أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطاهر كردلاس - قصة قصيرة: المهووس














المزيد.....

قصة قصيرة: المهووس


الطاهر كردلاس

الحوار المتمدن-العدد: 7861 - 2024 / 1 / 19 - 20:59
المحور: الادب والفن
    


ما كان علي السبتي إلا أن يتمدد.. وأن يغيب في سبات عميق.. لقد قضي نهارا لا كالنهارات.. خاض معركة حقيقة..

كان بطلا في عرف أصدقائه.. تحدي الباطرونات الجشعين.. لم يتوان لحظة في تحريض عمال الميناء، ليطالبوا بحقوقهم المهضومة.. وما عليه إلا أن يستسلم عميقا إلي النوم.. تمدد علي ظهره.. انقلب علي بطنه.. طوي ركبتيه.. نزع الوسادة من تحت رأسه…. أرجعها بسرعة.. أغمض عينيه.. فتحهما ببطء.. لاحظ أن زوجته لا تزال تتابع أطوار الفيلم المصري احنا بتوع الأوتوبيس .. تشاءم.. لأنه يعرف خاتمة البطل.. أغمض عينيه مرة أخري..

تبا !! ما بال النوم يجفو جفنيه.. تبا للعياء والتعب !! تراخت أنفاسه قليلا.. هام فكره في ضبابية.. تراءي له شبح من بعيد.. اقترب الشبح.. يحمل في يديه عصا حديدية.. عيناه من جمر.. أسنانه من فحم.. فمه في أعلي، وعيناه في أسفل.. وجه مقلوب الملامح.. صوته كالفحيح.. صاح الصوت الفحيح بصوت اهتزت له أركان الدنيا كلها: هل تعرفني؟ أتتذكر وجهي الوسيم؟ هل تناسيت أننا نتعقب آثارك أينما وليت؟ نحن ظل ظلك.. فلا توهم نفسك أنك بمنأي عن المراقبة والترصد..

لقد زرعنا في قلبك آلة تخبرنا في كل لحظة عن مكانك أينما حللت وارتحلت.. أسرارك الدفينة لا تخفي عنا..
تكلم هل تعرفني؟
حاول السبتي جاهدا أن يصرخ.. لكنه أحس لسانه مبلوعا في حلقه.. لقد ابتلعه دون أن يشعر.. تحسس فمه..

أين فمي؟ من أين سأصرخ؟ هل زوجتي لازالت تتابع أطوار الفيلم المصري.. أم تتابع هذا المشهد الرهيب؟ هل مسها الشبح بأذي؟ ما بالها لا تحرك ساكنا؟ ركز عينيه في الشبح.. كان بلا ملامح.. لم ير في حياته أبشع من صورته.. عيناه حفرتان غائرتان، يظهر منهما لسان ناري يرسل شواظا من لهب.. هل هو حيوان أم شيء آخر؟ ليس إنسانا علي أي حال… ولكن من أين يصدر هذا الصوت..؟ فاجأه الصوت الفحيح مرة أخري: أتجعل من نفسك بطلا في معارك وهمية؟ هل تدري أن عيوننا وآذاننا أخبرونا أنك المحرض الأساسي لعمال الميناء؟


العمال لا يأبهون بك ولا بأمثالك المشعوذين.. فرغم رواتبهم الهزيلة، فهم يؤدون واجبهم بالرغم من أنف أمك..

أتري هذه العصا الحديدية.. إنها صنعت خصيصا لأمثال أمثالك.. هاك خذ !! هوي الشبح بكل قواه علي رأس السبتي.. فتطاير الدم كأنه نافورة.. شرشر الدم عاليا في الهواء، فلطخ المكان كله.. صار الدم بحرا… لم يتألم السبتي.. بل فغر فاه في الدم المسفوك.. هل جسمه يمتلك كل هذا المخزون من الدماء؟ ما فائدة هذا الدم في جسمه.. لماذا هو أحمر وليس أبيض أو أزرق؟ لعل حمرة هذا الدم لها علاقة بالجمر، أو البراكين.. أو أي شيء آخر…

عندما يذبح الديك، ويتطاير دمه ينتفض.. فلماذا لا ينتفض في هذه اللحظة ضد هذا الشبح؟

مد يده عله يتحسس شيئا يضرب به رأس هذا الشبح.. هذه حجرة ملساء.. ماهذا؟ إن بها أصابع.. هل للحجر أصابع؟

جذبته الأصابع بقوة.. سمع صوتا يناديه باسمه: قم لعملك.. فالوقت قد فاتك.. سيطردك رب العمل إن تأخرت أكثر..

فتح عينيه بصعوبة.. كانت امرأته واقفة تجذبه بقوة.. لم يصدق ما حوله.. أين الشبح؟ أين الدماء المتدفقة من رأسه؟ تحسس رأسه.. لا شيء.. قالت له امرأته: لقد كنت تهذي بصوت مرتفع..

هل عشت كابوسا في منامك؟ قم قم، فالوقت قد فاتك… حاول جاهدا أن يتململ.. كان يحس وجعا في أضلاعه.. هل أنزل الشبح عصاه علي الأضلاع؟

تنفسالهواء بصعوبة.. كان يحس اختناقا لا يدري كنهه..

هل ما رأي حقيقة أم وهما؟ وهل يسأل زوجته عن الكلمات التي كان يهذي بها أثناء غفوته العميقة..

لا يدري الآن هل هو في عالم الواقع أم في عالم الأحلام؟ هل الشبح الذي رآه أو بالأحري تراءي له في منامه كائن حقيقي أم وهمي؟

وهل سيزوره مرة أخري كلما أخلد للنوم.. أو كلما حرض عمال الميناء ليستردوا حقوقهم المهضومة؟

لعل أناسا مثله – خاضوا ما خاض – يرون هذا الشبح أثناء منامهم كلما هدهم التعب؟

لا يدري أي شيء عن أي شيء إلا أن أضلاعه توجعه في هذه الساعة، التي يوجد فيها بين النوم واليقظة



#الطاهر_كردلاس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعر :جريمة التناسي. للشاعر الطاهر كردلاس
- شعر. الأسد الخائر
- قصيدة غزل صادم


المزيد.....




- الجزائر: وفاة المخرج محمد لخضر حمينة صاحب السعفة الذهبية بمه ...
- عاصفة تصفيق في كان لفيلم هندي يروي صداقةً تتجاوز الطائفة وال ...
- وفاة المخرج الجزائري البارز محمد لخضر حمينة
- رحيل المخرج الجزائري محمد لخضر حمينة
- الفنانة السورية منى واصف بخير
- الفنان باسم ياخور يعود إلى سوريا (صور)
- -رسائل حب من اليمن إلى قطر- قصائد الشاعر بعداني تضيء كتارا
- وفاة المخرج والمنتج الجزائري الكبير محمد لخضر حمينة
- الأكاديمي باسم الشمايلة يحمل الدكتوراه ويقدم الشاي والقهوة ف ...
- الفنانة نادين نجيم توثق -تعرضها للتحرش- وتنشر لقطات للموقف و ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطاهر كردلاس - قصة قصيرة: المهووس