أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الذاكرة التاريخية .. مفهوم واحد ودلالات متعددة














المزيد.....

الذاكرة التاريخية .. مفهوم واحد ودلالات متعددة


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 7955 - 2024 / 4 / 22 - 09:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كثيرة هي المفاهيم والمصطلحات التي اقتحمت بيئتنا الثقافية الراكدة ، وتسللت الى أروقة تصوراتنا الفكرية المبتسرة ، بحيث كان دخولها المفاجئ واقتحامها السريع أشبه ما يكون بزلزال يضرب أرضا"جرداء وبيئة جدباء لا أمل فيها ولا رجاء . أي بمعنى أنه برغم خطورة تلك المفاهيم والمصطلحات ، وجسامة ما تحمله من معاني ودلالات ، فيما لو أحسن فهمها على صعيد تنمية الوعي بالتاريخ الوطني المتهتك ، وأجيد توظيفها على مستوى الارتقاء بالبناء الحضاري المتصدع . إلاّ أن أغلبها - وللأسف الشديد - بقيت كصرخة في واد مقفر لا يعكس سوى رجع الصدى ومن بعدها صمت القبور .
ولعل مفهوم (الذاكرة التاريخية) الذي بات من جملة المفاهيم الأكثر شيوعيا"مثلما الأكثر إشكالية في الدراسات والبحوث الإنسانية المعاصرة ، حيث تتقاسم مهمة الانشغال فيه والاهتمام به والرهان عليه ثلاثة علوم اجتماعية أساسية هي ؛ التاريخ والسوسيولوجيا والانثروبولوجيا ، بعد أن ساهمت كل من مباحث (العولمة) الثقافية ونظريات (ما بعد الحداثة) وطروحات (ما بعد الاستعمار) ، باستثارة كل ما يقع تحت طائلة الثوابت والمسلمات في مجال السرديات التاريخية الكبرى ، التي عاشت على مواريثها المؤمثلة في المخيال الجمعي سلسلة من الأجيال كما لو أنها حقائق مقدسة .
وبصرف النظر عن ماهية تكوينها وقيمة محتواها ، فان (الذاكرة التاريخية) هي القسمة العادلة بين جميع أعضاء الأسرة البشرية ، بحيث يستحيل العثور على كائن إنساني سليم لا تحمل بطانة وعيه مخزون – يزيد أو ينقص – من أرشيفات تلك الذاكرة المؤمثلة ، والتي تحتوي على خليط متنوع من خلفيات ومرجعيات حقب تطور الشعوب والأمم وفقا"لمسرات تاريخية وحضارية شتى ، تتهادى بها بين ارتدادات وانكسارات تلزمها الركون الى أطوار بدائيتها الأولى تارة ، وبين تطلعات وانطلاقات تسوقها للانخراط في أطوار ثقافات وحضارات إنسانية تارة أخرى . إذ كلما تعرضت هذه الذاكرة الى التصدع والتشظي على خلفية إيحاءات تلك الخلفيات والمرجعيات المأزومة ، كلما شهد المجتمع المعني مرحلة من الانتكاس القيمي والنكوص الحضاري ، والعكس بالعكس .
ولأن التجارب التي يخوض غمارها الجنس البشري تختلف من مجتمع لآخر ومن مكان لآخر ومن زمان لآخر ، بحسب اختلاف الجماعات القومية وتباين المكونات الثقافية ؛ ان من حيث الأصول السلالية التي تنحدر منها ، أو البيئات الايكولوجية التي تسكن فيها ، أو الاعتقادات الدينية التي تؤمن بها ، أو الأرومات اللغوية التي تتحدث بها . فان مسألة التنوع في الدلالات التي تحملها (الذاكرة التاريخية) بالنسبة لتلك الجماعات والمكونات تبدو مسألة طبيعية لا تشي بأي شذوذ أو انحراف ، فضلا"عن كونها تتسق مع منطق الظواهر الاجتماعية والإنسانية التي تتسم بالتعدد والتنوع والاختلاف . هذا مع الأخذ بنظر الاعتبار ان كل جماعة معينة تمتلك – حتى ولو كانت لا تعي ذلك - ذاكرة تاريخية خاصة بها تتماهى مع سرديتها وتجتاف قيمها ، مثلما تعبر عن اختلاف – ان لم يكن تعارض – رموزها مع بقية الذاكرات التاريخية للجماعات الأخرى .
وعلى الرغم من وضوح هذه الوقائع ، فقد لبثنا أحقابا"نلوك الكلمات الطنانة ونجتر الخطابات الرنانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع حول دور (الذاكرة التاريخية) في لملمت شعث الجماعات ، وصهر تناثر الأصوليات ، فيما الواقع الاجتماعي يغلي من حولنا بالكراهيات ويتفجر بيننا بالصراعات ، دون أن تعترينا لحظة صحوة نتأمل من خلالها أسباب هذه السيول من المآسي الطاحنة والاهتداء الى مصادر دوافعها المكبوتة ، كما لو أن سحر الكلمات الناعمة بات أمضى من وقع السلوكيات الخشنة . فكون الذاكرة تحمل صفة (التاريخية) لا يجعل منها اتوماتيكيا"مسار (تلاق) بين المكونات الاجتماعية والثقافية ، مثلما لن يحيلها الى بؤرة (اتفاق) بين تلك المكونات تحت مسميات (المواطنة) الفضفاضة أو (الهوية) الملتسبة .
فقد تكون الذاكرة التاريخية – وقد كانت بالفعل – سببا"أساسيا"في تصدع مداميك الكيان الاجتماعي وتشظي مكوناته وتذرر ثقافته ، بحيث ساهمت سردياتها الطافحة بالحساسيات الاقوامية ، والفائضة بالمنافكات القبائلية ، والمترعة بالكراهيات الطوائفية ، في تعميق هوة خلافاتنا ، وتوطين عوامل صراعاتنا ، وإطالة أمد معاناتنا . ولعل ما تسببت به (الذاكرات التاريخية) للجماعات العراقية المتصارعة من مآس وفواجع على مدى عقود – ان لم تكن قرون - كفيل بحملنا على التريث في الرهان على اعتبارها (ميزة) سوسيولوجية لسمتنة النسيج الفسيفسائي للمجتمع ، بدلا"من تحولها الى معول لهدم كيانه وتذرر مكوناته ! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الجدارة السياسية بين براغماتية الحاكم ودوغمائية المحكو ...
- الاستدعاء النقدي للتاريخ : قراءة في الأصول المنسية
- الاقطاع السياسي : نمط فوضوي لتفكيك الدولة واغتصاب سلطتها
- الطبقة الوسطى العراقية وأوهام وعيها الطبقي
- الثقافة في حضرة التاريخ : حفريات في ذاكرة الثقافة العراقية
- ثيمة الماضي في المتخيل الجمعي
- النظام التعليمي كبنية تحتية للوعي الاجتماعي
- أطروحات علي الوردي وطبيعة الشخصية العراقية : منظور مختلف
- متلازمة (الارادة والقوة) بين الغرب والعرب
- الشرعية الدولية : هل حقا هي شرعية ؟!
- من لا يقرأ بجد لا يحق له النقد !
- عقدة الهاجس الأمني لدى الشخصية العراقية
- التباس وعي (النخبة) العراقية بين خوانق التاريخ وشرانق المجتم ...
- دلالات مفهوم الانقراض بين الثقافة والمثقف
- نرجسية أنا (الأوحد) لدى المثقف العراقي !
- عرض موجز لكتاب ( أثريات الانتلجنسيا : الموروث التقليدي لدى ا ...
- أسباب انتكاسة التيار (المدني) في الانتخابات المحلية
- العرب وسيكولوجيا الأزمات !
- الفساد الأكاديمي ومأسسة الجهل المعرفي !
- الجامعات الأهلية وانحطاط المستوى العلمي


المزيد.....




- شاهد ما حدث لمراهق علق في سيارة خارجة عن السيطرة تنطلق بسرعة ...
- الجيش اللبناني يُعلن مقتل جندي ثالث منذ بدء العمليات البرية ...
- الجيش الإسرائيلي يُعلن استهداف مقر استخبارات حزب الله في بير ...
- قادة الخليج يدعمون فلسطين، لكن الكثير منهم لا يمانع أن تواجه ...
- الاتحاد الأوروبي يعلن عن 30 مليون يورو كمساعدات إضافية للبنا ...
- ناغلسمان يضم تيم كليندينست لصفوف المنتخب
- وزارة الطوارئ الروسية تعلن استعدادها لتقديم المساعدة الإنسان ...
- القبة الحديدية فشلت في حماية إسرائيل من الصواريخ الإيرانية
- روسيا تسخّر الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات في المباني السكن ...
- في ختام زيارة أذربيجان.. رئيس الاستخبارات الروسية يكشف عن عم ...


المزيد.....

- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - الذاكرة التاريخية .. مفهوم واحد ودلالات متعددة