أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع  - حسقيل قوجمان - الدعوة لحكومة علمانية خدعة كبرى للطبقة العاملة والكادحين















المزيد.....


الدعوة لحكومة علمانية خدعة كبرى للطبقة العاملة والكادحين


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1 - 11:07
المحور: ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع 
    


العلمانية حركات لا تستخدم الدين وسيلة لتحقيق اهدافها وعكسها الحركات الدينية التي تستخدم الدين وسيلة لتحقيق اهدافها. والعلمانية كحركات اجتماعية واسعة النطاق هي من نتاج التطور الراسمالي في احضان المجتمع الاقطاعي ثم في المجتمعات الراسمالية.
كانت الحركات الاجتماعية والحكومية والثورية قبل نشوء الراسمالية تتخذ الطابع الديني بالضرورة اذ لم يكن بالامكان نشوء حركة او قيام ثورة او تشكيل حكومة لا تتخذ الدين وسيلة لتحقيق اهدافها. كانت الفرعونية سلطة ذات طابع ديني. وقام موسى ربيب الفراعنة الذي نشأ وعاش وترعرع حسب الاسطورة في قصر الفرعون بالثورة على الفرعونية وكانت ثورته ذات طابع ديني هو الدين التوحيدي اليهودي. وكانت الحياة في الجاهلية ذات طابع ديني وكانت ثورة محمد على الجاهلية ذات طابع ديني هو الدين الاسلامي.
وكانت الحكومات كلها في العصور السابقة للراسمالية ذات طابع ديني ولم تكن الحكومات تستطيع تحقيق اهدافها في الحروب بدون ان تستخدم الدين وسيلة لتحقيقها. فالدولة اليهودية اذا ما صح ما جاء عنها في التوراة دولة دينية كان يكفي ان يقوم الكاهن الاعظم بمسح راس الشخص بالزيت المقدس لكي يصبح ملكا. وهذا ما حدث مثلا للملك شاؤول والملك داوود. وكانت الحروب التي خاضتها الدولة اليهودية من اجل اقامة تلك الدولة حروبا دينية مثل الحرب على اريحة وغيرها. وكانت الدول الاسلامية دولا دينية وجاء الفتح الاسلامي على اساس ديني وكانت الدول الاوروبية دولا دينية وقد تجلى ذلك في اضطهاد المسيحية وتقديم المسيحيين الى الاسود للتمتع بافتراسهم وفي الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وغيرها. وحتى الثورة على الكاثوليكية اتخذت طابعا دينيا مثل البروتستانتية والكنيسة الانجليزية. كان الدين في تلك العصور وسيلة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها.
صحيح انه كان بالامكان ان تكون حركات علمانية لا تستخدم الدين وسيلة لتحقيق اهدافها ولكنها كانت حركات فلسفية او علمية او اجتماعية ضيقة لم يكن بامكانها ان تكون انظمة حكومية لادينية في تلك العصور وان تدفع الجماهير الى الحروب والتضحية بدون الحافز الديني والتحدث عن الاخرة والجنة والنار.
ولكن حين نشأت البرجوازية في احضان المجتمع الاقطاعي ظهرت الفلسفات غير الدينية وتطورت الفلسفات المادية بصورة كبيرة وظهرت الشعارات البرجوازية مثل "دعه يعمل دعه يمر" شعار الثورة الفرنسية البرجوازية الاساسي. فالبرجوازية لم تعد بحاجة الى استخدام الدين وسيلة لتحقيق اهدافها وعلى راسها الثورة البرجوازية. وكانت الثورة الفرنسية ثورة علمانية بحتة الى درجة ان الحكومة التي نشأت عن الثورة فصلت الدين عن الدولة. ولكن تحكم البرجوازية وضرورة اخضاع الطبقة العاملة للاستغلال الراسمالي اجبرت البرجوازية الفرنسية على الاستعانة بالدين كوسيلة اضافية حتى في الحكومات العلمانية.
ان نشوء الحركات الاجتماعية العلمانية مع نشوء الراسمالية كان يعني بالضرورة نشوء نوعين من الحركات العلمانية وفقا للانقسام الطبقي الاساسي الى الطبقة الراسمالية والطبقة العاملة. فنشأت لكل من هاتين الطبقتين منظماتها العلمانية الاجتماعية والمهنية والسياسية. وكانت بين هذه المنظمات صراعات سلمية تارة وغير سلمية تارة اخرى وفقا لاوضاع الصراع الطبقي القائم في المجتمعات الراسمالية. والصور المعروفة الى يومنا هذا من هذه المنظمات هي الحركات النقابية والمنظمات المهنية والمنظمات الاجتماعية والاحزاب السياسية.
هل المنظمات العلمانية تعني معاداة الدين؟ كلا. فهذا ليس صحيحا في كافة المنظمات العلمانية بشتى اشكالها. فالنقابة العمالية مثلا وهي اكثر المنظمات العلمانية انتشارا في المجتمعات الراسمالية نظرا لان الطبقة العاملة طبقة واسعة متعددة الاتجاهات الحرفية لا تعني ان النقابة معادية للدين. فالعامل المتدين يعاني من الاستغلال الراسمالي شأنه شأن العامل غير المتدين او العامل الملحد. والنقابة منظمة تهدف الى تحسين ظروف عمالها سواء أكانوا متدينين ام ملحدين عن طريق النضال ضد الظروف القاسية التي يعيشونها بالعمل على زيادة اجورهم ومكافحة البطالة وتقليص يوم العمل والعمل على تحسين ظروف الوقاية في المعامل والحصول على حق المعالجة الطبية المجانية وحق العمال بالعطل السنوية المدفوعة الاجور وحق الام في عطلة للولادة مدفوعة الاجر وغير ذلك من الاهداف المعروفة للنقابات العمالية. وحق العامل المتدين كحق العامل الملحد في ان ينتمي الى النقابة وان يحصل على خدماتها وان يساهم في نضالاتها وفي قيادتها، ان وجود العامل المتدين او العامل الملحد في النقابة ليس على اساس ديانته بل على اساس انتمائه للمهنة التي تمثلها النقابة. فانتماء العامل الى النقابة يقوم على اساس انتمائه لهذه المهنة وعمله من اجل تحقيق الاهداف التي تعمل النقابة على تحقيقها.
ويصح الشيء ذاته فيما يتعلق بالاتجاه السياسي للعامل. فالعامل الشيوعي والعامل القومي والعامل الذي لا اتجاه سياسي له متساوون في حقهم في الانتماء الى النقابة العمالية لمهنتهم. ولا فرق بين عامل شيوعي او عامل ديمقراطي او عامل اسلامي او عامل كاثوليكي او عامل يهودي او عامل عربي او كردي او تركماني او اثوري او صابئي فيما يتعلق بالانتماء النقابي. فكل عامل في نقابة هو عضو في النقابة من اجل تحقيق اهداف النقابة. وما ان تتخذ النقابة صفة سياسية او دينية معينة او يسيطر على قيادتها حزب معين بفرضها من اعلى وليس عن طريق النضال النقابي في صفوف النقابة الا وينتهي دور هذه النقابة كنقابة. ان هذا لا يعني ان العامل الشيوعي يتخلى عن شيوعيته اثناء انتمائه الى النقابة. كذلك لا يعني ان العامل الديمقراطي يتخلى عن ديمقراطيته اثناء انتمائه الى النقابة. ولكن عمل الشيوعي وعمل الديمقراطي في النقابة يجب ان يكون مبنيا على نشاطه واخلاصه وتفانيه من اجل تحقيق اهداف النقابة. فاذا اثبت عامل لا اتجاه سياسي له بانه اكثر حرصا وتفانيا واخلاصا في خدمة النقابة فمن حق العمال ان يختاروه الى قيادة تلك النقابة. هذا هو المقياس الحقيقي لنضال اعضاء النقابة بمختلف انتماءاتهم الدينية والقومية والسياسية.
هذه حقيقة اود ان اورد مثلا بصددها. بعد ثورة تموز في العراق ظهر اندفاع من قبل العمال الى تشكيل النقابات العمالية فظهرت حركات عمالية واسعة النطاق خصوصا وان حكومة عبد الكريم قاسم لم تضيق الخناق على الحركات النقابية في البداية. ولكن الحزب الشيوعي العراقي اعتبر ان النقابات ملك له ينبغي ان تكون تحت قيادته وان "لا يسلم قيادتها الى البرجوازية" فعين عضوا من اعضائه رئيسا لكل نقابة رغم ان اغلب هؤلاء لم يكونوا عمالا في تلك النقابة في حياتهم. وجرت الانتخابات بعد سنة من الثورة وفاز الحزب الشيوعي بالاغلبية الساحقة من الاصوات حيث بلغت ٩٧% حسب الاصول وتكون اتحاد النقابات كله من الاعضاء الشيوعيين. ولكن العمال انفسهم لم يعرفوا هؤلاء القادة ولم يختاروهم بناء على نضالاتهم داخل النقابة والشعور باخلاصهم وتفانيهم في خدمة النقابات. قد يكون بين هؤلاء القادة قادة محنكون وذوو تجربة في النضال النقابي ولكنهم لم يكونوا معروفين لدى عمال النقابة. وفي مؤتمر اتحاد النقابات الاول القى عبد الكريم قاسم نفسه خطابا حماسيا. ولكن حكومة عبد الكريم قاسم نفسها قررت بعد ايام معدودة حل اتحاد النقابات وزجت بجميع اعضاء الاتحاد في السجن وصادرت ممتلكات الاتحاد. ولو كان العمال العراقيون قد انتخبوا هؤلاء القادة بناء على نضالاتهم لما تخلوا عن هذه القيادة. ولكن العمال الذين من المفروض انهم صوتوا باغلبيتهم للاتحاد لم يقوموا باية حركة من اجل الاحتجاج على حل اتحادهم والنضال في سبيل اطلاق سراح قادتهم. وفي الانتخابات التالية كان الامر معكوسا تماما وحاز حزب البعث على قيادة اتحاد النقابات ايضا بالنسبة المعروفة. ان فرض اي حزب سلطته بغير جدارة وليس عن طريق النضال النقابي على النقابات تدمير لها وخذلان للحزب ذاته.
هل يجوز حيازة حزب ما على قيادة نقابة معينة او على جميع النقابات؟ نعم. ولكن على الحزب ان يحوز على قيادة النقابة عن طريق نضال اعضائه نضالا نقابيا داخل النقابة بحيث يحوزون نتيجة لاخلاصهم وتفانيهم في خدمة النقابة على ثقة العمال بحيث ان عمال النقابة هم الذين يختارونهم للقيادة لا بصفتهم السياسية بل بصفتهم النقابية. بل ان قيادة حزب الطبقة العاملة للنقابات ضرورة قصوى من اجل تحقيق الهدف الاستراتيجي الاساسي للطبقة العاملة، هدف الاطاحة بالنظام الراسمالي واقامة النظام الاشتراكي. فبدون تحقيق قيادة الطبقة العاملة بجميع نقاباتها لا يمكن تحقيق الثورة. ولكن قيادة حزب الطبقة العاملة للطبقة العاملة والكادحين يجب ان تحصل عن طريق اقتناع جماهير العمال بهذه القيادة لا عن طريق فرضها من الاعلى.
ويصح نفس الامر على المنظمات المهنية مثل نقابات المحامين والقضاة والاطباء والمهندسين والمعلمين وكذلك على المنظمات الاجتماعية مثل اتحاد الطلبة والمنظمات النسائية ومنظمات الشبيبة وفي الاربعينات من القرن الماضي على حركة السلام العالمية ايضا.
ومن المنظمات العلمانية ايضا الاحزاب السياسية. يختلف الحزب السياسي عن النقابة او المنظمة الحرفية بانه منظمة لها هدف سياسي تهدف الى تحقيقه. والهدف السياسي الاستراتيجي لاي حزب هو الاستيلاء على السلطة السياسية. فكل حزب لا يضع هدفه السياسي الاستيلاء على السلطة ليس حزبا بالمعنى العلمي لمصطلح الحزب. والحزب السياسي يعمل على تحقيق اهدافه السياسية وفي قمتها الاستيلاء على السلطة عن طريق اجتذاب الجماهير التي يمثلها وتنظيمها وتثقيفها وزجها في النضال من اجل تحقيق هذه الاهداف. لذلك فالحزب السياسي لا يمكن الا ان يكون علمانيا اذ ليس من مصلحته التمييز بين الاعضاء المنتمين اليه والجماهير التي يقودها تمييزا دينيا او مذهبيا او قوميا او طائفيا غير ان يطلب منهم الاخلاص في النضال من اجل تحقيق اهدافه السياسية.
وبما ان المجتمع الراسمالي يقوم على اساس التناقض بين الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية فلابد ان ينشأ فيه حزب للطبقة العاملة واحزاب للطبقة الراسمالية او المراتب المتوسطة او ما يسمى بالبتي برجوازية. لابد ان ينشأ حزب واحد للطبقة العاملة لان الطبقة العاملة لها هدف استراتيجي واحد هو الاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق النظام الاشتراكي ولذلك فان الحزب الذي يمثل الطبقة العاملة تمثيلا حقيقيا هو الحزب الذي يضع نصب عينيه هذا الشعار الاستراتيجي ويعمل على تحقيقه ولن يتخلى عنه لحظة طيلة فترة النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يقوده. ولا يمكن ان يكون هناك في اي بلد حزبان او عدة احزاب تعمل باخلاص وتفان في سبيل تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الوحيد لان وجود احزاب متعددة تهدف الى تحقيق نفس الهدف الاستراتيجي يؤدي الى تفكيك الطبقة العاملة وليس الى توحيدها من اجل تحقيق هدفها الاستراتيجي.
اذا اخذنا عراق اربعينيات القرن الماضي كمثل نجد ان جميع الاحزاب السياسية الحقيقية تقريبا كانت احزابا علمانية مثل الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الشعب وحزب عبد الفتاح ابراهيم. وهذا يعني ان كلا من الاحزاب السياسية القائمة يمكن ان يشكل حكومة علمانية. فاذا استولت البرجوازية على الحكم فلابد ان تشكل حكومة علمانية. وهذا لا يعني ان هذه الحكومة البرجوازية تقطع جميع صلاتها بالدين او الطائفة او القومية. فالحكومات البرجوازية رغم انها حكومات علمانية فانها تصر على اعتبار دين معين دين الدولة الاساسي وفي هذا اجحاف لمنتمي الديانات الاخرى. وفي الحكومات العلمانية تبقى المؤسسات الدينية جزءا من الطبقات الحاكمة تستغل الناس عن طريق فرض الواجبات الدينية على الافراد وعن طريق استخدام ممتلكاتها استغلالا راسماليا او اقطاعيا حسب المرحلة التي يمر بها مجتمعهم. وهذا ما نراه في الدول الديمقراطية مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا وغيرها. وكلما ازداد التناقض بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية الحاكمة توترا وعنفا ازدادت حاجة الحكومات الراسمالية العلمانية الى الاستعانة بالحركات الدينية من اجل تضليل جماهير الطبقة العاملة والكادحين وحرفهم عن طريق نضالهم الاساسي، النضال من اجل الاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق النظام الاشتراكي.
ان الدعوة الى تشكيل حكومة علمانية لا يعني تشكيل حكومة عمالية او حكومة تمثل مصالح جماهير العمال والكادحين وانما في احسن الظروف تعني انشاء حكومة راسمالية "ديمقراطية". وهذه الحكومة لا تكون بالضرورة الا دكتاتورية الطبقة الراسمالية.
ان التناقض الاساسي في النظام الراسمالي هو التناقض بين قوى الانتاج الاجتماعية وعلاقات الانتاج الفردية الخاصة. ولذلك فان حركة الطبقة العاملة والكادحين يجب ان تتركز على تحريك هذا التناقض نحو الاتجاه الطبيعي الذي يؤدي اليه، اتجاه الاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق النظام الاشتراكي. وكل توجيه لجماهير الطبقة العاملة والفلاحين الى اتجاه يبتعد عن هذا الاتجاه تضليل للطبقة العاملة والكادحين وجعل الطبقة العاملة والكادحين ذيلا للراسمالية.
ان الدعوة الى تشكيل حكومة علمانية هي دعوة تجعل كأن التناقض الاساسي للمجتمع هو بين الاتجاه العلماني والاتجاه الديني. ومن المحتمل ان يكون تشكيل حكومة علمانية ايجابيا بالنسبة لتشكيل حكومة دينية. فالحكومة الدينية تهدف الى ارجاع المجتمع الى اوضاع اجتماعية فات اوانها. وهذا يصدق على جميع الديانات المعروفة في العالم. ولكن هذا لا يعني ان الحكومة العلمانية تكون حكومة تخدم مصالح جماهير العمال والكادحين. ولذلك فان الدعوة لتشكيل حكومة علمانية يهدف الى حرف الطبقة العاملة عن طريقها النضالي الصحيح، طريق التناقض الطبيعي في حركة المجتمع الراسمالي، التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج، طريق النضال من اجل الاطاحة بالنظام الراسمالي دينيا كان ام علمانيا واقامة النظام الاشتراكي، النظام العلماني الحقيقي الذي يقطع كل صلة له باتخاذ الدين وسيلة لتحقيق اهدافه السياسية. ان الدعوة الى تشكيل حكومة علمانية يحرف الطبقة العاملة والكادحين عن خوض النضال الطبيعي ويجعل النضال كأنه نضال بين الحركة العلمانية والحركة الدينية.
شاهدنا انفصال الدولة نهائيا عن الدين في النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي حيث صودرت اموال الكيانات الدينية باعتبارها ملك الشعب السوفييتي شأنها في ذلك شأن الملكيات الراسمالية الاخرى والغاء دين الدولة الرسمي وتحريم الدراسات الدينية في المدارس مع احترام ممارسة الطقوس الدينية لمن يريد ذلك. رايناه في منح الانسان السوفييتي حق التدين وحق الالحاد. وراينا ايضا ان انحراف الحكومات الخروشوفية عن الطريق الاشتراكي والعودة الى الطريق الراسمالي اجبر هذه الحكومات على الاستعانة بالدين كوسيلة بحيث ان غورباتشوف اشرف على بناء الكنائس الجديدة على حساب الدولة واشترك شخصيا في الاحتفالات الالفية لنشوء المسيحية في روسيا وشاهدنا زيارة رئيس الدولة السوفييتية غروميكو للبابا في روما.
هل يجوز للطبقة العاملة وحزبها المشاركة في النضال من اجل تشكيل حكومة علمانية؟ نعم. يجوز ذلك على ان تكون الطبقة العاملة وحزبها واعية لمعنى هذه المشاركة. فمشاركة الطبقة العاملة وحزبها في النضال من اجل منع تشكيل حكومة دينية وتشكيل حكومة علمانية هو المشاركة في تحقيق اهون الشرين. فالحكومات الدينية اكثر رجعية من الحكومات العلمانية بطبيعتها الدينية. ولكن هذا لا يغير من كون الحكومة العلمانية البرجوازية هي حكومة تقوم على اساس استغلال الطبقة العاملة والكادحين. على الطبقة العاملة ان تكون واعية بان هذا الاشتراك مع البرجوازية العلمانية من اجل منع قيام حكومة دينية هو اتفاق مع عدو ضد عدو اخر اخطر منه وان هذا الاشتراك لا يتعدى كونه نضال مؤقت لا يستثني النضال ضد البرجوازية بصورة عامة من اجل تحقيق اهداف الطبقة العاملة الانية والهدف الاستراتيجي لها حتى اثناء التحالف من اجل منع قيام الحكومة الدينية.
كل ما جاء اعلاه هو بحث عام يشمل جميع الحركات العمالية والحركات العلمانية في ارجاء العالم. ولكن ليس بامكاني انهاء هذا البحث بدون التطرق الى تطبيقه في العراق خصوصا.
لا اريد هنا ان اطيل بحث هذا الموضوع في بحث ظروف ما قبل ثورة تموز وما بعد ثورة تموز وبعد انقلاب ۱٩٦۳ ثم جبهة الحزب الشيوعي مع حكومة صدام الفاشية. لذا اقتصر على التطرق الى الظروف التي يمر بها العراق حاليا.
منذ يوم ثورة تموز اصبحت الطبقة البرجوازية العراقية طبقة حاكمة واصبح شعار الاطاحة بالنظام البرجوازي العراقي هو الشعار الاستراتيجي للمرحلة. ولم تكن التحولات السياسية التي جرت منذ ثورة تموز حتى الاحتلال الاميركي سوى صراعات بين فئات البرجوازية العراقية التي تستولي على السلطة وتمارس الحكم في الدولة العراقية. وبعد الاحتلال الاميركي البريطاني لم يتغير الوضع فان فئات البرجوازية العراقية كطبقة بجميع اتجاهاتها الدينية والعلمانية هي التي تحالفت مع المحتلين وهي التي تقوم بما يسمى العملية السياسي والحكومة العراقية الموالية للاحتلال. ونحن نرى بوضوح ان النضال ضد الاحتلال لابد ان يتخذ صورة النضال ضد البرجوازية العراقية الحاكمة وجيشها وسجونها اضافة الى المقاومة ضد جيوش الاحتلال مباشرة. ولا يمكن تحرير العراق من الاحتلال الا بانقاذه من هؤلاء العملاء الاذلاء للولايات المتحدة. وقد رأينا ان ما يسمى الجيش العراقي او الحرس الوطني لم يقم حتى اليوم بحماية الشعب العراقي من جيوش الاحتلال وانما قاموا بحماية جيوش الاحتلال من الشعب العراقي وشاركوا في اضطهاد وتقتيل ومداهمات جيوش الاحتلال وفي حروب الابادة الجماعية التي تقوم بها جيوش الاحتلال على المدن العراقية.
وقد كانت سياسة المحتلين منذ البداية تشجيع الاتجاهات الدينية والطائفية بحيث ان الحكومات المتتالية التي جاءت منذ مجلس بريمر وحتى اليوم يسودها الطابع الديني الطائفي وتقررها المحاصصات الطائفية. وتسمي الفئات الائتلافية الحاكمة نفسها احزابا ولكنها لا تحوز على اية صفة من صفات الاحزاب. فالقائمة التي حازت على اغلبية الاصوات في الانتخابات تتألف من عدد كبير من الاحزاب ويدعي كل حزب فيها انه يمثل الشيعة. فاذا كانوا يمثلون الشيعة لماذا تعددهم بهذه الصورة ولماذا تناحرهم ورغبة كل منهم بحيازة حصة اكبر في الحكومة؟ ان وجود منظمة فئوية دينية ايا كانت معناه انها تضم فئة معينة ولا تقبل غير المنتمين الى هذه الفئة وتعني انها ضد الفئات الاخرى. ولذلك فان الكثير من الاحزاب والمنظمات الاجتماعية القائمة في المجتمع العراقي تبرز النضال ضد الاتجاهات الدينية وتدعو الى تحقيق العلمانية في الحكم. فاذا تتبعنا نضالات الاحزاب والمنظمات السياسية وغير السياسية المعارضة للاحتلال نجد ان اغلب هذه النضالات لا تبرز سوى مساوئ سيادة الحركات الدينية في الحكومات المتعاقبة.
ولكن اية حكومة علمانية يمكن تحقيقها في اوضاع العراق الحالية؟ ان الحركة العلمانية البارزة في الكتل المتنفذة تحت ظل الاحتلال هي كتلة علاوي حميد موسى التي يشار اليها باعتبارها حركة علمانية بعيدة عن الطائفية والدين والمحاصصة. وقد شاهدنا علاوي حين كان رئيسا للوزراء وحين نفد صبره من عدم خضوع سكان الفلوجة لاوامره بتقديم الزرقاوي له "فامر" جيوش الاحتلال باجتياح الفلوجة وشن حرب ابادة عليها. وليس في الميدان السياسي العراقي حاليا اية مجموعة منظمات وفئات اخرى غير كتلة علاوي العلمانية. فهل تكون حكومة علاوي حميد موسى العلمانية سلطة تزيح الاحتلال وتطبق الديمقراطية في العراق وتقدم الخدمات الضرورية للشعب العراقي وتبني دولة عراقية حقيقية بجميع مؤسساتها التي دمرها المحتلون؟ ليس عاقلا من بظن ذلك.
وهل بالامكان قيام حكومة علمانية اخرى من اوساط شعبية وطنية تعمل حقا على طرد المحتلين وتمثل الشعب العراقي تمثيلا حقيقيا؟ ان حكومة كهذه يجب ان تكون لها قوات مساندة تحميها من بطش المحتلين واعوانهم. وهذا ما لا وجود له حاليا ولا يمكن تحقيقه الا عن طريق تقدم المقاومة نحو تحقيق اهدافها. وهذا هو الضامن الوحيد لوجود حكومة علمانية حقيقية مناهضة للاحتلال ولاعوانه. ولكن الحكومة التي تقوم على اساس نجاح المقاومة قد لا تكون علمانية بل حكومة اسلامية لان العديد من فئات المقاومة فئات اسلامية دينية. وقد تكون الحكومة التي تقوم على اساس نجاح المقاومة حكومة عسكرية نظرا الى ان طابع جزء كبير من المقاومة الحالية هم فئات عسكرية. وفي جميع هذه الحالات لا تكون الحكومة القادمة ممثلة لمصالح الطبقة العاملة او الكادحين.
لا شك ان من مصلحة الطبقة العاملة ان تكون حكومة المقاومة حكومة علمانية لا حكومة اسلامية. ولكن مصلحة الطبقة العاملة الحقيقية هي ان تكون حكومة المقاومة حكومة عمالية تطيح بالمحتلين وبالبرجوازية العراقية في ان واحد. ولهذا فان مصلحة الطبقة العاملة هي ان تتبوأ بنفسها قيادة المقاومة وتجميع كافة جماهير الشعب العراقي وتنظيمهم لا من اجل ازالة الاحتلال فقط بل من اجل الاطاحة بالنظام الراسمالي ايضا.
ان شعار تشكيل حكومة علمانية وابراز الصراع كانه صراع بين الاتجاهات الدينية والاتجاهات العلمانية يحرف الطبقة العاملة عن اهدافها الحقيقية ويبعدها عن اتجاهها الحقيقي، اتجاه الاطاحة بالنظام الراسمالي وتحقيق النظام الاشتراكي ويجعلها ذيلا للبرجوازية كما حدث في جبهة ۱٩٥٧ وفي جبهة ۱٩٧۳. وحتى لو تشكلت حكومة علمانية غير عمالية فان نضال الطبقة العاملة والكادحين سيبقى قائما ويبقى هدف الطبقة العاملة هو تحقيق الثورة الاشتراكية. على الطبقة العاملة العراقية وسائر الكادحين ان لا ينخدعوا بشعار العلمانية لانه شعار يحرفهم عن نضالهم الحقيقي. ان الدعوة الى قيام حكومة علمانية خدعة كبرى للطبقة العاملة والكادحين.
حسقيل قوجمان











#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوانين المجتمع الطبيعية وكيفية نشوئها
- الفرق بين الانتقاد والكتابة عن سير الحياة
- كلمة شكر للاخ الدكتور فالح الجبار
- الحركات العمالية والاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي
- حميد عثمان ودوره في قيادة الحزب الشيوعي العراقي
- جواب على رسالة انتقادية
- التناقض والانسجام بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج
- الشعار الاستراتيجي للمرحلة ومقاومة الاحتلال
- رسالة ثانية الى الاخ احمد الناصري
- التغيرات التي طرأت على الطبقة العاملة وتأثيرها السياسي
- رسالة الى الاخ احمد الناصري
- اليسار العالمي واليسار العراقي - النكسة
- اليسار العالمي واليسار العراقي
- عبادة الحزب
- التطور التكنولوجي وارباح الراسمالية
- حكومة الانقاذ الوطني
- الدراسة المنهجية للماركسية - الاشتراكية
- الدراسة المنهجية للماركسية - الاقتصاد السياسي
- رحمة الله عليك يا نعساني
- حسقيل قوجمان يستفيق من نوم الكهف


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - دور قوى اليسار والديمقراطية في بناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية  تضمن الحرية والعدالة الاجتماعية للجميع  - حسقيل قوجمان - الدعوة لحكومة علمانية خدعة كبرى للطبقة العاملة والكادحين