أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - تعريف اليسار عموما واليسار العراقي خصوصا 3















المزيد.....


تعريف اليسار عموما واليسار العراقي خصوصا 3


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15 - 11:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


من حلقة او حلقتين جرت اعادتهما من سلسلة حلقات بحث اليسار العراقي الانفة الذكر شعرت ان الجو السائد في هذه الحلقات هو بحث اليسار وكأنه يتألف من الاحزاب وليس من الطبقات والمراتب الاجتماعية المكونة للشعب. فقد انصب البحث في هاتين الحلقتين على تاريخ الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي وكأنهما المكونان الاساسيان لليسار العراقي. ولذلك اعتقد ان البحث لا يقوم على اساس علمي لبحث اليسار العراقي مما ادى الى التخبط اثناء النقاش في الحلقات في مواقف الاحزاب وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي الذي اجتاز في تاريخه مراحل مختلفة متناقضة عجز المتحدثون عن تفسيرها فتحولوا الى بحث مواقف الاتحاد السوفييتي المختلفة المتناقضة هي الاخرى بسبب تحول سياسة الاتحاد السوفييتي ذاته في مراحل تطوره التاريخي منذ ثورة اكتوبر الى الانهيار النهائي ومحاولة تفسير سياسة الاتحاد السوفييتي في تجهيز البلدان النامية بالسلاح وسبب عدم تزويدها باحدث الاسلحة. وتحول النقاش الى بحث تاريخ كلمة ديمقراطية والتأكيد على وجود الديمقراطية في العهد الملكي ثم في عهد قاسم وانعدامها في العهود الاخرى وهي مواضيع لا علاقة لها بالموضوع الاساسي للحلقات وهو تاريخ اليسار العراقي.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو "ما هو دور الاحزاب العراقية وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي في بحث تاريخ اليسار العراقي؟"
منذ نشوء النظرية الماركسية وتبلورها كنظرية الطبقة العاملة اي منذ صدور البيان الشيوعي سنة ۱٨٤٨ ونشوء حركات عمالية ثورية تتخذ الماركسية اساسا هاديا لها في نضالاتها اخذت تنشأ منظمات تعمل على توعية الطبقة العاملة الى نظريتها والاساليب التي تفرضها هذه النظرية على نضالاتها. نشأت الاممية الاولى كمنظمة عالمية للطبقة العاملة بقيادة كارل ماركس وفريدريك انجلز كانت مهمتها الاساسية توعية الطبقة العاملة وزج الفئات الواعية منها في النضال العالمي المشترك. ثم نشأت احزاب للطبقة العاملة في العديد من الاقطار الراسمالية المتطورة راسماليا اطلق عليها اسم الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية وانتظمت هذه الاحزاب في اممية جديدة هي الاممية الثانية. كانت هذه الاممية هي الاخرى احزابا تمثل الطبقة العاملة وتقود نضالاتها وتعمل على توعيتها ورفع مستواها النظري والثقافي. دام ذلك حتى الحرب العالمية الاولى حين تخلت هذه الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية عن اهداف الطبقة العاملة وانحاز كل حزب منها الى برجوازيته في محاربة البلدان الاخرى تحت شعار الدفاع عن الوطن. وبدلا من ان يقود كل حزب طبقته العاملة وكادحيه للثورة على برجوازيته وانهاء الحرب الاستعمارية الجائرة التي دمرت كافة الشعوب المتحاربة كما نص عليه القرار الذي سبق للاممية الثانية ان اتخذته سنة ۱٩۱۲ دعت هذه الاحزاب طبقتها العاملة لمحاربة الطبقة العاملة في البلدان الاخرى لمصلحة برجوازيتها الامبريالية. وهنا جاء دور لينين في الانشقاق عن الاممية الثانية وفضح انتهازيتها وتخليها عن اهداف الطبقة العاملة التي انشئت من اجلها ومن اجل تحقيقها.
كان حزب لينين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي البلشفي، هو الحزب الوحيد الذي تمسك بقرار الاممية الانف الذكر، وواصل النضال بلا هوادة من اجل تحقيق اهداف الطبقة العاملة ودعا جميع الاعضاء المخلصين لحركة الطبقة العاملة في الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية الاخرى الى ترك احزابهم وتكوين احزاب جديدة للطبقة العاملة. لم يدع لينين الى صيانة احزاب كارل ماركس وانجلز والعمل على اعادتها الى الطريق القويم لان ذلك هراء لا يؤدي الا الى تحطيم حركة الطبقة العاملة الثورية الحقيقية. وبعد ثورة اكتوبر اطلق على الحزب البلشفي اسم الحزب الشيوعي بدلا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي لان هذا الاسم اصبح سيء الصيت وسبة لحركة الطبقة العاملة الثورية. واخذت الاحزاب العمالية في ارجاء العالم تطلق على احزابها اسم الاحزاب الشيوعية. ونشأت الاممية الثالثة، الاممية الشيوعية، من مجموع الاحزاب الشيوعية التي تألفت في ارجاء العالم. وكان من اهم مهام الاممية الثالثة المساعدة على خلق احزاب شيوعية في البلدان المستعمرة والتابعة المتأخرة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وحين تبلور حزب الطبقة العاملة العراقية واتخذ الماركسية اساسا لنضاله اطلق عليه اسم الحزب الشيوعي العراقي واصبح عضوا في الاممية الثالثة.
حين عاد الرفيق فهد من دراسته في جامعة كادحي الشرق في الاتحاد السوفييتي اعاد تأسيس الحزب الشيوعي العراقي على اسس متينة ثابتة فاصبح الحزب خلال مدة قصيرة اقوى واكبر حزب سياسي في العراق رغم نضاله السري ورغم الاضطهاد الذي مارسته عليه الطبقة الحاكمة العراقية والسلطة الامبريالية البريطانية المسيطرة الحقيقية على السياسة العراقية ورغم مساهمة اكثر الاحزاب البرجوازية والبتي برجوازية القائمة في اضطهاد وعزل الحزب الشيوعي على انه حزب غير شرعي وغير مجاز وما شابه ذلك من مزاعم وادعاءات. ورغم تحريك العناصر الدينية الى شجب الشيوعية وتكفيرها وخلق مختلف الاشاعات عن اهدافها. ولكن الحزب الشيوعي العراقي بقيادة فهد تطور تطورا هائلا رغم كل هذا الاضطهاد. فما هو السر في هذا التقدم والتطور؟ السر هو ان الحزب الشيوعي العراقي كان في هذه الفترة من تاريخه فئة من الطبقة العاملة وجزءا لا يتجزأ منها ومناضلا مجاهدا في صفوفها والطبقة العاملة شعرت وتشعر بذلك ولذلك ايدته وبذلت كل ما في استطاعتها من اجل مواصلة تقدمه وتطوره والالتفاف حوله والسير تحت قيادته. كانت قوة الحزب الشيوعي العراقي هي كونه جزءا من الطبقة العاملة وليس منظمة منفصلة مستقلة عن الطبقة العاملة باي شكل من الاشكال.
يحلو للكثير من الكتاب والمعلقين على سياسات الاحزاب الشيوعية وتركيبها، الحديث عن نسبة كبيرة من المثقفين والطلاب في صفوف الحزب الشيوعي. بل ان البعض يعترض حتى على تسمية الحزب الشيوعي الحقيقي حزب الطبقة العاملة والمثقفين والكادحين ويطالب بتسميته حزب المثقفين والعمال لان المثقفين فيه هم الاغلبية. ارجئ الحديث عن الاوضاع الحالية اليوم الى المكان المناسب حيث يجري الحديث عن ظروفنا الحالية. ولكني اريد الحديث عن فترة قيادة الرفيق فهد. انذاك ايضا كان المثقفون في الحزب يشكلون نسبة عالية من اعضاء الحزب ان لم يكونوا الاغلبية. وهذه ظاهرة كانت سائدة في جميع احزاب الاممية الثالثة بلا استثناء وحتى في الحزب الشيوعي السوفييتي بعد استيلاء الطبقة العاملة على السلطة حيث كانت هذه المشكلة من المشاكل التي يعاني منها الحزب ويحاول زيادة نسبة الاعضاء من العمال والفلاحين للتغلب على هذه الظاهرة. فهل كان الحزب الشيوعي في عهد قيادة الرفيق فهد حزب الطبقة العاملة العراقية ام كان حزب المثقفين والعمال؟ ان الماركسية نظرية علمية، بل هي اعلى النظريات العلمية الاجتماعية تطورا. ولذلك فان البلوغ الى فهم واعتناق واستيعاب الماركسية اصعب على العمال منه على المثقفين. فالمثقفون اقرب من العمال الى فهم واستيعاب الماركسية عن طريق القراءة والمتابعة وكذلك محاولة تطبيقها تطبيقا صحيحا. وهذا هو السبب الاساسي لانجذاب المثقفين الى الاحزاب الشيوعية وزيادة نسبة وجود المثقفين في الاحزاب الشيوعية. ولكن ما هو موقف المثقف الذي ينتمي الى الحزب الشيوعي؟ ان المثقف الذي ينتمي الى الحزب الشيوعي، او حزب الطبقة العاملة ايا كان اسمه، لا ينتمي اليه بصفته مثقفا بل بصفته مناضلا في صفوف الطبقة العاملة. ان المثقف الذي ينتمي الى حزب الطبقة العاملة يتخلى عن مصالحه الانية كمثقف ويتبنى مصالح الطبقة العاملة كمصلحته الاساسية. انه يتخلى عن مصالحه الانية القريبة كمثقف ويؤمن بمصالحه البعيدة المرتبطة بمصالح الطبقة العاملة والكادحين. ولذلك جاء في النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي:
"ولا تبتغي" (الطبقة العاملة وليس الحزب) "في اهدافها البعيدة تحرير العمال وحدهم من الاستثمار والحرمان والعبودية والتأخر بل تبغي تحرير الفلاحين والحرفيين وذوي الملكية الصغيرة والمثقفين واقسام الشعب كافة من جميع صنوف الاستغلال وتحطيم الاغلال التي تكبل العلم والفن والادب، وتكبت المواهب الشخصية عند الافراد والجماعات وتحرم اكثرية الشعب الساحقة من تذوق نعم الثقافة والصحة وبسطة العيش، فلا عجب ان نرى كثيرا من الفلاحين والحرفيين والكسبة ورجال العلم والفن والادب والنساء يربطون مصيرهم بمصير الطبقة العاملة، يدخلون حزبها ويصبحون منها فيكرسون حياتهم لخدمة قضيتها.
"ان الحزب الشيوعي العراقي يضم في صفوفه، الى جانب العمال، الفلاحين والحرفيين ومثقفي الشعب من رجال العلم والفن والادب والمستخدمين وصغار التجار والكسبة، اولئك الذين ينظرون الى قضية التحرر الوطني والى قضية الطبقة العاملة ويعملون لها باعتبارها قضيتهم بالذات، ان هؤلاء هم طليعة الطبقة العاملة ومفخرة شعبنا النبيل" (مؤلفات فهد ص ۱٤٤).
اذا تتبعنا تاريخ الاحزاب الشيوعية في فترة الاممية الثالثة لا نجد بين الاحزاب المنتمية الى هذه الاممية من يتحدث عن الحزب وعن قوته وعن استيلائه على السلطة وانما كان الحديث يجري دائما عن الطبقة العاملة وقيادتها للحركة الثورية وضرورة قيادتها لسائر الكادحين واعتبار الحزب جزءا منها. كان الحديث يجري عن تحالف الطبقة العاملة والفلاحين على انه القوة الثورية الاساسية القادرة على الاطاحة بالنظام القائم وتحقيق نظام جديد. وكانت اهداف الاحزاب الشيوعية في البلدان الراسمالية الكلاسيكية متشابهة، هدف تحقيق الثورة الاشتراكية، اي الاطاحة بالنظام الراسمالي واستيلاء الطبقة العاملة على سلطة الدولة. وكانت اهداف الاحزاب الشيوعية في المستعمرات واشباه المستعمرات هي الاخرى متشابهة تهدف الى تحقيق المرحلة الاولى من الثورة التي لم تتحقق بعد، مرحلة الثورة البرجوازية، قبل التحول الى مرحلة الثورة الاشتراكية. وكانت كلها تعتبر ان الطبقة البرجوازية الناشئة في احضان المجتمع الاقطاعي او شبه الاقطاعي اصبحت في عصر الامبريالية عاجزة عن تحقيق الثورة الاشتراكية تحقيقا جذريا ولذلك اصبح من مصلحة الطبقة العاملة ان تقود الثورة البرجوازية من اجل تحقيقها تحقيقا جذريا كاملا.
هذه كانت سياسة فهد حول مرحلتي الثورة في العراق. ومن هذا المنطلق حدد شروط الجبهة الوطنية مع الطبقة البرجوازية الوطنية من اجل تحقيق الثورة. ان الجبهة من وجهة نظر فهد لم تكن اتفاقية بين الحزب الشيوعي والاحزاب البرجوازية او البتي برجوازية انما كانت الجبهة تعني لديه في الاساس تحالفا مؤقتا بين الطبقة العاملة وحلفائها وبين الطبقة البرجوازية على تحقيق الثورة البرجوازية. وكانت طبيعة الثورة البرجوازية من وجهة نظر فهد تتحدد بالقوة التي تقود الثورة. اذ ان طبيعة الثورة البرجوازية تختلف باختلاف الطبقة التي تقودها وهذا يختلف جوهريا عن طبيعة الثورة الاشتراكية التي لا يمكن ان تتحقق الا بقيادة الطبقة العاملة. ففي الثورة البرجوازية في المرحلة الامبريالية توجد طبقتان متنافستان ومتصارعتان ولكنهما طبقتان تحتاجان الى التحالف من اجل تحقيق الثورة. فالصراع على القيادة صراع دائم ومرير بين الطبقتين العاملة والبرجوازية طوال فترة الاعداد للثورة البرجوازية. والجبهة الوطنية ضرورة من اجل تحقيق الثورة البرجوازية ولكنها يجب ان لا تتحقق على اساس تنازل الطبقة العاملة عن مبادئها ونضالها ودورها القيادي من اجل تحقيق الجبهة. والجبهة الوطنية جبهة مؤقتة بين طبقتين متناقضتين ومتصارعتين من مصلحتهما ان تتحالفا مؤقتا ضد عدو مشترك في الوقت ذاته ولا يمكن ان تكون جبهة دائمة طويلة الامد. فالجبهة اتفاق على تحقيق هدف معين تنتهي بالانتهاء من تحقيقه. واقصى الاهداف التي يمكن ان تكون للجبهة بين الطبقة العاملة واحلافها وبين البرجوازية هو هدف الثورة البرجوازية. وفي هذه الحالة تنتهي الجبهة لحظة نجاح الثورة.
اريد ان اورد هنا مثلا على جبهة حقيقية تحققت ليوم واحد في عهد الرفيق فهد. فقد قررت الاحزاب البرجوازية والبتي برجوازية القائمة في سنة ۱٩٤٥ القيام باضراب عام ليوم واحد في العراق للمطالبة ببعض الحريات الديمقراطية مثل اجازة الاحزاب والمنظمات الاجتماعية وغيرها من الشعارات التي كانت انية في حينه. وكانت الاحزاب البرجوازية انذاك تستنكف من عقد اتفاقات مع الحزب الشيوعي لانه حسب زعمها حزب غير شرعي. ولكنها شعرت ان دعوتها للاضراب العام لا يمكن تحقيقها بدون اشتراك الطبقة العاملة والطلاب بالدرجة الرئيسية في الاضراب. وهذا اجبر هذه الاحزاب على الاتفاق مع الحزب الشيوعي على المشاركة في الاضراب لان الحزب الشيوعي وحده كان قادرا على تنظيم ودعوة الطبقة العاملة والطلاب الى المشاركة في الاضراب العام. وتكونت الجبهة ليوم واحد مع الحزب الشيوعي ودعا الحزب الشيوعي الطبقة العاملة والطلاب الى المشاركة في الاضراب. وكان من رأي الحزب الشيوعي مساندة الاضراب العام بمظاهرة جماهيرية في بغداد ولكن الاحزاب الاخرى لم تشاركه الرأي. فلم يكن امام الحزب الشيوعي الا ان ينظم المظاهرة مستقلا عن سائر الاحزاب اذ ان الاتفاق على الجبهة لا يقيد الحزب في ممارسة سياسته المنفصلة عن نطاق الجبهة. فكانت المظاهرة التي بدأت على ما اتذكر من كلية الهندسة وسارت الى كلية الحقوق او بالعكس حيث حاصرتها الشرطة داخل الكلية واستمر التظاهر داخل الكلية الى ساعة انتهاء الاضراب العام. وقد ظهرت الصحف البرجوازية في اليوم التالي تهاجم الحزب وتتهمه بتدنيس قدسية الاضراب فسخر منهم الرفيق فهد في مقال فند فيه قدسية الاضراب واعتبار المظاهرة خرقا لهذه القدسية. فالجبهة الوطنية في نظر الرفيق فهد هي اتفاق على سياسة يلتزم بها فريقا الجبهة ولكن كلا من الفريقين يبقى على استقلاليته في القرارات التي تتجاوز حدود الاتفاق. فالجبهة لا يمكن ان تقيد حرية الطبقة العاملة في مواصلة النضال باساليبها كما ان الجبهة لا تقيد حرية البرجوازية في مواصلة النضال باساليبها. ولكن الطبقة البرجوازية وابواقها الاعلامية تحتفظ بهذا الحق لنفسها وتنكره على الطبقة العاملة.
وفي ۱٩٤٧ حلت النكبة الكبرى، نكبة اعتقال فهد وسجنه ثم جلبه من السجن والحكم عليه بالاعدام. فقدت الطبقة العاملة وفقد الكادحون العراقيون وفقدت الحركة الوطنية العراقية عموما اعظم قائد للحركة الثورية العراقية والحركة الوطنية عموما ولم تستعض عنها حتى يومنا هذا. وقد انتعشت الحركة الى حد ما في وثبة كانون ضد معاهدة بورتسموث حيث انتفض العمال والطلاب وبعض العناصر المثقفة ضد المعاهدة ونجحوا في اسقاط حكومة صالح جبر التي وقعت المعاهدة ونشأت فترة من الاندفاع الثوري سنة ۱٩٤٨ نجحت الحكومة في القضاء عليها بحجة قيام دولة اسرائيل واعلان الحرب ضدها فسادت فترة مظلمة في تاريخ العراق السياسي كان اعدام الرفيق فهد وحسين الشبيبي وزكي بسيم من داخل السجن واعدام يهودا صديق من خارج السجن في نفس هذين اليومين الاسودين في تاريخ العراق. كانت تلك الفترة فترة بطولات وتضحيات من قبل الاعضاء الشيوعيين الذين لم تفلح الحكومة في القبض عليهم من اجل اعادة تنظيم الحزب الشيوعي ومواصلة النضال فيه ولكنها تميزت ايضا بجهل هذه القيادات المتساقطة الواحدة بعد الاخرى نظريا وعمليا. قد يمكن تمييز فترتين من هذه الفترات المتعاقبة بعض الشيء. الفترة الاولى هي الفترة القصيرة التي تسلم قيادة الحزب فيها ساسون دلال. فقد كان ساسون متضلعا بعض الشيء في النظرية الماركسية ولكن تطبيقه لها كان تطبيقا متطرفا "يساريا" ادى الى الاضرار بالحزب والحركة بدلا من فائدتها. والفترة الثانية كانت فترة باسم حيث انتعشت الحركة الثورية انتعاشا رائعا ولكن الغرور اصاب قائد الحزب. فبدلا من دراسة الرفيق فهد والاستفادة من نظريته ومن خططه ومن كتاباته ومن تطبيق الميثاق الوطني، ظن نفسه قد فاق الرفيق فهد واثباتا لذلك شطب بجرة قلم برنامج الرفيق فهد الذي اقره مؤتمر حزبي وخط برنامجا جديدا طمس فيه كل معالم سياسة الرفيق فهد الماركسية اللينينية. ولكن الواقع اثبت ان باسم كان اميا فيما يتعلق بالنظرية الماركسية وتطبيقها. ولعل خير القادة الذين ظهروا في هذه الفترة كان حميد عثمان الذي لم يكن اقل جهلا من سائر القادة بالنظرية الماركسية ولكنه كان مخلصا في حبه للحزب ومحاولة رفع مستواه الثقافي والسير به في طريق الرفيق فهد. وقد اثبت ذلك سواء في كيفية قيادة المنظمة السجنية اثناء وجوده في السجن وفي حرصه على ايجاد السبل الى الهرب من السجن من اجل ايصال العناصر القيادية الواعية الى الحزب ورفع مستوى القيادة.
اذا تتبعنا ادبيات الحزب ونشاطاته في فترة مجده، فترة قيادة الرفيق فهد، نجد ان الحديث كان يدور حول نشاط الحزب في صفوف الطبقة العاملة والفلاحين. كيف اشترك الحزب في توجيه النقابة الفلانية في الاعداد للاضراب او للمطالبة برفع الاجور او بتحسين الصيانة في المعمل او بالنضال من اجل منع العمل بالقطعة وكيفية اقناع العمال بوجهة نظر الحزب في اعداد لجنة مفاوضات مع ادارة المعمل الفلاني او الدائرة الفلانية في حالة المؤسسات الحكومية او المؤسسات الامبريالية. ان مهام الحزب هي اندماجه واشتراكه الفعلي في النضالات العمالية ومبادراته في دفع العمال الى نضالات جديدة قد تكون لاهداف اقتصادية بسيطة او لاهداف تنظيمية اكثر تعقيدا كتنظيم نقابة او انتخابات قيادة النقابة من بين عمالها. في كل هذه النشاطات تظهر حقيقة الحزب بانه جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة وان حياته هي الطبقة العاملة وسائر الكادحين ولا حياة له في غير ذلك.
واذا قارنا نشاطات الحزب في هذه الفترة العصيبة التي مر بها الحزب بعد اعتقال الرفيق فهد وخصوصا بعد اعدامه نجد ان كل نشاط الحزب كان محصورا في اعادة تنظيمه وتجميع ما تبقى من اعضائه وتحقيق قيادة تصون الحزب رغم الحملات البوليسية الشرسة عليه. انا لا الوم الحزب في هذا الصدد لان الحزب كان في وضع مأساوي ولم يكن يستطيع ان يفعل غير ذلك. وان الاعمال التي قام بها اعضاء الحزب كانت تدل على اخلاصهم وتفانيهم في سبيل الحزب وهي اعمال تطولية حقا. ولكن ما اريد ان اقوله ان السلطات نجحت الى حد كبير في هذه الفترة في فصل الحزب عن مصدر حياته، الطبقة العاملة والفلاحين. فصلت الحزب عن نشاطه في صفوف الطبقة العاملة والكادحين الى درجة كبيرة ان لم نقل كليا. ان اعادة بناء الحزب كانت تتطلب قيادة حكيمة تعيد للحزب حياته، تعيد للحزب ارتباطه في النشاطات العمالية اليومية والنضالات العمالية الاعلى مستوى. وهذا ما عجزت هذه القيادات المتعاقبة عن تحقيقه سواء شعرت بذلك ام لم تشعر. في الحقيقة لا حياة للحزب الذي يزعم انه حزب الطبقة العاملة خارج صفوف الطبقة العاملة والكادحين.




#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعريف اليسار عموما واليسار العراقي خصوصا 2
- تعريف اليسار عموما واليسار العراقي خصوصا 1
- علاقة المقاومة اللبنانية بالماركسية
- الحزب الماركسي الحقيقي هو حزب الطبقة العاملة
- هل مهمة حزب العمال ان يدافع عن مصالح الطبقة العاملة؟
- التعددية ليست شعارا عماليا
- حول بداية ونهاية الثورة البرجوازية
- عودة الى موضوع كيف يصبح الانسان ماركسيا
- حول مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي للمؤتمر الثامن
- مشاركة في الحوار حول نداء الماركسيين والاحزاب الماركسية
- أتعزيز لليونيفيل ام مسمار جحا؟
- التمييز ضد الطائفة اليهودية في العراق
- الاخ العزيز ابو نبراس العراقي
- ماذا وراء تعزيز اليونيفيل
- مبروك اولمرت – نجحت بامتياز
- من تدمير اسرائيلي الى احتلال اميركي
- هل اسرائيل تحارب الفلسطينيين وتدمر لبنان ام الولايات المتحدة ...
- التعايش السلمي بين الشعوب
- مصالحة مع صيادي الخنازير البرية
- الدعوة لحكومة علمانية خدعة كبرى للطبقة العاملة والكادحين


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حسقيل قوجمان - تعريف اليسار عموما واليسار العراقي خصوصا 3