أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - -حينما يزورني طيف أمي-














المزيد.....

-حينما يزورني طيف أمي-


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 7877 - 2024 / 2 / 4 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


أتعبتني هذا الطريق الموحش، والصخب الذي يخترق أذنيّ المترقبتين، ويحملني على استحضار حياتي من تجاويف الذاكرة المثقوبة، وأبسطها أمامي عارية، فأخذت تتناثر مع حبات الحصى المضطربة، وتتحرك مع الرياح القوية، وتضطرب كلما صادفت حفرة في الطريق. وحيدا أعبر هذه المسافة المتخمة بالصمت القاتل، وأتجول بعيني الغبرتين على جنبات الطريق؛ أنظر إلى صورتي في الحيوانات الشريدة، فتسرح بي الذاكرة بعيدا، وتحضرني ذكرى ظلت نقشا في الوجدان، وتلح علي بين الفينة والأخرى، بيد أنها سرعان ما تصطدم بلحظات سهو طويلة، تعتريني كلما وجدتني وحيدا في هذا الطريق، وتأخذني إلى حيث تعيش أمي، فأحسني طفلا صغيرا يحبو، ويبحث عن يدين حانيتين رطبتين، تسرحان شعيرات رأسه المتناثرة، وتنتشلانها من الأرض بحنو وحدب كبيرين، فيغمرني دفء أمي، ويأخذ جسدي النحيل في الارتجاف، في الحركة العمياء، في الهدوء، في الارتخاء.. ثم النوم الطويل.
طاب لي المقام في مملكة الحلم فأقمت، لكنني سرعان ما أفقت، وغادرت هذه المملكة التي لم يطل تربعي على عرشها إلا لحظات قليلة، لأجدني منصهرا وسط الناس، أبتسم لهم كلما ابتسموا لي، وأرى شفاههم تتحرك وتتموج، بيد أني لا أسمع كلماتهم، لا تصلني أصواتها بقدر ما تأخذني حركات أجسادهم المضطربة. تمتلئ نفسي ضجرا ومللا، فأفر من هذا العالم خائفا، وأرتمي في مملكة الحلم مجددا، هناك تنتظرني أمي، وتترقب عودتي شوقا للأمان والدفء.
أرتمي في أحضانها صارخا:
- تعبت يا أمي، بل أتعبني الورى وأدمعوا عيني..
تحضنني بقوة، فأحس بالارتخاء، وبدمعاتها الساخنة تسقط على خدي، فتهمس في أذني متسائلة:
- ماذا فعلوا لك؟
أرد والكلمات في حلقي أشواكا:
- سرقوا مني كل شيء، حتى الحلم الذي أفر إليه أخذوه مني، فلم أعد أدري إلى أين يا أمي.
تتساقط دموعها على جرحي المندمل فتضمده، ثم تنطق والحرارة تغزو جسدها:
- ابق قويا صامدا، وإياك أن تستسلم لهم؛ إنهم بشر أنانيونون يا ولدي، ولا يطمئن لهم بال حتى يروا دموع الآخرين منغمرة، وعلامات الحزن تملأ وجوههم.
كفكفت دمعها بسرعة، وتنسمت الهواء وعيناها مطبقتان، ثم أردفت:
- كن رجلا راسخا كالجبال، ولا تلن أو تضعف أمام هذه العواصف العابرة، وسأظل دائما في انتظارك؛ لأن هذه المملكة لن يدخلها غيرك.
- ما أجمل الحلم يا أمي! وما أجمل أن ألقاك فيه امرأة قوية لا تهب كلمات البشر القاسية!
ابتسمتْ، قبلت جبيني، ثم قالت بعدما سرحت ببصرها في أفق بعيد:
- آن لك أن تعود إلى عالمهم، وتظهر لهم أنك أقوى من كلماتهم، وأكثر قدرة على الانحناء لعواصفهم.. ابق رجلا.
طأطأت رأسي علامة الموافقة، ومسحت دموعي بيدي المرتعشتين، وبقيت شاخصا في عيني أمي، وفجأة سمعتُ أصواتا صاخبة، وبدا لي المصلون يغادرون المسجد وهم مختبئون في جلاليبهم الصوفية.
لم تنقطع صلتي بمملكة الحلم يوما؛ إذ ما إن تختنق نفسي بكلمات الورى، وتمتلئ ضجرا ومللا بأحاديثهم الفارغة حتى أجدني محمولا على أجنحة الحلم، وطفلا صغيرا نائما في أحضان أمه، يتوسد جسدها الحنون، ويتنصت على نبضات قلبها التي تتصاعد كلما احتضنته.
أتذكر كلمات شعراء وروائيين حول أمهاتهم، وبحثهم الدائم عنهن في عالم الحلم؛ إذ كلما أتخنهم الناس جراحا، وملأوا قلوبهم وجعا وألما، فروا إلى هذه المملكة الهادئة، والتمسوا الدفء والأمان في أناسها المختلفين عمن عهدوهم في حياتهم الواقعية.. فما أجمل الحلم إذا رأيت فيه وجه أمي مضاء متوهجا!.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مذاقُ النفاقِ-
- -حينما تَبكي الروحُ!-
- قراءة في كتاب -الكلام والخبر: مقدمة في السرد العربي- للدكتور ...
- قراءة في كتاب -سرديات معاصرة- ل الحسين أيت باها
- مقوماتُ القصةِ القصيرةِ
- إني متعبٌ يا صاحبي!
- محمود درويش في ضيافة السيميائيات
- قلق في الكينونة
- خواطرُ المطرِ
- -زلزال مفاجئ-
- -بحثت فوجدت نفسك-
- الذات بين الوحدة والألفة
- وهم التعويض
- - كيف ينشر اليوتوب أمراضه في المجتمعات العربية؟-
- عائدون بقوة
- تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه
- مُلاحظاتُنَا حول -كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا -
- -صهيلُ الذاكرةِ... القلمُ الكونيُّ-
- الإصلاح اليتيم... إلى أين؟
- اللغة العربية


المزيد.....




- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - -حينما يزورني طيف أمي-