تصريحات دونالد ترامب

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 8267 - 2025 / 2 / 28 - 18:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تحدثنا فى مقال سابق عن تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حين أعرب عن رغبته فى تحويل غزة إلى منتجع سياحى فاخر بعد إعادة توطين سكانها فى مناطق أخرى فى مصر والأردن، وتساءلنا حيْنئذ: هل ترامب جاد فيما يطلقه من تصريحات أم هى مجرد فقاعات هوائية سوف تختفي سريعا. وفى هذا المقال سوف نحاول الإجابة عن هذا السؤال من خلال فحص تصريحات ولقاءات الرئيس الأمريكى خلال شهر فبراير، وخاصة فى لقائه الأخير مع الرئيس الفرنسى ماكرون يوم الاثنين ٢٤ فبراير الماضى، ومع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الخميس المنصرم.

لقد التقى ترامب الرئيس الفرنسى ماكرون داخل المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض يوم الاثنين الماضى. وكما فعل فى لقائه مع العاهل الاردنى فقد دعا ترامب الصحفيين للدخول حيث بدأ فى إطلاق تصريحاته، ومنها أن الولايات المتحدة تحملت القدر الأكبر من المساعدات التى قدمت لأوكرانيا خلال حربها مع روسيا غير أن ماكرون قاطع ترامب قائلا: إن فرنسا والإتحاد الأوروبى ساهموا بتقديم القدر الأكبر من المساعدات المادية واللوجستية.

ما يدعو للدهشة أن ترامب كرر نفس التصريحات أثناء لقاء رئيس الوزراء البريطاني ستارمر فى البيت الأبيض يوم الخميس ٢٧ فبراير حيث أضاف قائلا: إن المساعدات الأمريكية المقدمة إلى أوكرانيا لن ترد بينما المعونة أو المساعدات البريطانية هى عبارة عن قروض سوف تردها أوكرانيا عاجلا أو آجلا. لم يتردد رئيس وزراء بريطانيا فى دحض هذه التصريحات موضحا أن ما تقدمه بريطانيا هى هدايا وعطايا بلا مقابل.

من الواضح أن القيادات الأوروبية لا تتردد فى تصويب أخطاء ترامب وتصريحاته غير المدروسة فى حضور الصحافة الأوربية والأمريكية. ومن أهم هذه الأخطاء تلك التى تتعلق بمستقبل قطاع غزة حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني انه قد تأثر بمشهدين: المشهد الأول لفتاة إسرائيلية فقدت إصبعين حين حاولت إيقاف رصاصات مقاتلى حماس فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٤م. أما المشهد الثانى فيتعلق بجموع أهالى غزة وهم يعودون مشيا على الأقدام إلى منطقتهم فى شمال غزة، وأردف ستارمر قائلا: إن من حق هؤلاء الأهالى أن يعودوا إلى منازلهم فى قطاع غزة وأن المسألة الفلسطينية لن تحل إلا من خلال "حل الدولتين": دولة إسرائيل ودولة فلسطين. الغريب أن ترامب--على عكس موقفه أثناء لقاء الملك عبد الله-- التزم الصمت تماما ولم يعلق سلبا أو إيجابا على تصريحات الضيف البريطاني مما يشير الى أن هذه التصريحات بمثابة فقاعات هوائية.

الدليل الآخر على أن تصريحات ترامب ما هى إلا عبارة عن فقاعات هوائية قدمه لنا الرئيس ترامب نفسه. ففى أثناء لقائه برئيس الوزراء البريطاني طرح أحد الصحفيين البريطانيين سؤالا لترامب حول إمكانية اعتذاره لرئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي الذى اتهمه ترامب بالدكتاتورية. فماذا كانت الإجابة. التفت ترامب إلى الصحفى قائلا: هل أنا قلت ذلك؟ لا أعتقد أننى أطلقت مثل هذه التصريحات. هذا رغم أن تصريحاته فى هذا الشأن تنتشر فى كافة مواقع التواصل الاجتماعى. لعل ما يمارسه ترامب مع الصحفيين يندرج ما يعرف ب gaslighting (الإضاءة الغازية) أو "التلاعب بالعقول"، وهو عبارة عن اسلوب يستخدمه الفرد تجاه شخص آخر بهدف تحقيق أهداف محددة تتمثل فى زعزعة الثقة بالنفس بحيث يشك المرء فى الحقائق وقد يشعر بأنه مصاب بالجنون.

تجدر الإشارة أن ترامب يعلم تماما أن تصريحاته عن غزة غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وأن هذه التصريحات لن تجد آذانا صاغية. لعله من المفيد أن نشير إلى أن ترامب لجأ إلى سياسة brinkmanship "حافة الهاوية"، وهى السياسة التى ابتدعها جون فوستر دالاس، وزير الخارجية فى حكومة الرئيس ايزنهاور فى الخمسينيات. وهذه السياسة تعتمد على تصعيد الأمور إلى حافة الهاوية بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب.

ومما سبق نستطيع أن نقول إن تصريحات الرئيس ترامب حول تهجير أهالى غزة بعيدا عن موطنهم سوف تذهب ادراج الرياح، شأنها فى ذلك شأن تصريحاته حول حجم المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وحول اتهامه للرئيس فولوديمير زيلينسكي بالدكتاتورية. وفى الوقت نفسه فإنها نجحت فى تحريك المياه الراكدة بخصوص ترتيب أوضاع جديدة فى قطاع غزة. وربما كان هذا هو الهدف من التصريحات التى أطلقها ترامب بعد عدة أيام من توليه السلطة فى البيت الأبيض

#أحمد_سوكارنو_عبد_الحافظ (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل