أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - رحيل صامت حياة حافلة














المزيد.....

رحيل صامت حياة حافلة


أمل جمعة
(Amal Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 7895 - 2024 / 2 / 22 - 17:35
المحور: الادب والفن
    


رحيل صامت.. حياة حافلة

أن تموت في المخيم، أن تعيش طوال الوقت لاجئاً
4 تموز 2023

ماذا أفعل إن كنت أمتلك صوتاً جهورياً يصل عالياً ويشقُّ السماء؟
لم تقل هذه العبارة في يوم من الأيام لكنها ملائمة لها أكثر من أي وصف آخر، لا تمل راوية حكاية زواجها وهي عجيّة (طفلة باللهجة البدوية) لا تقوى على حمل قلادتها الذهبية الثقيلة فمن كانت مثلها يكون مهرها كذلك، كانت تضحك وهي تعدد أسماء أبنائها وكيف أنها كانت تحمل كلّ عام لتنجب 11 ولداً وبنتاً واسقطت الكثير خداجاً ومع ذلك لم ينحي لها ظهر.
في الحارة حيث تشكل البلاد أساساً لبناء العلاقات والنسب والقرابة، ولأن البداوة لا تطيق حصار البيوت الضيقة وخنقة المخيم لذا تواجد البدو بشكل عام على أطراف المخيم منذ تهجيرهم عام 48، بل كانوا أول من خرج للخلاء بعد استقرار لجوئهم بأعوام وسكنوا خيماً مع اغنامهم ليعودوا في الشتاء إلى المخيم، ومع الوقت استقر الكثير منهم خارج المخيم قريبين من الأرض أو الجبل.
لسنوات كانت أم صدقي وزوجها يتضمون أرضا زراعية في سهل عرابة يمضون فيها غالبية الوقت، قبل أن يكبر الأبناء ويختارون عملهم الخاص، لماذا هي بالذات من أكتب عنها الآن؟ ليس فقط بسبب رحيلها في اليوم الثالث للاجتياح بعد غيوبة دامت لعام ونصف وليس بسبب كونها أماّ لشهيدين: الأول لطفي عام 92 والثاني الشهيد المفقود حتى الآن محمد 2002 وليس لأنها شخصية خاصة ذات حضور طاغٍ ، وليس لأنني وعدتها أن اكتب عنها وكتبت، وليس لأنها صديقة أمي القريبة جداً والتي فركت وغسلت معنا جسد أمي في وفاتها، أكتب عنها لأنها هي الشخصية القائمة بحد ذاتها، البدوية الصرفة بلا لحن في لهجتها، الممتدة في حياتنا وفي حياة المخيم لأكثر من 80 عاماً.
في الانتفاضة الأولى وفي يوم شديد الرياح والزوابع من شهر كانون ثاني خرجت على صراخ في باحة بيتها لتجد ابنها مرمياً على الأرض ورصاصة اخترقت صدره وسقط من علو ثلاثة أمتار، كانت دمه يرش وجهها كما تقول وهي تحتضنه وقد أدركت موته، كان لطفي رياضياً يحضر للزواج وأمه تبحث عن عروس تليق، وفي اجتياح المخيم الكبير أصيب ابنها محمد وفقدت أثار جسده، على مدى عامين بحثت العائلة بلا توقف ورفعت قضايا ولم تترك سبيلاً دولياً أو محلياً لكن دون فائدة، بقيت تنتظر والأمل يسير معها أن يعود محمد يوماً، أعلن محمد شهيداً بعد عامين، وماتت وفي قلبها حسرتين من ضمته واغتسلت بدمه ومن مات وهي تحلم بلمس جسده ولو مرة واحدة.
مرارة الموت في ظلّ حرب، طعنة الموت والبيت ينهدم، أن يتوقف قلبك ويدك عن الصراع ليس خياراً ولكنه طعم القهر المضاعف وطويل الأمد.
قبل عام ونصف سقط الجسد القوي مثلما تسقط شجرة في وداعها الأخير، دخلت غيبوبتها، وتنقل جسدها في الاجتياح من بيت لبيت ومن مشفى لمشفى حتى أعلنت هي ذاتها الرحيل بنزيف حادّ فاض من أنفها، كأنه الدم المختزن من شهيدها الأول،
ماتت من قالت لي يوماً جيبي كل الرؤساء والوزراء وأنا أجادلهم واتجاوزهم،
تعبر الآن من أمامي بثوبها المخملي، فلقد أحبت الحياة رقصت ودبكت وغنّت وصدح صوتها بالزغاريد لعودة ابنها من السجن ولوداع بناتها في أعراسهن، كانت تسير مثل زرافة بثوبٍ طويل يتراقص مع مشيتها المعتدة وصوتها الجهوري الخاص، وحكايتها التي لا تستطيع إلا تصديقها لطريقتها السردية الواثقة والمتمكنة، فهي تحكي عن الرياح التي كانت تهب والمطر الذي كان يسقط ولون ثوبها واي من الأطفال كان يدور حولها ومن قابلت وماذا كانت تضع على النار من لحم أو قمح تسلقه، كل هذه التفاصيل ترويها وهي تحكي لك حدثاً صار أو لتشدد روايتها بالشواهد واليقين.
بعد أن رحلت أمي كانت تزورني كلما وصلت جنين وكنت أقول حقّك على أنا من تأتي إليك فتقول أنت الغالية، نعم هي الغالية، لم أحتمل أن أراها في غيبوبة بجسد مسجى على سرير معدني، ولكنني سأراها دواماً كما عهدتها شجرة باسقة تتناثر منها الحكايات والألوان.
وداعاً خالتي "أم صدقي" وداعاً ايتها الحبيبة القريبة، وداعاً يا سرّ أمي وبوحها الذي صار الآن رهناً للسماء



#أمل_جمعة (هاشتاغ)       Amal_Juma#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء غزة في مستشفيات الضفة عشية الحرب
- قيس ولطفي ورحيل مبكر
- يحدثُ أن يحدثَ كلّ شيء لرائدة
- يوم سبت
- العرض الأخير
- المرأة التي اعتزلت سماءها ظهيرة صيف
- وكوكب أيها الشامخُ تُهديك السلام
- مهمّات نَهاريّة
- الغياب
- الرائحةُ العالقةُ بيننا
- ذاكرة المرايا
- سأموت فيما بعد
- المتسولة
- العاشِقات
- مات أبي
- كوابيس بأخطاء نحوية فادحة
- في صباح حار
- أرتجلُ الحب
- كأنها قلادة من الماس
- إعتزال


المزيد.....




- جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة ...
- قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
- -الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
- -حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - رحيل صامت حياة حافلة