعنة:
“هذه الجنةُ التي حُرمناها… جحيمٌ يليقُ بالأحياء!”

بينما في الزاويةِ الأخرى، حيث الضوءُ يتكسّرُ في مرايا الوهم، يحدّق “كافكا” في انعكاسِه المشوّهِ على سطحِ نهرِ الأسئلة، يقلبُ دفترًا لم تكتمل سطورهُ الأخيرة، يتمتمُ بصوتٍ مثقلٍ باليأس:
“كأننا لم نولد إلا لنحيا في روايةٍ لا مؤلفَ لها.”

(2) رقصةُ الشياطين: حين تُعزف السيمفونية الأخيرة
في عمق الجحيم، حيث تدورُ المجرّاتُ المعطوبة، يُنصَبُ مسرحٌ أبديٌّ يعتليهِ شيطانٌ بعينٍ واحدةٍ ولسانٍ يشطرُ الكلماتِ نصفين: نصفًا للحقيقة، ونصفًا للسخرية. يمسكُ بعصا الزمن، يلوّحُ بها كقائدِ أوركسترا يُديرُ الضياعَ العظيم، ثم يطلقُ سيمفونيةَ اللاعودة.
تتصاعدُ الألحانُ من أنينِ الفلاسفةِ الذين أكلهمُ الشكُّ حتى نخاعِ أرواحهم، من نحيبِ الأباطرةِ الذين انهارت عروشهمْ فوق جماجمِ أحلامهم، ومن شهقاتِ الآلهةِ المهجورةِ التي لم يعد يؤمنُ بها أحدٌ إلا صدى الأبدية.
يرقصُ الشياطينُ في دوائرَ لا تنتهي، تندفعُ أرواحُ التائهينَ في دورانٍ عبثيّ، تعلو الضحكاتُ كما تعلو النيرانُ، لا شيء يحترقُ سوى الوهم، لا شيء يُبعثُ سوى السراب.
(3) المأدبةُ الأخيرة: حين يكتمل العبثُ بالخلود
وفي النهايةِ التي ليست نهاية، يُرفعُ الستارُ عن وليمةٍ لم تُقدَّم إلا لمن لفظتْه السماءُ وابتلعهُ الجحيمُ بشهيةٍ مفتوحة. تجتمعُ الأرواحُ حول مائدةٍ من لهيب، يتناولونَ الفكرةَ كما يتناولونَ الخطيئة، يشربونَ الحقيقةَ حتى تثملَ عقولهم، ثم يترنّحون في سُكرٍ أبديّ، يسقطونَ في الفراغِ وهم يضحكون، كأنهم أخيرًا أدركوا… أن الجحيمَ لم يكن سوى مزحةٍ كونيةٍ لم يفهمها البشرُ بعد.
يبتسمُ إبليسُ على عرشِ الفوضى، يصفّقُ بيديه، يهمسُ للنجومِ المنطفئة:
“أيها العابرونَ في مسرحِ الأبد… لقد كانت الحياةُ مجرد نكتة، لكنّكم أخذتموها على محملِ الجد.”
ويضجُّ الفراغُ بالضحك. والجحيم بالتصفيق



#فراس_الوائلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروضة العلوية
- المدينة المنورة
- نيرڤانا
- قال الجلال
- الهور… أنفاسُ الماءِ وذاكرةُ الطين
- دموع النخيل
- حوار بين جنتين
- حب في شتاء الأكوان
- قراءة نقدية لنص “تمرد راهب” للشاعرة ورود الدليمي / بقلم فراس ...
- العراقُ… سفرُ الخلودِ في صحائفِ الزمن
- نجمة قلبي
- قراءة نقدية لنص “أرجوحة الحلم” للشاعرة فاطمة عبدالله - السوي ...
- بغدادُ.. الحلمُ الذي لا يشيخ
- أفاتار
- قراءة نقدية/ بقلم الناقدة القديرة فاطمة عبدالله/ لنص - قصة ح ...
- حدائق الغيوب
- المدار المحرم
- إنكي
- احتراقٌ لا يُرى
- الغراب


المزيد.....




- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...
- هل تنجو الجامعات الأميركية من تجميد التمويل الحكومي الضخم؟
- كوكب الشرق والمغرب.. حكاية عشق لا تنتهي
- مهرجان الفيلم العربي في برلين: ماض استعماري يشغل بال صناع ال ...
- شاركت في -باب الحارة- و-ليالي روكسي-.. وفاة الفنانة السورية ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس الوائلي - الكوميديا الشيطانية: ملهاة الجحيم وسخرية الأبد