أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - -حِدادُ الصباحِ-














المزيد.....

-حِدادُ الصباحِ-


محمد الورداشي
كاتب وباحث مغربي.

(Mohamed El Ouardachi)


الحوار المتمدن-العدد: 7884 - 2024 / 2 / 11 - 00:58
المحور: الادب والفن
    


يأتي الصباحُ الباكرُ مُحمّلا بأشياء كثيرة؛ فإلى جانب روائحه العطرة ونسيمه البارد الرقيق، توجد المفاجأةُ والدهشةُ. يرن الهاتف صاخبا، وأنا غارقٌ في نومي الطويل؛ أسعى إلى نفض التعب الذي تكدس فوق جسدي أياما طويلة، وأروم حملَ الثقلِ الذي يجثم على روحي الخفيفة، ومع رنينه تنبلج المخاوف والوساوس في خلدي، وتذهب بي الظنونُ أشواطا بعيدةً في عالم الحلم والخيال، عالم المشاعر المقدسة التي تؤثث روحي، وتزرع الرهبةَ في قلبي الفسيح. تتساءل عيناي الجاحظتان عن السر الخفي وراء هذا الاتصال، فأحمل هاتفي بيديّ المرتعشتين كأنهما اقترفتا جرما كبيرا، فأضغط على الزر بخفة، لأسمع صوتا مضطربا مسرعا:
- ولدي! الدائم الله تعالى.
تنقطع الكلمات، ولا تصلني إلا أصواتٌ مشوشةٌ، فأبادرُ بالسؤال، وفي القلب لوعةٌ تتقد، وفي العين دمعةٌ ساخنةٌ متلألئةٌ تنزلق من بين الجفنين:
- لم أسمع جيدا، من المتوفى؟
- خويا، عمك أحمد توفي هذا الصباح.
انقبضت نفسي واسودت الرؤية في عيني الدامعتين، حاولت أن أداري حزني الذي ملأ نفسي حزنا وألما، فقلت كلماتٍ تعودناها في مثل هذه المناسبات:
- إنا لله وإنا إليه راجعون، الدوام لله، والرحمة والمغفرة للعم.
انقطع خط الاتصال بعدما ترددت كلمة "آمين.. آمين" مرات متتالية، فأخذت نفسي تسرح في الطريق البعيد، وروحي تحلق على بساط الريح نحو المجهول، إلى حيث حلقت روح عمي، إلى الذكريات البعيدة التي ظلت محفورة في الوجدان، ووشما على الذاكرة المثقوبة. تذكرت أيام كنت صغيرا، تذكرت القرية والحقول الخضراء، والخضر والنخيل والأشجار التي زرعتها يدا عمي، وسقتها روحه حبا وشغفا.. أيقنت أني فقدت عزيزا يحب الأرض كثيرا، ويعشق رائحة التراب الندي، ويؤثر قضاء أغلب يومه متنقلا بين الحقول والمروج المقمحة المخضرة؛ يزرع الأرض، ويزيل الأعشاب الضارة في الصباح الباكر، وما إن تحل الساعة العاشرة صباحا حتى تكون خضر وجبة الغداء موجودة في الدار، يحضرها عمي الذي زرعها وسقاها.
مرت كل هذه الذكريات مسرعة مشوهة على ذاكرتي، وحاولت القبض على نتف متفرقة منها، بيد أن محاولاتي كلها باءت بالفشل. لكن في القلب حدثا أغر لم ولن ينسى أو يمحى من الذاكرة؛ إنه حدث اختيار اسمي.
أخبرني الأهل بعدما تجاوز سني العاشرة أن عمي هو من اقترح أن يطلقوا علي اسم "محمد". قالوا إن هذا الاسم مصدره حلم راود العم في ظهيرة يوم حار، كان نائما تحت نخلة وارفة، فحلم أن العائلة سترزق بمولود اسمه محمد، وسيكون خلفا لجده الذي توفي منذ ثلاثة أيام.
سمعت هذه القصة مرات كثيرة، فازداد حبي لعمي، وأيقنت أن اسمي سيظل ذكرى وآية على هذا الحب الصغير في قلبي، والذي أخذ ينمو يوما بعد يوم. ذهب من سماني محمدا، وذهب معه حب الأرض وثراها، والخضرة والبهجة التي كانت تملأ الحقول والمروج في أيامه المشهودة.
سيظل مكانك، أيها الرجل الشامخ، جرحا غائرا في قلبي، ولا أظن أن الأيام الآتية قادرة على تضيده، وعلى ملء فراغك بغيرك من الأناسي. كنت كبير العائلة بعد موت الجد والجدة، والوشيجة القوية التي تشد أواصرها، والمنبع الذي يسدي النصيحة، ويروي بطيبة قلبه قلوبنا العطشى حبا وتلاحما، والطود الذي يشد العائلة لئلا تميد، ويحضن نفوسنا كي لا تمور وتضطرب، ويطفئ نار الصراع التي تشب بيننا.. إنك السند المتين الذي نتكئ عليه، ونضع عليه رؤوسنا كلما أثقلها التفكير والحيرة.
إلى روحك الطاهرة الزكية الرحمة والمغفرة عمي الحبيب، وإلى قلوبنا المكلومة الصبر والسلوان، وإنا على الدرب لسائرون.



#محمد_الورداشي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Ouardachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حينما يزورني طيف أمي-
- -مذاقُ النفاقِ-
- -حينما تَبكي الروحُ!-
- قراءة في كتاب -الكلام والخبر: مقدمة في السرد العربي- للدكتور ...
- قراءة في كتاب -سرديات معاصرة- ل الحسين أيت باها
- مقوماتُ القصةِ القصيرةِ
- إني متعبٌ يا صاحبي!
- محمود درويش في ضيافة السيميائيات
- قلق في الكينونة
- خواطرُ المطرِ
- -زلزال مفاجئ-
- -بحثت فوجدت نفسك-
- الذات بين الوحدة والألفة
- وهم التعويض
- - كيف ينشر اليوتوب أمراضه في المجتمعات العربية؟-
- عائدون بقوة
- تصنيف المجتمع بين أفلاطون ونيتشه
- مُلاحظاتُنَا حول -كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا -
- -صهيلُ الذاكرةِ... القلمُ الكونيُّ-
- الإصلاح اليتيم... إلى أين؟


المزيد.....




- غزة سينما مفتوحة تحت سماء إسطنبول + فيديو
- ذاكرة الاستقلال والخرسانة الوحشية.. تونس تودّع -نزل البحيرة- ...
- حماس تدعو لترجمة إدانة دول أوروبية للعدوان على غزة إلى خطوات ...
- موعدي مع الليل
- اللغة الفارسية تغزو قلوب الأميركيين في جامعة برينستون
- ألبرت لوثولي.. تحقيق في وفاة زعيم جنوب أفريقيا ينكأ جراح الف ...
- خبير عسكري: ما جرى بحي الزيتون ترجمة واقعية لما قاله أبو عبي ...
- تاريخ فرعوني وإسلامي يجعل من إسنا المصرية مقصدا سياحيا فريدا ...
- ما لا يرى شاعرٌ في امرأة
- البرتغال تلغي مهرجاناً موسيقياً إسرائيلياً عقب احتجاجات وحمل ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الورداشي - -حِدادُ الصباحِ-