أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - قبل أن يغدو المُدخِّن مارقا من الدين!














المزيد.....

قبل أن يغدو المُدخِّن مارقا من الدين!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 1749 - 2006 / 11 / 29 - 10:32
المحور: المجتمع المدني
    


لقد تمادوا في التحليل والتحريم، في اجتهاداتهم الفقهية، حتى أنهم، في الأردن، كادوا أو أوشكوا أن يستلوا سيف التحريم من غمده، ليقطعوا به رأس "المُدخِّن"، فالتدخين، في فتواهم أو اجتهادهم الديني، غدا من الحرام، كالميتة والدم ولحم الخنزير..!

إنني مدمن على التدخين، وأعلم مضاره الصحية عليَّ، وعلى من حولي من غير المدخنين، وأعاني ضرره الاقتصادي عليَّ وعلى أسرتي، وحتى على المجتمع، ففيه إنفاق للمال الشخصي والاجتماعي في سُبِل تضر ولا تنفع.. ومع ذلك، أقول، بصفة كوني مدمنا على التدخين، إنه "نعمة" لا يعرفها، ويعترف بها، إلا المُدخِّن، الذي لكونه مدمنا لا يضيره أبدا أن يعيب عليه خصومه من غير المدخنين ضعف إرادته، التي لا يرون موضعا آخر غير التدخين يختبرون فيه ضعفها من قوتها.

ليس من مُدْمِن على التدخين إلا ويعرف على خير وجه مضار ومساوئ التدخين؛ ويمكنه أن يقبل النظر إلى التدخين على أنه شيء مكروه، حتى دينيا؛ ولكن لا هو ولا كل حريص على استقامة الفتاوى والاجتهادات الدينية يقبل النظر إلى التدخين على أنه "حرام"، ومعاملة المُدخِّن على أنه مارق من الدين، يحلِّل ما حرَّمه الله.

التدخين يكافَح، ويحرزون نجاحا في مكافحته، في الدول والمجتمعات الغربية على وجه الخصوص؛ ولكن مكافحيه لم يتسلَّحوا، ولم يحتاجوا إلى أن يتسلَّحوا، في حربهم الحضارية والصحية على التدخين والمُدخِّنين، بفتاوى دينية تحرِّمه، فالزج بالدين في كل أمر من أمور الناس، وفي كل عادة من عادتهم، إنما يُظْهِر ويؤكِّد أن المجتمع، الذي تخصُّه تلك الفتاوى، يعاني قصورا حضاريا وثقافيا.. وديمقراطيا.

قبل التدخين، كان الموقف (الديني) من القهوة، فذهب بعض أهل الإفتاء إلى تحريمها، مشهرين علينا حججا مشابهة لحجج تحريم التدخين، فصدَّقهم كثيرون من عامة الناس، حتى "أُلقي القبض على المحرِّمين متلبسين بجريمة شرب القهوة"، فاضطُّروا إلى تحليلها، قائلين في حججهم الجديدة إنها (أي القهوة) خَمْر الصالحين!

إذا قُلْتَ لهم إنَّ ما حرمتموه لا سند لتحريمه في القرآن أو السنة، يجيبونكَ على البديهة قائلين: لا يجوز الخروج على ما أجمع عليه الفقهاء، واستقر في الفقه.

جوابهم هذا إنما هو جواب من له مصلحة في الإبقاء على فتاوى واجتهادات دينية (أجمع عليها أهل الإفتاء والفقهاء قديما) لا تبقي لنا شيئا من المصالحة، في حياتنا، بين الدين والدنيا، وتحول بيننا وبين اجتهادات فقهية جديدة، تحتاج إليها مجتمعاتنا في سعيها الحضاري والديمقراطي إلى أجوبة عن كثير من الأسئلة المهمة في أوجه حياتها المختلفة. والخروج على ما أجمع عليه الفقهاء، والتأسيس لحرية الرأي الآخر في عالم الفقه والاجتهاد وبين الفقهاء والمجتهدين، إنما هما الشرط الأولي لإصلاح ديني، تصلح فيه العلاقة بين ديننا ودنيانا.

ما أن ظهر التدخين حتى اختلف الفقهاء في أمره، وفي الموقف (الديني) منه، فهل يقولوا بتحليله، أو بتحريمه، أو باجتنابه لكونه مكروها؟ وقد توفَّروا على جمع الأدلة على ضرره، صحيا واقتصاديا.. ثم اتخذوا مضاره سببا للفتوى بتحريمه، ضاربين صفحا عن المبدأ الفقهي والاجتهادي الأول وهو أن الإباحة لا الحظر هي الأصل في الموقف الديني من عادات الناس، فالأمر والنهي، والتحليل والتحريم، هي أمور ليست من اختصاصهم مادامت شرع الله.

وقد جاء في القرآن: "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله (الشورى 21)"، وجاء: "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا (يونس 59)"، وجاء: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم (الأنعام 119)".

وفي أحاديث نبوية عديدة نقف على معانٍ كثيرة من هذا القبيل منها: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو. ومنها: الحلال ما أحله الله في كتابه، والحرام ما حرم في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم. ومنها: إن أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم عليهم لأجل مساءلته.

عن كل ذلك ضربوا صفحا، فلم يبقَ لديهم من حجج التحريم إلا التي من قبيل أن التدخين حرام؛ لأن الله قال: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، وأن التدخين يؤذي حتى الملائكة. لقد حان لمجتمعنا أن يكافح كل ما يعود بالضرر على مصالحه العامة بالطرائق والأساليب والوسائل التي ليس من بينها فتاوى واجتهادات التحليل والتحريم التي لكثرتها كاد الإنسان عندنا أن يموت اختناقا، فحتى أمرا من قبيل دخوله إلى الحمَّام برجله اليمنى أم اليسرى صاروا يزنونه بميزان الحلال والحرام، وكأن ليس لنا الحق في أن نزن عاداتنا وأمور حياتنا بموازين أخرى!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمات والحلول تتشابك خيوطا!
- هذا العمى السياسي!
- -التسارع- و-التباطؤ- في -التطوُّر الكوني-
- هل يجرؤ بوش على أن يكون برغماتيا؟!
- الفلسطينيون يصنعون نجاحا جديدا!
- هذا -التسييس- ل -الحجاب-!
- صحافة جيفرسون أم صحافة همبولت؟!
- حق المرأة في قيادة السيارة!
- -النسبية-.. آراء وأمثلة
- أهي -بطولة- أم تمثيل لدور البطولة؟!
- حتى لا يحترق المسرح ويبقى الممثِّلون!
- عرب وغرب!
- حقيقة ما قاله بوش!
- لمواجهة الانقضاض العسكري الإسرائيلي الوشيك!
- دوحة الديمقراطية والسلام في الدوحة!
- التداول السلمي للسلطة!
- انفراج فلسطيني وشيك!
- فشل إدارة بوش إذ اكتمل وتأكد!
- المنجِّمون.. كيف يصدقون وكيف يكذبون؟
- هذا الفساد الذي لم ينجُ منه حتى الأطباء!


المزيد.....




- مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: أعداد الشهداء بين الأبرياء ...
- لازاريني: 160 من مقار الأونروا في غزة دمرت بشكل كامل
- السفارة الروسية لدى واشنطن: تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان مح ...
- غرق وفقدان العشرات من المهاجرين قبالة سواحل تونس وجيبوتي
- مصر وأيرلندا: غزة تعاني المجاعة وغير قابلة للعيش
- رئيس لجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان يندد بالإبادة الجماعي ...
- البرلمان البريطاني يقر قانونا مثيرا للجدل لترحيل طالبي اللجو ...
- -طعنها بآلة حادة-.. داخلية السعودية تعلن إعدام الرويلي بعد إ ...
- انتشال 19 جثة لمهاجرين غرقى بسواحل صفاقس التونسية
- غارتان إسرائيليتان تستهدفان خيام النازحين في حي زعرب برفح


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جواد البشيتي - قبل أن يغدو المُدخِّن مارقا من الدين!