أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - وهم التعويض














المزيد.....

وهم التعويض


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 7658 - 2023 / 6 / 30 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


يصعب أن تستقيم الحياة الإنسانية وتستوي موازينها دون فعل التعويض؛ ذلك أن الإنسان يعوض الغياب بالحضور، والفراغ بالامتلاء، والثبات بالحركة.. لدرجة أن كل شيء في حياتنا قابل للتعويض. لكن، كيف تعوض النفس غياب الأشخاص والأمكنة؟ هل ينتهي الاغتراب الروحي والوجودي بتعويض أشخاص بآخرين وأمكنة بأخرى؟ هل فعلا موطن النفس هو كل مكان أو فضاء، مادي أو معنوي، وجدت فيه نفسها الهائمة؟ هل يمكن للأشخاص أن يخلقوا اللحظة في الآن والهنا التي خلقها أشخاص آخرون في الماضي والهناك؟
يبدو هذا التعويض ممكنا نظريا، ولكنه مستحيل واقعيا؛ لأن اللحظة لا تكرر نفسها بالصيغة والكيفية نفسيهما، وإنما هناك لحظة مشابهة وليست اللحظة المفتقدة عينها. قد تبتعد عن الأشخاص والأمكنة التي يوجدون فيها، ولكن وجود أشخاص آخرين في الأمكنة والأزمنة نفسيهما لا يعوض ما افتقده المرء.. لذلك يبقى التعويض إيهاما للنفس أنها تكرر اللحظات نفسها، وأنها تعيش الأجواء عينها، وهي، إذ تفعل ذلك، فإنها لا تبرح دائرة ما اصطلح عليه فرويد "قهر التكرار". لكن هل الإنسان، فعلا، مجبور على السعي خلف التكرار: تكرار التجارب نفسها، والعلاقات الإنسانية والوجودية عينها؟ أليس للتكرار سبب وجودي يترك هوة ساحقة في النفس البشرية التائهة؟ ألا يعد التكرار سعيا متواصلا للوجود مرة أخرى في لحظة مختلفة ومع أناس مختلفين؟
فلئن نحن أخذنا العائلة مثالا، فإننا نلفي أنفسنا عاجزين عن تعويض أفرادها، والأجواء التي تخلقها.. صحيح أن للإنسان قابلية التأقلم والتعويض، والتأسي بالحضور تعويضا للغياب، ولكنه يبقى مع ذلك في حال ظمأ روحي ووجودي للعائلة وأجوائها حتى وإن كان بين أحضان عائلته الثانية، فإنه يظل مشدودا إلى العائلة. بيد أن هذا الفراغ والغياب اللذين يدخلان النفس البشرية في حال اغتراب روحي ووجودي لا يمكنهما أن يتبددا دون فعل التعويض النفسي والروحي. ولعل هذا ما يجعلنا كلما فقدنا شيئا سعينا إلى تعويضه بشيء آخر، والشيء نفسه يمكن أن ينسحب على الأشخاص والأمكنة والأزمنة. يفقد المرء أباه فيجد تعويضا مؤقتا له في أمه، ولكن هل الأم تملأ فراغ الأب؟ هل وجود الأم معناه نسيان الأب؟
إن الأمر ليس بهذه السهولة، كما أن الغياب والفراغ اللذين يتركهما الأشخاص لا يمكن أن يعوضا إلا تعويضا كاذبا؛ لأننا، ونحن نزعم أننا شفينا من جرح الغياب، لا نقوم إلا بإيهام النفس أنها في حال توازن، وأن الغياب لم يعد موجودا، وأنه مجرد لحظة خلخلة لأركان النفس سرعان ما تتخطاه بالتعويض.
ويبقى الأمل في عيش التجربة الأولى بكل تفاصيلها وجزئياتها، والانصهار فيها والتماهي معها، أي عيشه في أصالتها ونقائها حتى تترسخ في أعماق النفس، ولا يزعزعها الغياب والفراغ والفقد، لأنها تكون نفسا ممتلئة باللحظة والتجربة الوجوديتين الأصيلتين.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - كيف ينشر اليوتوب أمراضه في المجتمعات العربية؟-
- عائدون بقوة
- تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه
- مُلاحظاتُنَا حول -كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا -
- -صهيلُ الذاكرةِ... القلمُ الكونيُّ-
- الإصلاح اليتيم... إلى أين؟
- اللغة العربية
- الحاجة
- الصراع يعود من جديد...!
- قراءة في رواية -نبض- ل أدهم الشرقاوي.
- نزيف قلم
- أزمة المقررات الدراسية
- سيدي المتجبر.
- أنماط النصوص
- تركيا... إلى أين؟
- ولأن الأفكار لا تموت...
- الحرية عند المفكر المغربي: عبد الله العروي.
- تعليق حول: حفريات في الذاكرة من بعيد، للمفكر المغربي محمد عا ...
- هكذا فهمت جبران
- الشعرية وتجلياتها عند أدونيس


المزيد.....




- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - وهم التعويض