أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - إني ظل الألم يا صاحبي!














المزيد.....

إني ظل الألم يا صاحبي!


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8217 - 2025 / 1 / 9 - 00:15
المحور: الادب والفن
    


مضت سنتان على رحلة العذاب التي مررنا بها معا، ولم تستطع هذه المدة الزمنية محو الآلام المنقوشة كالوشم على قلوبنا الصغيرة، ولم تغب صورة وطن صنعناه بدموعنا المنسابة. لم أنس ذلك العجوز الذي ينحني ليلتقط دراهم معدودات على الأرض، ولم تفارقني نظراته الشاردة إلى السيارة وهي تلتهم الطريق أمام عينيه اللتين ذرفتا بفعل دخان عادم السيارة. لم أنس ولن أنسى أولئك الأطفال الأبرياء الذي بكوا حين علموا باقتراب موعد رحيلنا، فتمسكوا بأطراف أثوابنا التي مزقها صعود الجبال والحجر، ولا تلك المرأة التي تشقق خداها بسبب البرد القارس، ولا تلك اليد المرتجفة التي عجنت خبز المساء بالدموع.
لم أنس، يا صاحبي، تصوراتك وأفكارك حول الألم الذي تراه أسمى المشاعر الإنسانية وأصدقها، لكني لم أنبس ببنت شفة، ولم أعترض على كلامك لأني، وكما تعلم، أعد الألم تجربة تتطهر فيها النفس البشرية من أدرانها، وتعرب عن أعماقها الغائرة، فتغدو شفافة صافية وقد استعادت نقاءها الإنساني الفطري قبل أن تخوض غمار الحياة.
نختلف في نظرتنا للألم الإنساني، في اعتباره سموا بالروح أو تطهيرا لها، في كونه نوعا من أنواع الوجع الذي يتغلغل في أعماق الروح والجسد، ولكننا لا نختلف في كون الألم رفيقا أبديا لنا يا صاحبي؛ لأننا نحمله بين جوانحنا حيثما حللنا وارتحلنا، وكلما صادفنا مشاهد ومواقف إنسانية تعود صورة الألم إلى الظهور، وتزداد عمقا ورسوخا في أرواحنا، وتنعكس على نظراتنا المتعبة، حتى أننا صرنا نخاف الألم المختفي في العيون.
إني رفيق الألم وظله يا صاحبي، ومن يرافق الألم يغدو مرهف الحس رقيق العاطفة؛ تبكيه المواقف الحزينة العابرة، والحنين إلى الأيام والذكريات الهاربة، وحيثما حضر الألم فثمة وجود لنا يا صاحبي.
أثقلت عليك بشكواي الدائمة، حتى اعتقدت أني متبرم بالحياة وأناسها، ولكنك كثير النسيان: تنسى تجارب الألم التي عشتها، الجروح العميقة التي حفرها أخاديد على وجهك. أما أنا، فلا أنسى ألمي الذي أراه في عيني غيري؛ لأني أقرأه في العيون، وأتحسس وقعه في الكلمات التي تبدو أنها تطلع من بئر عميقة، ألاحظه على الوجوه الشاحبة، على الشفاه المتيبسة والمتشققة، وأسمعه في التنهيدات والآهات التي يصدرها المتألمون والموجوعون والمفجوعون؛ لذلك، صنعت للألم ذاكرة وجعلته لي ظلا ورفيقا، وخبرته بوصفه تجربة طويلة، فتشكلت صورته في روحي، وانحفرت علاماته في عيني الخابيتين، وكتبت حروفه على شفتي الذاويتين.
ستكون هذه الكلمات خاتمة الحوار الطويل بيننا، وتذكيرا بأن من كان رفيقك في الألم لم ينس، ولأنه لا ينسى سيظل رفيقا وظلا للألم الذي يطارده دائما، ويجعله طعما سائغا للسهاد والأرق، ونموذجا مصغرا للضعف البشري.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صمتُ الصباحِ
- النفس بين الحنين والرغبة
- هل صمت المثقف آية على انهزامه؟
- -يولدُ الصمتُ من رحمِ القراءةِ-
- -حِدادُ الصباحِ-
- -حينما يزورني طيف أمي-
- -مذاقُ النفاقِ-
- -حينما تَبكي الروحُ!-
- قراءة في كتاب -الكلام والخبر: مقدمة في السرد العربي- للدكتور ...
- قراءة في كتاب -سرديات معاصرة- ل الحسين أيت باها
- مقوماتُ القصةِ القصيرةِ
- إني متعبٌ يا صاحبي!
- محمود درويش في ضيافة السيميائيات
- قلق في الكينونة
- خواطرُ المطرِ
- -زلزال مفاجئ-
- -بحثت فوجدت نفسك-
- الذات بين الوحدة والألفة
- وهم التعويض
- - كيف ينشر اليوتوب أمراضه في المجتمعات العربية؟-


المزيد.....




- هل تصدق ان فيلم الرعب يفيد صحتك؟
- العمود الثامن: لجنة الثقافة البرلمانية ونظرية «المادون»
- في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال ...
- أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
- من أجل قاعة رقص ترامب.. هدم دار السينما التاريخية في البيت ا ...
- شاهد/ذهبية ثالثة لإيران في فنون القتال المختلطة للسيدات
- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-
- تمثال من الخبز طوله متران.. فنان يحوّل ظاهرةً على الإنترنت إ ...
- مسك الختام.. أناقة المشاهير في حفل اختتام مهرجان الجونة السي ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - إني ظل الألم يا صاحبي!