|
عمائم ليبرالية في ساحة العقل والحرية فكرة تنويرية للدكتور رفعت السعيد.
ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)
الحوار المتمدن-العدد: 8106 - 2024 / 9 / 20 - 18:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
* الدراسة جزء من كتاب ( الحتمية التنويرية مدخل التزامن الحضاري) للكاتب ياسر جاسم قاسم الليبرالية كلمة أعجمية حاول العديد من المترجمين ترجمتها إلى العربية فقد ترجمها رفاعة الطهطاوي إلى الحرية وهنا يقول الدكتور رفعت السعيد ان المترجمين صمتوا إزاء تفسير الطهطاوي لهذه الكلمة ربما احتراماً لشيخهم وربما لأنهم لم يجدوا ما هو أفضل أو أكثر دقة في قاموس أكسفورد تترجم الليبرالي إلى متفتح الذهن ، غير متعصب ، منحاز للإصلاحات الديمقراطية لكن ثمة ترجمة آخرى للماركسيين الليبرالية وأصلها اللاتيني. Liberalis أي حر وهي لون من الفلسفة السياسية ظهر في ظل الرأسمالية وتضرب جذورها الفكرية في مذاهب لوك والمنورين الفرنسيين خاصة وثمة تعريف ثالث ينقله الدكتور مراد وهبة فيقول أن الليبرالية نظرية سياسية ترمز الى مستوى الآيدلوجيا إذ تزعم أن الحرية أساس التقدم فتعارض السلطة المطلقة سواء أكانت دينية ام دنيوية، والليبرالية تستند إلى إعمال العقل لا النقل ولكن ذلك لا يعني التخلص من التراث بل أن نختار منه ما يتلاءم مع تطلعاتنا وأمنياتنا ونعود إلى (العمائم الليبرالية) إذ يتناول الدكتور رفعت السعيد وفي مدار سبعة فصول ففي فصله الأول (رفاعة الطهطاوي) الذي يصفه بانه الحرف الأول في كتاب الليبرالية المصرية ويقول إنه لم يكتب في الليبرالية اعتباطاً أو جزافاً وإنما استلهم فكر من سبقوه من أساتذته كي يكتب في هذا المجال ويذكر على سبيل المثال الشيخ حسين المرصفي صاحب كتاب: الكلم الثمان عن الحق والعدل والحرية والشيخ حسن العطار وكان أستاذاً لرفاعة الطهطاوي، وعياد الطنطاوي الذي سافر إلى بطرسبرج ليعلم اللغة العربية في جامعتها إذ أسهم في تطوير علم الاستشراق في هذه الجامعة وألف كتاباً أسماه (( تحفة الأذكياء بأخبار بلاد روسيا) فيقول الدكتور رفعت السعيد: إن حسين المرصفي، وحسن العطار، وعياد الطنطاوي وغيرهم هم الذين كونوا دعوة العقل الأزهري للتحرير من مجرد الحفظ والتلاوة، لقد تعلم رفاعة دراسة العلوم العصرية التي درّت عليه سعة الأفق وحب المعرفة لكن رفاعة لم يكن باستطاعته الإفصاح عن ليبراليته المكتومة فهو أمام ليبرالية مخنوقة غير قادرة عن الإفصاح عن نفسها إفصاحاً كاملاً، وهو موظف عند حاكم مخيف هو ((محمد علي باشا)) وكان محمد علي يقبل بالتجديد في الصناعة والتجارة والتعليم، لكنه لم يكن ليقبل حرفاً واحداً من نقد أو حديث عن تحرير المصريين أو حقهم في مواجهة الاستبداد ورفاعة الطهطاوي قد تلقن ليبراليته قطرة قطرة من تأملاته ومناقشاته في باريس، لكن رفاعة لم يكن مجرد وافد على فرنسا منبهر بما حوله محاولاً تقليد كل ما يراه بل نظر إلى باريس وإلى ما يردده اساتذته الفرنسيون نظرة انتقادية واختلف معهم كثيراً، وعندما ألحّ عليه واحد منهم بأن يغير زيه المصري ويلبس كما يلبس القرنسيون رفض مؤكداً أن: التمدن ليس في زينة الملابس لا سيما إذا كان لا يمكن لمن تزيا به إحسانه فحاجة الوطن إلى المتعة الحقيقية أشد من حاجته إلى تقليد العرف الذي هو منفعة ظاهرة ثم يؤكد صراحة (( لو أنني اتبعت كل ما قاله الأفرنج ووافقت آراءهم أو غيره لكان ذلك محض موالسة )) ، وهكذا غادر رفاعة إلى مصر مصرياً كما ذهب لكنه مصري مستنير عاد0ومصباح الغرب باحدى يديه ومفتاح الشرق باليد الأخرى)) ((صالح بك مجدي طلبة الزمن بمناقب خادم الوطن – رفاعة بك رافع ، تحقيق الدكتور جمال الدين الشيال 1958 ص2)) يقول الدكتور رفعت السعيد معقباً على رفاعة وحالته التنويرية ما نصه ص29 (( ولعل رفاعة كان حسن الحظ فالوالي الذي أرسله إلى باريس والذي عاد إلى رحابة كان حالياً مستنيراً إلى حد كبير مع التحفظ بأن استنارته انحصرت وفقط في مجال تحديث مصر ولم تمتد إلى تحرير المصريين وكان راغباً في تحديث مصر وكان يردد ((أن مصر بلداً متقدماً)) وكان شديد التعلق بمصر وكان يردد (( أن مصر جنة الله في الأرض، ولو وهبني مائة حياة فوق حياتي لبذلتها من أجل الإحتفاظ بحكم مصر)) إن معركة رفاعة الاساسية هي التعليم ، التعليم الذي يجب أن يكون عاماً لجميع الناس، يتمتع بع الأغنياء والفقراء على حد سواء، فهو ضروري لسائر الناس يحتاج إليه كل إنسان كاحتياجه إلى الخبز والماء والتعليم الذي يقصده رفاعة الطهطاوي هو: التعليم العصري وليس ذلك التعليم الذي عرفه الأزهريون على زمانه إغراق في كتب السلف، والإعتماد على النقل دون إعمال العقل، وهو يفرق بين الشيخ والعالم قائلاً ((لا تتوهم إن علماء الفرنسين هم القسوس، فالقسوس علماء في الدين فقط وأما من يطلق عليه إسم العالم فهو من له معرفة في العلوم العقلية التي من جملتها علم الاحكام والسياسات)) ثم يفتح رفاعة ثغرة كبيرة في جدار الجمود والتخلف عندما يدافع عن ضرورة تعليم المرأة فيقول ما نصه (( ودخول المدارس للبنات والغلمان واجب قانوناً في جرمانيا بل أن أوربا كلها تعلم البنات والبنين على قدم المساواة وهذا هو السر في أن بلادهم من أقوى البلدان)) . وهكذا كانت معركة رفاعة الطهطاوي من اجل الحرية الحرية التي عرضها الطهطاوي بأنها الوسيلة العظمى في امهاد أهالي الممالك فإذا كانت مبنية على قوانين حسنة وعدلية كانت واسطة عظمى في راحة الأهالي وإسعادهم في بلادهم وكانت سبباً في حبهم لأوطانهم والحرية قرينة المساواة فكلاهما ملازم للعدل والإحسان وهكذا كان رفاعة الطهطاوي ملازماً لقدرة الليبرالية على إبراز العقول، وإعطاء مساحات واسعة للعقل والحرية في مجال القدرات البشرية الكامنة ثم ينتقل الدكتور رفعت السعيد في فصله الثاني متحدثاً عن ((جمال الدين الأفغاني (1839 – 1897م)) ويقول إني حرت كثيراً في كتابي عن هذا الرجل يقول حتى في أسمه الذي تغير أكثر من مرة، فمرة الأفغاني، وأخرى الكابولي، وأخرى الحسيني، وأخرى الاسترآبادي، فينتقد الدكتور رفعت السعيد بعض المواقف المتناقضة لدى السيد جمال الدين الأفغاني فمثلاً يقول انه ماسوني يدعو للماسونية ويضم إلى صفوفها 300 شخص من أكابر المصريين ثم ينقض عليها مهاجماً، يدعو لجامعة إسلامية وللهوية الإسلامية ويدعو في نفس الوقت إلى الاقتداء بالغرب وتعلم علومه، وهنا يقول معلقاً على هذه الشخصية التي تحمل الكثير من التناقضات: إنه بالرغم من كل هذه الإضطرابات والتناقضات يظل جمال الدين الأفغاني علامة بارزة في طريق الاستنارة والليبرالية، فالأفغاني يدعو للتحديث وهو يتطلع إلى الغرب ويخاصمه في آن واحد فدعوته إلى الإسلامية دعوة كونية وهو يدعو إلى جامعة إسلامية حديثة متجددة مناهضة للإستعمار ورافضة للتخلف والإستبداد والجهل والانحلال الديني والأخلاقي. منذ البداية اصطدام الأفغاني مع مشايخ الأزهر فطاردوه حتى طردوه من أروقة الأزهر ومنعوه بالقوة من إلقاء الدروس فيه فأقام ندوته في قهوة (متاتيا) فأرسلوا طلابهم إلى هناك ليهاجموه ويسبوه ويعتدوا عليه ثم يمضي الدكتور رفعت السعيد قدماً في تناقضات الأفغاني فقد كان قريباً من الملوك ما زار بلداً إلا وجالس حاكمه، واقترب منه فقد أقترب جداً من السلطان عبدالحميد، وقد أعجب به السلطان العثماني بسبب إصراره على توحد المسلمين عن قيادة الخلافة وفي مواجهة الغرب و كذلك كان قريباً من ناصر الدين شاه إيران، وعندما أتى إلى مصر في زمن إسماعيل اقترب جداً من ولي العهد توفيق واعتبره الأمل المنشود إلى درجة أنه حاول قتل إسماعيل كي يتولى توفيق... يقول محمد عبده . ((اتفقنا أنا والأفغاني على اغتيال إسماعيل وهو يمر على كوبري قصر النيل لكننا لم ننفذ خطتنا فقد كانت تنقصنا إليه المنفذة)) كان الأفغاني شجاعاً جداً وصريح فلم يكن يهاب الملوك أبداً كان في حضرة السلطان عبدالحميد أقوى أقوياء زمانه خاقان البرين والبحرين ، خليفة المسلمين)) كما كان يلقب وأخرج مسبحته ليعبث بها بين أصابعه في هدوء انحنى رئيس الديوان هامساً وراجياً أن يعيد مسبحه إلى جيبه لكن الأفغاني رد بصوت عال أن حضرة السلطان يلعب بحياة ثلاثين مليوناً من بني آدم أفلا يلعب جمال بثلاثين حبة من الكهرمان)) أما الخديوي توفيق فقد نصحه الأفغاني قائلاً (( إن قبلتم نصح المخلص وأسرعتم في اشتراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى فتأمرون بإجراء انتخاب لنواب الأمة تسن القوانين ، لتنفذباسمكم وبارادتكم يكون ذلك اثبت لعرشكم وادوم لسلطانكم)) وما أن وصل الأفغاني إلى مصر حتى التفت حوله مجموعة من الشباب المثقف بعضهم أزهري مستنير والآخر مثقف عصري من ثمار حديقة رفاعة الطهطاوي وبعضهم من المثقفين المهمين ويعلل الكتور رفعت السعيد ارتباط الأفغاني بالملوك كي يؤثر فيهم فمنهم صناع القرار فارتبط كما قلنا بولي العهد توفيق وأقام علاقة وثيقة برياض باشا الوزير الأقوى في هذه الفترة ثم زحف الأفغاني باهتمامه إلى كبار الملاك وكبار التجار وكبار الموظفين فأنشأ محفلاً ماسونياً [ وكانت الماسونية هي موضة ذلك العصر ولا ينضم إليها بل لم تكن تقبل في صفوفها سوى أعلى الناس وغلاة الارستقراطيين في مختلف أنحاء العالم] وانضم إلى محفل الشرق الماسوني 300 شخص من الأدباء والصحفيين والأزهريين وضباط الجيش وقد علق الأفغاني آمالاً على تحقيق اختراق من أعلى عبر الطبقة الارستقراطية الحاكمة أو المحيطة بالحاكم لكنه إذ أسس معهم المحفل الماسوني ((على أمل مناصرة أعضائه الشرقيين والأوربيين للدعوة المنادية بحقوق الشعب المصري تصديقاً منه بما شاع عن مزاعم الماسونيين من أنهم مناصرون للحرية فيما لبث أن اكتشف خطأ هذه النظرة فنفض يديه من المحفل الماسوني )). إن الأفغاني مضى في طريقه ليبرالياً يدعو للحرية والثورة وإكمال العقل وسوف ننقد جزء من كلامه في هذا المجال فمثلاً يقول: ((إن الدين يجل عن معارضة العلم فإن وقع تعارض وجب تأويله)) أي تأويل الدين كي يتوافق مع الجديد في عالم اليوم وفي مجلته الباريسية النشأة ((العروة الوثقى والتي اشتغلها مع تلميذه محمد عبدة يكتب بعض الأفكار ومنها: لقد فسد الإسلام بالجهل بتعاليمه الصحيحة عبر الأجيال ولا بد من ثورة لإصلاحها وإلا واجه المسلمون الهلاك ، إن الآفة العظمى للمجتمعات الإسلامية هي استبداد حكامها وتناحرهم مما افسح المجال أمام الأوربيين للتسلل إلى ارض المسلمين والسيطرة عليها ومن أقواله بالغة الأهمية الإسلام في جوهره دين عقلاني يدعو إلى تحرير العقل الإنساني من الخرافات والوثنيات ويفتح الباب واسعاً أمام العلم الذي هو العمود القوي للتقدم. فهل فعلا الدين يتناغم مع العلم؟؟؟!!!! أشك في ذلك يجب أن ينظر إلى هذه الشخصية بكلا العينين وليس بعين واحدة كي يقترب إلى فهمه بشكل صحيح، ثم ينتقل الدكتور السعيد إلى فصله الثالث وشخصية محمد عبدة والذي يبتدأه بمقولة الأفغاني في حقه مخاطباً تلاميذه عندما غادر الأفغاني مصر منفياً ((حسبكم محمد عبدة حسبكم محمد عبدة من ولي أمين)) لكن محمد عبدة لم يكن من ذات معدن استاذه الأفغاني من حماسة وثورية أي أنه كان أقل منه في هذا المجال وكانت مقدرته العلمية والتجديدية أكبر بما لا يمكن مقارنتها بكتابات الأفغاني الحماسية وبداية معركة التنوير التي خاضها محمد عبدة قديمة تسبق اشتغاله بالسياسة أو لقائه بأستاذه الأفغاني فهو ينشر عدة مقالات في الأهرام يتبدى منها نزوعه الحاسم نحو التنوير، ويقدم في الأهرام بالشكل التالي ((العالم العلامة الأديب الشيخ محمد عبدة أحد المحاورين بالأزهر والهدف من هذه المقالات هو بث الأفكار بين الناس لتكون سبباً لتنوير البصيرة وتظهر السيرة وتحرك فيهم روح الغيرة)) ثم يصور الدكتور رفعت السعيد إن ما حصل من تطور لدى محمد عبدة إنما يرجع إلى لقائه بالأفغاني فازداد استنارة وقدرة على مواجهة وجرأة في التأويل ورفض الجمود وذات يوم قال عبدة للأفغاني ((إنني أوتيت من لدنك حكمة أقلب بها القلوب وأعقل العقول)) ويقول رشيد رضا أقرب التلاميذ إلى محمد عبدة((إن اقتراب عبدة من الأفغاني أخرجه من خمول تصوفه وخمود أزهريته إلى ميادين الجهاد في سبيل التجديد الديني والإصلاح الإجتماعي المدني فعانى في سبيل ذلك من فتن الامراء المستبدين وجهالة حملة العمائم الجامدين)) إن هناك بعض الاختلافات بين الأفغاني وعبدة فمثلاً الأفغاني لم يهتم بقضية التنوير والتجديد إلا في حدود محدودة فقد ركز جهده وفكره في الثبوت ضد أنظمة الحكم وضد الاستعمار ولم ينشغل بمسائل مثل العلاقة بآراء السلف والتراث وغير ذلك بينما ركز محمد عبدة أكثر جهده في ثورة على النقل وعلى القوالب الجامدة في التفكير وفي التعامل مع التراث (لقد كانت دعوته التجديدية معبرة عن ثورة من داخل التراث نفسه إنها إعادة بناء التراث بحيث يكون متفقاً مع العصر الذي نعيش فيه)) وكان محمد عبدة يؤكد دوماً ((إن العيب ليس في التراث ولكن العيب في النظرة إلى التراث من خلال منظور تقليدي رجعي لا يتماشى مع العصر انه لا يقف من التراث موقف المستقبل المستسلم ولا موقف الرافض)) ، كان محمد عبدة يخوض معركة مزدوجة معركة ضد الهجوم على الإسلام كعقيدة ومعركة أخرى أشد ضراوة ضد الشيوخ الرجعيين الذين اعتمدوا على النقل وعلى النظر السلفي للتراث الديني وعلى الذين رفضوا إعمال العقل. كان محمد عبدة يصرخ في شيوخ عصره ((إذا تعارض العقل والنقل أخذ بما دل عليه العقل)) بل إن محمد عبدة خاض معركة تحرير المسلمين من تسلط الفكر الرجعي وشيوخه ((فلكل مسلم ان يفهم عن الله من كتاب الله وعن رسوله من كلام رسوله بدون توسيط أحد من سلف ولا من خلف )) . وهنا ثار عليه شيوخ الأزهر ثورة عارمة فرفضوا دعوته للتجديد وخاصة (تجديد التراث). فالدعوة إلى العقل وإعماله واحترام مدركاته كانت واحدة من أهم مرتكزات فكره، وهكذا قادنا ذلك إلى العلم وإطلاق حرية التفكير والى الابتعاد عن التقليد ومن ثم الاجتهاد والتأويل. ثم ينتقل الدكتور رفعت السعيد مستعرضا في كتابه العمائم الليبرالية وفصله الرابع مع عبدالرحمن الكواكبي وهنا يربط الدكتور السعيد لفظ استبداد الذي عانت منه الدول الإسلامية طول حكم حكامها وخلفائها باسم هذا العلامة الكبير ويجعل من كتابه (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) وكتاب( أم القرى) نقطة انطلاق في حياة الكواكبي ففي كتابه الأول ركز فيه الهجوم والانتقاد ضد الحكومات الإسلامية أما الكتاب الثاني فإنه يتركز على نقد سلبية الشعوب الإسلامية وحتى على النهوض لمقاومة الاستبداد سواء استبداد الحكام أو استبداد رجال الدين، ويركز الدكتور رفعت السعيد قراءاته في شخصية الكواكبي من خلال قراءته في كتابيه الآنفي الذكر ، فقد تخيل الكواكبي في (أم القرى) إجتماعاً وهمياً في مكة/ أم القرى عقد خلال موسم الحج لأثنين وعشرين مندوباً يمثلون جميع الأقطار الإسلامية للتداول في شؤون المسلمين وأسمى المؤتمر ((مؤتمر النهضة الإسلامية)) ومنهم السيد الفراتي الفاضل الشامي ، الكامل الاسكندري وهكذا ... ويطرح سؤالاً : ما هو سبب التخلف فيجيب الفقيه الأفغاني: إن الداء العام فيما يراه هو الفقر، في حين يجيب السيد الفراتي إن أسباب التخلف عدة ومنها: السياسة المطلقة، حرمان الأمة من حرية القول والعمل، فقدان الأمن والأمل، وفقدان العدل والتساوي في الحقوق بين طبقات الأمة، في حين يجيب المولى الرومي: إن البلية هي فقدان الحرية، وهكذا يضع الكواكبي من خلال شخوصه المفروضة عدة أسباب للتخلف كي تستلهم هذه الأسباب ويلخص لها معالجات عدة على لسان نفس شخوصه المفروضة فرضاً. في الفصل الخامس يتناول الدكتور رفعت السعيد شخصية شيخ الأزهر علي عبدالرازق وتنطلق هذه الشخصية من قيام مصطفى اتاتورك بالغاء منصب الخلافة في الإمبراطورية العثمانية في 3 مارس 1924م وتقوم الطامة في جامعة الأزهر الدينية حول هذا القرار ويلاقي استنكاراً واسعاً من قبل مشايخ المسلمين وهكذا ينبري الشيخ علي عبدالرازق كشف طي أوراق اللعبة وإن الحماس للخلافة ليس دفاعاً عن الدين، إنما مساندة لمطامع الملك فؤاد في تولي أمر الخلافة وأسفرت معركة الخلافة عن عديد من الكتب أشتهر منها 4 اثنان متحمسان لها أول لمحمد رشيد رضا (0الخلافة أو الإمامة العظمى (1923) والثاني لمصطفى صبري ((النكر على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة (1924) واثنان معارضان لها ((الإسلام وأصول الحكم ))للشيخ علي عبدالرازق ((1922) والثاني (الخلافة وسلطة الأمة) لمؤلف مجهول حسب ما ينقل الدكتور رفعت السعيد لكن كتاب علي عبدالرازق أحدث دوياً عظيماً أثره على الجميع ويشير الشيخ عبدالرازق شبه كثيرة في كتابه الآنف الذكر ومنها هل كان الرسول محمد رسولاً ملكاً أم رسولاً فقط فيجيب إن القرآن صريح في أن محمداً لم يكن إلا رسولا قد خلت من قبله الرسل ويمضي بعد ذلك موضحاً كيف أن الرسول لم يعين من بعده خليفة وكيف أن كل الذين تزعموا المسلمين من بعده ومن بينهم الخلفاء الراشدين كانت زعامتهم مدنية أو سياسية وليست دينية، وكيف أن أبا بكر هو الذي أطلق على نفسه خليفة وأن بيعته كانت ثمرة اتفاق سياسي، ومن ثم فإن حكمه كان حكماً مدنياً واجتهاده كان اجتهاداً دنيوياً لا علاقة له بفكرة الدولة الدينية وهكذا تركت الأقلام ما بين مساند له في ما طرح وما بين من وقف ضده إلى درجة تكفيره وإخراجه من الإسلام فكتب سلامة موسى ((لعلي عبدالرازق الحق في أن يكون حرا يرتئي ما يشاء من الأفكار دون أن يقيد بأي قيد سوى الإخلاص)) أما مجلة المقتطف فقد كتبت مؤيدة لعبدالرازق تأييداً كبيراً ودقيق وكتب رشيد رضا عن كتاب علي عبدالرازق – الإسلام وأصول الحكم قائلاً ((لا يجوز لمشيخة الأزهر أن تسكت عنه لئلا يقول هو وأنصاره أن سكوتهم عنه إجازة له أو عجز عن الرد عليه [المنار] أما الشيخ الخضر حسين فقد أصدر كتاباً للرد على الشيخ علي عبدالرازق اسماه ((نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم)) واهداه إلى خزانة الملك فؤاد الأول ثم تأتي الضربة الكبرى للشيخ علي عبدالرازق حيث اجتمعت رئاسة الأزهر وبحضور 24 عضواً وأصدرت حكماً عليه هذا نصه (( اجتمعت هيئة كبار العلماء في 12 أغسطس 1925م وقررت نزع شهادة العالمية من الشيخ علي عبدالرازق ومحو إسمه من سجلات جامع الأزهر وطرده من كل وظيفة لعدم أهليته للقيام باي وظيفة دينية أو غير دينية)) ولكن الزمن دار في العام 1947 اجتمعت هيئة كبار العلماء في الأزهر ومعها أعضاء المجلس الأعلى للأزهر في 25 قبراير 1947م وصدر قرارهما بإعادة شهادة العالمية للشيخ علي عبدالرازق وهنا يفند الدكتور رفعت السعيد ما تردد من البعض من أن عبدالرازق قد ندم على كتابه فور انتهاء هذه المعركة وقرر عدم نشره مرة أخرى، لكن الواقع يؤكد غير ذلك فقد أدلى الشيخ بحديث شدد فيه بصراحة على موقفه والواقع أن الإنسان بفكره لو كان على حق لما يقف موقفاً من أصحاب الفكر مناهضاً إلى درجة إلغاء الآخر. ثم ينتقل الدكتور رفعت السعيد في فصله السادس إلى ((أحمد أمين)) وهنا يردد سؤالاً هل أضم الكتابة عن أحمد أمين إلى الفصل الخامس بالعمائم أم بالمثقفين العصريين ويجيب لقد ابتدأ أحمد أمين ازهرياً لكن أزهريته قبل أزهرية طه حسين مساحة وتأثراً فلم أضم أحمد أمين إلى العمائم ولا افعل ذلك مع طه حسين هذا ما أكده رفعت السعيد الأهم في تاريخ أحمد أمين الفكري كان تأسيسه مع جماعة من أصدقائه لجنة التأليف والترجمة والنشر [تأسست عام 1914 وتولى أحمد أمين رئاستها لمدة تزيد على ثلاثين عاماً متواصلة] وكان أحمد أمين مهتماً في كل كتاباته بالواقع الإجتماعي والمجتمعي فالإنسان نتاج لمجتمعه ((ما أنا إلا نتيجة حتمية لكل ما مرّ عليَّ وعلى آبائي من أحداث)) أحمد أمين حياتي ص6 فقد أهتم بالواقع الطبقي ونواحي البذخ في حياة الارستقراطيين وأوجه البؤس عند الفقراء وكان في كل ذلك جاداً في البحث عن الوثائق التاريخية الدالة على فساد تلك العصور)) أحمد أمين – ظهر الإسلام ج1 ص24، وهو يهاجم أساليب ومناهج التعليم السائدة مؤكداً ((ليس من حق أية أمة عربية أن تعلم أبناءها على نمط التعليم في القرون الوسطى ولا تضع مناهج يكون مثلها الأعلى حياة العرب في العهد الأموي والعباسي)) أحمد أمين – فيض الخاطر ج7 ص، 355 والتجديد عند أحمد أمين ضروري بل هو حتمي ل ((فهم الدين والدنيا وإقامة الملاءمة بينهما فالمسلمون لم يلتزموا بالدستور القرآني)) إلا في كبد الرسالة وبعدها بقليل، وأما ما عدا هذه الفترة فقد عاش المسلمون عيشة منحرفة عن الدين وبعد ذلك عادت الجاهلية وسترت برداء الدين فتأله الملوك، وتوقف التطور في كل المجالات والإصلاح عند أحمد أمين تطلع إلى المستقبل ولا يأتي بالارتداد السلفي (( كالتاجر الذي أفلس فأصبح يقلب دفاتره القديمة)) فالعصر الذهبي (عصر النبوة) (( كان ذهبياً من حيث أنه منبع الدين وإتباع تعاليمه لكنه ليس عصراً ذهبياً من ناحية العلوم والمعارف الأخرى)) أحمد أمين أما في الفصل الأخير من كتاب العمائم الليبرالية فيناقش الدكتور رفعت السعيد أمين الخولي وينطلق الدكتور السعيد من كتاب ((المجددون في الإسلام)) والذي يعتبر نقطة مضيئة في تاريخ الشيخ أمين الخولي مناقشاً فكر الشيخ أمين الخولي فيقول يستدل الشيخ أمين الخولي بالبرهان القرآني الداعي للتجديد إلى تحميل البشر مسؤولية التجديد ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) (11/ الرعد) – ( وما يريد الله ليجعل عليكم من حرج)) (6/المائدة) وهو يستند إلى المبدأ الشرعي السياسي ((الضرورات تبيح المحظورات)) وهو المبدأ الذي قرره القرآن الكريم ((فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه)) ((البقرة /173) ورويداً رويداً يقتادنا الشيخ أمين الخولي إلى عنوان تطور العبادات وهو يتحدث حديثاً مسهباً عن ضرورات التغير في العبادات فيقول (( والتطور ضروري فيما جدّ من وسائل الحركة والتنقل كالطائرات فهل نأخذ حكمها من الصلاة على الدابة أو الصلاة في السفينة)) ويختتم أمين الخولي شرحه قائلاً ((ونحن حين ننتهي باطمئنان أي أن التجديد الديني إنما هو تطور والتطور الديني هو نهاية تجديد الحق فما نقصد من ذلك كله إلا أن يكون ذلك طليعة مؤمنة ومقدمة كاشفة لما ينبغي أن يصل إليه التط ور من حديث واضح عن تجديد الدين)) حيث كان هذا الكتاب ((المجددون في الإسلام)) من أهم كتبه وأخيراً يختتم الدكتور رفعت السعيد كتابه ((عمائم ليبرالية في ساحة العقل والحرية)) معللاً سبب اختياره هذه الشخصيات وهذه التعليلات إنما يحصرها بعدة نقاط وهي:- 1- إن الدكتور رفعت السعيد لم يحط بهذه الشخصيات وإنما أراد أن يسهم في المعركة الدائرة والتي لم تزل قائمة وأراد أن يبين بعض الجوانب المهمة في حياة هؤلاء الأئمة اليبراليون. 2- إنهم يمتلكون تراثاً ثراً حاضراً في الأذهان وما ذكرناه إنما هو غيض من فيض. 3- إن العمائم المصرية الليبرالية لم تكن لوحدها في الساحة وإنما كانت هنالك عمائم أخرى تدعو للحريات والحداثة على كافة مستويات العرب والمسلمين حتى ظهر في العراق وإيران وغيرها من بلاد الإسلام أناس نهضويون ليبراليون يمتزجون بدواعي إسلامية لتخليص بلاد الإسلام مما طرأ عليها. 4- إن كوكبة العمائم هذه هي ليست كل فرسان الليبرالية فهناك كثيرون كتبوا وقالوا وفعلوا ولم ينلهم شعاع من ضوء يسلط عليهم. 5- إن الدكتور رفعت السعيد سيستكمل كتاباته عن الليبرالية وبشخصيات أخرى قد تكون هذه المرة غير معممة ، إذا أتيحت له الفرصة. وبالنتيجة النهائية أن مثل هذه الكتابات تبقى مقتصرة على الطبقات والشرائح المثقفة فقط إذا لم تستلهم وتصبح ضمن أطر التعليم العالي والمدرسي وضمن مشاريع نهضوية للنهضة بحياة الفرد والأمة وإننا باستعراضنا لهذا الكتاب إنما نبين نقطة مضيئة وجهد عظيم قام به الدكتور رفعت السعيد بذكره لهذه الثلة المهمة من العلماء الذين حوربوا بل زندق بعضهم لأنه وقف بوجه التقليد الأعمى الذي يخيط أطراً عفى عليها الزمان ويجعلها ضمن مناهج الحرمان
#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)
Yaser_Jasem_Qasem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من كتاب الوعي بالتنوير ج 2 ح 27
-
مهمة المثقف تجاه القضايا المهمة في المجتمع والدين والسياسة .
...
-
من هو وكيل الاله على الارض العقل ام رجل الدين.. .....من سلسل
...
-
من المجتمع الى الشخصية وهذا خلاف ما ذهب اليه علي الوردي- من
...
-
كتاب مفهوم العقل في البصرة ج 1
-
التنوير ام الحداثة ام الاصلاح ... هو السبيل لنهضة حقيقية
-
ادباء بصريون راحلون- ح1
-
هل تهدد التكنولوجيا وضع الاخلاق عالميا ج2
-
التكنولوجيا والارهاب - الدراسة مجتزأة من كتابي (العلاقة المح
...
-
هل تهدد التكنولوجيا وضع الاخلاق عالميا؟؟؟ ج 1
-
مقاربة نقدية بين البوذية والاسلام تجسد اليات تحرير الفكر رؤي
...
-
التنمية في العراق وابعادها .... التخطيط والرؤى المستدامة
-
المثقف ليس حارسا للقيم ..... وهو يعيش وسط مجتمع منافق عفن ..
...
-
العلم وحرية الارادة
-
دفاعا عن التنوير .ح 21 صدام الحضارات وصدام المحليات
-
حكمة ادارة الموارد وفق مفاهيم التنمية المستدامة العراق أنموذ
...
-
• عندما يخالف المصلح حقوق العقل .. احمد امين أنموذجا ...
-
ابن خلدون بين: علي الوردي ،عبدالرزاق مسلم الماجد، فالح عبدال
...
-
الزهويون السياسيون في نظر الوردي
-
متى يأخذ المثقف زمام المبادرة؟
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تقصف مستوطنة -يفتاح- بصلية صاروخ
...
-
واشنطن تغرم -لوفتهانزا- مبلغا قياسيا قدره 4 ملايين دولار بسب
...
-
واشنطن تعاقب -لوفتهانزا- بسب -معاملة ركاب يهود-
-
إسرائيل تتحدث عن اعتراض مسيّرة تبنتها -المقاومة الإسلامية- ب
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لجنود الإحتلال الإس
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن استهداف مربض الزاعورة الاسر
...
-
معشوقة الأطفال تعرف على تردد قناة طيور الجنة 2024 المحببة لك
...
-
طلع البدر علينا.. تردد قناة طيور الجنة بيبي على قمر النايل س
...
-
أسامة حمدان: ندعو الدول العربية والاسلامية للتحرك العاجل وتح
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف مدينة صفد المحتلة بصلية
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|