وسام جواد
الحوار المتمدن-العدد: 8099 - 2024 / 9 / 13 - 10:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بحثا عن الحقائق في أسرار الوثائق.
تكدست على رفوف الأرشيف السوفيتي آلآف الملفات، التي كتب عليها "سري للغاية" منذ ثورة أكتوبر1917 وحتى إنهيار الاتحاد السوفيتي في 1991. وساعد رفع السرية عن الكثير من ملفات الأرشيف،على معرفة ما استحال معرفته قبلا، بسبب منع النظام نشر المحظور.
في 7 أجزاء من مقال "أسباب إنهيار الإتحاد السوفيتي" يمكن الإطلاع على واقع الحال، وما لم يخطر ببال من أحداث مؤلمة، شكل تراكمها أسباب انهيار الإتحاد السوفيتي، الذي طالما احببناه ودافعنا عنه، وناضل التقدميون من أجله، لما حمله من أفكار نظرية رائعة، صدمَها وهدَّمَها التطبيق، بفعل سوء تدبير القيادات، التي انشغت بالصراع على السلطة، اكثر من انشغالها في تحقيق أهداف الثورة السامية.
الأسباب التاريخية لإنهيار الإتحاد السوفيتي (1)
هل كان الإتحاد السوفيتي سوفيتيا حقا ؟
إعتاد الناس في مختلف أرجاء العالم، على قراءة وسماع الأخبار، ومشاهدة الصور والأفلام الوثائقية عن الإنجازات الضخمة، التي حققها النظام السوفيتي بعد ثورة اكتوبر1917 فترسخت لدى الكثيرين، قناعات مثالية لا تتزحزح، وتصورات خيالية لا تتأرجح عن النظام السوفيتي، البديل المُفترض للنظام الرأسمالي .
فهل كان النظام السوفيتي سوفيتيا حقا ؟.
تقتضي الإجابة على هذا السؤال، مراجعة الكثير من الوثائق، التي أُخفيت لسنوات طويلة في أرشيف أجهزة أمن الدولة (KGB) لأسباب أمنية، رافقها الحرص على إظهار النواحي الإيجابية، وتجنب ما يتعلق بتردي أحوال الشعب المعيشية، والأوضاع الأمنية بفعل أنشطة القوى المعارضة، والمجاميع الإجرامية، التي انتشرت في المدن خلال الحكم السوفيتي، رغم بذل الجهود في محاربتها من قبل النظام.
إن ما كان بالأمس ممنوعا من النشر في وسائل الإعلام السوفيتية، أصبح اليوم متاحا لمن يريد معرفة الحقيقة، بعد رفع السرية عن آلآف وثائق الأرشيف السوفيتي، التي لا يزال الكثير منها مختوما بـ "سري للغاية"، لإرتباطها بأحداث استثنائية في حياة الشعوب السوفيتية وبعض قياداتها منذ الثورة البلشفية وحتى إنهيار النظام عام 1991، كنتيجة حتمية للأسباب التراكمية، التي لعب فيها غورباتشوف ويلتسين وشيفرنادزة وغيرهم من خونة الحزب، الدورالكبير باشعال فتيل الانفجار،الذي تسبب بكارثة الانهيار.
لقد واجهت الثورة ظروفا خارجية صعبة، وأوضاعا سياسية واقتصادية داخلية أصعب، حالت دون تحقيق الأهداف، التي قامت من أجلها. فقد بذلت الدول الرأسمالية الأوروبية والإمبريالية الأمريكية والصهيونية ما بوسعها لإفشال النظام الجديد بكل الوسائل الدونية، مستغلة الأوضاع غير المستقرة بسبب:
- الخلافات بين القيادات
- الحرب الأهلية،
- كارثة المجاعة،
- الصراع على السلطة.
الخلافات بين البلاشفة والمناشفة:
انقسم حزب العمل الاشتراكي الديموقراطي الروسي عام 1903 إلى أكثرية "البلاشفة" بقيادة فلاديمير إيليتش لينين، وأقلية "المناشفة" بقيادة يوليوس مارتوف ( يهودي) . واختلف الطرفان على اساليب العمل بين طبقات المجتمع الكادحة، فاختار البلاشفة، الطرق الثورية، وامكانية اللجوء الى العنف الثوري عند اللزوم، بينما اختار المناشفة الحل السلمي للمشكلات السياسية القائمة. واحتدت الخلافات بين الطرفين أثناء ثورة 1905، وبلغت ذروتها في الانقسام النهائي بين البلاشفة والمناشفة في عام 1912 بعد أن :
- دعا البلاشفة إلى نقل الأراضي إلى ملكية الدولة، وتوزيعها على الفلاحين مجانا، بينما طالب المناشفة بنقل الأراضي إلى السلطات المحلية، لتتولى تأجيرها للفلاحين.
- أصر لينين على أن يكون الحزب منضبطًا، وأن يشارك كافة الأعضاء في متابعة ومناقشة شؤونه. بينما كان لمارتوف موقفا يعتمد على جذب المؤيدين، واعتبار من يقبل ويلتزم بالنظام الداخلي، ويقدم المساعدة المادية، عضوا في الحزب.
- رفض لينين التعاون مع البرجوازية الليبرالية، مؤكدا على ان الثورة الحقيقية يجب أن تؤدي إلى دكتاتورية البروليتاريا. وان البرجوازية حتى ولو كانت ليبرالية، فإنها طبقة عفا عليها الزمن ولا جدوى من التعاون معها. أما مارتوف، فكان أقل راديكالية، ودعا إلى التحالف مع البرجوازية الليبرالية، مفترضًا وجود هدف مشترك بينها وبين البروليتاريا يتمثل في النضال ضد الاستبداد.
- اكد لينين على ضرورة الإطاحة بالحكومة من خلال انتفاضة مسلحة، رافضا النمط الإصلاحي في التغيير. ونظر البلاشفة الى الفلاحين باعتبارهم حلفاءا، وإحدى القوى الدافعة إلى جانب البروليتاريا.
أما مارتوف، فكان ضد العنف الثوري، ومؤمنا بامكانية الحل السلمي للتغييبر من خلال الإصلاحات. واعتبر المناشفة طبقة الفلاحين، قوة رجعية، لا تساعد على الثورة.
الحرب الأهلية :
أدى توسع الخلافات بين القيادات الى أزمة بعد ثورة 1905-1907، التي تفاقمت أثناء الحرب العالمية الأولى وقادت الى سقوط النظام القيصري والانقسام السياسي والإجتماعي والعرقي في المجتمع الروسي. وتطورت الأوضاع بصورة دراماتيكية، مع بداية الحرب الأهلية بين قوات السلطة السوفيتية ( الجيش الأحمر) من جهة، وقوات حركة البيض والحركات الوطنية من جهة أخرى، بمشاركة القوى المركزية ودول الوفاق، التي انتصر في نهايتها الجيش الأحمر.
وقد بلغت الخسائر في صفوف قوات السلطة السوفيتية 940 ألف شخص( قتلى، وجرحى، ومفقودين)، وأكثر من 250 ألف من البيض (لا توجد بيانات مفصلة عن أنواع الخسائر الأخرى). ووفقا للتقديرات، توفي في سنوات الحرب الأهلية قرابة 5-7 مليون شخص، وغادر البلاد حوالي 2 مليون شخص.
لقد شكل دعم أكثرية السكان لشعارات البلاشفة " السلام للشعوب"، " الأرض للفلاحين"، " المصانع للعمال"، " كل السلطة للسوفييت" ومرسوم الأرض، عاملا مهما في انتصارهم على خصومهم في الحرب الأهلية. ومع انتهاء الحرب وانتصار الجيش الأحمر، بدأ النظام بالعمل على تأسيس السلطة السوفيتية في معظم أراضي الإمبراطورية الروسية السابقة، وأعلن عن الاعتراف باستقلال فنلندا وبولندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، فضلاً عن إنشاء الجمهوريات السوفيتية الاتحادية الروسية، الأوكرانية، البيلاروسية وما وراء القوقاز، على الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السوفيتية.
المجــــاعة :
في صيف 1920، ضرب الجفاف منطقة الفولغا، وانخفضت محاصيل الحبوب والخضروات بشكل كبير، في وقت لم تتوقف فيه الحرب الأهلية. وفي هذه الأثناء تم تشكيل مفارز حكومية لتأمين الطعام للجيش إلا أن هذه المفارز تجاوزت حدود صلاحياتها، وأبدت قسوة في تعاملها مع الفلاحين، بمصادرتها محاصيل الحبوب بالقوة، دون ان يتكمن السكان من فعل شيئ ضد القوات المسلحة.
وفي 26 أيلول 1921 إضطرت السلطات السوفيتية الى توجيه نداء عاجل الى دول العالم، طلبا للمساعدة في تجاوز محنة المجاعة. والغريب أن "الإمبريالية الأمريكية " و"الرأسمالية الأوروبية"، التي دعت ايديولوجية الثورة الى محاربتها، كانت أول من لبى النداء، بتقديم المساعدات الغذائية الضخمة بشروط وافقت عليها الحكومة السوفيتية على مضض. وقد أودت كارثة المجاعة في أعوام (1921-1923) وفقا لمصادر مختلفة، بحياة 5 مليون إنسان.
الصراع على السلطة :
مرت الثورة بظروف سياسية وأوضاع اقتصادية صعبة أملتها الخلافات، وعمقتها الانقسامات، والحرب، والمجاعة، قبل أن تستتب الأوضاع لصالحها. وكان لينين حاضرا ومعاصرا الأحداث ومرشدا في معالجتها. وبالرغم من تعرضه لمحاولة الإغتيال عند خروجه من مصنع ميخلسون في 30.08.1918 على يد اليهودية فاني كابلان، وإصابتة بجلطة دماغية (insult) في نهاية آيار 1922، إلا أنه لم يتوقف عن مواصلة العمل ومتابعة سير الأحداث، لكنه تعرض لجلطة ثانية في 16 كانون الأول تلتها ثالثة، أدت الى شلل جزئي في الجزء الأيمن، أقعده عمليا حتى وفاته في 21 كانون الثاني 1924.
يتبع (2) ... مَن يَخلف لينين ؟.
#وسام_جواد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟