أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - سوق السلام















المزيد.....



سوق السلام


الحسين سليم حسن
كاتب وشاعر وروائي


الحوار المتمدن-العدد: 7850 - 2024 / 1 / 8 - 19:41
المحور: الادب والفن
    


إن كان ولا بد لك أن تولد في مكان ما ،فإنه لمن سوء حظك _ويفضل أن تكتم هذه الجملة في صدرك _في البلاد التي تدور فيها أحداث قصتنا .
أو ربما يمكننا صياغة الجملة على نحو يضمن لنا بلاغة وأماناً أفضل ،بأن نقول مثلاً أنه لا بد لك أن تولد في البلاد العظيمة التي تدور فيها أحداث قصتنا حتى يتسنى لك بأن تحظى بتلك اللحظة الاستثنائية من النشوة التي تصيب المرء عند وصوله ذروة الأشياء ،المجد والقوة والكمال المطلق ،والتي ليس بأيديك أن تقرر امتلاكها ،طالما كان هذا الوصول فرضاً إجبارياً عليك بحكم انتمائك لتلك البلاد ،سواء وكنت طبيباً أو فناناً أو داعراً أو حتى قاتلاً أو لصاً !
فهذه البلاد و يوم ساد السلم فيها بعد حرب دامت سنيناً طوال ،أطاحت بنصف البلاد والعباد ،اجتمع ساداتها السياسيون مع ما يسمى (رجال الردع ) والعلماء ورجال الدين و رجال العصابات وقرروا أن الضامن الوحيد لعدم حدوث حرب أخرى هو أن نصبح كلنا عظماء ،أقوياء ،عباقرة ،راقيين ،ساحري الجمال ،براقين ،لاهثين خلف المزيد من القوة والنجاح والعظمة التي تضمن وجودنا في الصراع العالمي مع أعدائنا الكثر ،لذا كان على كل فرد أن يجرب في مجال ما وإن فشل فيه يختار له مجالاً آخر ومن يفشل في المجالات المقترحة له يقصى من البلاد ويوسم بعبارة (اللاجدوى منه )وعندها يحكم عليه بالإتلاف الفوري كما تتلف القمامة ،ويتم ذلك بشكل سري على أيدي رجالات العصابات الذين يعتبر هذا دورهم الأساسي ،وعندها لا أحد يعلم ماالذي يمكن أن يفعلوه أولئك الرجال ،فقد يحولونك إلى سماد ربما بعد بيع جميع أعضاءك !
وبما أن الفنون بأشكالها كالرقص والرسم والغناء والآداب أمور تعتبر غير ذات أهمية ولا تسهم في زيادة قوة البلاد ،فإنه لا بد أن تتم ملاحقة كل من يعمل فيها لإتلافه بأقصى سرعة ،كما يتم ملاحقة المعاقين والقبيحين و المثليين والمخنثين ويتم تصفية المرضى الذين لا أمل من نجاتهم بما يعرف بالقتل الرحيم .
أما المجرم فتتم معاقبته بتسليمه لرجال العصابات وهناك يتكفلون بأمره حيث إن لم يستطع أن يثبت نفسه في فن ما من فنون القتل والتعذيب ،يتلف فوراً !
وبما أنه لابد دوماً من استثناء ،تظهر حكايات الأبطال أو ربما البطلات فماذا حدث مع أبطال وبطلات قصتنا ؟






استيقظت من غيبوبة دامت عشر سنوات ،لأجد نفسي في بلاد أخرى لا أعرفها .
قالوا لي عليك أن تضحكي لأنك محظوظة ،فقانون القتل الرحيم لم يشملك وإلا فكنت في عداد المتلفين !
لم أفهم ما يقصدون ، ورحت أختبر قوة ذاكرتي فلم يخطر في بالي سوى مشهد منزلنا وهو يتهدم فوقي بعد سقوط صاروخ ،وحدث هذا على الأرجح لأن بلادنا كانت في خضم حرب أهلية .
قالت لي إحدى الممرضات أنه لم يتبق لي أحد في هذه الدنيا من أقربائي ،و سألتني بكامل جديتها عن طبيعة عملي وتحصيلي الدراسي ولما أخبرتها بأنني كنت ممرضة قبل الحادثة سرت بذلك و عللت سرورها بأنني نجوت من وضعي في مهنة من المهن الدنيا في البلاد كالدعارة أو لاسمح الله العمل مع رجال العصابات .
لم أر تلك الممرضة بعدها ،اختفت قبل أن تفهمني ما تقصده ،ثم فهمت ذلك لاحقاً من طبيب في المستشفى وعلمت منه أن تلك الممرضة أتلفت بعد أن صدمتها سيارة و نقلت في حالة ميؤوس منها إلى المستشفى ،وأخضعت فوراً لقانون القتل الرحيم .
قررت إدارة المشفى ان أحل مكانها لما أخبرتهم أنني ممرضة بشرط أن أخضع لدورة تدريبية ،ولن تصدقوا عم كانت الدروس التي لقنوني إياها ،كانت دروسأ عن إتقان إعطاء حقن السم لمن يشملهم قرار القتل الرحيم، قتلوا أمامي جنوداً مصابين وعجائزاً ممن لم يكن من أمل في نجاتهم !
بعد أن انتهيت من تلك الدورة وفي أول يوم عمل لي ، أدخلوني غرفة فيها عشرات المرضى وقالوا لي :هيا قومي بعملك ،اقتلي !
لم أتمالك نفسي وأغمي علي ،ولما استيقظت كان رجال ردع المستشفى فوق رأسي ،جروني جراً إلى باب المستشفى وهناك استلمني رجال الردع وزجوني في سيارتهم ذات النوافذ المعتمة ،وراحوا يصرخون في وجهي وهم يقهقهون : ( من لايجيد القيام بمهامه نختار له مهمة أخرى ،و عليك أن تشكرينا أننا لن نسلمك لرجال العصابات ،ستكون وجهتك المقبلة هي بيوت الدعارة ! هاهي جاذبيتك ومقوماتك الجسدية تنقذك !).
لما وصلنا بيت الدعارة ،عرضت فوراً عارية على امرأة ستينية ضخمة الجسد مترهلة رغم أنها محشوة بالبوتوكس ،ثم دخل علي رجل علمت لاحقاً أنه يدعم الدولة بالمال ،وطلب مني أن أدللـه ولما فقد الأمل في أن أتجاوب معه ،أدار ظهره وقال : (لن أخبر أحداً بأنك لم تجيدي القيام بعملك هذه المرة ! لا أتمنى تسليمك لرجال العصابات فقد أعجبتني ! ).
تمكنت بعدها من الفرار من بيت الدعارة ،لا تسألوني كيف ؟ غير مهم ،لا أحب أن أطيل الحديث عن الفترة التي كنت فيها عبدة .
أفضل أن أسرد ماحدث معي بعدها ،عندما قابلت الأبطال الآخرين الذين رفضوا العبودية مثلي ،أو سأتركهم يتحدثون بأنفسهم ،فأنا لا أجيد الأحاديث المطولة .
الإنسان ..ما الإنسان ؟ ماالذي تبقى من هذه الكلمة بعد كل ما جرى لنا ؟ لقد أودت الحرب الأهلية ببعض من الإنسان الذي فينا ،وقمنا نحن بالإطاحة بما تبقى منه بأيدينا .
ماذا يعني أن يكون وجودك الإنساني مشروطاً بأن تكون (إنسانا" كاملاً ) أو عظيماً !
وكيف تكون عظيماً ؟بأن تقتل ببراعة ؟؟ بأن تقبل أقدام الأقوياء والأغنياء ببراعة ؟؟ بأن تسب وتلعن وتسخر من الضعفاء والقبيحين والمثليين والمخنثين ،وحتى من الفنانين والأدباء والشعراء وتبلغ عنهم !
ما معناه رجل الدين إذا كانت مهمته فقط شحذ قوة السلطة والصداح بفضائلها ؟؟
أوأننا محكومون بعيش كل الأزمنة بما فيها زمان مابعد الحرب و نحن عميان ؟!نفلح كما تفلح الدواب ومن يتعب أو يضعف يتلف كما لو كان قمامة ؟!
لم تنتظر ابنتي (إيفا ) قرار إتلافها ،بل فضلت أن تنهي حياتها بنفسها ،شنقت نفسها بصديريتها وماتت عارية في أحد بيوت الدعارة بعد أن رفضوها لقباحتها ولأنها لا تملك مقومات جنسية ! وفقدت بذلك آخر أمل بأن تكون مجدية في نظر الدولة .
أثناء الحرب كانت تصنع السترات الصوفية للأطفال المتضررين من الانفجارات والقصف وكانت تحلم بأن تكون راهبة ،وبما أن هذا الحلم ممنوع ومستحيل في هذه البلاد ،فالراهبات لا يفدن الدولة القوية في شيء ! فقد قرروا سوقها إلى بيوت الدعارة لاختبارها ولم تنجح في الاختبار .
كنت وقتها في نظر الدولة زبالاً صالحاً يجيد عمله ،لكن بعد وفاة ابنتي لم تعد لدي القدرة وحتى الرغبة في التحمل وأصبحت الحياة كلها ثقيلة فهربت إلى البراري وهناك التقيت بفتاة ممرضة فارة من بيت للدعارة تدعى (عفاف ) ،وصارت تلك الفتاة أكثر من ابنة لي لما جمعنا فيما بعد ما لا تختصره الكلمات حين قصدنا مايسمى (حي المتمردين )...









ما هو الأسوأ ؟ لما كنا في خضم الحرب قالوا لنا أن الأسوأ يحدث الآن وأنه لابد لنا أن نمر في نفق الظلام كي نقابل النور في النهاية ،لكننا يبدو أننا كنا ننقل خطانا من أسوأ إلى أسوأ لا أكثر ،إلى أن غدونا في الحضيض نتخبط فيه كأسماك مصطادة للتو ،وذلك لأننا ببساطة نفعل الشر تحت اسم الخير والكمال .
عشت عمري وكأنني ولدت ونشأت في أعلى سلم عظيم ،بدأت أهبط إلى درجاته الأدنى في اللحظة التي اندلعت فيها الحرب الأهلية في البلاد ،والتي تهجرت بسببها من منزل طفولتي حيث كانت أكبر همومي ومشاغل تفكيري هي حسد الأقارب والمنافسين لي على تفوقي الدراسي أو خوفي من ألا أحظى بعلامات تؤهلني لدخول كلية الطب مثلاً ،ثم جلدتنا الحرب وأرتنا الهموم على أصولها.
وبعد الحرب ،و رغم أنني كنت صفقة ربحها مضمون في نظر الدولة ،طبيبة قوية الشخصية والبنية ،إلا أنني لم أتقبل تلك المهزلة ولم أتوان عن إعلان عصياني والرفض الواضح للخوض فيها .
قذفوني في بيوت الدعارة وقالوا لي : (تصطفلي ،إن لم تقدري قيمة نفسك ،فهنا نهايتك ).
ولما مات أحد التجار الكبار الذين يغذون الدولة بأموالهم في سريري ،وسقطت جثته الضخمة والنتنة فوقي ،اتهموني بأنني من قتلته ،نقلوني إلى مكان مقفر ورموني هناك إلى أن جاءت إحدى العصابات التي تنهض في الليل واصطحبتني للعمل معها وهناك تدربت على كافة فنون القتل والتعذيب ،ولما علموا أنني طبيبة ،ملأتهم نشوة غامرة وطلبوا مني الاستعداد للقيام بعمليات نزع أعضاء العصاة الذين يتمردون ويرفضون القيام بمهامهم .
استطعت الفرار بمساعدة أحدهم والذي وعدني بأن يوصلني إلى مكان آمن حيث يختبئ الكثيرون مثلي ،وهناك قمت بأعظم ماقمت به في حياتي.









أقر بأنني قاتلة ..لكن هذا لايعني أن يزجوني رغماً عني للعمل مع رجال العصابات ،وأن أتعلم بالقوة فنون فقئ العيون ،والتلذذ بصراخ العصاة ،مجبرة على أن أقوم بذلك مع ابتسامة أيضاً ،إلى أن يأتي مخلصي ،رجلي (رجل الردع )الذي يتعامل معهم ،وأعجبه ويصحبني معه إلى شاليه غير مأهول من شاليهاته الكثر ،حيث يخبئني هناك مخالفاً لقانون بلاده ،لكي أكون مسليا له في أوقات فراغه .
ثم لأقتله أنا بكل برودة رغم لطفه ورغبته العظيمة في التهامي ،كما قتلت زوجي في الماضي لنذالته وخيانته وسخريته المتكررة من مظهري المقرف وجهلي وطيبتي كما كان يسميها .
قتلت زوجي ولم أفر وقتها ،وكنت مستعدة للعقاب الذي ينتظرني ،لكنني بعد أن قتلت ذلك الرجل (رجل الردع ) هربت وكأنني أدركت أنني أستحق فرصة اخرى في العيش ،وذلك لأنني تغلبت على رجل عظيم في نظر الدولة ،وكأنني أكافئ نفسي على هزيمته ،لأفكر بطريقة الدولة ،وأنتشي بشعور عظمتي .
عملت بعدها مومساً لفترة قصيرة بشكل مخالف ،أي خارج بيوت الدعارة المخصصة لذلك ،و قد يبدو هذا مثيراً للسخرية .
وعندها احترفت القتل ،ورحت أقتل زبائني بعد أن أمص ثرواتهم وقوتهم وعظمتهم ،حتى صرت أعظم من أعظمهم في نظر الدولة ،وانتشيت بنفسي كما لو أنني طاووس نادر .
حتى استيقظت يوماً واكتشفت بأن أحقادي قد انتهت ،و أنني أشبعت غريزة الانتقام لدي من كل ما يحيط بي ،ووجدت نفسي وحيدة مع ثروة ملطخة بالدم لا نفع فيها .
لذا حملت تلك الثروة وارتحلت في هذه البلاد باحثة عن عائلة لي ،وكأنني طفلة ولدت من جديد ترغب في أن تطهرها عواطف العائلة مجدداً ،إلى أن عثرت على تلك العائلة التي لا أستحقها ،كانوا مثلي رافضين لهذه البلاد ولقانونها ،إلا أنهم لم يكونوا ملطخين مثلي بماض أحمر .









حبيبي ..نعم أنت حبيبي وأود ان أحدثك وأخاطبك أنت ولا أحد سواك ..كما لو أنني أشهر بحبنا وقصتنا أمام الملأ ..أمام الدولة التي تعتبرنا كلينا مجرد قمامة وجب إتلافها ..
أتذكر يا حبيبي معاناتنا ؟ في الحرب ومابعدها وقبلها ؟ الكل عانى في الحرب ومابعدها إلا أنت و أنا معاناتنا تخص الأزمنة كلها ،وكأننا إلها معاناة يا حبيبي ...
ولم ترأف بنا لا ظروف الحرب ولا السلم أو الرخاء ولا أزمنة الفساد ..
فنحن مستثنون دائماً من أية قاعدة في هذه البلاد مهما تغيرت الأزمنة أو تبدلت رؤوس أصحاب القرار ،ولكن مم يشكو الاستثناء ؟فالحياة كلها مبنية على الاستثناء وليس على القاعدة كما يظنون ،والدليل على ذلك أن التجارب الدينية التي تعتبر الأكثر عمومية والأكثر تأثيراً لم تكن سوى تجارباً استثنائية .
لذا فلنفرح ياحبيبي بأن قصتنا قد تصلح أن تكون بين القصص المقدسة ،وخصوصاَ ونحن ندافع عن وجودنا الذي يجزمون بضرورة إعدامه .
أتذكر ياحبيبي عدد المرات التي كان وجودنا فيها تحت رحمة أقوياء ومتبجحين وحتى وحوشاً أحياناً ،وكنا دوماً نتجاوز ذلك بالفرار أو المقاومة أو حتى بأعجوبة ،سواء كان جلادونا من عوائلنا الذين يلطمون وجوههم على هذه التخلفة المعطوبة ،أو من المدرسين والقساوسة والشيوخ الذين يسهبون لنا في دعواتهم التبشيرية والتي الغرض منها إنقاذنا مما نحن فيه ،أو من (رجال الردع ) المهووسين بتأديب من يلزمه التأديب ووضعه على الصراط المستقيم الذي يضمن كونه مواطناً صالحاً ونافعاً للدولة .
وكسر حبنا تلك القوى الطاغية وفتتها ،وهربنا وعشنا معاً في شقة على مقاسنا ،وحملنا على عاتقنا مسؤولية الحياة مبكراً ،إلى أن جاءت الحرب واستدعيت أنا إلى الخدمة الاحتياطية وحاربت سنيناً طوال ،ولم نفترق رغم ذلك .
والآن وبعد أن حل السلم وقرروا بعدم جدوانا ،أمسكنا بأيدي بعضنا وفررنا من حكم موتنا نحو الحياة التي انتظرتنا دوماً وقبلتنا كما نحن لنلتقي بعائلة من الرافضين الهاربين مثلنا ولنعرف بينهم ب(حازم ومنصور )العاشقين اللذين تستحق قصتهما أن تحيا وتعمر






الفرار جبن .. لكن في حالتنا نحن الفرار هو ذروة الشجاعة ..أو كما يقول المثل (الهريبة تلتين المرجلة ) ..ورغم أنني كاتبة أؤمن بأنه قد تكون الأمثال التي نرددها يومياً أكثر فحوى مما نكتبه ..
لكنني لن أقبل بطمس مهنتي واعتبارها (لا نفع منها) إذا لم تخدم المصلحة العليا كما كان يردد زوجي المحلل السياسي المشهور والمحبوب ،عندما يحلو له تعييري بمهنتي المخجلة التي لاتصل إلى الشاشات لتخاطب الشعب وتثبت خدره المطلق .
كم كنت غبية عندما أحببت هذا الرجل ؟
الحب الحقيقي عرفته مع (فؤاد ) الرجل الذي قادت به الظروف للعمل مع رجال العصابات والذي صعدت إلى سيارته بالصدفة عندما كنت فارة من زوجي ورجال الردع ،وكان هو يهرب طبيبة تدعى (سلوى ) من أيدي رجالات العصابات ،لينقلنا كلينا إلى حي المتمردين ،حيث يعيش المئات من الفارين من الموت الحتمي و قانون القتل الرحيم أو من أيدي القوادات في بيوت الدعارة أو أيدي رجالات العصابات .
كان حياً جميلاً ،تمنحك رؤيته الفرصة في التلذذ بالألوان مجدداً ،بالموسيقى والفن والرقص و شغف قبلات العاشقين وضحكات المحرومين والمعاقين،وبكل ماهو ممنوع ومنبوذ ولا نفع منه في رأي الدولة .
أنزلنا فؤاد في بيت يجمعنا مع ممرضة تدعى (عفاف )،استقبلتنا بحماس كبير وقالت بأننا سنشكل معاً ثلاثياً رائعاً .
لما ولجنا منزلها ،شاهدنا مالم نكن قد شاهدناه منذ سنوات ،بيانو في زاوية الغرفة ،لوحات بول جوجان على الجدران ،ستريو يصدح بأغنيات عن الحب والرغبة .
صنعت لنا الشاي بالتفاح وقالت بأنها جلبت الفكرة من فيلم إيطالي يدعى (ميليسا )وهو فيلم ممنوع طبعاً في بلادنا ،وهو يحكي عن حالة نفسية لفتاة تغوص في تجربة اكتشافها الأول للجنس على نحو مبتذل وتكاد تتورط في علاقات تقود بها نحو عالم العهر والدعارة .
شاهدنا الفيلم معاً ،ثم سردت كل منا حكاية تجربتها الأولى مع الجنس ،واكتفت عفاف بسرد قصة حبها الأولى التي لم تقد بها إلى أية علاقة جنسية ،لما أغرمت بصديقها في كلية التمريض واستشهد بعدها في الحرب التي شهدتها البلاد .
ووددت لو أنني أستطيع أن أحدثهم عن حبي الأول ،لكن هذا كان موجعاً بالنسبة لي ،فكيف أحكي لهم أنني تعرضت للخداع من قبل شاب وغد لم يرد من كل تلك العلاقة سوى إرضاء غروره و هزيمتي في أمر ما لأنني كنت تلك الطفلة المتفوقة عليه في كل شيء ،ثراء عائلتي وقوتها ونفوذها ،وتفوقي الدراسي عليه .
وساءت خياراتي من بعده ،ولم أحظ بالحب الذي أحلم به .
إلا أنني فيما بعد ،وبعد مكوثي بأشهر في منزل عفاف أحببت ذلك الشاب الذي كان يطل علينا كل فترة ويقضي لنا حوائجنا ..
لقد غرقت في حب ذلك الرجل ،رجل العصابات المفعم بالحنان المتوحش ،والذي جر غصباً للعمل مع رجالات العصابات بعد خروجه من السجن بتهمة سياسية ،وبعد أن قرروا وضعه في قائمة (اللاجدوى منه )...
كان شاباً رائعاً من الداخل ،وكان رافضاً بحدة لما آلت له الدولة من أحوال جنونية من هستيريا المال و القوة .
كنا دوماً نستقبله لما يجلب لنا الكتب برحابة صدر وشغف لما يحمله لنا من أشياء منعت عنا سنيناً طوال ،واستبدلت فقط بالكتب الدينية التي كانت أيضاً تستعمل على نحو خاطئ لدعم الأقوياء .
كان يجلب معه أحياناً بضعة أقمشة لنتسلى في خياطتها أو يطلب ممن تجيد الطبخ منا أن تطبخ له المحاشي والكبب والشيشبرك ،وكنا دوماً نفشل في ذلك ونتحجج بأن الثقافة والطبخ لا يجتمعان ،ونضحك ثم نندهش بأنفسنا من تشكيلنا لحوارات مثل هذه،تكاد تكون انقرضت منذ زمن .
لقد أغرقوا البلاد في بحر من الظلام والتعنت والوحشية ،إلى الدرجة التي أصبحنا فيها نعتبر أن الحب والأحاديث العفوية والبسيطة ليس لها وجود .
وتبدلت أحلام المثقفين من تغيير المجتمع وهدم الطبقات إلى إنقاذ ما تبقى من إنسانيتنا والتلذذ مجدداً بمشاعرالحب والصداقة وتذوق الفنون والجمال .









حي المتمردين كان وجهتي دون أي تردد بعد أن هربت من أرض العصابات التي ساقوني إليها عنوة بعد خروجي من السجن ،والذي كان عقاباً لي على ضربي لجاري لما كنت أعيش حالة اكتئاب حادة إثر انهيار مطعم المشاوي والكباب الذي كنت أملكه في الحرب .
لست بقاتل كي أزج مع رجال العصابات ..فليذهبوا ويأتوا بالقتلة والمجرمين الذين يقدسونهم وهم في مناصبهم ..
لقد كنت إنساناً بسيطاً ،ولم أتزوج لأرعى والدي ،وفتحت مطعماً بالقرب من منزلنا يقدم الوجبات الشعبية التي كنت مغرماً بها ،وخسرته في غمضة عين وعشت سنيناً على مضادات الاكتئاب ،إلى أن فجرت كل غضبي بذلك الجار ودفعت الثمن .
ولكن أن تخسر الأشياء المادية أمر هين ويمكن تجاوزه ،إلا أننا خسرنا بعد الحرب أنفسنا وأخلاقنا وكل ما يمكن أن يعيننا على قسوة هذه الحياة وخسارات الحرب و غباء الطاقم السياسي ،ثم أن تزج بعدها لاحتراف القتل رغماً عنك ،فهنا يطفح الكيل ،ويغدو التمرد ضرورة حتمية .
لذا قصدت هذا الحي الذي يثبت مجدداً قوة البسطاء وقدرتهم على العيش بكرامة دون مكائد تحاك أو طغيان يبطش أو هيستيريا تسود وتدمر كل ماهو جميل .
تعرفت في الحي على أناس خسروا أكثر مني ،فوحدتنا خساراتنا وأصبحنا ذاتاً واحدة ،تملك المشاعر ومستوى الفهم وحتى أسلوب التعبير ذاته عن تلك المشاعر التي تخصنا وحدنا ،تخص هذا الشعب الذي لا يفهم معاناته سواه .
الحرية هي ما سعى هذا الشعب له ،لكن ماذا نفعنا اللهاث خلف الحرية ؟
أصبحنا اليوم لا نريد أن نتحرر بقدر ما نريد أن نعود بشراً ...









أسال نفسي وأكرر السؤال ، من أجل ماذا حاربت سنيناً طوال ؟وما الذي بنيناه وإلى أين وصلنا ؟
قطعوا الأشجار وصحروا البلاد وزرعوا وحوشاً فغدت بلادنا غابة ينهش فيها الأقوى والأكثر دهاءً الأضعف والأقل حيلة .
احترفت القتل بالصدفة لأحارب من أجل البقاء ،وبعد الحرب قرروا أن مايناسبني أن أبقى طوال حياتي (رجل ردع ) أسوق الفاشلين إلى رجال العصابات أو بيوت الدعارة وأحمي أصحاب الخصى الكبيرة .
فرزت ذات يوم للعمل كسائق لدى إحدى الخوانم زوجة أحد أصحاب تلك الخصى ،ورافقتها في مشاويرها إلى صالونات التجميل وغرف المساج إلى أن عرضت علي ذات يوم بأن أضاجعها ولما رفضت ،اتهمتني بمحاولة اغتصابها ..
جررت إثرها للعمل مع رجال العصابات ،وفررت منهم ،وقصدت حي المتمردين لأكون (رجل حماية )لا (رجل ردع ) أحمي الحي من الوشاة والمتجسسين و كل ما يعكر صفو هذا الحي الذي يمثل _ولا أبالغ في هذا _نقطة الصفاء الوحيدة وسط سيل العكارة الذي يغطي البلاد .
أصبحت أجلس من جديد أراقب تغير الفصول ،وأستلذ بجمال ما بناه الخالق ،وكل ما جعلونا ننساه أو نعتبره من توافه وسوافه الأمور .
كنت سعيداً بدوري الجديد في حماية الضعفاء والمنبوذين والمقهورين ،هذا هو دوري الحقيقي ،حماية المستقبل والتقدم والإبداع ،لا الوقوف في وجه كل حلم أو فكرة لما كنت (رجل ردع ) بائس ومتوحش .










الموت أحاط بنا لسنوات ،ربما لسوء فهمنا لاختلافنا .إلا أننا اليوم أصبحنا نمتهن الموت ونصر على الاستمرار في لعبته كما لو أننا اعتدنا عليه كطقس من طقوسنا المقدسة .
في الحرب ،هجموا على بيوتنا ونشلوا أرزاقنا واختطفوا أجمل فتياتنا ،وقتلوا من وقف في وجههم .وبعد أن انتهى زمن الإرهاب أصبحنا نرهب بعضنا البعض وكأن تلك اللعنة لن نبرأ منها طالما نعيش وفق قانون الغابة .
كنت أقرأ الفنجان للناس ،لكن تلك اللعنة لم تظهر لي مطلقاً ،مما دفعني للشك بنفسي وخصوصاً لما فوجئت بمصيري ،بعد أن جروني إلى رجال العصابات لتنفيذ حكم إتلافي وهم يصرخون :( الموت للمجدفين ،العالة على الدولة القوية )،ونسوا أنني أم جيدة و نسوا كم عملت للدولة قبل التقاعد .
لقد أصبحت اليوم فارغة لا نفع منها إلا بقتلها و بيع أعضائها ،مثل غنمة ولكن الفارق هنا هو أن الأعضاء لا تؤكل للأسف !
كنت قوية طوال حياتي وكانوا يلقبونني ب(أخت الرجال )،ويستدعونني لتحميم الموتى ،أو لأزغرد في جنازة أو عرس .
وقفت إلى جانب الأمهات المكلومات اللواتي دفن أغلى ما لديهن ،وإلى جانب المتهجرات من بيوتهن في ليلة لم يطلع فيها القمر .
وقادت بي الظروف ذات مرة لأن أعمل كمسلية لزوجات أحد المسؤولين أثناء الحرب بينما كان زوجها منشغلاً بالتهام خيرات الحرب !ولما حل السلم وشبعت بطونهم طالبت بنفسها بإتلافي بعد أن تبدلت اهتماماتها وسمح لها المال الجديد بأن تستكشف مجالات أشد جاذبية.
وهكذا رحلت إلى رجال العصابات بعد أن منحوهم الصلاحية بأن يفعلوا بي ما يشاؤون ،إلا أنني استيقظت ووجدت نفسي مرمية في الغابة .
نعم ،لقد راهنت على شيء من إنسانية أولئك الرجال ،وربحت الرهان .
جاء إلي بعدها شاب يدعى (فؤاد ) ونقلني في سيارته إلى حي رائع ذي أبنية حديثة البناء محاطة بشتى أصناف الورود ،وقد رسمت على جدرانها رسوم منوعة تعبر عن حب الحياة والشغف بها .
وهناك في الحي أصبحت أم الجميع ،أتنقل من بيت هذا إلى بيت ذاك أقرأ لهم الفنجان وأنشر البسمة .
بعد مكوثنا في الحي أصبحنا نخاف أكثر ،لأنه صار لدينا ما نخاف من خسرانه ،وعرفنا قيمة الحياة وأحببناها مجدداً .
تعرفت على شاب يدعى (وسام )كان قد فقد قدمه في الحرب ،ثم حكم عليه بالقتل الرحيم وهو أكثر ما صرت أخاف من خسارته ،لأنه غدا بمثابة ولدي الذي لم أنجبه .وكنت أزوره كل صباح حاملة له فطائر الجبن الساخنة ،ونجلس معاً ليحدثني عن زوجته التي تخلت عنه وذهبت إلى أحضان رجل من المرتزقة التي يستعملونها (رجال الردع )للقيام بأعمال قذرة في الخفاء .
جنت بعدها زوجته بعد أن أسرف رجل الردع في ضربها على رأسها ،وأتلفت وفق قرار القتل الرحيم ،لذا كان دائم التعاطف مع ذوي الأمراض العقلية القاطنين في الحي ،والذي جلبهم (فؤاد ) لحمايتهم من الموت الحتمي وإنقاذ حياتهم .
كان من بين أولئك الذين جلبهم فؤاد ،رجل الردع الذي هربت معه زوجة وسام ،كان قد جن بعد أن انتهت مهمته كمرتزقة في الحرب وواجه صعوبات كثيرة في الاندماج مجدداً بالمجتمع ،وقتل شقيقته إثر مشاجرة بسيطة .
لقد جمع هذا الحي الكثير من التناقضات ،وكان علينا أن نتحلى بالتسامح كي نستمر أمام آلة القتل والهستيريا في هذه البلاد البائسة .

















لقد عاد
قالت والدته لما فتحت له الباب وبعد أن شعرت بالخداع من قبل الزمن فارتسم هذا الشعور على شكل صدمة شلت حركة أعضائها وغيبت انطباعاتها ،ثم استسلم المشهد لأمومتها المكبوتة طوال سنوات غيابه.
عاد (دلول ) إلى حضنها بعد عشرة أعوام كانت قد فقدت الأمل بعدها من رؤيته ثانية ،كان قد كبر كما لو أن ما حصل طوال تلك السنوات مر في جسده وشكل الإطلالة الجديدة له ليواجه بها والدته .
(دلول ) الذي غاب عنها في ليلة تمرد فيها الموت على الحياة ،وابتلع أعمار البشر على نحو مفزع ولئيم ،بعد أن قرر أن يسكن عقل أحد الشبان الصغار في عمر الخامسة عشرة ويحرضه على إفناء كل ما حوله ،كطريقة أخيرة لإسماع الكون بأنين متراكم ،أو كهروب من حياة لم تعد مفهومة ،وأصبحت ثقلاً لا يحتمل .
فجر ذلك الشاب نفسه في الباص الذي كان ينقل النازحين الفارين _ومن بينهم دلول أو هكذا ظنت والدته _من فوضى الموت والنار إلى مكان آمن خلف الحدود ،بعد أن انبثقت في البلاد أحقاد دفينة وجوع إلى الحياة والموت معاً ،إلى التحرر أو الكبت أو ربما رغبة في التشظي وإعادة التكون من جديد .
ولم يكن ليدرك بأن الفناء لا عودة منه وأنه ليس حلاً يقود به إلى حياة أفضل سواء كان ثمة حياة أخرى مابعد الموت أولم يكن .
ظنت الوالدة أن ابنها (دلول ) قد صار في ذلك الانفجار أشلاء تسافر لتشكل لوحة من الأرض والحزن والأحلام المحروقة ،وأنها تركت خلفها لما عبرت الحدود جزءاً من كيانها ،يتربع عرش النهايات المتفجرة ،والتحولات المصيرية القاهرة .
إلا أن دلول كان قد واجه مصيراً آخراً ،درباً معوجاً محفوفاً بالمخاطر والغرائب،بالآهات والحنين والخيانة ،والألم والحيرة التي تقود إلى الجنون ربما .
لما ولج دلول المنزل وكانت العتمة القادمة من الداخل تثير فيه رغبة في أن يسحب والدته من يدها ويركضان معاً نحو منزلهم الأول ،فقد تعايش مع الظلام سنيناً طوال وميز أنواعه ، حتى صارت الألوان التي تدركها شبكية عينه ،تدرجات حقيقية للون الأسود أو ربما مخترعة ،فاللون الأسود الذي يظهر له وهو معصوب العينين ،لا يشبه ذاك الذي يظهر لما ينام بعمق فاراً من نفسه ومن عجزه على الاستمرار في لعبة وضع فيها رغماً عنه ،وما أكثر اللعب التي زج فيها ،وما أكثر الأدوار التي لعبها كممثل في الحياة وأرهقته ودمرت كل مافيه مرات ومرات .
عاد إلى والدته بعد كل هذا فارغاً من كل دور ،منهكاً وكسيراً ،فوجدها لاتنتظر شيئاً ،وهي تعيش ربما على اللاشيء ،في بيت حقير تافه حيث لا كهرباء ولا ماء ولا دفء ،كما لو أنها بداية جديدة أو ولادة جديدة له بين ذراعي أم خرجت من حرب حية وحيدة متروكة لصدفة أو لمفاجأة مثل هذه كانت ربما لن تأتي أبداً .
اصطحب دلول والدته إلى حي المتمردين وفي الطريق إلى هناك حكى لها ما أدهشها عما جرى له طوال تلك الأعوام ،من اختطافه من قبل بعض الإرهابيين في الحرب وإرغامه على تعلم صنع العبوات الناسفة ،ثم مبادلته بأحد أسراهم وانتقاله للعيش وحيداً في غرفة ضيقة والعمل في البناء من أجل إكمال دراسته ومحاولاته الفاشلة في تقصي مصير والدته ،ثم منعه من السفر لكونه قريباً لشخص تورط في أعمال القتل في الحرب ،مروراً باعتقاله وجره من قلب الجامعة التي يدرس فيها وتعذيبه وإهانته في غرفة مظلمة معصوب العينين ،ثم فراره عبر الحدود بطريقة غير شرعية إلى البلاد المجاورة حيث أذل وضرب أكثر ،وعمل في بيع أوراق اليانصيب ،وصولاً لاختطافه من قبل رجال العصابات الذين انتشروا بعد الحرب وزربه بين الجثث لشهور لرفضه تعلم فنون القتل والتعذيب ومحالفة الحظ له بأنه وفي ليلة طيبة تشاجر فيها الرجالات مع بعضهم البعض وقتلوا بعضهم ،استطاع الفرار والعودة إلى والدته و إنقاذها قبل أن تقر الدولة بعدم جدواها وتحكم بإتلافها .
لكن وفي لحظة دخولهما الحي ،توفيت والدته على حين غفلة ،كمثل كل الأحداث التي مرت في حياته ،والتي كانت تحدث رغماً عنه و تنهشه في كل مرة بلؤمها الفجائي وتتركه أضعف مما قبل وأقل ثقة بالمشاعر ،إلى أن يسحبه حدث جديد و يذهب معه بكل سرور ،كمن وجد هويته في الحرب ،أو الآلام ..
غنى لها أثناء دفنها :
أنت يا وعدي بالطمأنينة ..
الذي لم تمنحني إياه الحياة ..
بعد ضياع وضياع وضياع ..
كم الحرب تغلغلت في داخلي ياأماه ..
حتى أصبحت عاجزاً عن ذرف الدموع عليك ..
والسلم ..ماذا فعل بي السلم ؟
لا سلم والخوف لازال مائي ..






ما الذي أذكره من زمان ماقبل الحرب ؟ قبل أن تحولني إلى غريبة عن كل شيء .
هل أبدأ من تلك المراهقة التي رمت بأشعارها الرديئة المكتوبة لمدرس التربية الوطنية الوسيم والأشقر في القمامة وذلك بعد أن خسرته هي وجميع صديقاتها ولم يختر أية واحدة منهن ليتزوج بها وتزوج من أخرى لايعلمن عنها شيئاً ،ثم وبكل ما أوتي لشخص مخذول من طاقة ليتمرد بها ،انضمت إلى المظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد ولما حمل البعض السلاح ضد الدولة بقيت معهم بداية إلى أن طلب أحد أصدقائها منها أن ترتدي النقاب ،وكان ذلك الصديق قد قبلها في الماضي وعوضها عن كل خساراتها العاطفية بفقدان المدرس ،فرضخت لرغبته أولاً ثم لما بدأ يأمرها بأن تصمت نهائياً وألا تسمع الآخرين صوتها أو تدلي برأيها أمام من هم أعلى منها ،فرت ولحقت بسيارة أهلها لتنزح معهم إلى مدينة أخرى .
اضطررت حينها للعمل في مركز تجاري في توضيب الأغراض ،إلى جانب دراستي في الكلية التي قاومت كثيراً للبقاء فيها بعد أن أدليت برأي سياسي على الفيس وقام أحد الطلاب ابن مسؤول مهم في الدولة بتهديدي بشكل صريح وأخبرني أنه سيغتصبني لو رآني في الكلية ورغم ذلك استمريت فيها غير مكترثة .
عندما تخرجت وجدت صعوبة كبيرة في العثور على عمل في مدينة لا تعرف من السياسة سوى اسم رئيس الدولة وذلك بسبب موقفي السياسي ،لذا غادرت وعائلتي البلاد ورحنا نراقب من بعيد ما آلت إليه البلاد حتى جاء السلم وعدنا ثم ندمنا .
حكم علينا بالاتلاف الفوري بعد اعتبارنا خونة ،وقدمنا إلى رؤساء العصابات ،فقتلوا عائلتي واحتفظوا بي بعد أن علموا بأنني كيميائية وذلك لصنع القنابل اليدوية والعبوات الناسفة .
ذات ليلة دخل علي أحدهم وقادني إلى سيارته وهناك اغتصبني ثم قاد السيارة إلى مكان مقفر ورماني هناك لوحوش البرية ،إلا أن ملائكة حي المتمردين تلقفتني وهناك أصبح للحياة معنى من جديد .








انتظرته طويلاً ..وعدني بالقدوم ليرافقني في أول يوم لي في الجامعة ،كان ذلك قبل أن تبدأ الحرب لكنه لم يف بوعده ..
بعد سنوات علمت أنه أصبح إماماً ،وقيل بأنه اختار هذا هرباً من تأدية الخدمة العسكرية ،لكن هذا لا يهم ولن يغير من شعوري تجاهه .
تركني وحيدة في الحرب ،أصارع من أجل البقاء ومن أجل أن يغفر لي المجتمع ويتوقف عن الهمس لما تمر من أمامه طالبة جامعية وعلى حضنها طفل أنجبته بالحرام ،تحمله إلى غرفة بائسة في شارع تقتات النسوة فيه بفضل أعضائهن الأنثوية .
ثم وفي يوم مشؤوم يختطف هذا الطفل من بين أيديها ،ربما على أيدي تجار الأعضاء الذين انتشروا في زمان الحرب ،لتجابه بمفردها مسيرة طويلة من الألم والبؤس والتشتت وسط عاصفة الخوف والتشظي التي عصفت في البلاد وتتنقل فارة من تهديد بالقتل هنا وتفجير هناك .
دقت كل أنواع العذاب التي يمكن لأي امرأة وحيدة في الحرب أن تذقها ،وفكرت مراراً بالانتحار أو الفرار في صندوق سيارة إلى بلد آخر لأعمل مومساً برخصة أو حتى فكرت مرة بأن ألتحق برجال العصابات لأمارس القتل وأفرغ كل أحقادي على من تخلى عني أو على الحرب برمتها و على من كان مسؤولاً عن كل الشقاء الذي نعيش فيه .
و إن كنا قد عجزنا أمام الأسئلة الكبرى التي طرحتها الحرب ،إلا أنه يتوجب علينا أن نلاحظ تغيرنا الكبير الذي تمخض عنها ،وأن نسأل كيف يمكن للحرب أن تجعل من قصة فتاة مثلي قصة ذات قيمة ،فيها الكثير من العبر و الاكتشافات .
أنا المنذورة لقسوة الأيام ،الحاقدة على المغالطات والنزاعات ،الجائلة بين فتات المشاعر أتبع المسارات المتاحة القليلة آملة بأن تقودني إلى يوم واحد فقط من شأنه أن يغير أيامي .
وجاء ذلك اليوم على غفلة ،لما قصدت ذات يوم السوق لأبتاع ثياباً سوداء من أجل الحداد لحضور عزاء شقيق صديقتي الذي عثر عليه في إحدى المقابر الجماعية التي نفذتها جماعة إسلامية تدعو نفسها بأنصار النبي ! تخيلوا أليس هذا مثيراً للدهشة بأن تقتل جماعة تدعي نصرة نبي وترسخ الموت في حين أن الأنبياء كما نعلم جاؤوا من أجل الحياة ومن أجل جعل هذه الحياة جيدة وقابلة للعيش .
عندما دلفت ذلك السوق الذي يرتاده من يفتش عن الرخص وكساء البدن بأي خرق كانت شعرت بالدوار جراء جوعي الشديد وقلة حيلي ،ودنوت من أحد الباعة الذي كان يدخن النارجيلة أمام دكانه ،فسارع وأجلسني بقربه ثم أحضر لي كأساً من الماء ووجدت نفسي أسرد له حكايتي دون مقدمات ودون أن أنظر في عينيه لشدة حاجتي إلى أذن بشرية تنصت لي باهتمام .
سرعان ما تطورت علاقتي به لاحقاً ،فأخبرني قصته وكيف فر من ساحات المعارك في الحرب واختبأ في ذلك الدكان .
وذات يوم تزوجنا ووعدني بالعثور على ولدي الضائع ،ووجدناه معاً في دولة أخرى بعد أن تم بيعه من قبل إحدى عصابات الحرب إلى أناس ميسورين .
بعد انتهاء الحرب أصر زوجي على أن نحمل طفلنا ونهرب إلى حي المتمردين وبعد وصولنا علمنا أن اسم زوجي قد جاء ضمن قائمة المحكوم عليهم بالإتلاف الفوري بعد عده من الخونة وهناك اختبرت للمرة الأولى معاني كثيرة لم أكن لأختبرها كمعنى العائلة والحب الزوجي والصداقة .
في ذلك الحي الذي صمد أمام قوة القصف الهائلة نجحت في تركيب بازل كلمة (الحياة ).


















الأشياء هي أكثر ما تعلقت به بعد عودتي من الحرب ،أغرمت بالسرير ورائحة النفتالين والكولونيا التي ترشها والدتي على الأغطية ،أما البشر فكان عصياً علي بأن أعاود فهمهم من جديد ،لذا ابتعدت ..ابتعدت عن الجميع ،أبي وأمي وأخوتي وأصدقائي حتى نفسي سلمتها ليد فتاة قبلت بالزواج بي .تركتها لها كالعجينة لتشكلها من جديد ،لتبث فيها من رقتها علها تلمس في قلبي خيط الشعور من جديد .
إلا أن رغبتي الملحة في إعادة التكون من جديد ،و ملئ الفراغات التي تزخر بها حياتي بدءاً من الطفولة ،إلى ما غدوت عليه الآن بعد العودة من الحرب وكل ما اقترفته من جرائم فيها رغماً عن أنفي ،قد جعلت تلك الرغبة من علاقتي بزوجتي علاقة طفل بأمه ،والتي تحاول أن تزيل الغشاوة عن عينيه ليرى فقط الطريق الوحيدة التي تقوده إلى الإنسان الصالح والجيد في نظر الجميع .
لكنني كلما كنت أقترب من ذلك الإنسان كلما كنت أرفضه ،وتعود تلك الندوب والجروح التي سعت زوجتي لترميمها بشتى الطرق إلى البروز ،مذكرة إياي بأنه لا يمكنني التغاضي عما حصل بكل هذه البساطة ،واعتبار وكأن شيئاً لم يكن وتجاهل حقوق الموتى ونسيان الظلم الذي سببناه في حق الكثير من متضرري الحرب .
لذا هجرت زوجتي ومضيت للعمل مع أحد أثرياء الحرب كنت على معرفة به ،وعندما شتمني ذات يوم لم أتقبل أن تأتيني إهانة من شخص كنت السبب في صعوده وبناء مجده ،فأوسعته ضرباً حتى أغمي عليه ثم جررت إلى رجال العصابات لأستلم عملي الجديد كقاتل .
كان هذا أمراً مستحيلاً بالنسبة لي أن أقتل مجدداً ،بعد كل الدماء التي أرقتها في زمان الحرب ،لذا فررت منهم .
بحثت عن زوجتي فعلمت أنها أصيبت بحالة عصبية إثر غيابي وحكم عليها بالإتلاف الفوري بعد استئصال رحمها لبيعه .
غضبت بشدة ورحت أصب لعناتي على هذه البلاد ،واكتنفني شعور بالكراهية والسخط كان قادراً لقوته على أن يفتت أعتى الصخور .
لذت بحي المتمردين كي أنسى ،ولأندم كما يحلو لي ،ولأعيش مع ذكرياتي عن تلك الزوجة التي لم تنل ماتستحقه مني .
فور وصولي الحي تزوجت مجدداً ،ربما ببساطة لأنني لم أحتمل الوحدة .
كانت قاتلة مثلي ،اعترفت لي بذلك ولم يهمني الأمر ،طالما أننا سنكون معاً منذ الآن نحاول محو ذنوب بعضنا البعض .


قرأت كثيراً لطاغور وحسدته لقدرته على تحويل حزنه على فقدان زوجته إلى شعر رائع ،أما أنا فلم تنفع معي كل السبل ولم تفلح في جعلي أنسى من فقدتهم وما فقدته .
وكلما كنت أحاول التحلي بصبر طاغور ،وأرقص حتى الثمالة بكل رغبة مني كي أنسى ،طفت الذكريات على سطوح دموعي .
أرغب في التقمص
أن أغدو بحاراً بريئة من الفراغ
أن أكون الغيم الكبير الغائر
في برك الحقيقة
المأخوذ بسحر الثريا ....
أحاول كتابة الشعر ،فتجدني أخفق ،وأفشل فشلاً ذريعاً لما يتربص بي شعور الحقد .
حاقدة أنا على أشياء وأشياء نصفها مجهول ،ونصفها الآخر أدركه جيداً وأتجاهله متعمدة ،تحسباً من أن يقتلني بوحه لنفسي .
لذا لن أبوح بشيء ،فوقت الحرب والأوقات الأخرى سيان عند راقصة في ملهىً ليلي .
الذل والخوف والمفاجآت التي تحمل معها وشوماً للقلب تدوم عمراً ،أو قلقاً وتوتراً وصراعاً مع الذات ينهشها ويصيبها بالإحباطات المستمرة والاستصغار وعدم الثقة بأنفسنا ،هي هي في كل زمان ومع أي نوع من الوحوش .
قبل الحرب كان أسياد جسدي معروفين ،قلة تعلمت كيف أحمي نفسي منهم جيداً ،إلا أنه بعد الحرب ظهر لنا أسياد وأسياد ،يحبون ويشغفون ويقتلون بطرق شتى لا تعد ولا تحصى .
و ماذا عن زمن السلام ؟ لقد عوملت فيه كسلعة كما لم أعامل من قبل طوال حياتي ،فأنا راقصة دورها على الأكثر إسعاد الكبار أو الإتلاف الفوري دون ذلك .
أو ربما منحها حي المتمردين خياراً جديداً وفرصة أخرى للعيش أو التوبة !






لم أعد أفهم شيئاً ،لم يعد أحد يثق بي ،حتى وأنا أقدم لهم المساعدة يظنونني أطمع بشيء مقابلها ،أو أنني أخبئ لهم من وراءها مصيبة ما .
هذا ما قاله والدي قبل يوم من وفاته ،ولأنه كان مريض ألزهايمر فقد أنقذه هذا من معايشة الحرب بكامل قواه العقلية ،إلا أنه في فترات يقظته كان دائم الدهشة منا ومما غدونا عليه ،من خوفنا الدائم وكلماتنا القليلة المدروسة ،ورغبتنا الدائمة في أن نغلب أحدهم ،أو سعينا الدؤوب لأن نتفوق وندعس على خصومنا وأن تغدو سمعتنا الأخلاقية _حتى ولو كانت مجرد كذبة _ أكثر زكاء من سمعاتهم .
نعم فالبقاء في هذه البلاد لمن يبني صرحاً أكبر يمارس فيه مايشاء من أعمال عظيمة شرط أن يكون بارعاً في تغليفها !
نحن كاذبون ،لكننا أقوياء وعباقرة ...ونبتسم من صميم قلوبنا لأننا نجيد اصطناع الضحكات الحقيقية !
لقد نسينا بسرعة ما اقترفناه من فظائع ،ثم غدت تلك القسوة قوتنا وقانوننا اليومي .
حملناها معنا إلى الشوارع والأقبية والسجون ‘إلى المدارس والجامعات ،قسوة مشوبة ببلاهة سفاح تجرف معها في سحابتها السوداء عواطفنا أو كل ما يشكلنا ويميزنا كبشر.
كان من المقرر إتلاف جثة والدي فور استئصال مايمكن الاستفادة منه من أعضائه ،ورغم أننا كنا مدركين أن هذا يحدث للجميع إلا أننا رفضنا أن يجرى ذلك على والدنا ،وقصدنا حي المتمردين حيث يمكن دفن والدنا بمايليق به ،حيث شهدنا مقبرة تملؤها السكينة والاطمئنان !










تحتاج وقتاً قصيراً للغاية لتبني عرشاً تخيف به شعباً ،إلا أنك تحتاج سنيناً طويلة كي تفتت هذا الخوف وتزيله من أبسط التفاصيل الحياتية لهذا الشعب ،وهذا ربما ما أدركناه متأخراً ،فريثما كنا نتعافى من خوفنا القديم كانوا يرسخون خوفاً أشرس و أكثر عناداً وديمومة .
هذا الخوف الصارم ،الأبدي جعل منا أشباحاً تمشي ونهش إنسانيتنا ،وحول أيامنا إلى ورق رزنامة يطير منا حاملاً معه حكاياتنا المنقوصة ،ومشاعرنا المسروقة ،وغدونا نعيش التفاصيل البسيطة والعادية وكأنها فردوسنا الصغير المنمنم ،الذي لا نستحق سواه .
لقد خدعونا و استغلوا اقتتالنا والتفاتنا إلى توافه الأمور ،وسرقوا الأخضر واليابس وبنوا تلك الدولة القوية التي تصلح للتباهي بها أمام العالم على جثث القتلى وصرخات الضعفاء .
الكل شارك في هذه الجريمة ،رجال الدين والعلماء والسياسيون والعاهرات ! العلمانيون والملحدون والمؤمنون ، الرجال والنساء ،بعد أن أغوتهم قوة الفولاذ ليسعوا إلى بلوغها .
لكنهم لم يبلغوا شيئاً ، وازداد عدد الرافضين لكل هذا وكبر حي المتمردين وظل يكبر إلى الدرجة التي أنارت فيها أضواؤه البلاد بأكملها وتسللت إلى قلوب الجميع .



#الحسين_سليم_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعترافات البومة القاتلة
- أحفاد زورو
- الأنثى التي تكتنفني
- قصائد مختارة
- ما يهم أنك حي
- لو عاد بي الزمن
- حرب رشيدة
- شقاء اسماعيل
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد (منقحة)
- ماسة (منقحة)
- اعتذارات الديكتاتور
- ستظل النجوم تهمس في قلبي إلى الأبد
- ماسة


المزيد.....




- أسرار الحرف العربي.. عبيدة البنكي خطاط مصحف قطر
- هل ترغب بتبادل أطراف الحديث مع فنان مبدع.. وراحِل.. كيف ذلك؟ ...
- “أخيرًا نزله لأطفالك” .. تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 لمشا ...
- باسم خندقجي أسير فلسطيني كسر القضبان بالأدب وفاز بجائزة البو ...
- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- وفاة الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- بتهمة -الغناء-.. الحوثيون يعتقلون 3 فنانين شعبيين


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسين سليم حسن - سوق السلام