أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - ثقافة الموت!














المزيد.....

ثقافة الموت!


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 7891 - 2024 / 2 / 18 - 13:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حدثني صديقي عمَّا صادف خلال تأديته واجب عزاءٍ، فقال: صافحت المستقبلين، وأثناء دخولي قاعة الجلوس لمحت أحدهم يخطب، وكان صوته بالكاد يُسمع وسط الضجيج. صدف أن اتخذت مقعدي قريباً من المكان الذي يقف فيه "الخطيب"، فالتقطت أذناي عنوان الخطبة: "الزلازل". قلت، لعل وعسى نسمع ما يفيد بهذا الخصوص، على صعيد رأي العلم وآخر ما توصل اليه أهل الاختصاص. لكن أملي خاب بأسرع مما توقعت، إذ تبين أن المضمون يتمحور حول الموت تحت عنوان الزلازل. لم يجد المتحدث في الزلازل شيئًا يتحدث عنه سوى الموت. خلال خمس دقائق، تكررت كلمة الموت في "الخطبة" أكثر من عشر مرات، مقرونة بالتحذير والتهديد والترهيب...الموت يأتي على حين غرة...يجب الاستعداد لهذه اللحظة !
الخطاب ذاته، الذي لا يرى الله إلا في الموت وفي ظلام القبور. لذا، يرسم حياة ما بعد الموت بصورة كابوسية متجهمة متصلة الحلقات، كأن ما ينتظر الإنسان بعد الموت عذاب السعير فقط بشتى صنوفه وأساليبه. خطاب كهذا، لا شك يصدر عن نمط تفكير ظلامي متوحش يكره الحياة، لأنه ببساطة فاشل فيها ويعيش على هامشها مقارنة بالأمم المتقدمة ذات الوعي الجمعي العلمي المناسب لتقدمها والمؤسس له. ويلفت النظر أنه يخالف تعاليم الدين ذاته، حيث لا يوجد في القرآن الكريم آية واحدة تتحدث عما يسمى عذاب القبر..
كل إنسان يعرف أنه سوف يموت في لحظة ما، والموت يدخل في جدلية الحياة بالمناسبة وهو جزء منها. لكن الحياة ذات رسالة، وإلا فلا معنى لها. العنوان الأبرز لرسالة الحياة، هو الإنجاز والإبداع والبناء وتحقيق التقدم. ولا يمكن تحقيق هذه الرسالة إلا بامتلاك عناصر القوة، التي أبدعها الإنسان في مسيرته الطويلة منذ فجر التاريخ. وأهم هذه العناصر، العلم المتكيء على العقل والتفكير السوي السليم.
لا يخطر ببال مروجي خطاب الموت بطبيعي أمر العتمة المعششة في رؤوسهم، الحديث عن رسالة الحياة في جانبها المشرق، الذي يرى الإنسان والأشياء في اشراقة الشمس كل يوم وفي الجمال وفي إبداعات العقل واختراعات العلم وكشوفاته للإرتقاء بالحياة الإنسانية. هذا كله غير وارد في حساباتهم، لأن الهدف زرع الخوف في النفوس وتسميم الحياة بالرعب وتعكير الأجواء بالتجهم. أما الهدف الرئيس، فهو السيطرة على الإنسان بالخوف والترهيب. وهذا هو شأن الثقافة المفلسة المأزومة، كما يعلمنا التاريخ ويؤكد لنا واقع حال المجتمعات التي ينتشر فيها خطاب الموت. لا شك أن ثقافة هذا شأنها، أعجز من أن تبني دولاً حديثة، وأبعد ما تكون عن امتلاك عناصر القوة بمعايير العصر.
ثقافة الموت والخوف والترهيب، دليل فاقع على واقع مريض بالإستبداد والفساد والتخلف. لماذا؟ الإجابة بإيجاز، الخائفون المستلبون لا يبنون أوطانًا حديثة، ولا يحررون أرضًا سليبة. وهم بالتأكيد، وهذا هو الأخطر، لديهم القابلية للخضوع لأي سلطة استبدادية.
تأسيساً على ما تقدم وغيره كثير في السياق ذاته، ألا ترى معنا عزيزنا القارئ أن خطاب الموت والخوف والثقافة المنتجة له في مقدمة أسباب تخلفنا وما نشقى به من خيبات على الأصعدة كلها؟!
ولا نستبعد أن يكون المفكر الجزائري مالك بن نبي قد أخذ بنظر الاعتبار ثقافة الموت وخطورتها على العقل والنفس للقول ب"القابلية للاستعمار"، وفعل الشيء ذاته المفكر الايراني على شريعتي لنحت تعبير "القابلية للإستحمار" !



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النزوع الانشقاقي في الأحزاب السياسية...مسببات وأسباب!
- مفهومنا للشرف
- نكشة مخ (3)
- إلى متى السكوت على هذا الإختراق الثقافي؟!
- نكشة مخ (2) التوريث السياسي في تاريخنا !
- من تجليات ثقافة العبودية !
- نكشة مُخ (1)
- هذا ما تريده أميركا بالضبط !
- هذا ما تريده أميركا بالضبط!
- رسالة إلى أبناء جلدتنا الإسلامويين*
- هل كان العرب قبل الإسلام في جاهلية ؟!
- العودة المستحيلة !
- توراتهم تؤكد سفالتهم تاريخياً
- لماذا هذا الارتباك والتلعثم والخوف؟!
- 7 أكتوبر...لماذا القلق الصهيوني؟!
- كذبة تاريخية !
- عبودية العقل !
- إضاءات على أساطيرهم(7)
- إضاءات على أساطيرهم(6)
- إضاءات على أساطيرهم(5)


المزيد.....




- سياسي يهودي من حزب مانديلا: بريطانيا مسؤولة عن فوضى الشرق ال ...
- ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- الاحتلال يواصل إغلاق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة لليوم السا ...
- سياسي يهودي من حزب مانديلا: شعب إيران لا يستحق الهجوم عليه م ...
- -في تهديد مباشر-.. ترامب: المرشد الأعلى الإيراني -هدف سهل- و ...
- ماما جابت بيبي.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- ترامب: المرشد الأعلى هدف سهل.. نعلم أين يتواجد
- باسم يوسف يثير جدلا بمنشور عن الحرب الإيرانية الإسرائيلية، ف ...
- الرئيس الأمريكي: نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى ولكن لن ...
- الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: نعرف تماما أين يختبئ المرشد ال ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - ثقافة الموت!