أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ازهر عبدالله طوالبه - ماذا علينا أن نفعل بعد صرخَة -آرون-.














المزيد.....

ماذا علينا أن نفعل بعد صرخَة -آرون-.


ازهر عبدالله طوالبه

الحوار المتمدن-العدد: 7902 - 2024 / 2 / 29 - 04:50
المحور: القضية الفلسطينية
    


ثمّةَ الكَثير مِن التّضحيات الّتي تقدَّم في سبيلِ الحِفاظ على الإنسان، وفي سبيلِ وضع حدّ للظُلم المُمارس عليه، والّذي أكَل جسَد العالَم، ولَم يبقِ منهُ إلّا البَصر ؛ كي لا يتوقّف عن رؤيةِ الإبادات والبشاعات الّتي تُمارس بحقّ البشَر.
وقَد تكون أسمى تلكَ التّضحيات، هي التّضحياتِ الّتي تقدَّم مِن واحدٍ لا يَرتَبط مَع المظلوم بأيّ رابط، لا دينيّ ولا ثقافيّ ولا اجتماعيّ ولا عِرقي، ولا أيّ رابطٍ مِن الرّوابِط الّتي تحرِّك المجموع البشريّ، بناءً على فئاتٍ أو أقطارٍ مُعيّنة، وإنّما يرتَبط معهُ برابطِ الإنسانيّة، هذا الرّابط، الّذي لولاه لما كانَ هناكَ أيّ وجودٍ لكلّ الرّوابط المذكورة آنفًا. فماذا كانَت ستكون القيمة الوجوديّة لهذه الرّوابِط لولا وجود الإنسان، كما أنّهُ كيفَ ستُثمِر هذه الرّوابط لَو رفضَ الإنسان أن يأخُذَ بها، وبقيَ على رابطة الإنسانيّة، الرّابطة الّتي لا تُتعامَل مع أيّ إنسانٍ إلّا مُنطلَق الإنسانيّة، ولا شيءَ سواها.

إنَّ هذه الرّابطة، هي الّتي دفعَت ب "آرون بوشينل" النصرانيّ، الطّيار الّذي يحمِل رتبةَ ضابطٍ في الجيشِ الأميركيّ، المُشارِك الأوّل في الحَرب الصهيونيّة البَشعة على غزّة، إلى أن يُضرِمَ النّار بنفسِه، تعبيرًا عن الظُلم الّذي يُمارَس على "المُسلمين" الغزّيين ، وصرخةً للإنسانيّة في وجهِ العالَم المُنافِق، المليء بالدّجَل، العاج بقوانينِ حقوق الطّفل وحقوق المرأة، الّتي لا تُعمَل إلّا في أطرٍ جغرافيّة مُحدّدة، لا حدودَ لها مع عالمنا العربيّ، الّذي قرّرَ العالم السياسيّ البشِع، أن يضعَ كلّ ساكنيه، دونَ استثناءٍ لأيّ فئة، على مقصَلة الموت.

هذه تضحيةٌ لم أرَ مِن قبلها أيّ تضحِيةٍ شبيهة لها ؛ إلّا تضحِية النّاشِطة الأميركيّة "راشيل كوري". تلكَ النّاشِطة الّتي قدِمَت من الولايات المُتحدة إلى غزة، عام 2003 ؛ لتتصدّى لعمليّات هدم البيوت الّتي كانَ يقوم بها الكيان المُحتَل. فقَد وقَفت شامِخة أمامَ "جرافة" العدو ؛ لتمنعها مِن هدم بيت، والنّتيجة كانَت، أنّ حياتها سُلِبَت مِن قبل الكيان ؛ إذ دهستها الجرّافة وجعلَت جسدها مع رُكام البَيت المُهدوم.

هاتان تضحِيتان غربيّتان قلّ نظيرَهُما في الرّد على الاعتداءات الّتي تُمارَس مِن قبل الاحتلال على الشّعب الفلسطينيّ. فهُما جاءتا في سياقِ الدّفاعِ عن النّفس البشريّة أولًا، وهي أهمّ مقصدٍ من مقاصدِ الشرائع السماويّة، كما يعتبرن أسمى صور التّفاني والإخلاص في الدفاع عن حُريّة الإنسان في العَيش. ف"أن يُضحّي الإنسان بحياته، انتصارًا لمظلوميّة شعبٍ آخر، يبعُد عنه آلاف الأميال فهذا سموٌّ أخلاقيّ وإنسانيّ، لا يرقَ لهُ إلّا العُظماء من البشر، الذين يمتلِكون أرواحًا شفّافة، طاهرة ونقيّة."

قَد يقول قائل "لن يؤثّر موت "بوشنل" على الإبادة الصهيونيّة ؛ إذ أنَّ الضّغط الدوليّ لَم يأتِ بأُكلٍ مرجوّة..فماذا سيقدّم هذا الموت!!
قدَ أتّفقُ مع هذا القائل، ولكن، ليسَ فيما ذهبَ إليه تحديدًا. فأنا أتّفقُ معهُ فيما يتعلّق بالموت ؛ إذ كانَ عليه، أي بوشنيل، ألّا يقدم على هذا الفِعل ؛ لأنّني أرّى أنّه كانَ لديه الكثير ليقدّمهُ للمظلومين، بل لا أُبالِغ إن قلتُ بأنّهُ لا يختَلف عن "لوثر كنغ" ولا عن "مانديلا" في عالم التّضحية في سبيلِ الإنسانيّة جمعاء.
أمّا إذا ما أردنا أن نتحدّثَ عن التأثير السياسيّ للفِعل على المؤسسات الأميركيّة، بما فيها العسكريّة، فإنَّني أعتقدُ أنّها قَد سكَنَت في لبّ هذه المؤسسات، وخلخَلتها كما لَم تُتخلخَل مِن قبل، وستعمَل على إعادَة تفعيل الثورة الشعبيّة على السياسات الأميركيّة الخارجيّة، الّتي انفجَرت بعد "غزو العِراق" وسقوط آلاف من القَتلى الأميركيين في بغداد.


أمّا ماذا علينا أن نفعلَ بعدَ صّرخة "آرون": " لن أكونَ مُتواطئًا بعد الآن في الإبادةِ الجماعيّة ؛ الحُريّة لفلسطين". فإنّني أرى بأنّهُ ثمة الكثير مِن الأمور الّتي يتوجّب علينا القيام بها ؛ حتى لا نُؤكّد الطلَقة الأخيرة في نعشِ الإنسانيّة، وفي هذا سيكون لي وقفةٌ مقاليّة في قادم الأيّام. لكن، الآن، أرى أنّ ما يتوجّب علينا القيامَ به، هو:

واجبٌ على كُلّ إنسان أن يقومَ بعمل جنازةٍ تليق بهذا الإنسان، ‎آرون بوشنل، الّذي قدّمَ نفسهُ ضحيّة في سبيلِ إيقاف ‎الإبادة الجماعيّة على الغزيين، مُريدًا مِن ذلك أن يقوم بإحياءِ أكثرَ مِن مليونيّ نَفس، وليسَ نفسًا واحِدة فحَسب، والّتي يُعتَبر إحياؤها بمثابَة إحياء النّاس أجمعين.

‏‎فآرون بوشنل قامَ بفعلٍ عرّا عجزنا، وأثبَت لنا قبلَ أن يُثبت لغيرنا، أنّنا أبناءَ أمّةٍ أكَلها الخَوف والعَجز، والتَهمتّها المشاغِل الدنيويّة، على الرّغم مِن أنّنا أبناءَ الأُمّة الأكثَر حديثًا على عن المصير الآخروي، وأنَّ لا فائدةَ لفلاحٍ دنيويّ ما لَم يُك مُقترنًا بفلاحٍ آخرويّ.

وبعيدًا عن أحاديث المصائر، الّتي راحَ أغلبنا للمساحة الّتي لا تحتَمِل إلّا قولًا واحِدًا، وكأنّهُم أخذوا دورَ الله، وبدأوا يُعلنونَ أنَّ لا مصيرَ لهُ إلّا النّار، فإنَّ ‎آرون بوشنل أقدَم على تقديمِ رسائلٍ كثيرة، كلّها على قدرٍ من الأهميّة، إلّا أنّ مِن أهمّها، أنّهُ جعلنا نقتَعِد
لأنفُسنا، لنفهَم أينَ نحنُ، ولنُدرِك حقيقةَ التّيه الّذي نخيِّم به، ونرفُض أيّ مُحاولةٍ للخُروج منهُ، بل انّني أرى، أنّ ثمةَ رسائل في هذا الفِعل، لا بُدّ مِن أن نقِفَ عندها مطوّلًا. فنحنُ مَن لا نجرؤ مُخاطبة أنظِمتنا بظُلمِها، وأن نقولَ لها القَول الحَق في ظلّ تخاذُلها الدّائم، ‏لا يحقُّ لنا أن نُقلِّل من أيّ فعلٍ يقومُ به الآخر، لمُجرَّد أنّهُ لا يعتَنِق ما نعتَنِق،ولا يعِش كما نعيش.
إنَّ ما يُحزِني في هذا الفِعل، أنّهُ فقَدنا واحدًا ك ‎ارون بوشنل، واضحٌ مِن خلال إقدامِه على الّتضحية بنفسِه، أنّهُ كانَ لديه طاقة هائلة للعمَل مع الكثيرين مِن بني البشَر على مَنع الظٌلم في العالَم.



#ازهر_عبدالله_طوالبه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنُراهن على ذاتنا، ولنتوقّف عن تقديس أداة الفُرس.
- المُقاومة وتصريحات وزراء الخارجيّة العَرب..
- فرحةٌ للوطَن ومِن ثمّ لنا.
- معمعة التخبُّط والمتاهات: الكيان الصهيونيّ أنموجًا.
- خذلناهم، لكنّهم سينتَصرون، وسيعيدون رسم خريطة العالَم.
- مِن جريمةٍ إلى أُخرى.
- صراع الذكاء الصناعيّ والغباء البشريّ
- الشهادات العلميّة للمُجتمع، والعلم لمن أراد.
- -الفزعات العشائرية والمناطقية داخل الجامعات.-
- -داء الإنغلاق على الذّات الذي لا دواءَ لهُ -
- الكوارِث ما بين دناءة وإنسانيّة مُقدّمي المُساعدات
- النّجاة تكون بالتّوفيق بينَ العلم والدّين..وليسَ بتمديدِ الف ...
- لنخلَع عباءة الصّراع الدّينيّ التي ألبسنا إيّاها أصحاب المصا ...
- دور الدّين في السلطة السياسية، وفرضه على الآخر المُخالف.
- المؤسّسة الدّينيّة في خدمةِ السُلطة السياسيّة
- هل سنتمكَّن مِن تجاوزِ مُعيقات/أو معوِّقات الإصلاح الإداريّ ...
- مَن يفشَل في بناء الإنسان حتمًا سيفشَل في بناءِ العِمران.
- كفاكُم طعنًا لخاصرة سوريا بإبعادها مِن عضويّة الجامعة العربي ...
- الثقافة والساحة الأدبيّة: لُعبة تصدُّر المشهد.
- عبيدُ الأمزجة ولسنا سلاطين الرأي العام


المزيد.....




- تحطم طائرة عسكرية في مدرسة ببنغلاديش
- خبيرة تغذية جزائرية تتهم شركة غذائية باستخدام مواد مسرطنة وم ...
- عطل تقني يتسبّب بتوقّف رحلات -ألاسكا إيرلاينز- لثلاث ساعات ...
- أردوغان يتّهم إسرائيل بعرقلة -مشروع الإستقرار- في سوريا: -لن ...
- البرهان يجدد رفض التدخلات الخارجية ويؤكد: قادرون على دحر -مل ...
- زمن الكريبتو في أمريكا.. سياسات ترامب خلقت 15 ألف مليونير جد ...
- روسيا تستبعد إجراء محادثات قريبة مع أوكرانيا وبارو يقول أن ف ...
- بين أنتيغون وإيدن في مهرجان أفينيون... الفرنسية العراقية تما ...
- محلل إسرائيلي: حماس لن ترفع الراية البيضاء وجيشنا يهدم ولا ي ...
- لماذا حصر عدد قتلى الكوارث أمر صعب على الصحفيين؟


المزيد.....

- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني
- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ازهر عبدالله طوالبه - ماذا علينا أن نفعل بعد صرخَة -آرون-.