أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - آخر أبطال الأوديسة














المزيد.....

آخر أبطال الأوديسة


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7890 - 2024 / 2 / 17 - 16:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٦٣ - بطل الأوديسة الجديد

وبعد أن وصل بارمينيدس في عربته إلى نهاية رحلته وتمكن من إجتياز البوابة، تستقبله الإلهة بترحاب ومودة وتأخذ بيده اليمنى وتقول له : "مرحبا أيها الشاب القادم إليّ في داري تقلك عربة تقودها سائقات خالدات. إنها ليست صدفة سيئة، بل "القانون" و"العدالة" هي التي أرسلتك في هذه الرحلة البعيدة حقا عن طرق البشر المألوفة. لذا عليك أن تتعلم كل الأشياء، قلب الحقيقة الدائري بأناقة والذي لا يتزعزع، ولكن أيضا آراء البشر الفانون المفتقدة للحقيقة واليقين. لاحرج من أن تتعلم الآراء الوهمية أيضا، كيفية المرور الفعلي خلال كل الأشياء، الإنسان يجب أن يحكم على الأشياء التي يبدو أنها تكون. ولكن أبعد فكرك عن طريق البحث هذا، ولا تترك العادة بخبرتها الكبيرة تستهويك وتجبرك على إلقاء عين شاردة أو أذن صماء أو لسان صاخب على هذا الطريق؛ لكن احكم بالحجة وتبصّر وأحكم بتعقل على الدليل القابل للجدل الذي نطقت به. لم يعد هناك سوى طريق واحد يستحق الكلام عنه."
ثم يتلاشى صوت بارمينيدس نهائيا، وتبدأ الإلهة في إرشاده وتعليمه مباديء وطرق البحث عن الحقيقة. ليس هناك سوى طريقين لا ثالث لهما، طريق الكينونة وما هو كائن، وطريق اللاكينونة أو ما لايكون. الطريق الأول هو طريق المعرفة الحقيقية والآمنة، أما طريق اللاكينونة فهي طريق خطرة ومسدودة ولا توصل إلا إلى الأوهام والسراب.
هذه الطريق المسدودة والتي لا تؤدي إلى أي مكان، يمكن تسميتها بطريق "العدمية" أو بطريق ما لايكون، وهو طريق ليس وهميا أو متخيلا، لأن الإلهة حذرته من أخذ هذا الطريق الشديد الخطورة. وتبدو هذه الرحلة شبيهة برحلة أوليس للعودة إلى إيثاكا بعد نهاية حرب طروادة، ومروره قرب جزير ة الحوريات - السيرينات Sirènes، حيث يطلب من بحارته أن يقيّدوه بحبال متينة لصارية الباخرة، بينما بحارته أغلقوا آذانهم بالشمع حتى لا يسمعوا غناء الحوريات الساحر. ذلك أن أوليس يريد أن يسمع هذا الغناء ويتعرف عليه دون أن يؤثر فيه، حيث أن الساحرة سيرسي Circé حذرته من هذا الغناء الذي يجذب البحارة نحو الأعماق ولذلك قيد نفسه إلى الصارية، وهو نفس موقف بارمينيدس من الأفكار والثرات - الدوكسا، يمكنه أن يعاين ويتعرف على هذا الفكر على شرط ألا يتبعه، حيث الإلهة حذرته بألا يثق في الأفكار المتعارف عليها ويتجنب السير في هذا الطريق حتى لا يغرق. ومن المتفق عليه من قبل أغلب المتخصصين أن بارمينيدس كتب قصيدته على غرار قصائد هوميروس وبالذات الإلياذة والأوديسة وذلك حتى يضمن الإستماع إليه ليقول الحقائق التي أكتشفها ويريد أن تصل لعامة الناس. وقد كشفت الدراسات الحديثة، حسب الباحثة باربارا كاسان، بأن المئة والخمسين بيتا المتبقية من قصيدة بارمينيدس، هناك فقط خمسة كلمات جديدة لا تنتمي لقاموس هوميروس، كما أن الإشارات والتلميحات لشخصيات أسطورية هومرية عديدة ولا يمكن إغفالها من قبل قراءة متأنية. ويبدو أن بارمينيدس واصل التقاليد اليونانية فيما يسمى بالـ "الطرس -palimpsest"، هو محو أو غسل الكتابة من الصفحة في الكتاب أو المخطوطة، ليكتب عليها نصا جديدا. والتطريس مصدر، "طرس" مشتق من "طرمس" بحذف الراء أي محى، وطرمس مشتق من من "طمس" بزيادة الراء، طمس الخط أي عمّاه حتى لا يُقرأ. فبارمينيدس أراد إعادة كتابة ملحمة هوميروس وخلق بطل جديد يحل مكان هيكتور، آشيل وأوديسيوس وهو الكائن to eon. إنها إذا ملحمة جديدة تتابع رحلة الفيلسوف إلى بلدان أو جزر المعرفة، مسافرا من ظلمة الليل التي عاش فيها طوال شبابه إلى ضياء النهار تقوده بنات الشمس، وعليه أن يقطع المسافات ويواجه المخاطر الفكرية المتعددة، حيث عليه منذ البداية أن ينسلخ ويترك جلده القديم ويولد من جديد.
والكينونة مفهوم فلسفي ظهر لأول مرة مع بارمينيدس، لكنه موجود أيضا عند أفلاطون وأرسطو وبقية الفلاسفة - باليونانية القديمة: τὸ ὂν, τὰ ὂντα - وهو يشير إلى ما هو أو مايكون. وهذا المفهوم يجعل من الممكن التمييز بين التجربة الفينومينولوجية التي يعيشها كل إنسان في اتصال مع العالم الذي ينغمس فيه، من المفهوم الميتافيزيقي للفيلسوف أو المفكر الذي يتساءل عن جوهر هذا الحضور في العالم. يسلط هذا التمييز الضوء على الفرق بين مفهوم الكائن l étant كما يظهر نفسه ومفهوم الكينونة l être باعتبارها حقيقة الكائن، وهو ما يؤسسه ويسمح بحضوره. بالنسبة لمارتن هايدجر، فإن الكينونة بقدر ما هي مطلوبة، تتطلب أونطولوجيا أصليّة تتميز بشكل أساسي عن أي نمط من أشكال اكتشاف الكائنات. إنه يخالف التعريف التقليدي لجوهر الإنسان، وكذلك كل الإشكاليات التي تتعلق بالطبيعة البشرية. الكائن l étant إذن هو كل ما نتحدث عنه، كل ما نفكر فيه، كل ما نتصرف تجاهه، ولكن أيضًا ما نحن عليه والطريقة التي نكون بها ما نحن.
هذا الكائن في قصيدة بارمينيدس مغلل بدوره من كل الجوانب مثل أوديسيوس المقيد اليدين والقدمين والمشدود بحبال متينة للصارية، هذا الكائن تحكمة العدالة ديكي diké من ناحية، والقدر مويرا moira من ناحية أخرى ثم الضرورة أناكي anagké والحدود بيراتا peirata، وبالتالي فهو ثابت في مكانه، تنقصه الحركة وإمكانية التغير.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طاعون الهزيمة
- مربعات الكآبة
- رحلة بارمينيدس
- الجرح الأنطولوجي
- فلسفة التكوين
- إشكالية نص بارمينيدس
- بقية الإحتمالات
- خطايا الآلهة
- في الطبيعة، النص المتبقي
- الطريق إلى إيثاكا
- قصيدة بارمينيدس - بقية
- قصيدة بارمينيدس
- المجتمع الفاضل
- الثابت والمتحول عند بارمينيدس
- خليبنيكوف واللغة المستحيلة
- هاسبارا أو فلسفة إسرائيل الإعلامية -٣
- المشروع الوجودي
- جثت الكلمات المبقورة
- العنصرية والخوف من الغرباء
- هاسبارا - فلسفة إسرائيل الإعلامية -٢


المزيد.....




- نادين نجيم -عزباء-؟ وعمدة روما يسخر من تصريحات ماكرون بسبب م ...
- هل لا يزال القرار الأممي 1701 صالحاً؟
- تشييع في العراق لقيادي إيراني قُتل مع نصرالله في بيروت
- لماذا رفض لاعبو نيجيريا خوض مباراة تصفيات كأس الأمم الأفريقي ...
- ألمانيا وثلاث دول أوروبية: الهجمات على اليونيفيل يجب أن تتوق ...
- وزارة الصحة اللبنانية: ارتفاع عدد ضحايا الغارة الاسرائيلية ق ...
- بوريل يقر بانعدام فرص إجبار روسيا على إبرام هدنة بالوسائل ال ...
- خلال اجتماع سري.. القيادات الإسرائيلية تناقش أهداف الهجوم ال ...
- موسكو: على كوريا الجنوبية الكف عن تأجيج الوضع في شبه الجزيرة ...
- مسؤول: كندا طردت 6 ستة دبلوماسيين هنود لصلتهم بنشاط اجرامي


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - آخر أبطال الأوديسة