أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أدب السيرة السياسية الكبرى – أدب الأرواح















المزيد.....

أدب السيرة السياسية الكبرى – أدب الأرواح


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1761 - 2006 / 12 / 11 - 09:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما نتأمل تجارب الأمم في حياة ومخلفات أئمتها الفكرية والروحية أو أعلامها الكبار على امتداد التاريخ العريق للثقافات والحضارات، فإننا نقف أمام أدب عريق في العلاقة تجاه النفس. بمعنى إننا نعثر على قدر عال من الاهتمام بقضايا الحق والحقيقة والخير والجمال والعدل والمساواة وغيرها من قيم الوجود الضروري للبشر. ومن ثم انزواء أو تلاشي واضمحلال الحديث عن النفس الفردية. رغم أن الإبداع الحقيقي والكبير هو فردانية متميزة. إذ لا إبداع بدون فردانية. لكنها فردانية متسامية بالضرورة، أي متحررة من كل أصناف العبودية الظاهرة والمستترة. وهو أمر يتحدد على الدوام بنوعية السمو المعرفي والأخلاقي وقدرتهما على تقديم البدائل بمعايير المنطق العقلي أو الخيال المبدع.
لهذا لم تظهر فكرة التعبير عن النفس أو تصوير " دورها" التاريخي عند أعلام الروح والجسد من شعراء وأنبياء وفلاسفة وحكماء، لأن كل منهم كان يعي أكثر من غيره بان الدور الحقيقي لأي منهم هو أثره في ميدان الحقيقة. كما لا نعثر عليها عند الملوك والأباطرة والقياصرة والخلفاء العظام، لان كل منهم كان يدرك بان الدور الحقيقي لرجل الدولة هو أثره في ميدان الحق. وهي معادلة لا تخلو من نواقص، شأن كل ظاهرة تاريخية كبيرة، لكنها تعكس الصورة النموذجية العامة عن أن السمو في طريق الحق والحقيقة هي الصيغة المثلى للسيرة الذاتية.
وليس مصادفة ألا يكتب الفلاسفة والحكماء والأنبياء سيرة ذاتية. والسبب بسيط للغاية: انهم لا يجدون فيها معنى!! وذلك لان السيرة الذاتية تحديد، والإبداع الروحي بلا حدود. وكلما تتكامل الشخصية بمعايير الحق والحقيقة، كلما تتلاشى فيها "أنا" الظاهر والمظاهر. وذلك لان الأنا الحقيقة، أو "أنا الحق" هي معاناة بلا حدود، وحدودها في الإبداع فقط. من هنا عادة ما يترك رجال الفكر المتسامي حياتهم الخاصة باعتبارها "لا شيء"، وذلك لبلوغهم حقيقة الحكمة القائمة في أن بلوغ الحكمة يفترض الخروج على الجسد. وهو خروج يجعل من حياتهم لغز الحياة، ومن وجودهم لغز الوجود، ومن مصيرهم لغز المصير. وهي مفارقة تصنع في آن واحد الحقيقة والمعنى من خلال جعل مختلف الصور المغرية للإبداع الروحي قوة قادرة على إبقاء جذوة البحث مشتعلة في قلوب الأجيال القادمة وعقولها، كما تعطي للبحث في وجودهم التاريخي معنى متجددا من خلال التفسير والتأويل. ومن خلال هذه الوحدة الجميلة للبحث عن الحقيقة والمعنى تبرز قيم "الخلود" فيما مضى، لأنه يصبح جزءا ساريا أو ذائبا في الحاضر. كما نعثر فيها على محاولات "تخليد" النفس في الذاكرة والتاريخ، ولكن بوصفه مسافة معقولة في "الصراط المستقيم".
وهي النتيجة التي يمكن رؤيتها اغلب جوانبها أو بعض تجلياتها الرفيعة في تلك النماذج المذهلة لتصوير عمق الهموم الكبرى بوصفها "سيرة ذاتية" أو إدماج "السيرة الذاتية" ضمن سياق البحث عن اليقين، كما نراها في (اعترافات) أوغسطين، و(نصائح ووصايا) المحاسبي، و(منقذ) الغزالي وأمثالها القليلة والنادرة. فقد كانت (اعترافات) "القديس أوغسطين" هي اعتراف النفس المعذبة في محاولاتها بلوغ اليقين بين اضطراب الحس والعقل، والروح والجسد، والواقع والمثال، والتاريخ والمطلق، والفلسفة والدين. وهي تجربة مريرة لسيرة لها أثرها ومآثرها في التاريخ والفكر لم ولن تفقد قيمتها العقلية والروحية، بوصفها معاناة أصيلة للبحث عن اليقين. وهو يقين فقد ويفقد اغلب مكونات وهجه القديم، لكنه لن يكفّ عن أن يكون نموذجا ملهما في مسار الوعي الإنساني. وهي النتيجة التي يمكن رؤية ملامحها في تاريخ النصرانية وأوربا.
والشيء نفسه يمكن قوله عن (نصائح) المحاسبي و(وصاياه) التي تعكس ملامح العذاب الروحي في مواقفه من مهمة الرقي بالنفس الإنسانية صوب ذروتها الحقيقية. وهي سيرة تتمثل ما في تاريخ الفكر الحي من محاولات لتذليل التبجح المفرط للنفسية الراديكالية حالما تستحوذ على العقل للدرجة التي يمكن أن تجعل منه أداة للتبرير الشنيع والتصفية الجسدية للفكر المغاير، أي للعقل المختلف في تأويلاته!! وهي حالة يمكن تذليلها حالما تبكي عيون الضمير وتنزف دماء القلب الأخلاقي، أي حالما يأخذ "الغلو" الروحي مساره الخاص في صنع السيرة المتسامية للمفكر في محاولاته أنسنة المطلق. وهي الحالة التي أكثر من جسدها الغزالي في سيرته التي نعثر على ملامحها المعرفية المجردة في (المنقذ من الضلال) ومنظومتها الفلسفية الشاملة في (الإحياء). إذ نعثر فيها على تصوير لعذاب العقل والروح في محاولاتهما البحث عن يقين بين اضطراب الفرق. وهي المقدمة التي تصنع حكمة الخروج على المألوف بوصفها معجزة الضمير الفردي حالما يتحدى كل موجود بوصفه وجد الوجود الحق. وليس هناك من تحد اكبر من النفس وقهر إرادتها بالشكل الذي يحررها مما تدعوه المتصوفة برّق الاغيار، أي التحرر من عبودية الأشياء الأخرى أيا كان شكلها ومضمونها وموقعها. وهي الذروة التي لم يكن بإمكان الفكر السياسي تناولها أو حتى الاقتراب منها. وذلك لأنه فعل يفترض الكمال بمعايير العلم والعمل، أي الفكر والسلوك الأخلاقي.
وليس مصادفة ألا يهتم أو يستثير الفكر السياسي والتاريخي الإسلامي إلا بالسيرة النبوية. وهي سيرة لا علاقة لها من حيث الجوهر بالنبوة بوصفها مصدرا متساميا للتحدي، من هنا بقاءها ضمن حكاية المألوف والمعارك الجسدية المليئة بعنف الخيال اللاهوتي في تصوير كل ما جرى ويجري على انه حروفا قد سبق وان خطها قلم العلم الإلهي. من هنا ضعف قابليتها على صنع فن السيرة الذاتية السياسية. وذلك لأنها لم تكن سيرة نبوية بالمعنى الروحي للكلمة، كما لم تكن سيرة سياسية بالمعنى التاريخي للكلمة. مع أن حقيقة السيرة النبوية يمكن العثور عليها في القرآن. فالقرآن هو السيرة الذاتية للنبي محمد. وهي الصيغة التي حدسها التاريخ الإسلامي عندما طابق بين أخلاق محمد وأخلاق القرآن. وهو تطابق وجد انعكاسه في فكرة الصراط المستقيم التي يقف أمامها المسلم كل يوم مرات وهو يردد في صلاته وفاتحته معنى الاستقامة الأبدية، بسبب الاعوجاج الأبدي في الروح والجسد!
إذ ليس الصراط المستقيم سوى الصيغة المجردة عن الرغبة الأبدية للروح والعقل الإنسانيين في جعل كل تعرجات الماضي معقولة ومقبولة للأجيال بهيئة قيم أو مفاهيم أو مبادئ أو قواعد تعمل على تهذيب العقل وتطهير الضمير. فهي العملية الضرورية للإبداع الأصيل. ومن خلالها عادة ما يجري تجسيد مختلف نماذج وصيغ وصور تمظهرها التاريخي فيما أطلقت عليه تقاليد الإسلام الثقافي عبارة وحدة العلم والعمل. فهي الوحدة الوحيدة القادرة على تأسيس قيمة "الخلود" في حكم التاريخ، لأنها الوحيدة القادرة على إثارة الاهتمام بالمبدعين بعد الموت على قدر مآثرهم الفعلية في الحياة. من هنا قلة الأعلام وكثرة الأزلام في السياسة! وهو واقع مرتبط بما للسياسة من اثر مغر على زعزعة الروح الأخلاقي. وذلك لان البقاء ضمن التاريخ العام للأمم والثقافات يفترض الارتقاء إلى مصاف التاريخ العام، أي إلى مصاف الإبداع الحقيقي بمعايير الحق والدولة مع ما يترتب عليه من عمل يهدف إلى تأسيس وإرساء منظومة وعي الذات القومي الإنساني. بينما السياسة هي الميدان الأشد تعقيدا للروح الأخلاقي. إنها بلاء الإرادة العقلية وبلوى النفس الغضبية! كما أنها جحيم الأفاضل ونعيم الأراذل! بسبب كونها ميدان الخلل الدائم للوجود البشري وأسلوب تحسين الوجود الإنساني! باختصار أنها وحدة المتناقضات الأبدية للروح والجسد، والعقل والهوى، والفضيلة والرذيلة. وهي المفارقة الأبدية للتاريخ السياسي، كما أنها الحلبة التي تتكسر عليها إرادة الكبار والصغار، والملهمين والفاسقين، والصديقين والعابرين! وهي الحالة التي نعثر على صداها وأثرها في "أدب" السيرة السياسية، أي في فن الكتابة.
إذ لا يعني "أدب السيرة" تقيدها بالأدب سواء بمعناه الأخلاقي أو الفني، كما أن "السيرة الذاتية" للأفراد أيا كانوا لا تعكس حقيقة وجودهم الفعلي. أما قيمتها الحقيقية فإنها تبقى في نهاية المطاف مرهونة بحقيقة إبداعهم، أي أثرهم الفعلي في ميدان الروح والعقل والجسد الفردي والاجتماعي والدولتي. ذلك يعني أن للسيرة الذاتية قيمتها العقلية والروحية والسياسية. ولا تخلو أية سيرة من سير الأعلام عن قيمة ما. ونادرا ما يمكن العثور على توحيد للقيم العقلية والروحية والسياسية. وذلك بسبب تباعد أو اختلاف هذه المكونات من وجهة نظر تأثيرها على الشخصية ونفسيتها وذهنيتها ومن ثم جرأتها على خوض مغامرة الكتابة في هذا الصنف من الإبداع الأدبي.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أموية أقزام
- عبرة الدجيل! لكي لا يظهر دجال أصغر من صدام
- قبر صدام أو القبور الجماعية للحق والحقيقة؟ من يرعب من؟
- صراخ السلطة ولغة العقل الوطني
- السيدة بيل + السيد بريمر= قدر التاريخ التعيس وقدرة التأويل ا ...
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-!3-3
- المثقف المؤقت وظاهرة -الارتزاق الثقافي-! 2-3
- المثقف المؤقت و-الارتزاق الثقافي-! 1-3
- الدكتور كاظم حبيب السيدة بيل
- الميليشيا والدولة في عراق -الديمقراطية- والاحتلال
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 6
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية 5
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية - 4
- البروتوكولات – الصورة المركبة للصهيونية الفعلية-3
- المقاومة اللبنانية – نموذج المقاومة العربية الكبرى
- نهاية الأوهام الكبرى وبداية الأحلام الواقعية
- القوى الصغرى والأوهام الكبرى
- العلمانية العراقية – دنيوية المستقبل
- العلمانية العراقية – أوهام الأقلية وأحلام الأغلبية
- الشيطان - الملاك الضائع ودراما الوجود الإنساني


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - أدب السيرة السياسية الكبرى – أدب الأرواح