أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - المتسولة














المزيد.....

المتسولة


أمل جمعة
(Amal Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3616 - 2012 / 1 / 23 - 15:11
المحور: الادب والفن
    


الشابة الواقفة على الإشارة الضوئية ربما تجاوزت الثلاثين ،فالشعيرات النافرة في وجهها فوق شفتها العليا تقول ذلك ،أما أسنانها فما زالت بكامل صلابتها رغم طبقات التكلس ،تجعلني وبلا وعي أتفقد أسناني المريضة دوماً ،اغبط خلو ذاكرتها من زيارات الطبيب البغيضة ،خصلات شعرها برية تماماً ،ومع ذلك أرشدها منطق ما لتجمعه ذيل حصان يضرب ظهرها ،كأنها خرجت من البيت قبل خمسة عشر عاماً ولم تعد ،بنطلون جينز كالح ،وشبب بلاستيكي،الوحيدة المبتسمة طوال الوقت سواء منحتها مالاً أو شحت عن قذارتها ،تتنقل ببطء بين السيارات المنتظرة على الإشارة الضوئية ولا تلح بالاستجداء ،تقول صديقتي :لازالت متسولة هاوية لم تحترف الإلحاح بعد.
تزعجني العبارة وشقوق قدميها تكاد تكون بخشونة الشارع، أفكر في تلك اللحظة:سأهديها معطفاً وحذاءً قبل حلول الشتاء..وأنسى كما ننسى جميعاً.
في صباحٍ أنيق جداً تهيأ لي يكذبه حضورها ،يمنحها أحد الكرماء فنجان قهوته الورقي ،تترك الشارع والأيدي ممدودة لها بالحسنات / تضحكني هذه الكلمة،اشتراط الثواب مسبقاً وتجميع أرصدة صغيرة في بنك ضخم لا مرئي وموثوق به جداً .
تجلس على الرصيف، بلذة هائلة تنزع الغطاء وترميه كطفلة، وتغب بسعادة بالغة - كأنها ملكت الدنيا – متجاهلة الأيدي الممدودة بكرم مقنع، تضحك وتضحك.. تحدق بالدائرة التي صنعتها بساقيها، تدلق ما تبقى من قهوة متخثرة في دائرتها تمد إصبعها وتلحس من كوبها الورقي ما تبقي ،السائق الذي يقلني يتذمر من سوء تصرفها ،سيدة بكعب عالٍ تبتعد كالمذعورة خائفة أن ترشقها بالكوب ،شاب أحمق ينهرنها ويطالبها أن تغادر وتعود للبيت ويتمم غاضباً وهو يرمي لها بقطع نقدية تنفرط كقلادة وأعدها ،خمسة.
أتكور في مقعدي ولا أهبط لنجدتها، لماذا علي أن أعبث باكتمالها ؟
يكفي أن امنحها كلما اقتربت مني، أبرر لنفسي وأبلع ما تبقى من أسئلة والمخدر يسري في شفتي وطبيب الأسنان ينتزع خلايا العصب من الجذر، يضحك الطبيب ولا يجيب على سؤالي:هل من ذاكرة متراكمة للألم ؟
هذا الصباح تعثرت بلحنٍ مبتور ، وامتلأت روحي بكومة أجنحة منتوفة الريش، كلمات مرتبكة تسد الحلق ،وسبع قصائد ملفوفة بشالٍ سرقت نهاري فلقد كانت نسخة عتيقة فقط .
في الطريق وجدتها تمسح غباراً علق بنافذة سيارة فارغة ومتوقفة، حافية وذيل حصانها منفرط على كتفيها، لا تضحك كالعادة، ولا تمنح أحداً من المارة ابتسامة ولا تمد يدها، تابعت عملها بهمة ،مجازة من وظيفتها الصباحية،نائمة بما يكفي لا يعكر صفو عينيها فساد الليل واحتشاد الأجنحة المعطوبة في يدها ،لا يزعجها زعيق السيارات ولا فضول المتأنقين ،لا تنظر للسماء فرحة بالمطر ،ولا تنظر للأرض باحثة عن نهاية ، لا يهمها سقوط أسنانها الأمامية وقبح فمها ،لا تفسر وتحلل نظرات الجميع لها .
شابة بماكياج ثقيل يكاد ينقط على أطراف منديلها حزينة تلتصق بالنافذة ،رجل بشعر شديد اللمعان يتأمل نفسه في مرآة سيارته ،امرأة تضع أحمر شفاه وترتب خصلات شعرها، منقبة تكتشف أن نقابها ينزلق قليلاً عن جفنها فتعدله،رجل يرتب شاربيه بمشط صغير ،شابُ بربطة عنق رمادية يعدل ياقة قميصه الأزرق .. متأنقون ومتأنقات يلهثون نحو أعمالهم ..
تسير وقد أنهت تلميع زجاجها بينما الجميع ينتظر أوامر الشارة الضوئية، يتسول الجميع نهارهم بماكياج صارخ وصباح متقن التوقيت..وتمضي هي بكامل حريتها.



#أمل_جمعة (هاشتاغ)       Amal_Juma#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العاشِقات
- مات أبي
- كوابيس بأخطاء نحوية فادحة
- في صباح حار
- أرتجلُ الحب
- كأنها قلادة من الماس
- إعتزال
- سِر الغَجرية
- تلك الأشياء الصغيرة
- الذي لا يأتي
- ندم الخميس
- الطائرة ألقت بكومة رسائلي
- نص - مملكة اليمامات
- الخوف


المزيد.....




- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...
- في عيد التلفزيون العراقي... ذاكرة وطن تُبَثّ بالصوت والصورة


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - المتسولة