أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم البيك - من قال لم يقرعوا الجدران..؟














المزيد.....

من قال لم يقرعوا الجدران..؟


سليم البيك

الحوار المتمدن-العدد: 1783 - 2007 / 1 / 2 - 11:02
المحور: الادب والفن
    


اعتدنا أن نطرح فكرة أو كلمة كمسلّمة بعيداً عن عناء الاعتراف بحق الوجود و التجاور لأفكار و كلمات أخرى. و لو على أسطر موازية, لا تنقض بالضرورة ما سبقها.
حاول الأديب و الصحفي الفلسطيني غسان كنفاني عبر ابداعاته المتنوعة من الرواية و القصة و المسرح و المقال الصحفي و الدراسة النقدية و حتى الفن التشكيلي, حاول التصدي لهذه العادة التي درج عليها الكثير من الكتّاب في تناولهم لشتى المواضيع في الأدب و السياسة و الاجتماع... حاول أن يطرح الفكرة و الكلمة الأخرى, غير السائدة. من ناحية حاول طرح أفكاره المنحازة للوطن و اللاجئين و الثورة و الفقراء, و لهؤلاء أصوات لا تكاد تُسمع. و من ناحية أخرى, و هذا مجال حديثنا, لم يسلّم بأفكار فقط لأنها السائدة و الحقيقية بنظر البعض. كان يرى في الأمور نسبية حقيقتها أكثر مما هي بادية عليه كحقائق آبدة تمدد بآنيتها مع الزمن.
سأحاول عبر أسطري هذه أن أتخذ ذات المنحى في قراءة روايته (رجال في الشمس), أن أراها ليست كما بدت للكثير, لا محاولة لنقض ما سبقني و رفض الأفكار السائدة فيما يخص المادة التي أتناولها, بل لطرح فكرة لم تأخذ حقها في الوجود و مجاورة غيرها, و تم نفيها لأسباب لم أجد في الرواية ما يبررها. يمكن اعتبار أسطري هذه انتصاراً للمُغيّب من الأفكار, تلك التي تستحق أن ترى النور.
مادتي هي اللحظات التي سبقت موت أبطال الرواية الثلاثة الذين هربوا من بؤس العيش في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين متجهين شرقاً إلى الكويت, بدلاً من الاتجاه غرباً نحو الوطن, موتهم من شدة القيظ في خزان شاحنة تلتهمها أشعة الشمس. يأخذ عليهم الكثير بأنهم لم يقرعوا جدران الخزان الذي احتُبسوا فيه فماتوا بكل هدوء. من كل ما قرأت لم يمر عليّ بأن أحداً ناقش فكرة احتمال أن يكونوا قد قرعوا الجدران, بل ناقش الجميعُ و حلل أسباب عدم قرع الخزان.
الفكرة التي قفز عنها الكثير هي مسألة قرع الجدران من عدمها. لا أحاول هنا إثبات أن الجدران قد تشققت تحت قرعاتهم و صرخاتهم, أو حتى أنهم قرعوا الجدران أصلاً. و لا أحاول نفي أي فكرة تناولت الموضوع. ما أحاول طرحه هنا هو تساؤلي عن تجاهل الكثيرين لغير ما جاء على لسان سائق الشاحنة المخصي, أبو الخيزران, الذي مثّل الرواية "الرسمية" لما حدث حين قال: لماذا لم تقرعوا جدران الخزان. هو لا يعلم إن كانوا قرعوه أم لا, و ليس في الرواية ما يحتم سماعه لهم في حال قرعوا الجدران. كلماته هذه كانت رمياً لمسؤولية مصابهم عليهم وحدهم, و هم الغريبون الضعفاء, و الموتى بعد ذلك. لا غرابة في ذلك إن أخذنا ما يمثله أبو الخيزران- القيادة الرسمية- بعين الاعتبار. الغرابة تكمن في أن يتبعه معظم الكتّاب في حكمه التلقائي بأنهم لم يقرعوا الجدران, و ينطلقوا منه كمسلّمة يُبنى عليها التحليل.
لست في وارد الدفاع عن الهاربين الثلاثة, فهم ملامون أيضاً, و ليس للوم علاقة بالخزان, بل بهروبهم من واقعهم و ابتعادهم عن فلسطين و فصلهم للهم الذاتي عن الهم الجمعي, الطبقي منه و الوطني.
لم أجد في, و بين, أسطر الرواية ما يثبت فكرة أنهم لم يقرعوا الجدران, لأني ببساطة لا آخذ كلام أبو الخيزران على محمل الثقة أو الوطنية, و لا أستطيع بناء رأيي على كلمات ظل يرددها- أذكر هنا البروباغاندا الهتلرية الرسمية التي اتبعت سياسة ترديد الكذبة إلى أن تُصدق- كلماته التي كانت تكفي عند الكثيرين للتسليم بعدم قرعهم الجدران. كما لم أجد ما ينفي فكرة أنهم قرعوه. و من هنا "أقول كلمتي و أمشي", من ضرورة توفير حق الوجود و الاختلاف لعدة آراء و أفكار و كلمات, كما أراد غسان, أو كما أراه يريد.
أوقف أبو الخيزران شاحنته بخزانها الذي يستقبر أبو قيس و سعد و مروان عند نقطة حدودية, هذا المكان لا يعج بالناس بشكل عام و لم يكن يعج بهم, بشكل خاص, في رواية كنفاني, حيث ترنو الشمس بقيظها لتلامس صحراء الخليج التي تكاد رمالها تتبخر. في المقطع التالي المأخوذ من الرواية ذاتها يصف غسان المكان الذي أوقف فيه أبو الخيزران شاحنته حيث مات الثلاثة, تجدون هنا ما يعطي لفكرة أنهم قرعوا و لم يسمعهم أحد الحق في تجاور غيرها من الأفكار:
"لم يكن ثمة, غير سيارة أو سيارتين واقفتين في طرف الساحة الكبيرة بالانتظار, كان الصمت مطبقاً بكثافة إلا من أصوات هدير مكيفات (أيضاً وصف الهدير بأنه يملأ الساحة) الهواء المثبتة على كل الشبابيك المطلة على الساحة, و لم يكن هناك سوى جندي واحد واقف في كوخ خشبي صغير يقع على جانب الدرج العريض."
و كأن غسان أراد أن يمنح مساحة يؤخذ فيها بغير كلام أبي الخيزران. فلا أحد يرمي بنفسه للموت هكذا, بكل هدوء, حتى و إن كان واثقاً بأنه عبثاً يستغيث. و احتمال ألا يسمعَ أحد أو أن يسمعَ أحد و لا يجيب أقرب للمنطق من احتمال أن يستكين الثلاثة و لا يصرخون أو يقرعون علّهم يجدون طريقاً آخر غير الموت, و من يعزو فكرة "عدم قرعهم للجدران" للبناء التراجيدي في الرواية أقول بأن نهايتهم بلا أية قرعة نهاية عبثية ليست ملزمة على غسان لإتمام البنية التراجيدية لـ (رجال في الشمس) كرواية واقعية رمزية.
لو أخذنا حياة غسان و نضاله و فكره و مجمل نتاجاته لوصلنا لتغليب فكرة أنهم قرعوا الجدران حتى ماتوا, لم يسمعهم أحد, فقتلهم عجز أبي الخيزران و سطحية و تخلف موظفي حرس الحدود العربية, و كان لذلك العجز و التخلف ضجيج ملأ الفضاء و لم يسمح لقرعات الحياة على الجدران بالصراخ, بل كتمها مصادراً حقها في الوجود و التجاور معه, فماتت خنقاً.
نصبح و نمسي على أن الرواية المقنِعة هي الرواية الرسمية, و الصوت المسموع هو صوت القوي, و السائد هو الصحيح و ما غيره هرطقة. فلنتعلم من غسان أن للضعيف صوتاً يجب أن يَصدح, و رواية يجب أن تُسجّل, و أن الآراء تتجاور طالما أن القراءة تختلف حسب القارئ و حسب الزمان, و طالما أن الحقيقة نسبية.
كم أن المفاهيم ستتغير لو آن للموتى أن يتكلموا, خاصة الضعفاء منهم.



#سليم_البيك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداخلات يوم واحد
- مضرّج بالأمكنة
- لقطة.. حرية
- هنا.. هناك
- عن الجليل و أيلول
- بيسارك.. على يسارك
- عالبيعة يا خيار
- قصة عاشق اسمه أبو علي مصطفى
- حبّ فلسطيني... في أربع ساعات
- موسيقى الكاتيوشا
- مع حبي.. ترشيحا
- في الجليل.. حياة
- أحمر أبيض
- وطن من اثنين
- غباء بكل الأحوال
- لا مكان للمساومة
- لرؤوس أصابع طاغية
- حرية تكفي.. لجمالها
- -اقعد عاقل-
- رفيقي فلاديمير


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم البيك - من قال لم يقرعوا الجدران..؟