أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - الذات بين الوحدة والألفة














المزيد.....

الذات بين الوحدة والألفة


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 7716 - 2023 / 8 / 27 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


تعلمنا كثير من الأدبيات الفلسفية وتعاليم الفلاسفة أن بناء الذات يتطلب الوحدة، واختلف الفلاسفة في تحديد ماهية هذه الوحدة وضروبها، إلا أنهم أقروا على أن حال الذات وسط الجماعة طريق إلى ذوبانها؛ ومعنى الذوبان هنا هو أن تفقد هذه الذات جوهرها وهويتها الحقيقية، فتغدو ذاتا من الذوات تشترك في جواهر وصفات ولا تكاد تختلف إلا في درجة حضور هذه الصفات، ومن ثم يكون اختلافها اختلافا في الدرجة وليس في النوع. إنهم يرون أن الوحدة هي السبيل لتستكمل الذات ملامحها وتتحلى بسماتها الجوهرية الحقيقية، وبذلك تكون ذاتا حرة قوية ومتفردة. لكن، هل القوة والتفرد يتطلبان العزلة والاعتزال؟ ألا يمكن أن تحقق الذات ذاتيتها وتتحصل جوهرها وهويتها في تفاعلها مع الذوات المحيطة بها؟ أليس وجود الآخر شرطا من شروط وجود الذات؟ أيمكن للذات المنعزلة الوحيدة أن تتشكل بعيدا عن الجدال مع الغرية؟ أليس الغير هو الغريب الذي يسكننا على نحو غريب كما ذهب جوليا كريستيفا؟
إن الفلسفة العملية محك ليختبر الإنسان أفكاره وتأملاته الفلسفية؛ ذلك أنها تتيح لنا تجربة العزلة والألفة، وإقامة مقارنة علمية وعملية بينهما، ومن ثم اختبار الذات لذاتها وجوهرها، أي للثابت فيها والمتحول. وبما أننا قد خضنا غمار الألفة استجابة لنداء الطبيعة البشرية التي تأبى إلا العيش المشترك، وقضينا في رحابها سنوات عديدة من عمرنا، فإننا سعينا جاهدين إلى الانفكاك عن العيش المشترك، والخروج من الكهوف المظلمة طلبا لنور الحرية والتفرد، وهروبا من القيود والأغلال التي تكبل الذات من أعراف وتقاليد وأساطير، وحاولنا أن نكون ذواتا حرة متفردة سمتها القوة والإرادة، وشعارها "لا حرية للذات بوجود الآخرين".
لكن، وآه من لكن هذه، ماذا كانت النتيجة؟ وهل استطعنا أن نلبس ذواتنا الحرية والتفرد والقوة؟ هل استطعنا أن نفكر خارج التقاليد والأعراف، وبعيدا عن كل الأطر الاجتماعية والثقافية والفكرية والنفسية التي نشأنا بين أحضانها؟ هل استطعنا أن نأتي بما لم يسبق إليه الأوائل؟
إن واقع الحال والمآل يخبرنا أننا لم نعش الوحدة والعزلة بمحض إرادتنا، ولم نختر أن نعيش في بعد عن الناس، لا نشاركهم حديثا ولا طعاما ولا حتى نظرة خاطفة. ولعل في هذا اختلافا بين الوحدة التي يختارها المرء بعد طول عيش بين الناس، والوحدة التي تفرضها عليه ظروف الحياة. فهل كانت وحدة الفلاسفة اختيارا أم جبرا؟ أم أن حياتهم اليومية وظروفهم الاجتماعية هما اللتان فرضتا عليهم العزلة والوحدة؟ أم أنهم أحسوا تهديدا لوجودهم وأفكارهم بين الدهماء والحكام، فاختاروا طريق الوحدة والعزلة؟
تختلف أسباب وظروف اختيار المرء للوحدة، وارتمائه في أحضانها، وتجرعه لعلقمها وشقائها؛ فهذا اختار العزلة لأن أفكاره الجديدة لم تجد قبولا لدى المقلدين، وذاك ارتمى في أحضان العزلة لأن الطبيعة قد أخذت منه صحته وعافيته، فأصبح ميئوسا منه من قبل أقاربه وأصدقائه، وهذا ثالث رأى في العزلة سبيلا للتخلص من الألفة والرتابة اليومية، فاختار اعتزال الناس حتى يحدث تغييرا وحركة دائبين في حياته الراكدة، وذاك رابع آثر الوحدة ترفا وزهدا في الحياة الاجتماعية، وترفعا عن صغائر أمورها... إلا أنهم جميعا لم يكونوا وحيدين بمحض إرادتهم، وإنما اضطروا إلى الوحدة والعزلة.
وأنت أيتها الذات الكاتبة الحائرة، هل اخترت الوحدة والعزلة طوعا أم كرها؟ هل هجرت أهلك وأصدقاءك طلبا للحرية والقوة والتفرد، أم أن الضرورة الاجتماعية دفعتك إلى الوحدة والعزلة دفعا؟ وإن كنت قد اخترت هذا الطريق الموحش تأسيا بالفلاسفة وحبا للتفرد والتحرر، فهل أنت حرة متفردة؟
ما سر عيونك الباكية وملامحك الحزينة؟ أهو حزن على مصيرك وأنت تقبعين في العتمة وحيدة كسيرة، أم حنين إلى الألفة والعيش المشترك؟ هل استطعت الفرار من الناس ودسائسهم، ومن الأقارب والأصدقاء ونفاقهم وتزلفهم؟ أم أنك ما كدت تخرجين من عتمتهم حتى وقعت فريسة لليل بهيم لما ينتقض، فكنت كمن يستجير من الرمضاء بالنار؟
إن الوحدة والعزلة الحقيقيتين لا تكمنان في هجران الناس، ولا الابتعاد عن الحياة وحركيتها والارتماء في نار السكون والجمود. بل إنهما تتحققان في خضم تلك الأجواء الحميمة التي تجمع الذات بما تقرأه، تلك الأجواء التي تتحرر فيها الذات من الحياة الخارجية وتنصهر في حياة القراءة. وهكذا، تجد الذات جوهرها وجها لوجه أمام الحيوات المتعددة التي تحبل بها الكتب. فما من كتاب مركون على الرفوف إلا وقد ضاق ذرعا بالوحدة القاتلة والغبار القذر الذي يعلوه، وما أن يحمله قارئ حتى يفتح دفتيه مرحبا به وساعيا إلى عناقه.
فما أجمل عناق الوحيد للوحيد! وما أعمق إحساس المعتزلي بالمهجور المنسي! فالقارئ والكتاب كلاهما وحيد أعزل مهجور منسي، وعلى قدر اقتراب القارئ المتعطش إلى التحرر والتفرد والقوة من الكتاب المنسي المهجور، تصقل ذاته ويُبنى جوهرها وحريتها، وتتلبس بتفردها وصفائها.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم التعويض
- - كيف ينشر اليوتوب أمراضه في المجتمعات العربية؟-
- عائدون بقوة
- تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه
- مُلاحظاتُنَا حول -كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا -
- -صهيلُ الذاكرةِ... القلمُ الكونيُّ-
- الإصلاح اليتيم... إلى أين؟
- اللغة العربية
- الحاجة
- الصراع يعود من جديد...!
- قراءة في رواية -نبض- ل أدهم الشرقاوي.
- نزيف قلم
- أزمة المقررات الدراسية
- سيدي المتجبر.
- أنماط النصوص
- تركيا... إلى أين؟
- ولأن الأفكار لا تموت...
- الحرية عند المفكر المغربي: عبد الله العروي.
- تعليق حول: حفريات في الذاكرة من بعيد، للمفكر المغربي محمد عا ...
- هكذا فهمت جبران


المزيد.....




- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - الذات بين الوحدة والألفة