أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - الحدود المفتعلة بين الأخلاق والسياسة: فصلٌ أم تداخلٌ محتوم؟














المزيد.....

الحدود المفتعلة بين الأخلاق والسياسة: فصلٌ أم تداخلٌ محتوم؟


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8199 - 2024 / 12 / 22 - 14:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



‎الحديث عن العلاقة بين الأخلاق والسياسة هو حديث قديم يتجدد في كل عصر، إذ لطالما شغل هذا الموضوع الفلاسفة والمفكرين على مر التاريخ. فهل يمكن أن تُفصل الأخلاق عن السياسة؟ أم أن هذا الفصل هو مجرد وهم أو حدود مفتعلة تُستخدم لتبرير تناقضات الواقع السياسي؟
السياسة والأخلاق: رؤية تاريخية
‎في الفكر الإنساني، كانت السياسة تُعتبر دومًا فن الممكن، بينما الأخلاق تُعبر عن عالم المثاليات. الفيلسوف اليوناني أفلاطون، على سبيل المثال، ربط السياسة بالفضيلة، واعتبر أن الحاكم يجب أن يكون فيلسوفًا يسعى لتحقيق العدالة. في المقابل، جاء ميكيافيلي في عصر النهضة ليضع تصورًا مغايرًا، حيث فصل السياسة عن الأخلاق بشكل واضح، مؤكدًا أن نجاح الحاكم يكمن في تحقيق الغايات بغض النظر عن الوسائل.
‎هذا التباين التاريخي يعكس الصراع الأزلي بين الأخلاق كمعيار مثالي، والسياسة كواقع عملي يميل إلى البراغماتية.

الحدود المفتعلة: فصلٌ لا يخلو من الانحياز

‎يرى البعض أن الفصل بين الأخلاق والسياسة هو ضرورة عملية، إذ أن التعقيدات التي تواجهها الدول في إدارة شؤونها تجعل التمسك بالمبادئ الأخلاقية أمرًا صعبًا وربما مستحيلًا. على سبيل المثال، قد تضطر الدول إلى اتخاذ قرارات "غير أخلاقية" في ظاهرها لتحقيق استقرار سياسي أو اقتصادي.
‎لكن هذا الفصل ليس بريئًا دائمًا، فهو في كثير من الأحيان مفتعل وموجه، يُستخدم لتبرير ممارسات سياسية ظالمة أو منحازة. فعندما تُفصل الأخلاق عن السياسة، يصبح الكذب مشروعًا إذا كان يخدم المصلحة الوطنية، وتُبرر الحروب بدعوى تحقيق الأمن، وتُسلب الحقوق تحت شعار الاستقرار.
التداخل المحتوم: السياسة كمرآة للأخلاق
‎رغم محاولات الفصل، لا يمكن إنكار التداخل بين الأخلاق والسياسة. فكل قرار سياسي يحمل في طياته بعدًا أخلاقيًا، سواء كان ذلك في قضايا الحرب والسلام، أو توزيع الثروات، أو التعامل مع حقوق الإنسان.
‎إن القادة السياسيين الذين يتمتعون برؤية أخلاقية، حتى في حدودها الدنيا، غالبًا ما يحققون توازنًا أفضل بين المصالح والعدالة. على سبيل المثال، قادة مثل غاندي ومانديلا اعتمدوا على مبادئ أخلاقية راسخة لتحقيق تغييرات سياسية كبرى.

الأخلاق والسياسة في العالم الحديث

‎في عصرنا الحالي، باتت العلاقة بين الأخلاق والسياسة أكثر تعقيدًا بسبب العولمة وتزايد الترابط بين الدول. تُستخدم الأخلاق أحيانًا كأداة سياسية، كما في الخطابات التي تدعو إلى "نشر الديمقراطية" أو "حماية حقوق الإنسان"، وهي في الواقع تُخفي وراءها مصالح سياسية واقتصادية.
‎في الوقت ذاته، تظهر حركات اجتماعية عالمية تُطالب بتسييس الأخلاق، من خلال الضغط على الحكومات لتبني سياسات أكثر إنسانية تجاه قضايا مثل تغير المناخ، واللاجئين، والعدالة الاجتماعية.

نحو رؤية شمولية

‎الحدود المفتعلة بين الأخلاق والسياسة هي انعكاس للواقع الإنساني المعقد، حيث تتداخل المثاليات مع الضرورات. لكن، من الخطأ أن نقبل بفصلٍ تام بينهما، كما أنه من غير الواقعي أن نتوقع تطابقًا كاملاً بينهما.
‎الحل يكمن في تحقيق توازن واعٍ، حيث تُستخدم الأخلاق كإطار توجيهي للسياسة، دون أن تُغفل السياسة عن التعامل مع تعقيدات الواقع. في نهاية المطاف، السياسة دون أخلاق تُنتج استبدادًا، والأخلاق دون سياسة تبقى حلمًا غير قابل للتحقق.


غياب الأخلاق في النظام العالمي

‎النظام الدولي الحالي لا يعترف بالأخلاق إلا كأداة خطابية تُستخدم لتبرير التدخلات حين تخدم المصالح، أو لتجميل الصورة أمام الرأي العام. وهذا يُفسر ازدواجية المعايير التي تُمارسها الدول الكبرى، حيث تتدخل في أماكن، وتتجاهل أخرى، بناءً على حسابات القوة والنفوذ.
‎الأخطر من ذلك أن بعض القوى تستخدم "الشرعية الدولية" لإضفاء غطاء قانوني على ممارسات غير أخلاقية، كما يحدث عندما تُستخدم الفيتو في مجلس الأمن لإجهاض أي محاولة لوقف الإبادة أو فرض عقوبات على مرتكبيها.

الحاجة إلى نظام أخلاقي عالمي

‎في ظل هذا الواقع القاتم، يبدو من الضروري إعادة
‎بناء النظام الدولي على أسس أكثر إنسانية وأخلاقية. لا يمكن للعالم أن يظل رهينة لمعادلة القوة والمصلحة وحدها، فاستمرار الإبادة الجماعية دون رادع يُنذر بمزيد من الانهيار القيمي ويهدد مستقبل البشرية ككل.
‎يتطلب ذلك:
1. إصلاح منظومة العدالة الدولية: لضمان استقلالها عن ضغوط القوى الكبرى، وتحقيق العدالة في كل الجرائم دون استثناء أو انتقائية.
2. فرض قيود على تجارة الأسلحة: خاصة مع الدول المتورطة في الصراعات التي تؤدي إلى الإبادة الجماعية.
3. تعزيز دور الشعوب في محاسبة حكوماتها: لتبني سياسات أكثر إنسانية في التعامل مع الأزمات الدولية.
الخلاصة: الإنسانية أولاً
‎في النهاية، المواقف الدولية أمام الإبادة الجماعية تعكس أزمة ضمير عالمي، حيث أصبح العالم أكثر استعدادًا للتفرج على المآسي بدلًا من التحرك لإيقافها. إن غياب الأخلاق عن السياسة الدولية يجعلنا أمام نظام فاسد يحتاج إلى ثورة إنسانية تُعيد الاعتبار للقيم والعدالة، قبل أن تُسحق إنسانيتنا بالكامل تحت عجلة المصالح.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات طبيب نفسي (نوفيلا-رواية قصيرة)
- الشعب السوري بين أفق الجولاني والتحدي الإسرائيلي
- أنشودة للمهاجر الغريب
- مراثي النسيان
- اليمن: مقاومة المبدأ في وجه العالم
- حين يصبح القلب باباً
- خيبة الضوء ووشوشة الظلال
- عودة المجد
- في طيات الأنفاس
- سهم باشان: بين الرمزية التوراتية وعقدة القوة
- اضطراب ما بعد الصدمة: قراءة في سياق الانهيار السياسي والاجتم ...
- الخيال والواقع في العالم الافتراضي: نظرة فلسفية
- أطياف الرحيل
- تأثير النيوليبرالية: تحولات الملكية، علاقات الإنتاج، ودور ال ...
- ‎ليس للسوق وجهٌ في مرايا العشق
- حين يكتب الشوق قصيدته
- حكايات
- قصيدة للسفر وأخرى للعود
- تصريح ترامب وتهديده للفلسطينيين: قراءة في خطاب مأفون
- اسمي العالق في الرمل


المزيد.....




- مهرجان الصورة عمّان..حكايا عن اللجوء والحروب والبحث عن الذكر ...
- المجلس الرئاسي الليبي يتسلم دعوة رسمية لحضور القمة العربية ف ...
- الخارجية الروسية تحذر من شبح النازية وتقدم تقييما لوضع العال ...
- إصابة 29 شخصا بزلزال شمال شرقي إيران
- وزير الداخلية الإسرائيلي: المشاهد القادمة من سوريا تشير إلى ...
- والتز يؤكد استمرار المباحثات بين موسكو وواشنطن
- -حماس- تعلق على قرار سويسرا حظر الحركة
- مادورو: رفع -راية النصر- على مبنى الرايخستاغ عام 1945 تحول إ ...
- بريطانيا تبحث استخدام أموال ليبيا المجمدة لتعويض ضحايا -إرها ...
- بريطانيا ترحب بتوقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد خليل - الحدود المفتعلة بين الأخلاق والسياسة: فصلٌ أم تداخلٌ محتوم؟