-حيرة الإنسان بين الوجود والعدم في قصة حلم رجل مضحك- للكاتب الروسي العملاق فيودور دوستويفسكي

الطاهر كردلاس

الحوار المتمدن-العدد: 8220 - 2025 / 1 / 12 - 22:43
المحور: الادب والفن
    

"حيرة الإنسان بين الوجود والعدم في قصة حلم رجل مضحك"
للكاتب الروسي العملاق فيودور دوستويفسكي
بقلم الطاهر كردلاس....

ما إن أنهيت استماعي لقصة "حلم رجل مضحك" لدوستويفسكي
باللغتين العربية والفرنسية عبر اليوتوب
- وقد كانت الترجمتان كلتاهما موفقتين عن اللغة الروسية - حتى أحسست إحساسا باطنيا غريبا لتفاهة هذا الوجود وعدميته وعبثيته عبر القلم النفاذ الثاقب لهذا الكاتب الفذ..
فهذه القصة الآخذة بتلابيب لواعجعك الداخلية بقوة وبعنف، هي قصة رجل مجهول الهوية يحس نفسه سخيفا تافها، مضحكا أو مضحوكا عليه ، سواء من طرف الآخرين ، أو في قرارات نفسه. إنها أحد أعمال الكاتب الفيلسوف دوستويفسكي،الذي اشتهر قلمه بسبر أغوار سيكولوجية الإنسان في أعمق أعماق بواطنها الغائرة السحيقة..
والتي ألهمت سيغموند فرويد في تحليلاته السيكولوجية.. فدستويفسكي قد لامس أدق أعراض التقلبات الصراعات والمشاعر النفسية التي تعتورها سرا وعلانية.. ولا عجب في ذلك ، فقد كانت الفلسفة العميقة ديدنه في كل تحاليله الروائية والقصصية ببراعة قل نظيرها..
إن إشكالية الوجود والعدمية في هذه القصة بمثابة الأنوار الساطعة التي تنير الظلمات المعتمة، سواء في الكون أو في خوالج النفس الباطنية..
بطل قصتنا هو رجل بلا ملامح ولا اسم ولا هوية مثله مثل بطل فيكتور هيجو في روايته "آخر يوم في حياة رجل محكوم عليه بالاعدام "
" le dernier jour d un condamné"
اسم بلا معنى ولا هدف ولا سمات محددة.. هو إنسان إشكالي.. منبوذ في هذا العالم .. مرمي بعبثية قدرية.. يحس بالخزي والعار.. ويفكر دائما في الانتحار كخلاص من السيزيفية التي تهبط به إلى أسفل قرار. والمازوشية المقلقة والعذاب الأبدي الذي يلاحقه أينما حل وارتحل.
وإليكم ملخص الرواية باقتضاب :
( لقد كانت حياة الرجل المضحك أقرب للعدم منها للوجود، فلا معنى منها ولا شعور يطرق قلبه ولا أسئلة تراود عقله، وقد كان يقضي نهاره يقرأ وليله يتأمل بلا كلل، وقد هانت حياته في عينيه للحد الذي جعله يميل للعدم. وقد ذكر حينها أن في لحظة فقدان وعيه سيختفي العالم، إذ إن لم يكن له وجود فليس لهذا العالم الذي خلق له وحده وجود، ولكن قبل أن ينفذ قراره كان النوم أسرع منه وحينها غفا غفوةً في مضمونها أشبه بالصحوة وكان بطلها حلمًا خارقًا.
حلم عبر فيه طبقات السماء حتى وصل للنعيم وحينها تعرف عليه وعلى أبناء النعيم، ساده الحب الهادئ تجاه كل المخلوقات، وحينها استشعر حقيقة الوجود بقوة تجعل الدموع تنهمر من عينيه خشوعًا وحبًّا، وقد كان حلمًا سريعًا فتسارعت الأحداث به حتى انقلب النعيم كالأرض، وظهرت الخطايا وخفتت المحبة وأضاءت الأنانية وذلك لم يقلل من حبه ذرةً بل غمره الحب أضعافًا لأهل الخطيئة، فقد عرف الحقيقة وهم يجهلونها وقد وعي وهم يهربون من الوعي.
وحينها انتهى ذلك الحلم ولم ينته تأثيره على البطل ولا على القارئ ذاته، وقد دفعه الحلم للاستفادة منه بكل الطرق والسعي لإحالة هذه الأرض نعيمًا مرةً أخرى بخُطا سعيٍ مخفية وملخصة في كلمةٍ صغيرة الحروف وكثيرة المعاني والأفعال)

لقد حلقت بي هذه القصة لحيظات ماتعة بين عوالم مفارقة ما تحت قبة السماء وما فوقها . واجتازت بي برزخا فاصلا بين الوهم والحقيقة.. بين الأرض التي نسكنها الآن .. وبين الأرض التي سكنت في لاشعورنا في أزمنة غابرة سحيقة.. أزمنة ربما قد اقترفنا فيها خطايا لا ندري مضامينها ، جعلتنا كبشر ننزل إلى هذه الأرض من علو فضائي لنكدح فيها ما شاء لنا أن نكدح حتى نؤوب مرة أخرى إلى العالم العلوي الذي كنا فيه نمرح ونسعد ونلهو ونستمتع بكل حرية مطلقة.. ليس فيها عذاب ولا معاناة ولا مكابدة..
يالروعة هذه القصة!! ويالروعة هذا الكاتب الذي ما أنجب الدهر مثله في عالم الرواية
التي تسبر العوالم الخفية للإنسان!!
بقلم الطاهر كردلاس
اكادير 2025/01/12

#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل