الطفولة والحرب / امبرتو إيكو - ت: من الإيطالية أكد الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8041 - 2024 / 7 / 17 - 23:17
المحور: الادب والفن
    

اختيار وإعداد إشبيليا الجبوري ت: من الإيطالية أكد الجبوري

"التاريخ يعيد نفسه مرتين، الأولى على شكل مأساة والثانية على شكل مهزلة". (أمبرتو إيكو، 1932 - 2016)

النص؛

"لقد ولدت من جديد"، "لقد ولدت من جديد في عام 1940".

الحياة ليست أكثر من ذكرى بطيئة للطفولة. حسنا. لكن ما يجعل تلك الذكرى حلوة هو أننا من مسافة الحنين نجد جميلة حتى اللحظات التي كانت مؤلمة لنا حينها، حتى عندما انزلقت في الخندق وخلعت قدمك واضطررت إلى البقاء في المنزل لمدة خمسة عشر يومًا في جبيرة مع شاش منقوع في بياض البيض. أتذكر باعتزاز الليالي التي أمضيتها في الملجأ؛ لقد أيقظونا في نوم عميق، وسحبونا بملابس النوم والمعاطف إلى تربة رطبة، مصنوعة من الخرسانة المسلحة، ومضاءة بمصابيح خافتة، حيث كنا نطاردهم، وفوق رؤوسنا أصوات الانفجارات المكتومة التي كنا نسمعها. ولم يعرف ما إذا كان مصدرها مدفعية مضادة للطائرات أم قنابل. كانت أمهاتنا ترتجف من البرد والخوف، لكن بالنسبة لنا كانت مغامرة غريبة. هذا هو الحنين. نحن على استعداد لقبول أي شيء يذكرنا بالأربعينيات الرهيبة، وهذا هو الجزية التي ندفعها مقابل كبر سننا.

وكيف كانت المدن في ذلك الوقت؟ ظلام الليل، عندما أجبر الظلام عدداً قليلاً من المارة على استخدام مصابيح صغيرة لا تعمل بالبطاريات بل بالدينامو، مثل مصباح الدراجة الأمامي الذي يتم شحنه عن طريق الاحتكاك، مما يؤدي إلى تنشيط نوع من الزناد باليد بشكل متقطع. وفي وقت لاحق فُرض حظر التجول ولم يعد من الممكن السير في الشارع.

خلال النهار، قامت وحدات الجيش بجولة في المدينة، على الأقل حتى عام 1943، بينما كان الجيش الملكي متمركزًا هناك، وبكثافة أكبر في زمن جمهورية سالو، عندما كانت المناورات والدوريات البحرية من سان ماركو تتنقل باستمرار عبر المدن. أو الألوية السوداء، وفي المدن أشبه بمجموعات من الثوار، كل منهم مسلح حتى الأسنان. في هذه المدينة العسكرية، كانت التجمعات محظورة في بعض المناسبات، ولكن كانت هناك مجموعات من البليلاس، والإيطاليين الصغار يرتدون الزي الرسمي وأطفال المدارس الذين يرتدون مآزر سوداء والذين تركوا المدرسة عند الظهر، بينما ذهبت الأمهات لشراء القليل الذي يمكن العثور عليه في المتاجر. محلات الأغذية؛ وإذا أردت أن تأكل الخبز، أنا لا أقول الخبز الأبيض، بل الخبز الذي لم يكن مقرفًا والمصنوع من نشارة الخشب، كان عليك أن تدفع مبالغ كبيرة في السوق السوداء. في المنزل كان الضوء ضعيفا، ناهيك عن التدفئة التي كانت مقتصرة على المطبخ.

في الليل كنا ننام مع الطوب الساخن في السرير، وأتذكر باعتزاز حتى تورم الأصابع. ولا أستطيع اليوم أن أقول إن كل هذا قد عاد، وبالتأكيد ليس برمته. لكني بدأت أشم رائحته. فبادئ ذي بدء، هناك فاشيون في الحكومة. ليس هم فقط: إنهم ليسوا فاشيين تمامًا، ولكن ما يهم، نحن نعلم بالفعل أن التاريخ يعيد نفسه مرتين، الأولى على شكل مأساة والثانية على شكل مهزلة. في تلك الأيام، ظهرت ملصقات على الجدران تظهر رجلاً أمريكياً أسود مقززاً (ومخموراً) يمد يده المعقوفة نحو فينوس دي ميلو البيضاء. اليوم أرى على شاشة التلفزيون الوجوه المهددة للسود الهزيلين الذين يغزون أراضينا بالآلاف، وبصراحة، الناس من حولي يشعرون بالخوف أكثر من ذلك الحين.

لقد عادت المئزر الأسود إلى المدارس، وليس لدي أي شيء ضده، فهو أفضل من القميص الذي يحمل توقيع شخص مدعي، لكنني بدأت أشعر بطعم مادلين منقوع في زهر الليمون، ومثل. جوزانو، أشعر بأنني أقول "لقد ولدت من جديد، لقد ولدت من جديد، في عام 1940. قرأت للتو في إحدى الصحف أن عمدة نوفارا، من رابطة الشمال، منع أكثر من ثلاثة أشخاص من الاجتماع في الحديقة ليلاً.

أنا أنتظر بقشعريرة بروستية عودة حظر التجول. جنودنا يقاتلون في آسيا (لسوء الحظ، لم يعودوا في أفريقيا) ضد المتمردين ذوي الوجوه الملونة إلى حد ما. لكنني أرى أيضًا وحدات من الجيش مسلحة جيدًا ومموهة على أرصفة مدننا. الجيش، كما كان الحال في ذلك الوقت، لا يقاتل على الحدود فحسب، بل يقوم أيضًا بمهام الشرطة. لدي انطباع بأنني في مدينة روما المفتوحة مرة أخرى.

قرأت مقالات وأستمعت إلى خطابات مشابهة تمامًا لتلك التي قرأتها آنذاك في الدفاع عن السباق، والتي لم تهاجم اليهود فحسب، بل أيضًا الغجر والمغاربة والأجانب بشكل عام. أصبح الخبز أكثر تكلفة. إنهم يحذروننا من ضرورة توفير النفط، والحد من هدر الطاقة، وإغلاق واجهات المتاجر ليلاً. تنخفض السيارات ويظهر لصوص الدراجات من جديد. وكلمسة من الأصالة، سيتم تقنين المياه قريباً.

مازلنا لا نملك حكومة في الجنوب وأخرى في الشمال، لكن هناك من يعمل في هذا الاتجاه. أنا أفتقد رئيسًا يعانق ويقبل زوجات الفلاحين الرائعات على الخد بشكل عفيف، لكن لكل شخص أذواقه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2024
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 7/18/24
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل