أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - ليلة الأوزو














المزيد.....

ليلة الأوزو


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 8246 - 2025 / 2 / 7 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


دعاني صديقي العزيز قبل ليلة واحدة من مغادرة العراق إلى العشاء في نادي المشرق العائلي ببغداد. وليس له من "العائلي" في تلك الليلة سوى الاسم ،إذ كان كل رواده من الرجال! كان الطقس يميل إلى البرودة في بداية شهر شباط ، فتدثرتُ خلال زيارتي الأخيرة إلى الناصرية والعمارة وبغداد بالحكايات التي تدفىء القلب والروح. سأستعيد ذكراها حتى الزيارة القادمة في فصل الشتاء ، بعدما تهبط درجات الحرارة في المنفى الثلجي إلى ما تحت الصفر المئوي!
قال صديقي الأنيق الذي اصطحبني من الفندق بسيارته الفارهة
- أين ترغب أن نتجول في هذا المساء؟ في مولات المنصور ، وبعد ذلك نجلس في بار ، لترى التغيير الحاصل في واحدة من أشهر مناطق بغداد؟ أم نذهب مباشرة إلى نادي المشرق العائلي الشهير برواده من عِلية القوم؟
- أينما نولي وجهينا فنحن في عاصمتنا الحبيبة.
- حدد رجاء فأنا أريد أن أشرب!
قال ضاحكا
- إذن أترك لك حرية الاختيار!
بدتْ قاعة النادي المستطيلة شبه خالية من الرواد لأننا وصلنا مبكرين.
وما لبث صديقي أن اختار طاولة منزوية في الثلث الأخير المعتم من القاعة ، وفيها انزوى الكرسي الذي جلستُ عليه في منحنى منحوت في الحائط الجبسي، أحالني شكله الشبيه بالملاذ الآمن ، إلى مواضع اختبائي من القصف المدفعي بقواطع القتال في سربيل زهاب والشيب وشرق البصرة ، خلال الحرب العراقية الإيرانية المشؤومة؟
بعد قليل بدأ تقاطر الرواد من باب القاعة الرئيس ، ولم تكد تمضي ساعة حتى غصَّت القاعة الكبيرة بالمئات منهم أو كادتْ. وكانت فرصة لي أنا المقيم في البلاد النائية المثلجة ، التماس الدفء في سماع أهل العراق يفضفضون عن أنفسهم في الليل ، ليصحوا في اليوم التالي على روتين أخبار الطبقة الحاكمة الفاسدة. ونكتة جديدة تشفي من مرض الكآبة ولو إلى حين بعد اغترابٍ دام عقودا. وربما أغنية ريفية حزينة تجعل الكثيرين من الرواد يطرقون مفكرين بما آلت إليه أحوال البلاد والعباد، او كما قالت عشتار في الأساطير "أواه، لقد آلت إلى طينٍ كل أيامنا الماضية!"
مضتْ نصف ساعة ونحن جالسون على كفوف الراحة ، نتناول الجاجيك بالخيار والثوم والليمون المملح ، ونحتسي شراب الأوزو رقم 7 المنعش ، مستغرقينَ بسماع أغنية "سيرة الحب" لأم كلثوم من مكبر صوت ، لم يبقِ شيئاً من ذكريات الحب القديم الّا وأثارها!
- هل تعرف مَنْ لحن هذه الأغنية الرائعة؟
- مَنْ؟
- إنه الموسيقار العبقري بليغ حمدي وكان في الخامسة والعشرين من عمره.
- ها!
- نعم ، ويُعدُّ أصغر من لحَّنَ الأغاني لكوكب الشرق.
لذيذ شراب الأوزو الذي له مذاق عرق العصرية العراقي القديم ولا يقاوَم ، كفيل بأن يثير في المغترب ما يثير من دفائن النفس ويحفر في مواضع الأسرار ويطير عاليا بالأشواق المجنحة.
وما أن وصلت الأغنية إلى مقطع "العيب فيكم .. يا فحبايبكم .. أما الحب؟!" حتى بدأ إطلاق الرصاص العشوائي! في الوهلة الأولى لم استطع تحديد جهة الرمي. هل وقع الرمي في الشارع؟ أم أن زبائن مسلحين ومطلوبين للشرطة تبادلوا معهم إطلاق الرصاص؟ ولما طارت السكرة وجاءت الفكرة تبين أن لعلعة الرصاص كانت في باب القاعة! توقفت الأغنية فجأة وتحت وابل من الرشقات وفزع المئات من السكارى الذين تركوا ما لذَّ وطاب على الطاولات وهربوا من الباب الجانبي ، قبل أن يعبروا السياج متزاحمين ويتبخروا في الشوارع الفرعية المحيطة بالنادي!
ليست المسافة بين الكرسي والباب الجانبي أكثر من عشرة أمتار ، لكنها أصبحت في تلك اللحظات الوجيزة والجنونية عشرة كيلومترات!
ستة أو سبعة من عمال النادي من الأيزيديين البسطاء ،
وقفوا صفا واحدا في مواجهة رصاص الملثمين وكانوا خمسة. ممسكين بمكانيس ذوات أذرع طويلة! ووقفتُ أنا الذي أشتري النكتة بالدولار الأمريكي عاجزا عن فهم ظاهرة مواجهة الرصاص بالمكانيس؟ أراهن على أن هذا المشهد التراجيكوميدي في عراق العجائب سيبقى طويلا في ذاكرتي! في المسافة القصيرة التي ركضتُ فيها ركض الناجين من الموت ، بين الطاولة التي نسيتُ عليها نظارتي الطبية ، ونسي صديقي تلفونه ، وبين الباب الجانبي ، خطرت لي ألف فكرة!
هل أحني رأسي لتفادي الرصاص ،كما كنت أفعل جنديا في سوح الحرب العراقية الإيرانية؟ أم أسير سيرا عاديا لكيلا يقول من يراني أني جبان وهربتُ من أرض المعركة؟!
لكن من هو البطران الذي سينشغل بغيره وقد بَعُدَ عليه الباب وضاع المفتاح ، لينفذ بجلده من الموت المجاني؟!
خطر لي أيضا مثل (الفايخين) أن استلَّ المحمول من جيبي وأصور المشهد الأكشني الهوليودي! لكني استبعدتُ الفكرة!
طبعا لم يدفع المئات من الرواد (الناجين) ما تناولوا من طعام وشراب، واختفوا تحت جنح الظلام ، قبل وصول سيارات النجدة ومفارز من قوات مكافحة الإرهاب وطوقت النادي. وبعد قليل أخرجت الشرطة خمسة ملثمين ربطت أيديهم الى الوراء وأُصعدوا إلى إحدى السيارات المسلحة ، وكان جنودها ملثمين أيضا! لم يتوقف المهاجمون المقيدون عن شتم صاحب النادي قائلين بصوت عالٍ إن لهم جولة ثانية قريبا!
وسمعنا في الباب من يقول
- رستْ المزايدة قبل فترة لصالح المستأجر الجديد، وما كان هجوم الليلة إلّا لإعطائه درسا ، لأن النادي سيهجره الرواد لمدة شهرين أو ثلاثة على الأقل. ما يُخسرُه السمعةَ وعشرات الملايين من الدنانير!
تايلاند 6/2/2025



#طارق_حربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيتنا في حي الأرامل
- شمالاً حتى شيانغ راي (3)
- شمالاً حتى شيانغ راي (2)
- شمالاً حتى شيانغ راي (الجزء الأول)
- احتفاء بالدكتور #خزعل_الماجدي في العاصمة النرويجية أوسلو
- اللمسة الحنون في فيلم Her (هي)
- لماذا لا يتعلم مذيعو الفضائية العراقية من مذيعي قناة الجزيرة ...
- قفص مرمي في ضواحي بغداد
- إهداء كتابي (الطريق إلى الناصرية) إلى روح أبي
- إلى محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي. أوقفوا التعامل السيء مع ...
- السيد رئيس الهيأة العامة للآثار والتراث المحترم
- مصطفى والجسر والزلزال
- عن اللغة والفردوس والمنفى
- جدلية الصراع بين الخير والشر في فيلم شجرة الحياة
- جسر الزيتون
- فيلم طعم الكرز (Taste of Cherry - 1997) للمخرج عباس كيارستمي
- عراقيات (1) وادم حجاز كار يوسف عمر
- شارع جهنم (كتاب الرحلات الآسيوية)
- حقوق الحيوان في النرويج
- جفاف الفراتين!


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - ليلة الأوزو