أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف -المادة-















المزيد.....



الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف -المادة-


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1766 - 2006 / 12 / 16 - 10:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف "المادة"
ما هي "المادة" Matter؟ إنَّ جزءا مهما من الإجابة عن هذا السؤال يكمن في إجابة سؤال آخر هو: ممَّ تتألَّف المادة (أو ما هي أهم مكوِّنات المادة؟)؟".

المادة تتألف من الأجزاء الآتية: "الجسم (أو الجسيم)"، "الفضاء (أو الفراغ)"، "الكتلة"، "الطاقة"، "القوى".

بمقياس "الكتلة" Mass بعض المادة يملك "كتلة"، وبعضه لا يملكها (الفوتون مثلا). و"الكتلة" إنَّما هي "خاصية"، نراها في بعض المادة، وتَمْنَع منعا مُطْلقا كل مالِكٍ لها (من المادة) من أن يسير (في الفراغ) بسرعة الضوء، التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية. و"الكتلة"، في جسم أو جسيم، ليست بـ "المقدار الثابت". إنَّها "مقدار متغيِّر"، يمكن أن يزيد، ويمكن أن ينقص.

بـ "تسارع" الجسم، أو الجسيم الذي له "كتلة"، تزيد كتلته، وبـ "تباطؤه" تقل، فكلما تسارع هذا الجسم أو الجسيم زادت كتلته، وكلما تباطأ قلَّت. ولكنه مهما تسارع لن يبلغ أبدا سرعة الضوء. قد يبلغ في سرعته 299 ألف كيلومتر (أو أكثر) في الثانية الواحدة؛ ولكنه لن يبلغ أبدا السرعة العظمى في الكون، أي سرعة الضوء، التي هي 300 ألف كيلو متر في الثانية. إذا وصل في سرعته إلى أقل قليلا، وقليلا جدا، من سرعة الضوء فإنَّه يصبح ممتلِكا من "الكتلة" ما يُعْجِز أعظم قوة في الكون عن جعله يعدل، في سرعته، أو يتجاوز، سرعة الضوء.

و"الكتلة" ليست هي الخاصية التي تجعل الجسم، أو الجسيم الذي يملكها، يتأثَّر بـ "الجاذبية" Gravity فالضوء، وهو مادة تتألف من جسيمات ليس لها كتلة، هي الفوتونات، يتأثَّر بـ "الجاذبية" كما تتأثَّر بها كل مادة لها كتلة.

المادة التي لها كتلة لا يمكنها أبدا أن تعدل، أو أن تتجاوز، في سرعتها المادة التي ليس لها كتلة؛ ولكن هذا لا يمنع المادة التي لها كتلة من التحوُّل إلى مادة ليس لها كتلة (أي إلى طاقة) كما لا يمنع المادة التي ليس لها كتلة من التحوُّل إلى مادة لها كتلة.

كل مادة تَعْجَز عجزا فيزيائيا مُطْلقا عن السير في سرعة تعدل سرعة الضوء إنَّما هي مادة لها كتلة؛ وكل مادة لها كتلة لا يمكنها أبدا أن تسير بسرعة تعدل سرعة الضوء.

والمادة التي لها كتلة، أكانت جسما أم جسيما، لا بد لها من أن تملك خاصية "إطلاق (إرسال) وامتصاص (استقبال) مادة ليس لها كتلة"، فليس من جسم، أو جسيم له كتلة، لا يُطْلِق، دائما، مادة (ليس لها كتلة) تسير بسرعة الضوء.

و"الكون" إنَّما هو "المادة التي لها كتلة" و"المادة التي ليس لها كتلة" في "وحدتهما العضوية الأزلية ـ الأبدية"، فليس من كون، مهما صغُر أو كَبُر، يتألَّف، فحسب، من "مادة لها كتلة"، أو من "مادة ليس لها كتلة".

كل كون، إذا ما قلنا بما يمكن تسميته "الأكوانية"، أي بوجود أكوانٍ، يجب أن يتألَّف، من نشوئه حتى زواله، من "مادة لها كتلة" و"مادة ليس لها كتلة". الكون الذي يتألَّف، فحسب، من هذه المادة، أو من تلك، إنَّما هو كون خرافي، مهما حاولوا إلباس القول به لبوسا فيزيائيا!

"الخالص (أو المُطْلَق)" من "الطاقة" أو "الكتلة" لا يمكنه أن يبتني كونا؛ لأنْ لا وجود له.. لم يُوْجَد هذا "الخالص" قط، ولن يُوْجَد أبدا.

إذا انعدمت "المادة التي لها كتلة" انعدمت "المادة التي ليس لها كتلة"؛ وإذا انعدمت "المادة التي ليس لها كتلة" انعدمت "المادة التي لها كتلة"، فمتى، وأين، رأيْنا، أو يمكن أن نرى، "مادة ليس لها كتلة"، لا تَنْطَلِق من "مادة لها كتلة"، لتجري في الفضاء، قبل أن تمتصها "مادة لها كتلة"؟!

أُنْظروا إلى الضوء المُنْتَقِل والمُنْتَشِر في الفضاء. لقد نبع من "مادة لها كتلة (نجم مثلا)"، ثمَّ جرى في مجاري الفضاء، ثمَّ صَبَّ في "مادة لها كتلة (كوكب مثلا)". إنَّها الخرافة بعينها أن تقول في السطر الأول من "قصة الكون": في البدء كان الضوء (أو المادة التي ليس لها كتلة) ولم يكن شيء.

ولـ "المادة التي لها كتلة" خاصية يمكن تسميتها "الجسمانية"، التي هي "المكان في أبعاده الثلاثة: الطول والعرض والعمق (أو الارتفاع أو السُمْك)". وهذا المكان لا تقوم له قائمة إلا إذا كان مُتَّحِدا اتِّحادا عضويا (سرمديا) مع "البُعْد الرابع"، أي "الزمان"، الذي إنْ تباطأ، أو تمدَّد، بسبب "التسارع"، أو "الجاذبية"، تقلَّص وتضاءل "حجم" الجسم، أو الجسيم الذي له كتلة، فـ "قيم المكان" تختلف وتتغيَّر باختلاف وتغيُّر "قيم الزمان"، التي تختلف وتتغيَّر باختلاف وتغيُّر "قيم السرعة"، أو "قيم الجاذبية".

كل جسم، أو جسيم له كتلة، إنَّما هو "الكون" من حيث المبدأ والأساس والجوهر. إنَّه الكون مُخْتَصَرا. إنَّه "المادة التي لها كتلة"، تُرْسِل وتَسْتَقْبِل "مادة ليس لها كتلة"، عَبْر "فضاء"، في داخلها، وفي خارجها (أو من حولها). وعَبْر المُرْسَل، أو المُسْتَقْبَل، من "المادة التي ليس لها كتلة"، تتفاعل "المادة التي لها كتلة"، وتتبادل التأثير. وهذا التفاعل، في نتيجته النهائية، إمَّا أن "يُكثِّف أكثر"، وإمَّا أن "يُشتِّت أكثر" أجزاء "المادة التي لها كتلة"، فليس من قوة كونية (طبيعية أو فيزيائية) إلا وينتهي عملها إلى هذه النتيجة في أحد وجهيها ("التكثيف" أو "التشتيت").

لقد فَهِمْنا "المادة التي لها كتلة" و"المادة التي ليس لها كتلة" على أنَّها شيئان متَّحِدان اتِّحادا عضويا سرمديا، أي أنَّهما كلٌّ لا يتجزأ.. لم يتجزأ قط، ولن يتجزأ أبدا. هذان الشيئان إنَّما هما شيء واحد، يتَّحِد اتِّحادا عضويا سرمديا مع شيء آخر هو "الفضاء (أو الفراغ)"، فالفضاء الذي تجري فيه، دائما، "المادة التي ليس لها كتلة"، إنَّما هو جزء لا يتجزأ من داخل "المادة التي لها كتلة"، وهو الذي فيه، وضمنه، تُوْجَد تلك المادة. "المادة التي لها كتلة" إنَّما هي المادة التي في داخلها فضاء (أو فراغ) ومن حولها فضاء. إذا انعدمت تلك المادة انعدم الفضاء، وإذا انعدم الفضاء انعدمت.

و"الفضاء" إنَّما هو مَسْرَح عمل "القوى" الفيزيائية أو الطبيعية أو الكونية، على أن نفهم "الفضاء" و"القوة" على أنَّهما شيئان متداخلان، متَّحِدان اتِّحادا لا انفصام فيه أبدا، فـ "الفضاء، لجهة علاقته الجدلية بـ "القوى" يشبه قطعة من المغناطيس، مهما جزَّأتها، وأمعنتَ في تجزئتها، فإنَّكَ لن تحصل أبدا على جزء هو القطب الشمالي فحسب، أو على جزء هو القطب الجنوبي فحسب. لن تحصل أبدا إلا على جزء يشتمل على القطبين الشمالي والجنوبي معا.

ليس من "قوى"، ولا من "جسيمات حاملة للقوة"، إذا ما انعدم "الفضاء"، على استحالة ذلك؛ وليس من "فضاء" إذا ما انعدمت "القوى"، و"الجسيمات الحاملة للقوة"، على استحالة ذلك أيضا.

إنَّ تصوُّر "المادة"، أي "العالم المادي"، على أنَّها "ذرَّات" Atoms أي مواد متناهية في الصِغَر غير قابلة للتجزئة، بينها "فراغ"، وفي حركة دائمة في هذا الفراغ، كان تصوُّرا فيزيائيا ـ فلسفيا قديما جدا، انطوى على أجزاء من الحقيقة الفيزيائية ـ الفلسفية لـ "المادة".

وهذا التصوُّر يغتني أكثر إذا ما ضَمَّنْاه "القوى"، فما هي "القوة"، وكيف تعمل؟ "القوَّة" Force هي "التأثير"، يَنْتَقِل عَبْر الفضاء، أو الفراغ، من شيء إلى شيء.

وثمة جسيمات، بعضها ليس له "كتلة" ويسير بسرعة الضوء، تشبه "عربات"، تقوم بـ "حَمْل"، أو "نقل"، "التأثير". و"التأثير" يَسْتَلْزم، حتما، وجود "مؤثِّر" و"متأثِّر"، فـ "الجسيم الحامل القوة"، أي الحامل "التأثير"، ينتقل، عَبْر الفضاء، أو الفراغ، من شيء، هو "المؤثِّر"، إلى شيء، هو "المتأثِّر". ما معنى هذا؟ معناه أنَّ الشيء لا يمكنه أبدا أن يؤثِّر في غيره إلا بـ "إطلاقه"، أو "إرساله"، مادة، هي "جسيمات حاملة للقوة (أو التأثير)".

على أنَّ هذا الشيء، وَلْنَرْمُز إليه بـ "A"، لا يمكنه أبدا أن "يُطْلِق"، أو "يُرْسِل"، تلك المادة من غير أن يتأثَّر هو ذاته أوَّلا، فهو يختلف، ويتغيَّر، قبل، ومن أجل، أن يجعل غيره، وَلْنَرْمُز إليه بـ "B"، يختلف ويتغيَّر.

الآن، انطلقت من "A" جسيمات حاملة للقوة، أو التأثير، نحو "B". إنَّ "B" لن يتأثَّر بتلك الجسيمات إلا بعد انقضاء زمن، قد يعدل مقداره "جزءا من ثانية" أو "ثواني".. أو ملايين السنين، فثمة مسافة (أي فضاء أو فراغ) بين "A" و "B" ينبغي لـ "الجسيمات الحاملة القوة (أو التأثير)"، والتي تسير بسرعة لا تتجاوز أبدا سرعة الضوء، اجتيازها وقطعها.

وفي أثناء سيرها لا بد لهذه الجسيمات، ومهما كان الفضاء، أو الفراغ، الذي تجتاز "شفَّافا"، أو "خاليا من المادة"، من أن تتفاعل، وتتبادل التأثير، مع كثير من الأشياء. ولا بد، بالتالي، لـ "التأثير" الذي تَحْمِل، من أن يختلف ويتغيَّر.

وعندما تصل إلى "B"، وتصيبه، لا بد له من أن يتأثَّر، فيختلف ويتغيَّر. ولكن "B" لا يمكنه أبدا أن "يمتص"، أو "يستقبل"، تلك الجسيمات، وأن يختلف ويتغيَّر، بالتالي، من غير أن "يُطْلِق"، أو "يُرْسِل"، بسبب ذلك، وفي الوقت عينه، مادة، أو جسيمات.

ومع "إطلاقه"، أو "إرساله"، مادة، أو جسيمات، يصبح "B"، أي هذا الشيء "المتأثِّر"، "مؤثِّرا" في الوقت عينه. "المؤثِّر"، أو "المتأثِّر"، إنَّما هو شيء اختلف في "محتواه المادي".. تغيَّر في "مكوِّناته"، من الناحيتين "الكمية" و"الكيفية"، قبل، ومن أجل، أن يصبح "مؤثِّرا"، أو "متأثَّرا". إنَّ الأشياء تتطور وتتغيَّر عَبْر تبادلها المادة.. عَبْر تبادلها "الكتلة" و"الطاقة".

على أنَّ الشيء، أي شيء، لا يتأثَّر بالتأثير الذي حَمَلَتْهُ إليه جسيمات إلا بما يتَّفِق مع "طبيعته"، وتسمح به "طبيعته"، فـ "المادة" التي تحملها تلك الجسيمات يختلف تأثيرها باختلاف "طبيعة" الشيء الذي يمتصها، أو يستقبلها، وكأنَّ هذا الشيء (المتأثِّر) لا يتأثَّر إلا عَبْر عملية في داخله تشبه "عملية التمثيل الغذائي" في الكائنات الحية. إنَّكَ لا تتأثَّر بما تأكل من خبز ولحم وبطاطا إلا بما يتَّفِق مع "طبيعتكَ"، فبفضل منتجات "عملية التمثيل الغذائي"، فحسب، يتأثَّر جسمكَ.

لو أنَّكَ برَّدتَ ماءً، ومعدنا سائلا، أي لو أنَّكَ أخْرَجْتَ من هذا وذاك بعضا مما يحتويانه من الطاقة الحرارية، فإنَّكَ لن تؤثِّر فيهما التأثير ذاته. الماء سيتجمد، وكذلك المعدن السائل؛ ولكن حجم الماء يزيد بتجمده، وحجم المعدن السائل يقل، فكلاهما تأثَّر بالبرودة، أو التبريد، بما يتَّفِق مع "طبيعته"، وبما تسمح به "طبيعته".

"التأثير الكوني" إنَّما هو التأثير الذي تحمله جسيمات مثل "الفوتون"، أي جسيمات تسير في الفضاء، أو الفراغ، بسرعة لا تقل، ولا تزيد، عن سرعة الضوء، التي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية. وحتى تسير بسرعة الضوء (السرعة العظمى في الكون) لا بد لها من أن تكون جسيمات ليس لها كتلة Massless.

وليس من جسم، أو جسيم له كتلة، إلا ويُطْلِق ويمتص جسيمات ليس لها كتلة، وتسير بسرعة الضوء. لو أنَّ جسما كونيا يبعد عن الأرض ملايين السنين الضوئية، ويسير مبتعِدا عنها بسرعة 290 ألف كيلومتر في الثانية مثلا، فإنَّ شعاعا من الضوء أطلقته الآن من الأرض لا بد له (نظريا) من أن يصل، في آخر المطاف، إلى ذلك الجسم، ويصيبه، فبفضل هذا النوع من الجسيمات (الجسيمات التي ليس لها كتلة وتسير بسرعة الضوء) تتفاعل، وتتبادل التأثير، كل أجزاء الكون، مهما صغُرت أو كَبُرَت.

وبحسب نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang يُعَدُّ كوكب الأرض، مثلا، هو أبعد جسم كوني عن كوكب الأرض، فلو أنَّكَ أطْلَقْتَ شعاعا من الضوء من كوكب الأرض، فإنَّ هذا الشعاع (على افتراض أنَّه ظل يسير بـ "خط مستقيم" بحسب معنى "المستقيم" في نظرية "النسبية" لآينشتاين) لا بد له، نظريا، من أن يعود، في آخر المطاف، إلى النقطة التي انطلق منها، أي إلى كوكب الأرض، قاطعاً، بالتالي، مسافةً هي الأطول في الكون. إنَّ الأبْعَد عنكَ (في الكون) هو أنتَ ذاتكَ.

مهما تمدَّد "بحر" الفضاء واتَّسع، ومهما تباعدت، بالتالي، "الجُزُر الكونية"، أي الأجزاء الكونية الأساسية، فإنَّ كوكب الأرض، في مثالنا ذاك، لن يسير أبدا بسرعة تفوق سرعة شعاع الضوء ذاك.

كل جزء من أجزاء الكون، أكان في منتهى الصِغَر أم في منتهى الكِبَر، يمكنه وينبغي له أن يؤثِّر، وأن يتأثَّر، بغيره، عَبَر إطلاقه، أو امتصاصه، لـ "الجسيمات حاملة القوة".

لِنَتَخيَّل أنَّ جسما كونيا (نجم مثلا) هو الجسم A قد نشأ "الآن"، وأنَّ الجسم الكوني B والذي يسير مبتعدا عن الجسم A بسرعة أقل قليلا من سرعة الضوء (لاستحالة أن يسير بسرعة تعدل أو تفوق سرعة الضوء) كان يبعد عن الجسم A عند نشوئه ملايين أو مليارات السنين الضوئية.

الجسم A ومُذْ نشأ لا بد له من أن يُطْلِق "قذائف" نحو الجسم B. هذه "القذائف"، والتي هي كناية عن "جسيمات حاملة للقوة"، لا بد لها، في نهاية المطاف، من أن تصل إلى الجسم B وتصيبه، فالجسم B مهما كان بعيدا عن الجسم A ومهما ابتعد ومهما كانت سرعة ابتعاده (التي يجب أن تظل دائما أقل ولو قليلا جدا من سرعة الضوء) يجب أن تصل إليه، وأن تصيبه، تلك "القذائف" مهما طال زمن رحلتها إليه، على أن تكون تلك "القذائف" جسيمات ليس لها "كتلة" Massless وتسير، بالتالي، بسرعة الضوء.

تخيَّل أنَّكَ من موضعكَ الساكن، أو المتحرِّك، تُطْلِقُ رصاصة نحو جسم (أكان قريبا منكَ أم بعيدا عنكَ) يبتعد عنكَ بسرعة تفوق سرعة الرصاصة التي أطلقتها نحوه. رصاصتكَ هذه لن تصل إليه، ولن تصيبه، أبدا. تأثُّر هذا الجسم برصاصتكَ إنَّما يستلزم أن تكون سرعة ابتعاده عنكَ أقل، دائما، من سرعة رصاصتكَ. وهذه الرصاصة إنَّما هي كناية عن "الجسيمات حاملة القوة"، التي ليس لها "كتلة".

إنَّ كل ما له "كتلة" في هذا الكون يجب أن تكون سرعته أقل، دائما، من سرعة الضوء حتى تتمكَّن "الجسيمات حاملة القوة"، التي ليس لها "كتلة"، من الوصول إليه، وإصابته، أي التأثير فيه، مهما كان مَصْدرها بعيدا (ويُبْعِدُ) عنه.

بفضل "الجسيمات حاملة القوة" التي ليس لها "كتلة"، والتي هي أسرع من أي شيء في الكون له "كتلة"، تتبادل التأثير كل أجزاء الكون، مهما كانت صغيرة، ومهما كانت كبيرة. مهما كانت قريبة، ومهما كانت بعيدة. مهما تقاربت، ومهما تباعدت. مهما كانت بطيئة، ومهما كانت سريعة.

في الكون، لا يفصل بين "المؤثِّر" و"المتأثِّر" إلا هذا الذي به، وعبره، يتَّحدان. وهذا الذي يفصل ويوحِّد بينهما إنَّما هو "الفضاء (أو الفراغ)". وهذا الفضاء إنَّما يشبه مجرى نهر، يجري فيه "الماء"، أي "الجسيمات الحاملة القوة"، من منبعه في الجسم "المؤثِّر" إلى مصبِّه في الجسم "المتأثِّر".

وليس من شيء في الكون، مهما صَغُر، أو مهما كَبُر، في مقدوره أن يمنع منعا مطلقا إرسال "جسيمات حاملة للقوة"، أو أن يمتنع امتناعا مطلقا عن استقبال "جسيمات حاملة للقوة".

حتى "الثقب الأسود"، أو "النيوترين"، وبخلاف ما يظن ويعتقد بعض العلماء، لا يشذ عن هذا القانون الفيزيائي الكوني. ليس من شيء في الكون يملك قوة تسمح له بأن يمنع منعا مطلقا "جسيمات حاملة للقوة" من الخروج منه، أو من الدخول إليه.

كل مادة لها "كتلة"، أي كل جسم، أو جسيم له "كتلة"، لا يمكنه أبدا أن يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية. الجسيمات التي ليس له "كتلة"، كالفوتون هي وحدها التي تسير بمثل هذه السرعة.

وتفاعل المادة، في جزء مهم منه، ليس سوى تبادلها للجسيمات التي ليس لها كتلة، والتي تسير بسرعة الضوء، وتَحْمِل، أو تَنْقُل، "القوة". إنَّ "الجسيمات الحاملة للقوة"، بعضها له "كتلة"، وكتلة كبيرة، وبعضها ليس له "كتلة".

عبر الفضاء، أو الفراغ، يؤثِّر جسم في جسم، أو جسيم في جسيم. عبره تتبادل الأجسام والجسيمات التأثير.

إننا نرى، مثلا، أنَّ الجسم، أو الجسيم، B قد اختلف وتغيَّر. ونرى أنَّ الجسم، أو الجسيم، A والذي بينه وبين الجسم، أو الجسيم، B فضاء أو فراغ هو الذي أثَّر في الجسم، أو الجسيم، B فجعله يختلف ويتغيَّر.

ونقول، في لغة الفيزياء، إنَّ الجسم، أو الجسيم، B قد اختلف وتغيَّر إذ تأثَّر بـ "قوة" Force مَصْدَرها الجسم، أو الجسيم، A. وهذا "التأثير" إنَّما انتقل عبر الفضاء، أو الفراغ، من "المؤثِّر" A إلى "المتأثِّر" B.

ولكن "التأثير" لا يمكنه أن ينتقل عبر الفضاء، أو الفراغ، إلا بـ "ناقل". وهذا "الناقل" هو "الجسيمات حاملة (أو ناقلة) القوة" Force Carrier Particles.

إننا نرى "التفاعل"، أو "التأثير المتبادل"، بين جسمين، أو جسيمين، من غير أن يتلامسا أو يتماسا. إننا، وعلى سبيل المثال، نرى مغناطيسان يتجاذبان أو يتنافران من غير أن يتلامسا أو يتماسا.

"الجسيم الحامل للقوة" يمكن تشبيهه بـ "كرة (لا نقدر أن نراها)" يتقاذف بها لاعبان. أحد اللاعبين (أي الجسم أو الجسيم) يقذف بـ "الكرة غير المرئية"، فتسير في الفضاء، أو الفراغ، بين اللاعبين، ثمَّ يتلقَّفها الآخر.

اللاعب الذي قذف بالكرة لا يمكنه أن يقذف بها من غير أن يتأثَّر، أي من غير أن يختلف ويتغيَّر. واللاعب الذي تلقَّفها لا يمكنه أن يتلقَّفها من غير أن يتأثَّر، أي من غير أن يختلف ويتغيَّر.

"عَيْن" الفيزياء لا ترى تلك الكرة، أي "الجسيم الحامل للقوة"؛ ولكنها ترى "التأثير" في الذي قذف بها، وفي الذي تلقَّفها.

إنَّ الأجسام، أو الجسيمات، "تتفاعل"، أو "تتبادل التأثير"، من خلال تبادلها "الجسيمات حاملة القوة"، عبر الفضاء أو الفراغ، أي من غير أن تتلامس أو تتماس.

كل جسم، أو جسيم، يُنْتِج أو يستهلك، يُطْلِق أو يمتص، يُرْسِل أو يَسْتقبل، "جسيمات حاملة للقوة". وتختلف "الجسيمات حاملة القوة" في نطاق، أو مجال، عملها، فبعضها يعمل فقط ضمن "دائرة" نصف قطرها متناهٍ في الصِغَر والضآلة.. لا يزيد، مثلا، عن نصف قطر نواة الذرَّة. وبعضها يعمل ضمن "دائرة" نصف قطرها يُقاس بملايين السنين الضوئية.

الإلكترون والبروتون، مثلا، يمكنهما إنتاج أو امتصاص جسيم الفوتون وهو الجسيم الحامل لـ "القوة الكهرومغناطيسية". أمَّا جسيم النيوترين Neutrino فلا يمكنه إنتاج أو امتصاص الفوتون. وهذا ما حَمَل الفيزيائيين على وصفه بأنه جسيم لا يتفاعل.

ولا شك في أنَّ الفيزيائيين سيكتشفون مستقبلا أنَّ النيوترين يتفاعل ويتبادل التأثير مع غيره من مكوِّنات المادة، فليس من جسم، أو جسيم، لا يؤثِّر ولا يتأثَّر في غيره. وإذا كان من سؤال يتحدى الفيزياء أن تجيبه فهذا السؤال إنما هو "كيف يتفاعل النيوترين؟".

إنَّ بعضاً من ظواهر "الاتحاد" و"الانفصال"، "التقارب" و"التباعد"، التي نراها في عالم المادة يمكن تفسيره على أنه ثمرة عمل "القوة الكهرومغناطيسية" التي يحملها جسيم الفوتون الذي يسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة في الفراغ. وهذا الجزء من تلك الظواهر هو ما يسمى "التجاذب والتنافر الكهرومغناطيسي".

ولـ "المادة" خاصية جوهرية هي أنَّها "مُركَّبة" Compound فليس من شيء (من جسم أو جسيم) إلا ويتألَّف من "أجزاء"، من "عناصر" و"مكوِّنات". ليس من شيء إلا ويتألَّف مما هو أصغر منه، حجماً وكتلةً.

ومكوِّنات الشيء، أو عناصره، أو أجزائه، يمكننا، على سبيل التشبيه، أن ننظر إليها على أنها "كريَّات" تسبح في "الفضاء الداخلي" للشيء، ويرتبط بعضها ببعض (عبر هذا الفضاء الذي يفصل بينها) من خلال "قوى".

وكل شيء، كل جسم أو جسيم، لا بد له من أن يملك من الصفات والخواص ما يجعله جزءا من كل، أي ما يجعله فردا من نوع، فالشيء الذي ليس كمثله شيء، أي الذي لا يشترك مع غيره في بعض الصفات والخواص، إنَّما هو شيء لم يوجد قط، ولن يوجد أبدا.

وفي "الذرَّة" Atom نرى المادة في "صورتها العامة".. نرى الفضاء الداخلي (الواسع) للذرَّة، تتوسَّطه "نواتها"، المؤلَّفة من جسيمات كـ "البروتون" و"النيوترون". نرى تلك الجسيمات غير الساكنة متماسكة، مترابطة، متَّحدة، بـ "قوى". ونرى "الإلكترونات" وكأنها غيمة تدور حول النواة. وبين ذرَّة وذرَّة (في الجزيء) نرى فراغا أو فضاء، عبره تتبادل التأثير، فـ "القوى" تعمل في داخل الذرَّة، وبينها وبين ذرَّات أُخرى (ضمن الجزيء). بعض جسيمات الذرة، كالبروتون، له "كتلة" Mass وبعضها، كالفوتون، ليس له كتلة Massless.

قد ننظر "اليوم" إلى جسيم ما على أنه "أصغر جزء من المادة". وقد نسميه "الجسيم الأوَّلي"، أي الجسيم "غير المُركَّب"، أي الجسيم الذي لا يتألَّف من عناصر أو جسيمات أصغر منه، حجماً وكتلةً. ولكننا "غداً" سنكتشف، كما اكتشفنا من قبل، أنَّه ليس بـ "جسيم أوَّلي" بحسب هذا التعريف لـ "الأوَّلي" من المادة.

من قبل، نظروا إلى "الذرَّة" على أنها "الأوَّلي" من المادة، لا تتألَّف مما هو أصغر منها، حجماً وكتلةً، ولا يمكن، بالتالي، أن تنقسم. ثمَّ عدلوا عن معتقدهم هذا، ليعتقدوا بـ "النواة" على أنها "جسيم أوَّلي". ثمَّ عدلوا عن معتقدهم هذا إذ اكتشفوا أنَّ النواة تتألَّف مما هو أصغر منها، حجماً وكتلةً، كالبروتون والنيوترون. وكادوا يعتقدون بـ "البروتون" على أنه "جسيم أوَّلي"؛ ولكنهم اكتشفوا أنه يتألَّف مما هو أصغر منه، حجما وكتلةً، هو جسيمات "الكوارك" Quark.

وهم، اليوم، يميلون إلى النظر إلى "الكوارك" على أنه "جسيم أوَّلي"؛ ولكنهم غدا سيكتشفون أنه ليس بـ "أوَّلي". ولسوف يظلون في بحث دائم عن "الأوَّلي" من المادة، التي ستأتيهم بمزيد من الأدلة على أنَّ "الأوَّلي" ليس سوى خرافة من نسج خيال فلسفي لا أثر فيه لـ "الحقيقة الموضوعية".

"الفضاء" Space و"الجسم (أو الجسيم)" إنَّما هما شيء واحد تستحيل تجزئته، فليس من فضاء بلا أجسام أو جسيمات، وليس من أجسام أو جسيمات بلا فضاء. والفضاء هو أيضا مادة (صورة من صورها الكثيرة) تنتقل فيه الأجسام والجسيمات. وليس من جسم أو جسيم يمكن أن يسكن سكونا مطلقا، فإذا لم يتحرَّك مغادِراً مكانه فإنه "يهتز"، أي يتحرَّك وهو في مكانه، كالبروتون والكوارك.

الفيزيائيون القائلون بـ "الأوَّلي" من المادة، أو بـ "الجسيمات الأوَّلية" Fundamental Particles يتحدَّثون عمَّا يشبه "أبجدية مادية" تكمن في كل "المفردات والعبارات والجُمَل المادية"، فكل المادة إنَّما تتألَّف، بحسب معتقدهم، من: 6 كواركات (مع 6 كواركات مضادة) و 6 لبتونات مثل الإلكترون والنيوترين Neutrino (مع 6 لبتونات مضادة مثل البوزيترون) وجسيمات حاملة القوة.

الجسيمات جميعا لها أضدادها، فجسيم الإلكترون، مثلا، له مضاده، أو ضديده، وهو جسيم البوزيترون. فإذا هما تصادما تحوَّلا إلى "طاقة خالصة"، أي إلى "فوتونات". إننا نرى تحوُّل "الكتلة" Mass إلى "طاقة" Energy و"الطاقة" إلى "كتلة" من خلال التفاعل بين "المادة" Matter و"المادة المضادة" أو "ضديد المادة" Antimatter.

وهذا التحوُّل إنما هو ثمرة "التصادم" بين جسيم وضديده، كالتصادم بين الإلكترون والبوزيترون. إنَّ تصادمهما (أو تفاعلهما هذا) يؤدي حتما إلى تحوُّلهما إلى "طاقة خالصة"، أي "فوتونات". وإنَّ تصادم الفوتونات يؤدي حتما إلى تحوُّلها إلى جسيمات وجسيمات مضادة لها كالإلكترون والبوزيترون.

وفي كل تحوُّل لـ "الكتلة" إلى "طاقة"، أو لـ "الطاقة" إلى "كتلة"، لا نرى فناءً للمادة، أو خلقا لها من العدم، فالمادة، مقداراً، لا تزيد ولا تنقص أبدا.

المادة تنطوي دائما على ميلين متضادين متلازمين هما الميل إلى "التكاثف (أو التجمُّع)"، والميل إلى "التشتُّت (أو التفرُّق)". وكلا الميْلين يَظْهَر في غير شكل وصورة وهيئة.

في نواة الذرَّة نرى البروتونات في ميل قوى إلى "التنافر"، أي التشتُّت والتفرُّق؛ ونراها في ميل ضعيف، وضعيف جدا، إلى "التجاذب"، أي التكاثف والتجمع والاتحاد، من خلال "قوة الجاذبية"، فهذه القوة هناك أضعف من أن تتغلَّب على ميل البروتونات إلى التنافر، ومن أن تبقيها، بالتالي، متَّحدة متجمِّعة. ومع ذلك، تبقى نواة الذرة متماسكة متَّحدة. أمَّا سبب ذلك فهو "القوة النووية الشديدة".

المادة لم تعرف قط، ولن تعرف أبدا، ظاهرة بقاء ميْل من ميليها المتضادين وزوال الآخر؛ كما لم تعرف قط، ولن تعرف أبدا، ظاهرة الضعف المتساوي لكل أشكال وصور أحد الميْلين، فـ "الجاذبية" تضعف، وتضعف كثيرا، في داخل نواة الذرَّة، أي بين بروتوناتها؛ ولكن ضعفها نراه مقترِنا بظهور ميل إلى "التجاذب" القوي، والقوي جدا، في صورة أخرى، هي "القوة النووية الشديدة". وكذلك يمكننا وينبغي لنا فهم الأشكال والصور التي يَظْهَر فيها الميل إلى "التنافر".

المادة بحسب نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang لا تتكاثف، وتتجمَّع، وتتجاذب، إلا ضمن كون تتنافر أجزاؤه الأساسية، بسبب "تمدُّد الفضاء ذاته". تلك الأجزاء نراها متنافرةً، متباعِدةً، بسبب "تمدُّد الفضاء"؛ ولكننا نرى المادة، ضمن كل جزء من تلك الأجزاء، تتكاثف، وتتجمَّع، وتتَّحد، وتتجاذب. بين تلك الأجزاء نرى الميل إلى الانفصال والتنافر والتشتُّت يغلب الميل المضاد الملازم له، أي الميل إلى الاتحاد والتجاذب والتكاثف. وفي داخل كل جزء من تلك الأجزاء، في داخل المجرات والنجوم.. والجزيئات والذرات، نرى الميل إلى الاتحاد والتجاذب والتكاثف هو الغالب.

تنافُر المادة في الكون قد يبلغ منتهى الشدة والقوة؛ ولكنه لن يتخطى أبدا ما يمكن تسميته "الخط الكوني الأحمر"، فالمادة في الكون، ومهما تنافرت وتباعدت أجزاؤها الأساسية، يجب أن تظل في وحدة عضوية.

والوحدة العضوية للكون إنما تكمن في أن لا جسم ولا جسيم يمكنه أن يسير بسرعة تفوق سرعة الضوء، فالمتنافر من أجزاء الكون الأساسية يجب أن تظل سرعته أقل من 300 ألف كيلومتر في الثانية.

كل جزء من تلك الأجزاء الكونية الأساسية المتنافرة إنَّما يرتد عن غيره، بسبب تمدُّد الفضاء ذاته؛ ولكن ارتداده هذا لن يجعله أبدا يَظْهَر لأي مراقِب في الكون على أنه يسير بسرعة تفوق سرعة الضوء، فليس من شيء في الكون في مقدوره تخطِّي هذا "الحاجز الضوئي".

إذا أخَذْنا بنظرية "الانفجار الكبير" Big Bang على أنها خير تفسير وتعليل للكون، نشوءا وتطورا ومصيرا، فلا مناص لنا من القول بكون يتألَّف من "جُزُرٍ كونية" ما زالت، بحسب تلك النظرية، تتباعد وتتنافر بسبب "تمدُّد الفضاء ذاته".

الأجزاء الكونية الأساسية إنَّما تشبه "جُزُرا" في "بحر فضائي متَّسِع"، تَتَّسِع بسبب اتِّساعه المسافة بين "جُزُرِه"، التي لم نُحِطْ بها بَعْد عِلْما، فالسؤال عن ماهية "الجزيرة الكونية"، وعن مكوِّناتها وخصائصها، لم يُجَبْ عنه بَعْد ولو من حيث المبدأ.

هل تضم "الجزيرة الكونية"، التي هي وسائر "الجُزُر الكونية" في تباعد مستمر بسبب "تمدُّد الفضاء"، مجرَّات أم تضم ما هو أوسع منها وأكبر؟ وهل "الجُزُر الكونية" هي فحسب التي تتأثَّر بـ "تمدُّد الفضاء"؟ لقد قالوا إنَّ أشياءً تشبه "الجُزُر الكونية" هي التي تتباعد وتتنافر في الفضاء بسبب "تمدُّد الفضاء".

وقالوا إنَّ هذه الأشياء ليست "النجوم" التي تتألَّف منها "المجرَّة"؛ لأنَّ لدى النجوم من قوة التجاذب ما يمنعها من التباعد. وهُم يميلون إلى القول بتجاذب بين المجرَّات يمنعها هي أيضا من التباعد. افتراضهم إنَّما هو أنَّ أشياء تشبه "الجُزُر الكونية" هي وحدها التي تتباعد بسبب "تمدُّد الفضاء".

إنَّ "البالون الذي نقَّطْتَّ سطحه (أي رَسَمْتَ نُقطاً على سطحه) والذي تَنْفُخ فيه فيتمدَّد شيئا فشيئا" هو خير مثال يأتي به القائلون بنظرية "الانفجار الكبير" لتوضيح وشرح "الكون"، معنى وتمدُّدا.

في معناه يقولون (وبمعونة هذا المثال) إنَّ الكون كله (النجوم والمجرَّات وسائر الأجسام الكونية.. والفضاء) يُوْجَد فحسب على "سطح" البالون (الكوني) فلا وجود للكون في داخل، أو في خارج، أو حَوْل، البالون. الكون فحسب إنَّما هو غشاء البالون.

أمَّا في تمدُّد الكون واتِّساعه فيقولون (وبمعونة المثال ذاته) إنَّ "النُقَط (أي "الجُزُر الكونية")" تتباعد مع كل زيادة في حجم البالون، وإنَّها تتباعد بسبب تَمدُّد مادة البالون، أي المطاط، وليس بسبب انتقال تلك النُقَط على سطح البالون.

ومادة البالون، أي المطاط، هي كناية عن "الفضاء"، الذي بتمدُّده تتباعد "الجُزُر (أو النُقَط) الكونية". في أثناء تمدُّد البالون، نرى، على سبيل المثال، أنَّ المسافة بين النقطتين A و B كانت 2 ملليمتر، فأصبحت 5 ملليمتر، ثمَّ 10 ملليمتر،.. إلخ.

إذا فَهِمْنا هذا المثال بما يتَّفِق مع ما جاءت به نظرية "النسبية" لآينشتاين في شأن "الضوء"، فلا بد لنا من القول بحتمية انتقال "التأثير"، الذي تحمله جسيمات تسير بسرعة الضوء، من "جزيرة كونية" إلى سائر "الجُزُر الكونية"، فهذا "التأثير" إمَّا أنَّه قد وصل وإمَّا أنَّه في الطريق، وسيصل حتما؛ لأنْ لا شيء في الكون يمكنه السير بسرعة تفوق سرعة الضوء.

المسافة بين "الجزيرتين الكونيتين" A و B على سبيل المثال قد تكون طويلة جدا (10 آلاف مليون سنة ضوئية مثلا). ولا شك في أنَّها، وبسبب تمدُّد الفضاء ذاته، تزداد طولا.

ومع ذلك، لا بد لكل ضوء (أو تأثير تحمله جسيمات تسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية) ينطلق من A من أن يصل، في آخر المطاف، إلى B. مهما ابتعدت B عن A ومهما أسرعت في ابتعادها فإنَّها ستتأثَّر، في آخر المطاف، بـ "قوى" A لأنَّ "التأثير" الذي تنقله من A إلى B جسيمات تسير بسرعة الضوء هو الأسرع في الكون.

بعض من الكون قد أثَّر في كوكب الأرض، وبعض منه لم يؤثِّر فيه بَعْد؛ ولكنه سيؤثِّر فيه حتما في آخر المطاف إذا ما بقي هذا الكوكب. إنَّ كوكب الأرض لا يتأثَّر إلا بكل تأثير كوني من "الماضي الكوني"، فهذا الذي يؤثِّر في الأرض "الآن" إنَّما هو شيء ينتمي إلى "الماضي الكوني"، وقد يكون من الأشياء التي ما عاد لها وجود. الشمس تؤثِّر دائما في كوكب الأرض؛ ولكن أي شمس؟ إنَّها الشمس التي كانت قبل 8 دقائق، فشمس "الآن" لن تؤثِّر في الأرض إلا بعد 8 دقائق.

إنَّ "الحاضر" لا وجود له إلا في "جوار أنفي". حتى هذا الذي يقع في جوار أنفي ويؤثِّر فيَّ إنَّما هو شيء ينتمي إلى "الماضي" أكثر مما ينتمي إلى "الحاضر".

كل ضوء يجب أن يسير في الفراغ بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية، أي بـ "السرعة الكونية العظمى"؛ ولكن هذا لا يعني، ويجب ألا يعني، أنَّ كل ما يسير بسرعة الضوء يجب أن يكون ضوءاً، فثمة جسيمات تسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية حاملةً "تأثيرا غير ضوئي".

في شأن "الثقب الأسود" Black Hole يقولون إنَّه "جسم" من فرط جاذبيته لا يستطيع حتى الضوء الإفلات من قبضته، فيكون، بالتالي، مُظْلِماً. هذا المُعْتَقَد قد يكون صحيحا؛ ولكن "الثقب الأسود" لا يمكنه أبدا إلا أن "يتبادل المادة" مع سائر الكون، فهو "يأخذ" و"يعطي" في الوقت عينه. لا يمكنه أبدا أن "يأخذ" من غير أن "يعطي"، أو أن "يعطي" من غير أن "يأخذ".

لا بد لجسيمات تسير بسرعة الضوء، حاملةً "تأثيرا غير ضوئي" من أن تفلت من قبضة "الثقب الأسود"، فليس من قوة كونية في مقدورها أن تمنع منعا مطلقا شيئا ما (ولو كان "الثقب الأسود" أو ما يشبهه) من أن يُطْلِق، أو يُرْسِل، جسيمات ليس لها كتلة Massless.

ما له "كتلة" Mass من "المادة" إنَّما هو شيء يمكن أن تزداد كتلته أو تنقص من خلال "تبادله المادة" مع غيره. و"الثقب الأسود"، أو ما شابهه، لا يمكنه أبدا أن يشذَّ عن هذا القانون الكوني، فكتلته تزداد بـ "الأخذ"، وتقل بـ "العطاء".

والقول بـ "تبخُّر" هذا "الجسم" الكوني، أي "الثقب الأسود"، لا معنى له إذا لم نفهم "التبخُّر" على أنَّه تلاشٍ في كتلة "الثقب الأسود"، سببه إطلاقه المستمر والمتزايد لجسيمات تسير بسرعة الضوء، تَحْمِل "تأثيرا غير ضوئي"، وتستطيع الإفلات من قبضة جاذبيته.

إنَّ القول بـ "سرعة كونية عظمى" هي سرعة الضوء يجب أن يَقْتَرِن بقول آخر هو القول باستحالة وجود قوة كونية في مقدورها أن تمنع شيئا ما منعا مُطْلَقا من إطلاق، أو إرسال، جسيمات تسير بسرعة الضوء، وتَحْمِل "تأثيرا غير ضوئي".

"الثقب الأسود" ليس بـ "جسم" يتأثَّر، فحسب، بغيره. إنَّه "جسم" يؤثِّر، أيضا، ولا بد له من أن يؤثِّر، بغيره، فالخرافة بعينها هي القول بشيء يؤثِّر بغيره؛ ولكن لا يتأثَّر بغيره، أو يتأثَّر بغيره؛ ولكن لا يؤثِّر بغيره.

كل شيء في هذا الكون لا يمكنه أن "يعطي (من المادة)" إذا لم "يأخذ" في الوقت عينه، ولا يمكنه أن "يأخذ (من المادة)" إذا لم يُعطِ في الوقت عينه، فبعضٌ من "تبادل المادة" يمكن ويجب أن يكون "متزامنا".

إنَّ هذا الشيء لا يمكنه أن يُطْلِق المادة A إذا لم يمتص في الوقت نفسه المادة B. ولا يمكنه أن يمتص المادة B إذا لم يُطْلِق في الوقت نفسه المادة A.

هذا هو ما يشبه قانون "التبادل المتزامن للمادة"؛ ولكن ليس كل تبادل للمادة يجب أن يكون متزامنا، فثمة تبادل للمادة يشبه "الشراء بالدَيْن".

إذا الشيء A امتص المادة C التي أتته من الشيء B فإنَّه يُطْلِق في الوقت نفسه المادة D التي قد يمتصها الشيء B ولكن ليس "فورا" وإنَّما بعد حين؛ ذلك لأن ثمة مسافة ينبغي للمادة D اجتيازها قبل وصولها إلى الشيء B.

الشيء، أي شيء، لا يمكنه أن يؤثِّر في غيره إذا لم يُطْلِق مادة يمتصها غيره؛ ولكن يكفي أن يُطْلِق مادة حتى يتأثَّر هو ذاته بهذا الفَقْد المادي، فيختلف ويتغيَّر. والشيء، أي شيء، يكفي أن يمتص مادة حتى يُطْلِق في الوقت ذاته مادة، فيأتي تأثُّره، اختلافه وتغيُّره، ثمرة هذا التزاوج بين ما امتص وما أطلق من مادة.

المادة العارية من "الحجم" ومن "الزمان"، أي من ثوب، أو جسد، "الزمان ـ المكان"، أو "الزمكان (الطول والعرض والارتفاع والزمان)"، إنَّما هي مادة لم تُوْجَد قط، ولن تُوْجَد أبدا.

المادة (الكتلة والطاقة) باحتشادها، وتجمُّعها، وتكاثفها، تُغيِّر حتما خواصها المكانية والزمانية، فـ "زمكانها" يزداد انحناءً. باحتشادها، وتجمُّعها، وتكاثفها، ينحني، حتما، خطُّ السيْر الفضائي في جوارها وعلى مقربة منها، ويتباطأ سيْر الزمان.

وهذا الاحتشاد، والتجمُّع، والتكاثف، نراه في داخل كل "جزيرة كونية"، وفي داخل كل مكوِّن من مكوِّناتها. إننا نراه في كونٍ تتباعد "جُزُرُه" في استمرار.

ونحن نفسِّره على أنَّه ثمرة عمل "قوَّة الجاذبية"، التي لولا عمل "القوة النووية الشديدة"، التي تبقي "نواة الذرَّة" متَّحِدة متماسكة، لعجِزَت الجاذبية عن تجميع المادة في نجوم ومجرَّات. إنَّ المادة المتماسكة بفضل "القوة النووية الشديدة" هي المادة التي منها تبتني "الجاذبية" النجوم والمجرَّات.

لقد قُلْنا بقوتين كونيتين متضادتين متَّحِدتين اتِّحادا لا انفصام فيه، ومتصارعتين دائما، هما "القوة المجمِّعة" للمادة، و"القوة المشتِّتة" لها. ونقول إضافةً: لا الكون، ولا أي شيء فيه، يمكن أن يتطوَّر بإحدى القوتين فحسب، فما نراه دائما إنَّما هو التطوُّر الذاتي المتأتي من الصراع الدائم بين القوتين.

قد نرى؛ بل نرى، إحداهما في صعود مستمر لجهة تأثيرها الكوني، فنتوهَّم أنَّ لا نهاية لصعودها أو نموها، وأنَّها ستسود، في آخر المطاف، "سيادة مُطْلَقة".

هذا الذي نرى إنَّما هو نصف الحقيقة، التي في نصفها الآخر يمكننا وينبغي لنا أن نرى استحالة أن تنمو إحدى القوتين، إن على مستوى الكون أو على مستوى كل جزء وأي جزء منه، من غير أن يتمخَّض هذا النمو عن عاقبته الحتمية، وهي تنمية وتهيئة أسباب نمو نقيضها، أي القوة الأخرى، فكلَّما تجمَّعت المادة أكثر نمت وتهيأت أسباب تشتُّتها، وكلما تشتَّت أكثر نمت وتهيأت أسباب تجمُّعها، فـ "التجمُّع" ينتهي حتما إلى "تشتُّت"، و"التشتُّت" ينتهي حتما إلى "تجمُّع"؛ لأنَّ كليهما يُنْتِج الآخر.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وللعرب سياسة -الوضوح اللانووي-!
- ما قبل -الخيار الشمشوني-!
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. حديث خرافة وكذب!
- -تقرير- اختصر الطريق إلى جهنم!
- اقتراح هوكينج لتدارُك خطر زوال البشر!
- -حماس- و-فتح-.. لِمَ لا تسيران في خطين متوازيين؟!
- هذا الانقسام خير من تلك الوحدة!
- عنقاء جديدة تسمى -المواطَنة-!
- قبل أن يغدو المُدخِّن مارقا من الدين!
- الأزمات والحلول تتشابك خيوطا!
- هذا العمى السياسي!
- -التسارع- و-التباطؤ- في -التطوُّر الكوني-
- هل يجرؤ بوش على أن يكون برغماتيا؟!
- الفلسطينيون يصنعون نجاحا جديدا!
- هذا -التسييس- ل -الحجاب-!
- صحافة جيفرسون أم صحافة همبولت؟!
- حق المرأة في قيادة السيارة!
- -النسبية-.. آراء وأمثلة
- أهي -بطولة- أم تمثيل لدور البطولة؟!
- حتى لا يحترق المسرح ويبقى الممثِّلون!


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - الفيزياء تنضم إلى الفلسفة في تعريف -المادة-