أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فكري آل هير - سطر السبئية















المزيد.....

سطر السبئية


فكري آل هير
كاتب وباحث من اليمن

(Fekri Al Heer)


الحوار المتمدن-العدد: 7877 - 2024 / 2 / 4 - 04:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يقال أن كلمة واحدة يمكن أن تكشف أسرار التاريخ كله، وهذا ما حصل معي الى حد ما مؤخراً، حينما انتبهت للمرة الأولى للمادة المعجمية (سطر)، وما أدراكم ما (سطر)؟!
**
مادة (س ط ر) من المفردات السبئية القديمة والأصيلة، والتي استعصت على الاندثار وحافظت على وجودها بكل أنفة وكبرياء، واحتلت مكانة مميزة ومهمة في معاجم العربية الحديثة مقترنة بمعان تداولية (استعمالية)، تتفاوت قرباً وبعداً عن المعنى الأصلي الذي وضعت لأجله؛ فما هي المعاني التداولية التي ارتبطت بكلمة (سطر) السبئية؟ وما هي انتقالاتها التاريخية والجغرافية؟ والأهم من ذلك، ما هو معناها الأصلي في اللغة السبئية القديمة؟!
..
هذا هو الموضوع..
[1]
في المعجم السبئي ترد كلمة (سطر، وهسطر) بمعنى (كتب)، و(أسطر أو أسطرن) بمعنى (وثيقة مكتوبة)، ومازالت الهاء البادئة للفعل المضارع مستخدمة لليوم في بعض اللهجات اليمنية والعربية: (هعمل، هدرس، هقرأ..)، و(أسطور) على وزن (افعول)، وهي احدى الصيغ الصرفية السبئية الموازية للصيغة والوزن العربيين (مفعول= مكتوب).
بهذا المعنى انتقلت (سطر) الى بعض اللغات الأخرى في العالم القديم، كاللغة الأكدية واللغة النبطية والعربية المتأخرة، وفي القرآن الكريم وردت ثلاث مشتقات للمادة (سطر): (يسطرون، مسطور، أساطير)، وجميعها تحيل الى معنى الكتابة والتدوين.
..
لكن، ما سيكون صاعقاً هو التالي:
..
ما لا يقوله معظم الباحثين، وما لا يعرفه الكثير من المهتمين، هو أن اللغات والكتابات والنقوش الشرقية الأقدم: المسمارية في بلاد الرافدين والهيروغليفية في مصر، لم يكن فيها كلمة واحدة تحمل معنى الكتابة، ففي الكتابات السومرية أطلقت على الكاتب عدة ألقاب أقدمها اللقب (اومبيساك) (UMBESAG) أو (اوبسك) (UBISAG)، وهو لقب إداري أو ديني لا يوجد اطلاقاً ما يدل على أن له صلة بفعل الكتابة، أو أنه يعني الكتابة حقاً، وهذا ما يؤكده تعدد واختلاف الألقاب التي أطلقت على من يقومون بالكتابة، بقدر ما توجد اشارات تدل على أن المقصود بتلك الألقاب في كثير من الأحيان أولئك الذين كانوا يقومون بوظيفة المحاسبة.
..
في مرحلة لاحقة، ظهر لقب (دب سار) (DUB . SAR)، والذي يؤوله بعض الباحثين بمعنى (الكاتب على الألواح)، وهذا التأويل لا يستند الى أساس لغوي سليم، إلا ظنون من ذهبوا إليه باعترافهم هم بأنفسهم، ناهيك وأن الكلمة نفسها ليست إلا لقب وظيفي، ليس مشتقاً من أصل لغوي دال على الكتابة بحد ذاتها، ومن هذا اللقب تطور اللقب الأكدي (طبشر) (tupsarru) والذي يؤول بمعنى الكاتب، وهو تأويل آخر لن يكون صحيحاً إلا من الناحية المجازية، لأن معجم اللغة الأكدية استورد كلمة (سطر) السبئية والتي تعني الكتابة، الأمر الذي يدل على أن حضارات بلاد الرافدين في عصورها الكتابية الأقدم لم تكن تملك لفظاً لغوياً يدل على الكتابة.
يبدو أننا بحاجة الى إعادة النظر في تاريخ ومعجم اللغة الأكدية وعلاقتها بالسبئية، وأتكلم هنا عن (اللغة) ذاتها واللحظة التي تحولت فيها الى مادة (مسطرة/ مكتوبة)، على أساس أن بداية التاريخ = لحظة اختراع الكتابة.
..
في مصر القديمة كان يطلق على من يقوم بوظيفة الكتابة: (سش) (Sš)، وهذه الكلمة في الحقيقة لا تعني الكتابة اطلاقاً، بل تعني (الرسام)، وهذا طبيعي لأن الكتابة المصرية في أصلها تصويرية وليست كتابية، وهذا ما يفسر حرص علماء الآثار على تسمية الرسوم المصرية القديمة بـ (المناظر)، وامتناعهم في الوقت نفسه عن وصفها بـ (الكتابات).
..
هذا بحد ذاته يضع الكثير من الشكوك وعلامات الاستفهام حول مدى مصداقية النظريات القائمة حول أصل ومنشأ الكتابة، بمعنى أن الحضارات التي عرفت الكتابة ولم تضع لها لفظاً لغوياً يدل عليها، ربما ليست هي التي اخترعت الكتابة، وكما نعلم، فإن (فاقد الشيء لا يعطيه)..!!
[2]
الأمر المفاجئ في هذا الموضوع، هو أن الكتابة ليست هي المعنى الأصلي لكلمة (سطر) السبئية، بل هو معنى تداولي- استعمالي، وإذن، ما هو المعنى الأصلي؟!
في لهجاتنا اليمنية لازلنا حتى اليوم- خاصة في المناطق الوسطى بناءً على ثقتي بالأمر- نقول مثل هذه العبارات:
..
فكري سطر الماء، أنا أسطر الماء، فلانة تسطر الماء، انتظر حتى يتسطر الماء
والمعنى واضح لمن يستخدم هذه العبارات، وهو: تنقية الماء وتصفيته؛ فالمعنى الأصلي لـ (سطر): أي التنقية والتصفية.. نقى وصفى..
لكن، ما علاقة هذا المعنى بالتسطير والسطور المستقيمة والمتوازية..؟!
بما أن مجتمعنا اليمني القديم، هو في الأصل مجتمع زراعي، فالمعنى الأصلي لابد وأن يكون في مجال الزراعة، ولكن ليس كمهنة أو عمل، بل الزراعة كثقافة تنعكس على كل جوانب حياة الفرد، لغة وفكراً ووعياً وسلوكاً وفعلاًـ، وبالتالي، فالفعل (سطر) متعلق بشيء ما كان يقوم به المزارع القديم في حقله، وطالما الأمر متعلق بالماء، فالفعل متعلق بالري والسقي..!!- وهو توزيع الماء على الزرع في خطوط مستقيمة (اتلام)، أو توزيع الماء من السد عبر قنوات مائية مستقيمة ومتوازية.
..
ماذا عن النقاء والصفاء؟
أن تكون سطور الماء بينة ومكشوفة، ونقية بحيث يمكن الشرب منها؛ ولذلك، نسمي الماء المحبوس في (السبَّة) حين يصفو من الكدر بأنه (مسطر)، أي منقى من الشوائب التي ترسبت الى القاع، حتى صار الماء فيها صافياً ونقياً، ويمكن أن يستخدم للشرب.
..
ونقول عن الجرة حين يظهر أثر رطوبة الماء فيها على جدارها الخارجي: بأن الماء قد تسطر فيها، أي تنقى من الشوائب، لأن التراب يجذب التراب إليه، وكذلك جدار الجرة يفعل.. وهذا أمر معروف علمياً، ويسمى بالتنقية الطبيعية، أو الترسيب الطبيعي (الفلتر الطبيعي).
..
[3]
والآن، لنرى الصورة مكتملة..
..
(1). سطور منتظمة ومتوازية يجري فيها الماء ويتنقى ويصفو: (قنوات الري- المعنى الأصلي لـ سطر)، الذي احتفظت به اللهجات اليمنية منذ آلاف السنين.
..
(2). سطور منتظمة ومتوازية يجري فيها الكلام المكتوب بغرض الإبانة والإيضاح: (الكتابة- المعنى التداولي لـ سطر)، والذي صار أصلياً بحكم الاستعمال والقدم..
..
بناءً على ذلك، فإن كل ما اجتمعت به الصفتين (الانتظام في خطوط مستقيمة ومتوازية) يسمى سطور.. ولكونها سطور، فهي بينة واضحة، وتكشف عن أي عوج فيها أو انحراف، وفي القرآن الكريم: (كتاب مبين: الإبانة صفة للكتاب والمكتوب)، والتسطير في كل الأحوال ينبغي أن يكون على قدر كبير من الدقة والإحكام، (القرآن هو الكتاب المسطور: قرءانا عربيا غير ذي عوج).
نلاحظ استعمال القرآن للصيغة السبئية (ذي)، وهو بذلك إنما يرد الصورة الدلالية للعبارة كلها الى نسقها الثقافي والحضاري الأصلي الذي تنتمي إليه، ولو لم يفعل ذلك لما كان مبيناً وغير ذي عوج.



#فكري_آل_هير (هاشتاغ)       Fekri_Al_Heer#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بشر لا آلهة: تجسيد الآلهة في اليمن القديم
- بين الميتافيرس والأنترافيزيقا: استعراضي الجديد
- صناع المحتوى
- أثر الذبابة
- مدرسة وأستاذها الزمن..!!
- هناك دائماً كارما..
- #السياسة_فن_البتس
- ميلاد آخر
- فينومينولوجيا الحب والتشيؤ
- القلنسوة والطربوش: جيوجينابولتيك العلاقات التركية-الإسرائيلي ...
- للسيد تشومسكي: كانت كومة من القش لا أكثر..!!
- العدوى الانتهازية: القراءات المتأخرة لجغرافية أوهام الربيعي
- اللقاء الجوارسي: الحاخام الأكبر والداجن الأكبر
- بصماتهم على كل جدار..
- ما بعد الفرصة الثانية
- الأصول السبئية لأسطورة مارد المصباح
- أول أكسير المشاعر: ثلاثية الحب والحلم والحياة
- حجِاجٌ في الصميم، وإنه ليس بغريب..!!
- نوستالجيا- سؤال الاستبداد: لماذا؟!
- جرامالوجيا كثيفة: الخروج من نفق الثقفنة


المزيد.....




- نتنياهو يرد على بايدن بشأن تعليق إرسال الأسلحة إلى إسرائيل: ...
- انتعاش النازية في أوكرانيا وانتشار جذورها في دول غربية
- شركات عالمية تتوجه نحو منع -النقاشات السياسية- في العمل
- بالفيديو.. طالبة توبخ رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية نعمت شف ...
- بعد إجراءات تأديبية مثيرة للجدل بحق طلاب مؤيدين لفلسطين.. رئ ...
- بيستوريوس: روسيا ستظل أخطر تهديد للأمن الأوروبي
- البنتاغون يعلق على إعلان روسيا إطلاق مناورات باستخدام الأسلح ...
- فوائد وأضرار نبات الخزامى
- الألعاب النارية احتفالا بعيد النصر
- ميقاتي يبحث مع هنية آخر التطورات والمستجدات السياسية والميدا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فكري آل هير - سطر السبئية