أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - رسالة إلى أبناء جلدتنا الإسلامويين*















المزيد.....

رسالة إلى أبناء جلدتنا الإسلامويين*


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 7879 - 2024 / 2 / 6 - 12:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تحية العقل والتعددية، والإيمان بالتنوع واحترام حرية الرأي والإقرار بالحق في الإختلاف. وكلها تحايا تنبض بعناوين القرن الحادي والعشرين. ونراها في توافق وانسجام مع مبدأ "أنتم أدرى بشؤون دنياكم". وتتراءى لنا أيضاً، في صميم القولة التاريخية لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، في رده على أول حزب تكفيري متزمت في الإسلام يحمل اسم الخوارج، ونَصُّها: "القرآن بين دفتي المصحف، لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال" 0 تأملوا الكلام بتأنٍّ وتدبَّروا المبدأ المهم جداً الكامن في مضمونه، المبدأ المغيب تماماً في الخطاب الديني المعاصر، وفحواه أن العقل الإنساني، عقل الرجال ومستواهم المعرفي، هو الذي يحدد دلالة النص الديني ويصوغ معناه. ومن طبائع الأمور، أن الرجال أبناء مراحل، لكلٍّ منها سياقاتها التاريخية وأسئلتها الخاصة بها والمميزة لها. لكن الفكر الديني السائد في واقعنا العربي، يعمل على تكريس سلطة النصوص الدينية وشموليتها منتزعة من سياقاتها التاريخية، بإصراره على تطبيقها بحرفيتها في ظروف مختلفة. وعندما تتحول النصوص الدينية إلى سلطة مطلقة ومرجعية شاملة، تتضاءل سلطة العقل. وفي هذا التضاؤل يقبع تخلف حاضرنا العربي على المستويات كلها. أما الهدف من تكريس سلطة النصوص الدينية وشموليتها، فإنه في واقع الأمر تكريس لسلطة رجال الدين واحتكارهم تفسير النص الديني، مغفلين تماماً مبدأ "القرآن حَمَّال أوجه"0 واذا شئنا التزَيُّدَ في القول بشأن المبدأ الكامن في القولتين التاريخيتين "القرآن لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال" و"القرآن حمال أوجه"، نرى من المناسب في السياق الإجتهادي بمعايير الحاضر، إيراد جملة من الحقائق، نوجزها تالياً قدر المستطاع.
بداية، من نواميس الحياة وسننها أنها لا تتوقف عن الحركة، وتأتي دائماً بالجديد المستجد. أما الدين، فمطلق ثابت. هذا يعني ان الحياة متحرك نسبي، والدين ثابت مطلق. وأي محاولة لتقييد حركة النسبي المتحرك بالثابت المطلق، ستؤدي لا محالة إلى الصدام بينهما. هنا بالذات، يجب البحث عن أسباب ازمة الفكر الديني، بمختلف تنويعاته وتنظيماته وأفراده، في هذه المرحلة. وهنا أيضاً، يمكن دَرْك عوامل الصدام بين المجتمعات من جهة، وبينكم من جهة ثانية، وبخاصة المتزمتون التكفيريون منكم.
في السياق، نضيف الحقيقة التي لا تحتمل الجدل، ومبناها أنه لا يمكن لأتباع أي دين أن يجمعوا على تفسير واحد للدين، وهو ما يفسر تعدد الفِرَق والتنظيمات والرؤى والتيارات بين اتباع الدين الواحد. تنسحب هذه الحقيقة، على الأديان كلها، بما فيها الإسلام، الذي لم يكن في تاريخه منظومة فلسفية وفكرية واحدة. أما الأسباب، فمعروفة ومحط إجماع. فالبشر مختلفون في قدراتهم العقلية والذهنية والمعرفية، ومن الطبيعي ان يفهم كل منهم النص الديني بطريقته. ومن طبائع الأمور أيضاً، أن مصالح البشر في تدافع دائماً وفي تضارب، وبالتالي، كلٌّ يفسر النص على مقاس مصالحه وانطلاقاً منها.
ولا ننسى أن النصوص الدينية بطبيعتها، تقبل التأويل في أكثر من اتجاه، وتحتمل أكثر من معنى. فهل المسلمون متفقون على تاويل واحد ملزم لآيات القرآن الكريم؟! الجواب بلا تردد، لا. ومن المُتفهَّم تماماً ألا يتفقوا ولن يتفقوا، للأسباب التي ذكرنا.
وما دمنا في سياقات التعددية والتنوع، دعوني أذكركم وأضيف الى معلومات بعضكم ما لا أظن أن آذانكم تطرب لسماعه. في عالمنا اليوم حوالي 4200 دين. وبحسب دراسة أجراها مركز بيو الأميركي للأبحاث عام 2015، فإن عدد أتباع الديانة المسيحية 2,3 مليار شخص، وعدد المسلمين 1,8 مليار شخص. وهناك 1,3 مليار انسان لا يتبعون أية ديانة. هذا يعني بالإضافة الى ما تبقى من سكان المعمورة الموزعين على باقي الأديان والمعتقدات، أن العالم أوسع مما نظن وأكبر مما نعتقد، بمعنى، أن التعدد والتنوع في الأديان والمعتقدات، حقيقة موضوعية تفرض نفسها، ولا خيار سوى التعامل معها بالحوار والتفاهم.
تأسيساً على ما تقدم وبناءً عليه، اسمحوا لي الآن بإيراد ما اردت قوله لكم في رسالتي هذه، بإيجاز.
أولاً: من حقكم ممارسة السياسة، وليس تسييس الدين. فما اختلط الدين بالسياسة عبر التاريخ، إلا وكانت النتائج كارثية على الأوطان وأهلها، وبالذات على صعيدي الفتن وسفك الدم. من هنا، أبدع العقل الإنساني أسلوب التعامل الأرقى مع الدين، باعتباره شأناً تعبدياً خاصاً مكانه القلب والوجدان على صعيد الإنسان، ودور العبادة على مستوى المكان.
ومن حقكم أن يكون لكم اجتهادكم في السياسة تقدموه للناس بصفته هذه، وليس باعتباره ديناً واجب الإتِّباع، وبالتالي تبررون لأنفسكم فرضه بقوة السلاح. هنا المصيبة!
مقصود القول باختصار، عليكم أن تعوا وتدركوا أن الدين لله والوطن للجميع. وبين هؤلاء "الجميع"، هناك من يختلف معكم في الرأي وفي المعتقد. إذن، لا خيار بمعايير الحاضر سوى التعايش والتسامح والتفاهم في دول يحكمها القانون، أو تفجير المجتمع بالفتن والاقتتال. فالإختلاف في الرأي أمر طبيعي، لكن شتان بين التعامل معه بالحوار وحسمه بالإكراه. أنتم أنفسكم مختلفون فيما بينكم بخصوص تمثيل الإسلام. فمنكم من يحتكره في الأخوان المسلمين، وآخرون يحصرونه في السلفيين، وغيرهم يجده في التكفيريين، ورابع وعاشر كلٌّ منهم يراه في جماعته.
ثانياً: حكاية "الفسطاطين" أو ما يُعرف بمجتمع المؤمنين، خطيرة جداً، في مجتمعات متعددة الأديان والمعتقدات والأعراق والرؤى والاتجاهات. إنها بصراحة وصفة لتسميم الأجواء المجتمعية وتهيئتها للإقتتال والإنتحار الذاتي عندما تتهيأ الظروف. ونرى فيها دعوة للإنقسام والتخندق في مجتمعات تضم أبناء وطن ليسوا مسلمين، يجب احترام معتقداتهم. وهم عرب أصلاء وجودهم في هذه الأرض سابق للدعوة الإسلامية. وبالمناسبة، فالدين- أي دين- في تعريفه، هو اعتقاد غيبي عاطفي حصري. لا أريد الدخول في تفاصيل كلمات التعريف كلها، وسأكتفي بوقفة على "حصري"، وتعني أن أتباع كل دين يعتقدون أنه الدين الحق، وهو ما يُفترض أن يُنظر اليه كأمر طبيعي ومُتَفَهَّم. لذا، فكما نريد من الآخرين احترام ديننا، علينا احترام أديانهم.
ثالثاً: ثمة خطأ يلامس تخوم الخطيئة يقع فيه كثيرون منكم، بتوهمهم ان إطلاق اللحية وتقصير الثوب يمنحان حق الحديث بإسم الإسلام وإطلاق الأحكام وحتى الفتاوى. لا بل هناك من يجترىء ويقول "هذا هو الإسلام"، والصحيح هذا هو فهمه للإسلام وليس الإسلام، وبالتالي، فإن فهمه للإسلام مُلزم له وحده. أعرف بعضاً من هؤلاء، ومنهم من لم يتجاوز في تعليمه مرحلة الثانوية العامة، وليس بمقدوره كتابة سطرين بلغة عربية سليمة. ومن بين هؤلاء من يبيح لنفسه التدخل في شؤون الناس باسم الدين، ويفرض نفسه عليهم بأساليب غبية منفرة.
وفي الإطار ذاته، اسمحوا لي بقول يخص دعوتكم "إلى تطبيق شرع الله" طريقاً للخلاص والنهوض واستعادة الأمجاد0 الله عز وجل لا يحكم مباشرة، ولم ينتدب من بني البشر من يحكم باسمه، والبشر مهما أوتوا من قدرات ذهنية ومعرفية، ليس بمقدورهم الإحاطة بالقصد الإلهي. إذن، الدعوة إلى تطبيق شرع الله، هي في جوهرها دعوة لحُكم بشر وتحكمهم بغيرهم من البشر، تحت يافطة تطبيق شرع الله. أما النتيجة كما يعلمنا التاريخ، فهي تكفير المختلفين في العقيدة والرأي، وهو ما يقود حتماً إلى الاقتتال وسفك الدم. هنا، لا بأس من إعادة التذكير بمبدأ الدين لله والوطن للجميع.
رابعاً: لتكن الخلافة حلماً تخفق له أفئدتكم. ولكن من حق أبناء الوطن المُستَهدَف بإحياء رميم الخلافة ذوي الرأي المختلف بهذا الخصوص، أن يطرحوا رأيهم. الخلافة اجتهاد بشر في سياقات تاريخية لن تعود، وقد أصدر التاريخ حكمه بشأنها وانقضى الأمر. الخلافة ليست من الدين بشيء. فلم تُذكر في آية أو حديث. والأهم، أن الإسلام لا يُلزم المسلمين بنظام سياسي محدد، ولا يقدم لأتباعه نظرية سياسية جاهزة. ولم تقم في تاريخنا السياسي دولة دينية. وما تعتقدون به في هذا الشأن، إن هو إلا مخيال متوهم يحرك العواطف ليس غير. النبي نفسه لم يُقِم دولة دينية، ودليلنا الأفقع على قولنا هذا، أن دستور دولة المدينة المعروف ب (وثيقة المدينة) لم يتضمن آية قرآنية واحدة أو حديثاً نبوياً.
الخلافة كانت سلطة سياسية بمعايير زمانها وشروطه ومعطياته، لعبت موازين القوى القائمة آنذاك دورها الحاسم بتكوينها وتشكيلها، وعلى وجه التحديد العصبية القبلية. وكان للصارم المسلول دوره الحاسم في مراحلها كافة، مثلما حصل في تاريخ الأمم كلها. لكن البون شاسع، بين من سيطر على ماضيه بالمراجعة العقلانية النقدية ومن يوجهه ساكنو القبور منذ قرون.
في جعبتنا الكثير. لكن نكتفي بما ارتأينا أن له الأولوية، تلافياً للإطالة. ولو طُلب إلينا تلخيص ما سبق بيانه في أقل من سطرين نهمس بهما في آذانكم، لما ترددنا بالقول: الناس يتقدمون بعقولهم وليس بأديانهم، والحياة في حركة دائمة ولا تنتظر من يختار التخلف عن تطوراتها ومستجداتها.
ما ورد في هذه الرسالة، رأي يحتمل أكثر من اجتهاد وقول. فإن أصبنا، وهو ما نتغيَّا وننشد، فبه ونعمت. وإن أخطأنا، فحسبنا أننا اجتهدنا في إطار الحق بإبداء الرأي، وقول ما نعتقد أنه الصواب بمعايير الحاضر، لتكريس الحوار منهجاً حضارياً لبناء الأوطان وتجاوز الخلافات ومواجهة التحديات. غاية المنى، أن تحقق هذه الرسالة القصد.
والسلام عليكم.
*هناك مسلم وهناك إسلاموي، والجمع اسلامويون في الرفع وإسلامويين في النصب. الإسلاموي، هو من يحول الدين من شأن معتقدي تعبدي خاص، إلى أيديولوجيا سياسية لممارسة السياسة باسمه، أو سلطة قهرية للتدخل في شؤون الناس بدعوى تطبيق شرع الله.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كان العرب قبل الإسلام في جاهلية ؟!
- العودة المستحيلة !
- توراتهم تؤكد سفالتهم تاريخياً
- لماذا هذا الارتباك والتلعثم والخوف؟!
- 7 أكتوبر...لماذا القلق الصهيوني؟!
- كذبة تاريخية !
- عبودية العقل !
- إضاءات على أساطيرهم(7)
- إضاءات على أساطيرهم(6)
- إضاءات على أساطيرهم(5)
- إضاءات على أساطيرهم (4)
- حرب تكسير الأساطير !
- إضاءات على أساطيرهم (3)
- إضاءات على أساطيرهم (2)
- إضاءات على أساطيرهم (1)
- لماذا ألصقت التوراة الخطيئة بالمرأة؟!
- السحر !
- الوصايا العشر...أية أصابع كتبتها؟!
- سؤال بحجم الوطن العربي
- فيها إنَّ !


المزيد.....




- “وفري الفرحة والتسلية لأطفالك مع طيور الجنة” تردد قناة طيور ...
- “أهلا أهلا بالعيد” كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024 .. أهم ال ...
- المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم ت ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف ميناء عسقلان المحتل
- المقاومة الإسلامية بالعراق تقصف قاعدة -نيفاتيم- الصهيونية+في ...
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- لولو صارت شرطيه ياولاد .. تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد ع ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق-: استهدفنا ميناء عسقلان النفطي ...
- بن غفير يعلن تأسيس أول سرية من اليهود الحريديم في شرطة حرس ا ...
- “ابسطي طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سات وعرب س ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالله عطوي الطوالبة - رسالة إلى أبناء جلدتنا الإسلامويين*