أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - الخوف














المزيد.....

الخوف


أمل جمعة
(Amal Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 17:20
المحور: الادب والفن
    


الخوف
أمل جمعة

رموش يانعة كانت ترتعش في جفنيه وهو يطلب غطاءً ثقيلاً:"بَحاف ، يُسقط نقطة الخاء فتقع في قلبي، يغمض عينيه بشدة فيرعبه الظلام، يفتحها فيرعبه أن الوجه الذي يبحث عنه ليس هنا، ماذا تقول لطفلٍ في الخامسة عن رحيل الأمهات؟ بأي منطق أقنع طفلاً بالخامسة أن يغني "بابا وماما يحبونني" يكرر خلفي :بابا وبابا يحبوني ؟؟
يغني وحيداً خلف سور المدرسة ما تعلمه هذا الصباح،وينطق بكلمة ماما بلا صوت وبعيداً عن سمع الآخرين .

عندما حملت له قطعة الشوكلاته رفضها بإباءٍ غريب،وعندما أمسكت بيديه وضممتهما عليها عَجزت عن قول أي شيء فلقد علمت للتو برحيل أمه من ابنة عمه قائلة:ما عندوش أم .
بصوتٍ دامعٍ وبحّة مبكرة، تصنعها بالعادة دموع يذرفها الأطفال على الوسائد في صمت الليل وقلة الدفء ،ألقى بجسده الضامر في حضني، الخوف الذي فرّ من جسده الصغير استوطن صدري وهو يجهش بالبكاء :"في بالدار أم جديدة بس مش إلنا،لحمادة "مولود العائلة الجديد
لم يجرؤ على تناول الشاي ساخناً أبداً - كان يخاف لومهم إذا كسر الكوب .لم يجرؤ على طلب غطاء إضافياً من ماما الجديدة ، كان يحتفظ بجواربه في الحقيبة ويلبسها قبل أن يغادر الصف خوفاً من اتساخها ،كم نام عطشاً لخوفه من أن يبول على نفسه ،وكان ذكياً وفارق الحضور.

إذا جاز لي أن اعرف الخوف ،فهو عيون ذاك الصغير التي ترتج بدمع لا يسقط، يغشيها فتزيد لمعانها في سواد نادر وعميق ،تزينه رموش كثيفة وفم مزموم على آهة، كم جاهدت لأخرج منها ابتسامة صغيرة .

رافقته لشهورً خمسة كمعلمة مؤقتة لصفه ،في الطابق الأول من مدرسة مهترئة، ورافقتني بحته طوال عمري:"معلمتي، هل تصل الطائرة للجنة؟؟ تسأل طفلة ،يجيب محمد بهدوء ورتابة:" الطائرة لا تصل ،الصاروخ فقط يصل،ويصمت متطلعا ً نحوي ،لا يطالبني بالموافقة أو الرفض ،يمسك بقلم الرصاص طوال الوقت في وضعية الكتابة،يلف ساقية على حذائه المهتريء وبنطاله القصير ، ويجلس دوماً بوضعية مستقيمة وعيونه مركزة نحوي لدرجة الإرباك، يتلكأ قليلاً عندما يخرج الأطفال لفسحتهم وألعابهم ، وأمرر له دقائق الفراغ التي يحتاجها ،أعود للصف وقد حملت الساندويتشات وقطعة الشوكلاته، سرّّنا أنا وإياه،هل تحب اللون ألأزرق أو الأبيض؟؟
يخرج من علبة الألوان اللون الأزرق وظلال ابتسامة ترافقه، تبوء كل محاولاتي بالفشل لإخراجه من مقعده وصمته.
طفلة صغيرة كانت تترك مقعدها وتذهب إليه دوماً، بينما تشدها يد شقيقتها لتجلس، تنفلت نحوه ضاحكة وهي تريه ما صنعت بكرة المعجون الصغيرة، يلتقط المعجونة يعدل بتشكيليها ويعيدها إليها بينما تصيح بمرح:"صار حصان "فقط لهذه الطفلة يتحرك قليلاً ويعطيها من مقعده فسحة للجلوس .

كم حيرني هذا الصغير، وكم أرق ليلي ونهاري، وأنا انسج له بلوزة من صوف أزرق،وأدرك أن اليتم علّة لا براء منها ،وعطش للمسة لا تفي بتحقيقها كل كائنات الأرض مجتمعة .

أقف أمامهم للمرة الأخيرة (صفي الرائع كحقل أمنيات) أرتبك من وداعٍ لا أتقنه وسط حدقاتهم اليانعة المركزة نحوي والمرتفعة بفارق وقفتي وجلوسهم أخبرهم بقرار الرحيل وأتحاشاه بالذات ، يصمت الأطفال لثوانٍ أحسبها دهراً ،طفلة بلثغة ساحرة تقول معاتبة:هل نعذبك كثيراً لتتركينا لروضة الجامعة؟ كانت تشبه نحلةً نطقت للتو ،عبود الشقي لا يصدق روايتي بالرحيل : هل ستسافرين مثل التاجر عبدو ؟ عبدو هو بالطبع بطل الأغنية التي كنا نغنيها بالظهيرة ويموج عبود فرحاً بها كأنها مداعبتي الخاصة له (عبدو كان متاجر عايش في آمان ...قال لجاره مسافر آجرني الحصان ) وتنفلت صغيرة بعيون واسعة كالسماء تطبع قبلة طويلة على خدي قبل أن أدرك أنها صارت في حضني تتعلق بعنقي :لا تتركينا ! رنين أساورها لازال يمر في أذني كلحنٍ لا ينتهي.
عاصفة قبلات لزجة بطعم سكري تجتاحني، ولا يتحرك هو،لا يبكي ،لا يضحك ،لا يغضب،لا يقول وداعاً ولا يطالبني بالبقاء .
لا ينطق بشيء وأنا اقترب منه وأجلس بموازاته وأفشل بقول أية كلمة ،أطبع قبلة على جبينه :ستذهب يوما ما للجامعة مثلي ،عدني بذلك ،يحرك قلم الرصاص على الورقة البيضاء يرسم ويرسم ويرسم ...
في صف عتيق بمدرسة متهرئة على شارع طويل جداً قبل عشرين عاماً كان طفل يتيم اسمه "محمد" يخاف أن ينام وحيداً، ويحلم بصنع صاروخ يذهب للجنة، في بيت عتيق بحديقة واسعة ونوافذ مغلقة تصنع امرأة ما تصنع صاروخاً من ورق وتعجب من يدٍ لطفل في الخامسة تعدل قليلاً في ورقها ..تبتسم بمرح :"صار صاروخاً ..هل يوصلني لبيت أمي أيها الصغير
الخوف،سيان كان صراخاً في كل الاتجاهات أو سكوتاً مدججاً بالأسئلة.. لا ينام .
كانون أول 2011





#أمل_جمعة (هاشتاغ)       Amal_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - الخوف