غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1750 - 2006 / 11 / 30 - 11:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العراق 3
نموذج لابد من العودة إليه!
مرة أخرى نعود للمقدمة ولحالة الترويع والهلع التي خلقها الوعي العراقي من التغيير الديمقراطي لدى شعوب المنطقة، وسنسمح لأنفسنا بالقول ليس الوضع في العراق بل المجتمع العراقي دون أية تأويلات أنثروبولوجية ـ كما يعتقد ويسوق بعضهم أن طبيعة المجتمع العراقي طبيعة عنيفة أو عنفية ـ حتى ولو كان هذا صحيحا بدرجة ما نتيجة لأن التجربة الإسلامية في العراق ـ بلد الشقاق ـ كما كان يسوق في هذا التاريخ. قد تركت هذا الانطباع لما جرى فيها من حروب طائفية وعلى الخلافة ودسائس ومؤامرات..الخ
ولكن رغم ذلك هذه لا تدخل في الحسابات فيما يجري الآن ! المجتمع العراقي في الواقع لم يتسن له القيام بعقده الاجتماعي في ظل أربعة عقود من القمع والنهب والفساد والحروب مع الآخرين وبات من المؤكد أن الأنظمة الديكتاتورية في ظل غياب لثقافة مدنية علمانية لن تنتج سوى مجتمع منقسما على ذاته والوجود الطائفي والأثني المتنوع إنما يزيد من اللجوء إلى كل ما من شأنه أن يحمي الفرد من العسف والتمييز إلى حواضنه الولادية / حواضنه الأم / وهي هنا في العراق كما هي في سورية حواضن طائفية وأثنية وعشائرية. لم يعرف شعبنا سواء في العراق أو في البلدان الأخرى معنى مفردة الوطن / باستثناء الدول الخليجية نسبيا لأنها وفرت هذه المقولة عبر مستوى معيشي وتعليمي متقدم وسرعة في مواكبة الانفتاح على الأقل على المستوى الاقتصادي / وبقي الوطن في بلدان كالعراق وسورية هو إما القائد أو الدين أو الطائفة ! لا يعرف المواطن أن الوطن هو حقه في المطالبة بكل الوسائل السلمية من أجل تحسين شروطه الحياتية والحقوقية. فهذا لم يتعلمه من مفهوم الوطن كما تعلمه المواطن الغربي.
هذا بالضبط ما سمح للدور الإيراني أن يكون كبيرا جدا في العراق، وهذه هي التربة التي يتغذى منها النفوذ الإيراني ويغذيها في نفس الوقت عبر وسائل شتى، الدور الإيراني لا يمكن أن ياتي برؤوس أموال تستثمر داخل العراق، ولا أن يأتي بتكنولوجيا متقدمة، ولا أن يكرس نفوذه عبر هيمنة تدريجية لمصالح اقتصادية تستطيع المنافسة في الحقلين السياسي والاجتماعي والاقتصادي حتى ! كما يفعل الغرب في العراق أو غيره. ماذا بقي للدور الإيراني أن يحوز على مادة نفوذه غير تعميم الثقافة الدينية التي تاخذ وجها طائفيا في العراق بحكم الواقع العراقي.
هذه الثقافة الدينية يجب أن تحميها مؤسسات وأحزاب وقوى سياسية وقوى مجتمع أهلي وهذه موجودة لدى التربة التي يتركها النظام الاستبدادي الصدامي، والغرب وخصوصا الأمريكان لم يقدروا حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه الثقافة والمرجعيات الدينية في العراق. مما وجدوا أنفسهم أخير بمعادلة صعبة :
جاؤوا للعراق لكي يقضموا نفوذا إيرانيا أو غير إيراني متوقع بعد انهيار صدام ليجدوا أنفسهم خارج قوتهم العسكرية لايشكل لهم نفوذ يذكر ! مقارنة مع ما حققته إيران من نفوذ دون أن تتدخل عسكريا ! هذه المعادلة كان من الصعب توفرها لولا بقاء المجتمع العراقي في ظل التمييز الطائفي والثقافة الطائفية التي غذاها صدام حسين خصوصا في سنوات حكمه الأخيرة، لولا هذه التربة لما استطاعت إيران أن تدخل العراق بهذه القوة.
استقرار العراق يمر عبر اعتراف بالنفوذ الذي حققته إيران بسهولة / دينية طائفية / وهذا أصعب ما يكون على الغرب عموما وأمريكا بشكل خاص، لأن هذا النفوذ الإيراني يعني فيما يعنيه أن أمريكا خسرت الحرب في العراق. وهذه نتيجة ستكون كارثية على الوجود الأمريكي ليس في العراق وحسب بل في المنطقة والعالم. خسارة أمريكا لحربها في العراق له ثمن تعرفه أمريكا جيدا.
من الحقيقة يمكننا القول بالنتيجة النسبية التالية : إن النفوذ الإيراني يستند أصلا على تنمية ثقافية دينية سلفية في العراق ولبنان والآن في سورية تشكل هي المستند الأساسي والمستقبلي للنفوذ الذي تبحث إيران عن تأسيسه استراتيجيا. وكي يبقى كلامنا نسبيا أيضا نسأل :
ماهي الموارد الأخرى لدى إيران لتنميها في هذه الدول من أجل إقامة قواعد ارتكاز لنفوذها المتحقق والمرجو في المستقبل ؟!
إن هذا النفوذ سيرافقه بالضرورة مؤسسات تعيد إنتاج هذا النفوذ وتكرسه وهذه المؤسسات إما ستكون جامعات دينية أو هبات نقدية مستندة على مبررات أيديولوجية فقط ! وليس علاقات سوق وتبادل..الخ وبعد ذلك ما هو المردود من هذا النفوذ ؟ وتحويل التشيع إلى ظاهرة سياسية أحزاب وقوى..الخ
لو أخذنا الحالة اللبنانية أو السورية أو العراقية ماهو الذي ستجنيه إيران من هذه الدول ؟
من زاوية المردود السياسي والأمني هذا أمر بات مرجعيته في أيدي السلطة الإيرانية وذلك ونتيجة لطبيعة هذه السلطة سيكون مردودا يعبأ المجتمعات المذكورة بطريقة طائفية لكي تبقى فيها السلط هي المتحكمة بإعادة ألأرباح لهذا التوظيف الإيراني، والمثال هل ستكون انطلاقا من هذا وبشكل فاضح : أن تتخلى مؤسسات الطوائف الأخرى في لبنان مثلا عن مدنيتها لصالح إقامة مؤسسات من طبيعة تتناسب والسلطة الإيرانية ؟ وهل من مصلحة الطوائف غير الشيعية في لبنان قيام مثل هذا النفوذ الإيراني ؟
وهل سيكون بالتالي الوضع في العراق أحسن حالا ؟ حتى يستتب الأمن لهذا النفوذ في العراق سيكون أيضا عن طريق إما المشاركة في النفوذ لدى كل العراقيين أو الانفصال في الجنوب عن الجسد العراقي.عندها ستتحكم إيران بالقوى الفاعلة في الجنوب العراقي وعلى كافة المستويات سياسيا أمنيا اقتصاديا.من هنا تكمن خطورة الدور الإيراني في العراق. ومقارنة مع الدور الأمريكي والغربي : نجد أنه مهما تبدى جشع شركات هذا الغرب إلا أنه لن يكرس رأسمالا طائفيا لكي يستثمر نفوذه وأمواله بل سيتثمر رأسمالا اقتصاديا في نظام يعتمد الليبرالية الاقتصادية كحد أدنى وقوانين تكون السلطة فيها خاضعة بشكل أو بآخر لدولة المؤسسات وهذه الحالة هي معبر أجباري للوضع في العراق خصوصا، حتى لو تم تقسيمه إلى دول ثلاث فلن يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للدور الغربي ونفوذه. والسلطة في إيران كما تمنع الاحتجاج والتظاهر وحرية الرأي في إيران ستمنعه في مناطق نفوذها. هذه النقطة وحدها كافية لتبين مدى خطورة الدور الإيراني على مستقبل حرية شعوب المنطقة. وخورته لاتنبع فقط من تحقيقه لمصالح طبيعة مثله مثل أي دولة في العالم ولكن الأكيد أن هذه المصالح لن تتحقق إلا تحت رعاية نوعين من السلطات : إما ديكاتورية قومية أو ديكتاتورية دينية، وبالتالي هذا يقتضي تكريس ثقافة من نوع ديني خاص هذا من جهة ومن جهة أخرى ستكرس في بلدان كالعراق ولبنان وسوريا ثقافة ستأخذ بعدا طائفيا بحكم الوجود الموضوعي لبقية الطوائف والأديان في المجتمع، ومرة أخرى إذا كان التعايش الحر والمبني على مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان غائبا في إيران فهل سيحضر في مناطق نفوذها ؟
وبالعودة الآن للعراق لنلاحظ جيدا أن القوى العلمانية ومنظمات المجتمع الدني وحقوق الإنسان هي أكثر المتضررين طردا مع تطور النفوذ الإيراني وتوسعه المبني على تواجد ميليشياوي يرفض مفهوم الدولة العصرية ! لأن أية دولة عصرية لا تسمح بنفوذ يفرض عن طريق تضامن ديني أو طائفي على حساب التضامنات المدنية والحقوق إنسانية.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟