أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (2-2)















المزيد.....

سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (2-2)


حكمت الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 8007 - 2024 / 6 / 13 - 04:03
المحور: الادب والفن
    


لقد استخدم سلمان رشدي، المؤلف الذي حظي بشهرة عالمية، براعته الأدبية باستمرار لدراسة الآثار الثقافية والسياسية والاجتماعية المترتبة على الانقسام بين الشرق والغرب. يعد كتابه "سكين: تأملات ما بعد محاولة الاغتيال" بمثابة استكشاف حي لهذا الانقسام، حيث يرسم تناقضًا صارخًا بين العالمين، والصراعات التي تنشأ من تقاطعهما.
إن رشدي، الذي ولد في الشرق وقضى جزءاً كبيراً من حياته في الغرب، في وضع فريد يسمح له بفحص هذا الانقسام. وجهة نظره، كما تم التعبير عنها في "السكين"، ليست مجرد تعليق على الانقسامات الجغرافية، ولكنها فحص معقد للاختلافات الثقافية والسياسية والأيديولوجية التي تميز هذين العالمين. يكشف الكتاب عن قصة تتجاوز الحدود الجغرافية، وتغامر في مناطق الهوية والانتماء والصراع المتأصل بين التقليد والحداثة.
يشير مصطلح "الانقسام بين الشرق والغرب" على نطاق واسع إلى الاختلافات الملحوظة بين نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي، خاصة فيما يتعلق بالثقافة والفلسفة والأعراف المجتمعية. ومع ذلك، في سياق كتاب رشدي الأخير، "سكين"، فإن هذا الانقسام يكتسب أهمية أكثر عمقًا لأنه يصبح لوحة يتم على أساسها بناء الصراعات والشخصيات والحبكة بشكل معقد.
أحد المواضيع البارزة في كتاب سلمان رشدي "السكين" هو الانقسام بين الشرق والغرب. يشير هذا المصطلح إلى التقسيم المفاهيمي بين نصفي الكرة الأرضية الشرقي والغربي للعالم. في الأساس، إنه انقسام فلسفي واجتماعي وسياسي وثقافي يميز ما يسمى (الشرق) عن ما يسمى (الغرب).
وفي سياق ما يرويه رشدي في "السكين"، فإن الانقسام بين الشرق والغرب ليس مجرد انقسام جغرافي، بل هو بناء متعدد الأوجه يتعمق في الاختلافات الثقافية والتاريخية والفلسفية العميقة الجذور. إن الشرق، الذي يرتبط غالباً بالتقاليد والروحانية والجماعية، يتناقض بشكل صارخ مع الغرب، الذي يرتبط غالباً بالحداثة والعقلانية والفردية. ومع ذلك، فإن هذا الانقسام ليس بناءًا مطلقًا، بل هو بناء مائع، مع عناصر متداخلة وتفاعل مستمر بين النصفين المفترضين المتميزين.
يوضح كتاب رشدي هذا الانقسام ببراعة من خلال وضع شخصيته ومنعطفات حياته وسط تعقيدات هذا الانقسام بين الشرق والغرب. يضع السرد نفسه عمدًا ضمن هذا الانقسام، ويستخدمه كخلفية حاسمة تتكشف السردية في ظلها. على سبيل المثال، فإن رحلته من الهند إلى بريطانيا، وتجاربه اللاحقة، تلخص الاختلافات الصارخة، وكذلك التداخلات الدقيقة، بين العالمين.
مثل هذا التصوير لا يسلط الضوء على الجوانب المتناقضة بين الشرق والغرب فحسب، بل يسلط الضوء أيضًا على التناقضات والمعضلات والصراعات المتأصلة الناشئة عن هذا الانقسام. ومن خلال عدسة الانقسام بين الشرق والغرب، يقدم رشدي استكشافًا معقدًا للهوية، والانتماء، والتفكك الثقافي، وهي موضوعات مركزية في "السكين".
يبدو الصراع، ظاهريًا، بين نظرتين عالميتين مختلفتين يمثلهما الشرق والغرب، لكن رشدي يكشف ببراعة طبقاته المعقدة. وهو يصور الشرق على أنه عالم من التقاليد والروحانية والعادات العميقة الجذور، وهو عالم غالبًا ما يساء فهمه ويغربله الغرب. ومن ناحية أخرى، يتم تصوير الغرب على أنه أرض العقلانية والحداثة والتقدم، وهو المجال الذي غالباً ما ينظر إلى الشرق على أنه نقيضه.
يسلط السرد الضوء أيضًا على ديناميكيات القوة الكامنة في هذا الصراع. كثيراً ما يُنظر إلى الغرب، بتاريخه الاستعماري، على أنه المضطهد الذي يسعى إلى فرض قيمه وأساليبه على الشرق. ويُنظر إلى الشرق بدوره على أنه المضطهد الذي يقاوم النفوذ الغربي ولكنه يتوق أيضًا إلى تقدمه المنشود في مضمار الحضارة.
إن وجهة نظر رشدي للانقسام بين الشرق والغرب معقدة ومتعددة الأوجه، وهي تقاوم التصنيفات التبسيطية. ويبدو أنه يشير إلى أن الشرق والغرب ليسا مجرد كيانين جغرافيين، بل يمثلان وجهات نظر عالمية وطرقًا مختلفة لفهم الواقع. إنها مساحات مفاهيمية، تشكلها التواريخ والأديان واللغات والثقافات، التي غالبًا ما تكون في صراع مع بعضها البعض.
لا يقدم رشدي ثقافة ما على أنها متفوقة على الأخرى؛ وبدلا من ذلك، فإنه يسلط الضوء على التعقيدات في كليهما. لا يتم تصوير الشرق ككيان متماسك متجمد في الزمن، بل كفضاء نابض بالحياة ومتطور مع تناقضاته وتوتراته الداخلية. وعلى نحو مماثل، لا يتم تصوير الغرب باعتباره ملاذاً مثالياً، بل كمجتمع يواجه مجموعة من التحديات والقضايا الخاصة به.
في قلب وجهة نظر رشدي توجد فكرة "التهجين"، أي المزج بين الثقافات والتقاليد المختلفة. غالبًا ما تجد الأفكار في "سكين" نفسها تتنقل عبر التضاريس المعقدة للهويات الهجينة، عالقة بين عالمين ولا تنتمي بالكامل إلى أي منهما. ويعكس هذا تجارب رشدي الشخصية كمهاجر، والتي تمتد عبر مجالات ثقافية متعددة.
ويبدو أن رشدي يجادل بأن الانقسام بين الشرق والغرب ليس انقساماً جامداً، بل هو حدود سائلة وقابلة للاختراق. وينتج عن التفاعلات بين الشخصيات من الشرق والغرب تبادل مستمر للأفكار والقيم، مما يؤدي إلى التحول والنمو. ويشير هذا إلى أن رشدي ينظر إلى هذا الانقسام ليس كمصدر للصراع، بل كفرصة للحوار والتفاهم المتبادل.
في عالم التعددية الثقافية، يخلق الانقسام فجوة بين هويات البشر ومعتقداتهم وتجاربهم. يتم تصوير الشخصيات القادمة من الشرق على أنها غارقة في التقاليد، وأن حياتهم تسترشد بالمعايير الثقافية والتوقعات المجتمعية. من ناحية أخرى، يتم تصوير الشخصيات من الغرب على أنها مدفوعة بالفردية، وأفعالهم تمليها الطموح الشخصي والحرية.
إن وجهة نظر رشدي، المستمدة من تجاربه الفريدة بين الثقافات، تضيف عمقًا ودقة إلى هذا الانقسام، وتكشف أنه أكثر من مجرد معارضة ثنائية تبسيطية. بل هو بالأحرى مظهر من مظاهر النضال من أجل الهوية والانتماء والتفاهم في عالم يتجه نحو العولمة بشكل لا هوادة فيه.
إن الصراع بين الشرق والغرب في "السكين" صراع متعدد الأبعاد، وراسخ بعمق في التصورات الثقافية والهويات الشخصية وميكانيزمات السلطة. يقدم تصوير رشدي الدقيق لهذا الصراع فحصًا نقديًا للانقسام بين الشرق والغرب، مما يجبرنا كقراء عرب على التساؤل وإعادة التفكير من جديد في تحيزاتنا وافتراضاتنا ومعتقداتنا.

راجع القسم الأول من المقالة:
https://www.facebook.com/share/p/mGaUXACjERzhf4x6/

ينشر هذا المقال بجزئيه بالاشتراك مع موقع "الحوار المتمدن" ومجلة كناية الثقافية الرقمية المستقلة. كل الحقوق محفوظة.



#حكمت_الحاج (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا حديث النجوم
- سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (1-2)
- راي Raye
- إنسلال
- ثلاث عشرة قصيدة من فن الهايكو..
- اعذروا لكنتي الفرنسية
- أين ذهب ذلك -الزمن الجميل-، ومن أين أتى؟ جوليان بارنز، باريس ...
- موت مدفعي
- أغاني زرادشت
- ناقدات من تونس
- سبع قصائد من برد أبريل
- كاتدرائية رايموند كافر تحفة من الواقعية التأملية
- انفعالات
- نوال.. رواية قصيرة جدا مشتركة
- الرواية القصيرة جدا: ما الدافع وراء كتابة هذا النوع الجديد م ...
- بيان الحركة النقدية العربية الجديدة
- من قصيدة النثر إلى قصيدة الحرية
- روايات.. روايات
- هوللي.. رواية عن الشعر الكورونا والأقنعة الواقية ودونالد ترا ...
- ليالي الطاعون أم ليالي الكوفيد؟


المزيد.....




- -الحب والخبز- لآسيا عبد الهادي.. مرآة لحياة الفلسطينيين بعد ...
- بريطانيا تحقق في تصريحات فرقة -راب- ايرلندية حيّت حماس وحزب ...
- كيف مات هتلر فعلاً؟ روسيا تنشر وثائق -اللحظات الأخيرة-: ما ا ...
- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حكمت الحاج - سكين سلمان رشدي وتقسيم العوالم.. (2-2)