أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الجرح الأنطولوجي














المزيد.....

الجرح الأنطولوجي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7879 - 2024 / 2 / 6 - 13:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٦١ - فلسفة التكوين - ٢
منذ اللحظات التأسيسية الأولى للفكر الفلسفي، ظهر الشرخ أو الجرح الأنطولوجي الذي ما تزال آثاره قائمة في الفلسفة المعاصرة، والمتمثل في فكرة العدم وإشكالية علاقته بالكينونة. هايدغر في مقدمتة للميتافيزيقا يرى بأن بارمنيدس يعالج في نصه العلاقة بين اختلافين لا يتداخلان، الفرق بين الكينونة والعدم، والفرق بين الكينونة والظاهرة. ويرى إن تحديد هذين المسارين المختلفين هو الذي يشكل ما يسمى بالفلسفة، وهو الذي يفتح مجال التحقيق والبحث وتقصي الحقيقة، بل أنه الشرط الأساسي للتفكير الفلسفي. وأفلاطون قدم الفلاسفة ما قبل سقراط كفيزيائيين أو كونيين، في منتصف الطريق بين علم الكونيات الأسطوري والنظام العقلاني. وبارمينيدس هو أول من حاول أن يبني نظامًا جديدًا قائما على اللوغوس، والذي سيكون أساس الفلسفة، والبحث الأنطولوجي، ورسم حدود ما يكون وما لا يكون. فالكينونة والعدم مفهومان متلازمان، أحيانا يتطابقان وأحيانا يقصي أحدهما الآخر، أحيانا يتجاوران وأحيانا يختلفان ويتناقضان وأحيانا يندمجان ويصبحان شيئا واحدا، الواحد يدل على الآخر ويشير إليه. ولهذا السبب قُرأت قصيدة بارمينيدس قراءات متعددة وفسرت بطرق مغايرة ومتناقضة، وذلك حسب موقع المترجم الفكري من قضية العدم والكينونة. وكثافة هذا النص، وفقدان أغلب مكوناته، وصيغته الشعرية الميثولوجية، وإستعمال بارمينيدس المفرط في الإستعارة والصور الخيالية الإستحضارية، وبالذات في الجزء الأول من القصيدة هو من أحد الأسباب التي التي جعلت العديد من المفسرين والمترجمين يذهبون في طرق متشعبة ومتناقضة لفهم النص وتقديمه لنا بصورة مقبولة. بالإضافة إلى أن الإشكاليات والقضايا الفلسفية المطروحة هي في حد ذاتها قضايا شائكة وشديدة الغموض مثل العلاقة بين الفكر والكينونة، الأسس الأنطولوجية للكائن، إشكالية الصيرورة وتطور الكائنات في مواجهة سكون الكينونة وثباتها. وهناك صعوبة أخرى بالإضافة إلى كل هذه العوائق وهي اللغة اليونانية ذاتها والمستعملة من قِبل بارمينيدس ذلك الوقت. والمثال الذي قدمته باربارا كاسّان في دراستها وترجمتها للقصيدة يدل بوضوح على أن مشكلة اللغة ليست مشكلة حديثة، وإنما ترجع إلى مصادر النص ذاته. فسكستوس أمبيروكوس، الذي حفظ جزءا كبيرا من القصيدة، قد حرّف النص في بداية الشذرة الثامنة ووضع بدلا من كلمة موثوس μυθος - muthos والتي تعني "الكلمة أو السرد أو حكاية الطريق"، ووضع مكانها كلمة " ثوموس θυμος - thumos " الواردة في بداية مقدمة القصيدة والتي تعني "القلب"، وهو الجزء الذي يقع بين الحواس والعقل في الترتيب الإفلاطوني للروح. وبهذا التعديل الطفيف وإستبدال حرف الميم μ بحرف الثاء θ، أصبح بارمينيدس بطريقة ما إفلاطونيا في طريق الإرتيابية، حسب قول الباحثة الفرنسية. وبالإضافة إلى كل هذه الصعوبات لتقديم هذا النص، هناك صعوبة أخرى تتعلق باللغة العربية ذاتها وترجمة النصوص الفلسفية الكلاسيكية والحديثة من اليونانية واللاتينية والفرنسية والألمانية أو الإنجليزية إلى اللغة العربية والتي تختلف إختلافا جوهريا في تركيبها، وبالذات فيما يخص فعل الكينونة، وهو قلب الأنطولوجيا. وغياب فعل الكينونة من اللغة العربية، جعل العديد من المترجمين والمفكرين الناطقين بالعربية، يستعملون مفاهيم "الكينونة" و "الوجود" وكأنها مفاهيم مترادفة وتغطي نفس المجال الفلسفي. الفيلسوف الوجودي عبدالرحمن بدوي ترجم كتاب سارتر "الكينونة والعدم - L être et le néant" بـ "الوجود والعدم"، ولا شك أن له مبررات وأسباب لغوية وفلسفية لهذا الإختيار، هو الذي ترجم وحقق مئات المخطوطات من مختلف اللغات الأوروبية بما في ذلك اليونانية القديمة. وسنعود لاحقا لمعاجة هذه الإشكالية بخصوص فعل الكينونة والعلاقة بين اللغة العربية واليونانية.
ذلك ان بارمنيدس لم يهتم سوى بفكرة بسيطة في ظاهرها وهي أن الكينونة الخالصة هي "المطلق" وهي الحقيقة الوحيدة، وفي الأجزاء التي تبقيت من نصه الغائب، رغم تجريدها المطلق، فإنه يؤكد : الكائن فقط يكون، أما العدم فلا يكون على الإطلاق. وبالتالي، فإن بارمنيدس هو الذي ابتكر اللوغوس logos في فلسفة الغرب وأعلن وجهة الفلسفة بأكملها، بإعتبار أن الفلسفة ستكون علما للكينونة، أو أنطولوجيا onto-logie. وهو المصير الذي سيربط الكلمة بالكينونة، وبالتالي يربط الفلسفة عموما باللغة ويجعل فيلسوف مثل هايدغر يحصر الفلسفة في اللغة اليونانية والألمانية، ويجعل الفلسفة إنتاجا خاصا بحضارة الغرب المبنية على الثقافة الإغريقية ويرفض إمكانية ظهورها في مكان آخر.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة التكوين
- إشكالية نص بارمينيدس
- بقية الإحتمالات
- خطايا الآلهة
- في الطبيعة، النص المتبقي
- الطريق إلى إيثاكا
- قصيدة بارمينيدس - بقية
- قصيدة بارمينيدس
- المجتمع الفاضل
- الثابت والمتحول عند بارمينيدس
- خليبنيكوف واللغة المستحيلة
- هاسبارا أو فلسفة إسرائيل الإعلامية -٣
- المشروع الوجودي
- جثت الكلمات المبقورة
- العنصرية والخوف من الغرباء
- هاسبارا - فلسفة إسرائيل الإعلامية -٢
- هاسبارا - فلسفة إسرائيل الإعلامية
- الذاكرة
- الرسالة الأخيرة
- جذور المقاومة والإرهاب


المزيد.....




- زرافة -لا تستطيع المضغ- تقوم بردة فعل لا تُصدق بعد تقويم طبي ...
- كتاب --من إسطنبول إلى حيفا--: كيف غيّر خمسة إخوة وجه التاريخ ...
- بمشاركة دولية.. انطلاق مهرجان ياسمين الحمامات في تونس
- مصرع 8 أشخاص وإصابة 2 جراء انفجار في مطعم وسط بيروت
- لبنان بين أزمتي نزوح.. داخلية وسورية
- تجمع احتجاجي أمام مقر أولمبياد باريس 2024 للمطالبة بحظر مشار ...
- المبادرة المصرية تحصل على حكم بتعويض مليون جنيه من -تيتان لل ...
- بماذا اعترفت أسترازينيكا بشأن لقاحها المضاد لكورونا؟
- -أنتِ مجرمة حرب-.. مؤيدة لفلسطين تصرخ غاضبة في وجه رئيسة الم ...
- البيت الأبيض يكشف: المقترح الأخير لصفقة التبادل مع حماس يتضم ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الجرح الأنطولوجي